*د. أسعد غانم، مدير"ابن خلدون": المؤتمر مناسبة سنوية لمناقشة أوضاعنا في كافة جوانبها.. بما في ذلك"المناطق الحرام"* لماذا اعتبر النائب بركة ان مجتمعنا ب" نص عقل"؟، هل لدينا احزاب سياسية؟، الحمولة السياسية الى أين؟، كيف تفلت الجمعيات الاهلية من وصمة "الدكاكين"؟، لماذا حضر السفراء وغاب الاعلاميون وبقي رئيس مجلس واحد الى نهاية المؤتمر وقاطعه بعض النواب؟
تقرير: وديع عواودة
تحت عنوان "الاقلية العربية الفلسطينية في اسرائيل" عقد المؤتمر السنوي الاول في الناصرة نهاية الاسبوع الماضي، بمبادرة اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية وجمعية ابن خلدون للدراسات والتطوير. المؤتمر، الذي تضمن عددا مكثفا من الموضوعات، قيّم الاوضاع الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية واستراتيجيات العمل المستقبلية، وشارك بمناقشتها العشرات من الاكاديميين وناشطي المجتمع المدني ورؤساء احزاب وسلطات محلية ونواب وسفراء وقناصل. واختتم المؤتمر بجلسة بحث عنوانها "استراتيجيات ممكنة للخروج من الوضع الحالي، وجهات نظر الكتل البرلمانية" شارك فيها النواب محمد بركة وجمال زحالقة وعبد المالك دهامشة والدكتور اسعد غانم، مدير "ابن خلدون" وأدارها د. راسم خمايسي.
وأكد غانم، في حديث ل"المشهد الاسرائيلي"، أن هذا المؤتمر غير المسبوق هو مناسبة سنوية لمناقشة أوضاع الجماهير العربية في الداخل من جوانبها كافة، بما في ذلك ما اعتبر ويعتبر "مناطق حرام"، على حد قوله.
في محاضرته لفت النائب محمد بركة الى بعض الظواهر المقلقة في المجتمع العربي المحلي ومنها "اختراق المجتمع" وطغيان المادية والاستهلاكية فيه وتغييب دور السيدات، فقال " طالما نغيّب السيدات فسنبقى ب (نص عقل)". ودعا الى التنبه لضرورة عدم النظر الى الوعاء العربي فقط بل الى الجهات السلطوية التي تحاول ثقبه معتبرا ان هذه هو التحدي الحقيقي امام المواطنين العرب شريطة الا تتحول المواجهة مع السلطة الى شماعة لتعليق "مطالبنا واحتجاجاتنا عليها". ونفى بركة الزعم الذي ردده البعض بأن النواب العرب منشغلون فيما هو سياسي عام وقومي على حساب اليومي واتهم وسائل الاعلام العبرية بعكس صورة مشوهة عن اداء النواب العرب مشددا على اهمية الموازنة بين المواطنة والانتماء الوطني القومي معتبرا ان تقوقع المواطنين العرب "يشكل كارثة". واكد بركة على دور "المتابعة" رغم ما يقال عنها في التوفيق بين الجانب المطلبي والقومي، وتطرق الى الاقتراح الحكومي بانشاء "سلطة الاقليات" لمعاجة قضايا وحقوق المواطنين العرب منوها الى انه لا يرفض الفكرة شرط ان لا تكون نتاج سياسة حكومية وان تبنى شخصيتها من خلال الحوار بين السلطات وبين "المتابعة" وان لا ترتبط بما يسمى "الخدمة الوطنية" البديلة للخدمة العسكرية، موضحا "اهمية وجود عنوان للتفضيل الايجابي".
"المدينة الفلسطينية"- هل تعود؟
النائب د. جمال زحالقة انتقد ما أسماه "دأب النقاش داخل المجتمع العربي للعودة الى نقطة الصفر دائما دون الافادة مما قد تراكم من إرث فكري". واستعرض زحالقة أهمية فكرة اقامة مدينة عربية عصرية تتحدى السياسة العنصرية الرسمية داعيا الى تكريس الناصرة عاصمة للجماهير العربية لا بالمعنى الرمزي فحسب كي تكون مركز اشعاع ثقافي وحضاري ورافعة مشاركة في بلورة الهوية القومية. واستعرض زحالقة اسقاطات خطة "فك الارتباط" وبناء الجدار على المواطنين العرب ومجمل علاقاتهم مع الاهل في الاراضي المحتلة، كما تطرق الى الحاجة للافادة من العولمة داعيا الى تطوير العلاقات مع المنظمات المختلفة في العالم لرعاية مشاريع في مجالات التنمية و"استغلال المنابر العالمية لفضح سياسات التمييز وطرح" قضيتنا القومية على الاجندة الدولية، أسوة بالاكراد في تركيا مثلا. كذلك اشار زحالقة الى اهمية استمرار الاهتمام بالتواصل مع العالم العربي وبناء الذات القومية ضمن مجتمع عصري متطور وديموقراطي تحقق المرأة فيه كافة حقوقها. وحذر من ترك الامور للتراكم التلقائي معتبرا ان الانتخابات العامة للجنة المتابعة اهم الادوات لتحقيق الاهداف المذكورة سيما وانها ستنمي عندئذ الرابط القومي بين المواطنين العرب على كافة مشاربهم السياسية بمن في ذلك الوطنيون من غير القوميين.
النائب عبد المالك دهامشة دعا في محاضرته الاحزاب والحركات العربية الى رفع سقف التنسيق فيما بينها، وأشار الى ان النواب العرب يرجحون اليومي على السياسي العام في عملهم البرلماني خلافا ل"البدعة" الزاعمة عكس ذلك والتي تأتي احيانا على لسان غدعون عزرا وامثاله لغاية التحريض والدس. ونوه دهامشة الى ان نسبة الراضين من المواطنين العرب عن أداء النواب العرب اكثر من تلك الموازية في الشارع اليهودي فيما يتعلق بالنواب اليهود، مشددا على ضيق هامش عمل اعضاء الكنيست العرب. واعتبر دهامشة ان المجتمع العربي المحلي "بخير" في ضوء مسيرة التطور المتراكمة في كافة الميادين.
ثلاثة غيابات حاضرة
رغم ان "القطرية" كانت هي الجهة الداعية للمؤتمر تغيب معظم الرؤساء العرب عن جلسات العمل ولم يواكب اعماله حتى نهايته سوى رئيس البعينة- نجيدات، صالح سليمان. كما شارك محمد بركة وجمال زحالقة وعبد الملك دهامشة فقط عن النواب العرب. وعن هذا التغيب قال مدير لجنة "القطرية"، عبد عنبتاوي، في حديثه الينا "يبدو ان من لم يدع من النواب لالقاء خطاب فضل أنانيته على الصالح العام وقاطعنا، اما الرؤساء فيبدو انهم منشغلون في قضايا أخرى..". وردا على سؤال حول عدم اجراء مثل هذا المؤتمر الجامع تحت رعاية المتابعة بدلا من القطرية اوضح عنبتاوي ان السبب تكتيكي وتوخى تفادي النقاشات والخلافات بين التيارات السياسية المختلفة التي كانت ستشترط مشاركتها بتخصيص محاضرات لمندوبين عنها في أعمال المؤتمر.
في المقابل برز ايضا غياب الاعلام المحلي، فالى جانب زيادة عدد السفراء عن الرؤساء شارك مندوبون عن "هآرتس" و"معاريف" وموقع "واينت" وإذاعة الجيش (جالي تساهل) والقناة التلفزيونية الاولى. وعن الاعلام العربي شارك مندوبون عن "حديث الناس" و"قناة تيفيل" و"راديو الشمس" وكاتب هذه السطور فقط.
وهذه هي حالة المرأة العربية في اليوم الثاني من المؤتمر، حيث زاد عدد المهتمات الاجنبيات والاسرائيليات عن نظيراتهن العربيات. وكانت الناشطة النسائية عايدة توما قد حاولت استصراخ الرجال من المسؤولين العرب حول الغياب شبه الكامل للجنس اللطيف عن المؤتمر وسائر الفعاليات .
وتخللت المؤتمر ثماني جلسات بحث تمحورت اولاها في قراءة الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية، شارك فيها كل من د. فيصل عزايزة الذي دعا الى تطوير نماذج تدخل ذاتية وعدم تبني الادوات الغربية دائما انما ملاءمتها لطبيعة المجتمع العربي وقيمه الخاصة. من جانبها ابرزت الناشطة النسوية عايدة توما ضرورة مبادرة المتابعة والقطرية والاحزاب والجمعيات الى خطوات تساعد السيدة العربية في النهوض واستكمال نيل الحقوق. وقدم د. اسماعيل ابو سعد محاضرة عن اوضاع البدو في النقب. ثم قام بتلخيص الجلسة د. عزيز حيدر الذي شدد على ضرورة قيام القادة بتغيير سلم اولويات العمل بحيث لا تهمل القضايا الاجتماعية الحارقة التي جعلت المجتمع العربي يعيش حالة من الاستنزاف برأيه مقدما ظواهر العنف والشجارات وحوادث العمل والسير والبيوت وفساد السلطات المحلية أمثلة على ذلك. واوضح حيدر ان "مجتمعنا لم يحدد بعد ماذا يريد والى اين هو ذاهب؟".
700 جمعية أهلية جديدة
وخصصت الجلسة الثانية للمجتمع المدني والحكم المحلي والاحزاب قدم خلالها جابر عساقلة مداخلة كشف فيها عن اقامة 700 جمعية عربية أهلية في غضون العشرين سنة الاخيرة منوها الى خشية السلطات الاسرائيلية من نشاط هذه الجمعيات ولقاءاتها مع الصناديق الاجنبية. ونوه عساقلة الى تطور المجتمع المدني المحلي كما وكيفا ومن ناحية الانتقال الى الساحة الدولية وحذر من اصطدام محتمل قادم بين الاحزاب والجمعيات الاهلية حول موضوع التمثيل داعيا الطرفين الى تفاديه. وانتقد عساقلة ابتعاد الجمعيات عن الجمهور الواسع وتحولها الى شبه مؤسسات اكاديمية فوقية مشددا على حيوية كسب ثقة الجمهور سيما في ظل رواج فكرة مسبقة عنها تصورها على شكل "دكاكين انتفاعية" وعلى ضرورة تبني دعوة المحامي رائف زريق ( عبر "المشهد الاسرائيلي") باقامة ميثاق لكل الجمعيات لضبط مجمل أعمالها وصياغتها كرافد ذي مناعة من روافد الحركة الوطنية.
وتحدث المستشار التنظيمي نايف ابو شرقية عن الحكم المحلي فأشار الى عودة السلطة المركزية إلى الاستئثار بالصلاحيات على حساب السلطات المحلية خاصة العربية منها منوها الى ان 90% من الرؤساء العرب انتخبوا على خلفيات حمائلية والى ان نسبة النساء العاملات في المجالس المحلية تبلغ 17% وتفوق نسبتهن في سوق العمل. اما الباحث مهند مصطفى من مركز الدراسات المعاصرة في ام الفحم فقد ادعى انه لا يوجد هناك "تراث سياسي حزبي لدى المواطنين العرب منذ النكبة" ولفت الى ان مسايرة الاحزاب للحمائلية السياسية قد اضعفت هذه الأحزاب وأدت الى "تخريبها". وعقب على النقاش د. عادل مناع، الذي تحفظ من الزعم بعدم وجود تراث حزبي في فلسطين بالامس وفي الوسط العربي اليوم.
ودارت الجلسة الرابعة حول تقييم العمل السياسي بمشاركة البروفيسور ماجد الحاج ود. امل جمال ود. حنا سويد ود. محمد امارة والمحامي علي حيدر، الذي ادار الجلسة. وتلتها جلسة بعنوان "معوقات ذاتية لتطورنا كاقلية قومية"، افتتحها وادارها د. مروان دويري الذي اكد على اهمية تجذير قيم التعددية كمطلب قومي وحاجة مهمة في النقاش مع الدولة وفي مواجهة العولمة، سيما ان الديموقراطية لا تضمن الحقوق الجماعية للمواطنين العرب في اسرائيل منوها الى ان الديموقراطية الليبرالية أضرت بهم . وتطرق دويري الى دور غياب دولة المواطنين بالنسبة للمواطنين العرب، لجهة نمو مكانة الحمولة كاطار اجتماعي سياسي لافتا الى ضرورة عدم التعامل مع الانتماء الحمائلي كسرطان ينبغي اجتثاثه والى تنامي الهوية القومية في نفس الآن لدى المواطنين العرب في السنوات الاخيرة .
وتتابعت أعمال المؤتمر بجلسات أخرى حول مبنى التعليم المقترح وأوضاع التعليم العربي والثقافة بمشاركة د. دويري وحنين زعبي، مديرة "اعلام" ود. خالد بو عصبة والكاتب سلمان ناطور ود. هالة اسبانيولي . كما جرت جلسة حول " استراتيجيات ممكنة للخروج من الوضع الحالي" بمشاركة الكاتب انطوان شلحت (الهوية والحقوق الجماعية) والصحفي عبد الحكيم مفيد(مشروع المجتمع العصامي) والمحامي أيمن عودة (أفكار جماعية استراتيجية) أدارها عبد عنبتاوي.