المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • ارشيف الاخبار
  • 864

تشهد الحلبة السياسية الإسرائيلية تطورات مهمة على الصعيد الحزبي بعد أن نجح رئيس الحكومة أريئيل شارون في إدخال جميع القوى في حالة انعدام الوزن. وهكذا وبعد وقت قصير من إعلان قيادة "شينوي" أنها لن تبقى في الحكومة إذا انضمت كتلة "يهدوت هتوراه" الحريدية عادت وقررت الموافقة على البقاء في الحكومة. والغريب أن هذا جاء بعد وقت قصير أيضا من إيحاء حزب "العمل" وحركة "شينوي" بأنهما نجحا في تشكيل ائتلاف علماني للحيلولة دون سيطرة اليمين على الحكومة. وقد دفع هذا الواقع السياسي المعقد صحيفة "هآرتس" إلى الدعوة في افتتاحيتها لتشكيل حكومة طوارئ.

 


وقد أقرت كتلة "شينوي" في الكنيست بأغلبية أحد عشر عضوا ضد ثلاثة أعضاء اقتراح زعيم الحركة، يوسف لبيد، وأبراهام بوراز بالموافقة على ضم حزب "يهدوت هتوراه" إلى الحكومة كقوة إسناد. وجاء هذا القرار بعد اجتماع خاص لمناقشة مستجدات المفاوضات الائتلافية. وكان أريئيل شارون قد اقترب من مواقف قادة حزبه وأعلن أن "يهدوت هتوراه" شريك مؤكد في الحكومة الجديدة. وفور ذلك أعلن قادة "شينوي" أن ذلك يعني خروج "شينوي" من الحكومة لأنهم لن يجلسوا مع الحركة الحريدية. غير أن زعيم "شينوي" أعلن في وقت لاحق أنه يوافق على البقاء في الحكومة إلى جانب "يهدوت هتوراه" إذا انضم حزب "العمل" أيضا.


ويبدو أن حركة "شينوي"  بحاجة إلى الغطاء الذي يمكن أن يوفره لها حزب "العمل" أمام الجمهور العلماني. إذ يمكنها أن تبرر وجودها في الحكومة إلى جانب حزب حريدي بالرغبة في تمرير خطة الفصل. غير أن الأمر من الوجهة العملية أكثر تعقيدا. فحركة "شينوي"  تخشى اليوم أكثر من أي شيء آخر إجراء انتخابات وخسارة المكانة التي تحظى بها الآن كقوة ثالثة في الحلبة السياسية الإسرائيلية. وهي لم تنجز حتى الآن أي مأثرة حقيقية للعلمانيين تبرر القول في أي انتخابات بأنها لم تكن مجرد فقاعة أو حالة احتجاجية.
وبالفعل كان لموافقة لبيد أولا على انضمام "يهدوت هتوراه" أثر الصدمة في "شينوي".
وقال عضو الكنيست من "شينوي" إيلان ليبوفيتش إنه يعارض البقاء في الحكومة مع "يهدوت هتوراه". وأضاف: "أؤيد دعم الحكومة من الخارج. لقد خضنا الانتخابات رافعين راية القضايا المدنية، وسنخرق تعهدنا للناخبين إذا طوينا هذه الراية وجلسنا مع يهدوت هتوراه".

 
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن صدى الموافقة على الجلوس مع "يهدوت هتوراه" يتردد ميدانيا، وأن نشطاء من أحد فروع "شينوي" يهددون بإعادة بطاقات العضوية في الحزب وترك صفوفه.


وأعربت كتلة "يهدوت هتوراه" عن رضاها لتراجع "شينوي". وقالت مصادر في الكتلة إن هدفها الأساسي هو "إذلال شينوي عبر الذبح الحلال"، وقد تحقق هذا الهدف. وقد أعلنت "يهدوت هتوراه" أن تراجع "شينوي" هو جزء من لعبة شيطانية. وقال الحاخام أبراهام رافيتس في الكنيست إنه ينبغي ركل هؤلاء وطردهم. وفهم البعض أن هذا يعني أن "يهدوت هتوراه" لن تجلس إلى جانب "شينوي" في حكومة واحدة.  
وأثار هذا القرار شماتة حركة "ياحد" التي تنافس "شينوي" على شريحة العلمانيين ولكن من جهة اليسار. وحمل زعيم حركة "ياحد"، يوسي بيلين، على لبيد الذي يقدم كل هذه التنازلات فقط من أجل البقاء في كراسي الحكومة . وأضاف بيلين: "لقد جعل الاسترخاء في كراسي السلطة رجال شينوي  ينسون حقيقة أنه يمكن دعم الانسحاب من غزة من مقاعد المعارضة، أيضا".


وقالت رئيسة كتلة "ياحد" في الكنيست زهافا غالؤون إن "برنامج شينوي وتومي لبيد مصنوع من العلكة، ولذلك يمكن لتومي لبيد استخدامه من أجل إلصاق شينوي  بمقاعد الحكومة".
ولا تنظر القوى اليمينية بترحاب لهذا التطور. فالرافضون لخطة الفصل يريدون أن تتعثر خطوات شارون. وهذا ما أفصح عنه زعيم "المفدال"، إيفي إيتام، الذي دعا "يهدوت هتوراه" إلى "الامتناع عن إنقاذ حكومة الفصل".


وأيا تكن الحال فإنه ليس من المستبعد أن تكون خطوة "شينوي" هذه جزءا من لعبة يشارك فيها أريئيل شارون وترمي إلى إقناع "الليكود" بأنه فعل كل ما في وسعه لضم "يهدوت هتوراه". وفي هذه الحال من المهم معرفة موقف حزب "العمل" الذي التزم الصمت.

 
وقد دعت افتتاحية "هآرتس"، التي تبدي حماسًا غير مسبوق لخطة الفصل، إلى تشكيل حكومة طوارئ. وقالت إن خطة الفصل وتعقيدات الواقع تفترض وجود مثل هذه الحكومة. وأشارت إلى أن إنقاذ الوضع يستدعي وجود أغلبية غير متوفرة إلا في "شينوي" و"العمل" إلى جانب "الليكود".
وقالت إن "ما كان صحيحا في الماضي لم يعد صحيحا الآن. فمن دون حكومة طوارئ يدعم فيها العمل وشينوي شارون، لن تكون سابقة إخلاء المستوطنات، وما لا يتم الآن سيغدو سببا للبكاء في المستقبل".

 

ومما جاء في إفتتاحية "هآرتس": شُكلت الحكومة الموسعة الأولى في تاريخ إسرائيل نهاية شهر أيار 1967، عندما فشلت الحكومة التي يقف في أساسها المعراخ ـ حزب العمل اليوم ـ في الوصول إلى حسم مسألة الخروج في ضربة استباقية ضد مصر. فانكسار التعادل في الحكومة أوجب ضم قوى من المعارضة، رافي وغاحل. وبذلك كُسر أيضاً تابو عضوية مناحيم بيغن في الحكومة ـ وهو التابو الذي حدده أولاً ديفيد بن غوريون، الذي كان في ذلك الوقت زعيم رافي. وقد قررت الحكومة المعززة الخروج في حرب رفعت الحصار عن إسرائيل وأدت أيضاً إلى احتلال المناطق الفلسطينية الذي استمر للسنة الثامنة والثلاثين.
القدر وضع اريئيل شارون على رأس حكومة اتخذت للمرة الأولى قراراً بإخلاء المستوطنات من غزة ومن شمال الضفة. وقد اصطدم شارون بمعارضة من داخل حزبه ومن بين وزراء الحكومة. ظاهرياً، يمكنه إحراز أغلبية من بين الوزراء وأعضاء الكنيست لصالح تنفيذ خطة الإخلاء، حتى من دون إدخال تعديلات جوهرية. عملياً، سيشكل ذلك انتصاراً جزئياً لشارون لأن المعارضة الصلبة للمستوطنين وحلفائهم، الذين أظهروا قوتهم في الاستفتاء العام لمنتسبي الليكود وفي "السلسلة البشرية" التي وضعوها، هذه المعارضة ستهدد المترددين في الليكود ومن شأنها دفعهم إلى الانتقال، أو العودة، إلى صفوف المعارضين، انطلاقاً من الخشية على مستقبلهم السياسي وعلى افتراض أنه خلال عملية الإخلاء سيشاهد الجمهور مشاهد صعبة. لذلك يحتاج شارون إلى توسيع قاعدته السياسية منذ الآن، حتى يصل إلى قرارات الإخلاء. وليس أقل من ذلك إلى الإخلاء نفسه ـ وإلى جانبه أغلبية واضحة من الجمهور، في الكنيست والحكومة.

مثل هذه الأغلبية يمكن أن يوفرها له الحزبان اللذان يبدوان كوسطية ـ علمانية، شينوي والعمل. لكل واحد منهما مطالبه المحقة لتحقيق المواضيع القريبة الى قلبه.
لكن لأسفهما، لم يصلا الى مكانة الكتلة الكبيرة في الكنيست حيث يشكل الحكومة من يرأسها، ولذلك عليهما القبول بالتسوية. والسؤال المطروح هو هل ثمة مواضيع غير قابلة للتسوية في أي ظروف، أم أنه من المناسب تجميد تلك المواضيع لأسباب تتعلق "بانقاذ الأرواح".
في الأيام العادية، لا يوجد أي ضرر في الإصرار على سقف المطالب، كشروط يؤدي من لا يستجيب لها الى الحيلولة دون الانضمام إلى الحكومة. فزعيم حزب العمل لفترة قصيرة جداً، عميرام متسناع، اعتقد قبل سنة ونصف السنة، في نهاية الانتخابات، أن اقتراحات شارون ـ الذي عارض آنذاك إخلاء المستوطنات ـ لا تكفي لانضمام حزب العمل مجدداً الى الحكومة التي خرج منها عشية الانتخابات. أما شينوي فقد أصرت بنجاح على اشتراط عضويتها في الحكومة برفعها "لا لدخول" الحريديم.
ما كان صحيحا في الماضي لم يعد صحيحا الآن. فمن دون حكومة طوارئ يدعم فيها العمل وشينوي شارون، لن تكون سابقة إخلاء المستوطنات، وما لا يتم الآن سيغدو سببا للبكاء في المستقبل يتحمل المسؤولية عنه من تسبب به لاعتبارات ضيقة وغريبة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات