المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قبل ثلاثة اسابيع زار اسرائيل ميغيل أنخل طوما، رئيس جهاز الاستخبارات الأرجنتيني "سيدا" (SIDE). خلال زيارته التي اسغرقت اربعة ايام، وكشف عنها يوسي ميلمن في <هآرتس> (11 اذار)، اجتمع انخل طوما مع رئيس "الموساد" مئير دغان، ومع مسؤولين كبار في وزارة الخارجية الاسرائيلية وشخصيات اخرى. وكان الهدف من الزيارة تسليم نظيره في اسرائيل نسخة من تقرير سري يلقي مسؤولية مباشرة على ايران، وقادتها وجهاز استخباراتها وعلى منظمة حزب الله، عن العملية العسكرية التي نفذت في تموز 1994 ضد بناية "اميا" - مركز الجالية اليهودية في بوينس آيرس - والتي قتل فيها 85 شخصا وجرح المئات.يشير التقرير الذي اعده جهاز الأستخبارات الأرجنتيني، والذي يشمل آلاف الصفحات، الى ان اسلوب العملية نفسه والبنية التنظيمية - قادة ايران، الأستخبارات الأيرانية ومنظمة حزب الله - يمكن ملاحظتهما ايضا في العملية التي نفذت ضد السفارة الاسرائيلية في العاصمة الأرجنتينية في آذار 1992 والتي قتل فيها 29 شخصا وأصيب العشرات.

ويذكر التقرير اسماء العشرات من المسؤولين الأيرانيين الكبار ورجال حزب الله ومساعديهم المحليين، <<ممن كانوا شركاء في المبادرة والتخطيط والتنفيذ لتلك العملية>>. ومن بين المسؤولين الذين يذكرهم التقرير: علي خامنئي، الزعيم الروحي في ايران (الذي كان مسؤولا ايضا عن الأستخبارات الأيرانية)، والسفير الأيراني في الأرجنتين وقت وقوع العملية، هادي سولمنبور، والملحق الثقافي محسن رباني الذي كان ضابط استخبارات، ويصفه التقرير بأنه كان "ضابط العمليات" في تلك العملية.

وقدمت السلطات الأرجنتينية في نهاية الأسبوع الأخير، مذكرات اعتقال دولية بحق رباني ووزيرين ايرانيين سابقين ومبعوث دبلوماسي ايراني.

ورغم ان التقرير الأرجنتيني يكرر، عملياً، الأتهامات التي صدرت عن الأستخبارات الأسرائيلية ـ والتي قالت ان الأستخبارات الأيرانية هي التي نفذت العمليتين، بمساعدة من حزب الله ـ الا ان هذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها جهة غير اسرائيلية وغير يهودية بشكل واضح: <<زعماء ايران وضباط استخباراتها خططوا ونفذوا عمليات ارهابية>>.

يستند التقرير على نتائج التحقيقات التي استمرت 8 سنوات، بالتعاون مع "الموساد" الأسرائيلي، الـ "سي. آي. أي" الأمريكي واجهزة استخبارات اخرى. وقال دغان ومسؤولون آخرون في "الموساد" وفي وزارة الخارجية ان التقرير الأرجنتيني <<مهني، حاد، واضح وجريء>>.

شخصية مركزية اخرى يعتبرها التقرير مسؤولة عن العملية: عماد مورانية، الذي يعتبر "ضابط العمليات" في حزب الله. فهو يقف على رأس وحدة العمليات الخاصة المسماة "الجهاد الأسلامي"، وتقول المصادر الاسرائيلية ان علاقات وثيقة تربطه بالمخابرات الأيرانية. مورانية كان مسؤولا عن اختطاف طائرة TWA في بيروت في العام 1985 واختطاف رهائن في الثمانينات في لبنان. ويشكل مورانية - الذي ورد اسمه في قائمة المطلوبين التي نشرها الـ "اف . بي . آي" في اعقاب عملية 11 ايلول - هدفا للمخابرات الأسرائيلية. وحسب مصادر اجنبية، فقد حاول "الموساد" اغتياله عدة مرات.

ويشمل التقرير تسجيلات من معابر الحدود تثبت ان دبلوماسيين وموظفين حكوميين ايرانيين دخلوا الى الأرجنتين وخرجوا منها بأسماء مستعارة، في الفترة القريبة من العملية في "اميا". كما يشمل تسجيلات صوتية لمحادثات هاتفية جرت بين السفارات الأيرانية في الأرجنتين ودول اخرى مجاورة مع اشخاص يشتبه بانتمائهم الى حزب الله. ويكشف التقرير عن العلاقة بين ايران وحزب الله وبين متعاونين كانوا يقطنون في دول المثلث الحدودي البرازيل - الأرجنتين - برغواي، والمعروفة بأنها مركز للمهاجرين من المسلمين الشيعة.

وفي التقرير صدى واضح لشهادة سرية قدمها عبد الغسان مصباني، الموظف الكبير في المخابرات الأيرانية الذي لجأ الى المانيا في العام 1996. وحسب هذه الشهادة، التي نشرت مقاطع منها في صحيفة "نيويورك تايمز"، فان قرار تنفيذ تلك العمليات صدر عن المرشد الروحي علي خامنئي وعن الرئيس الأيراني آنذاك هاشمي رفسنجاني، اللذين تكفلا بالتمويل ايضا.

وفقا لهذه الشهادة وللتقرير الأرجنتيني، استغرقت التحضيرات للعمليات وقتاً طويلا وتمت بتخطيط دقيق جدًا، للتلافي ترك اية بصمات. وبعد ان صادق الزعماء الأيرانيون على القرار وخصصوا الميزانية المطلوبة للتنفيذ، القيت المسؤولية عن العملية على علي فلحيان، الوزير لشؤون الأستخبارات. ثم توجهت الأستخبارات الأيرانية الى منظمة حزب الله لتقوم بدور المقاول الثانوي لتنفيذ العمليات.

وفي حزب الله القيت مسؤولية المهمة على عماد مورانية الذي استعان برجال مخابرات ايرانيين كانوا يعملون في السفارات الأيرانية في دول امريكا الجنوبية، كما استعان ايضا بمتعاونين محليين. ويقول التقرير <<ان الدوافع من وراء هذه العمليات كانت دوافع ايديولوجية دينية - العداء لدولة اسرائيل وللشعب اليهودي - وكذلك دوافع سياسية: فقد اراد الأيرانيون معاقبة نظام الرئيس الأرجنتيني كارلوس منعم الذي لم يلتزم بتعهد حكومة سابقه، الرئيس راؤول الفونسين، بتزويد ايران بالمعلومات والمعدات اللازمة لبناء الأفران الذرية في بوشار. الجالية اليهودية الكبيرة، التي شكلت هدفا سهلا نسبياً، الى جانب حقيقة وجود جالية كبيرة موالية لأيران وحزب الله في دول المثلث المذكور، هي التي قادت الى اختيار الأرجنتين هدفا للعملية.>>

ويكتب يوسي ملمن في صحيفته ان <<تزامن العمليتين مع الأحداث في الشرق الأوسط يشير الى انهما شكلتا ايضا عاملا في رغبة الأنتقام لدى حزب الله. فالعملية في السفارة الأسرائيلية وقعت في يوم ذكرى الأربعين لأغتيال الأمين العام لحزب الله عباس موسوي بنيران طائرة حربية اسرائيلية. اما العملية في "اميا" فقد نفذت بعد اقل من شهرين على اختطاف ضابط الأمن الشيعي مصطفى ديراني الى اسرائيل، على خلفية علاقته بايران وحزب الله ومسؤوليته عن اسر واعتقال الطيار الأسرائيلي رون أراد.>>

الحكومة الأيرانية تنفي هذه الأتهامات بحقها. وخلال محادثة قاسية مع المفوض في السفارة الأرجنتينية في طهران، حذرت من ان استمرار "حملة التشهير" ضدها سيؤدي الى زعزعة العلاقات بين الدولتين.

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, الموساد, المثلث

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات