يشن رئيس الحكومة الاسرائيلية أرئيل شارون في الأيام الأخيرة <حملةً دبلوماسية هادئة>، في محاولة للتأثير على الصيغة النهائية لـ <خريطة الطرق> الدولية لحل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. ويسعى شارون، في الحقيقة، الى استبدال <الخريطة> الحالية بأخرى مقبولة على الولايات المتحدة واسرائيل، بحيث يلغي التأثير الأوروبي فيها، والنية (الأوروبية) لما تقول إسرائيل إنه <محاولة لفرض تسوية للنزاع>.ومع انتهائه من تشكيل حكومته الجديدة، يبدأ شارون بالعودة، ثانية، نحو اليمين. وقد اوضح انه سيعرض البرنامج السياسي على حكومته الثانية لإقراره، فقط بعد موافقة الرئيس الأمريكي جورج بوش عليه.
وفي ذلك يكتب ألوف بن (في <هآرتس> 26 شباط): <..هكذا سيربح (شارون) مرتين: الوزراء لن يعرفوا شيئاً، ولن يستطيعوا التشويش على اتصالاته مع الإدارة الأمريكية، بل سيجدون انفسهم امام حقيقة سياسية ناجزة، وسيضطرون الى المصادقة على خطة اصبحت مكتملة. شارون يفضل التحاور مع البيت الأبيض، وليس مع الأغلبية اليمينية في حكومته. سيمر غير قليل من الوقت حتى يتم انجاز الخطة واقرارها>.
قبالة شارون يتنافس مبعوثو <المجموعة الرباعية> ( ممثلو الولايات المتحدة، وروسيا، والإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة)، الذين يريدون ترجمة الصفحات السبع التي تتألف منها <خريطة الطرق> الى برنامج عملي يقود، تدريجياً، الى وقف اطلاق النار واقامة دولة فلسطينية مستقلة تحت مراقبة دولية.
وكان ممثلو الأربعة قد اتفقوا، خلال لقائهم الأسبوع الأخير في لندن، على بنية هيئة المراقبة التي ستتولى مراقبة تصرف الطرفين، وفحص ما اذا كانت الظروف قد نضجت لمواصلة التقدم.
وبموجب هذا البرنامج، الذي وصلت تفاصيله الى اسرائيل، سيترأس هذه الهيئة مندوب أمريكي يقوم، بدوره، بتقديم التقارير الى الأعضاء الآخرين في المجموعة. وستضم هذه الهيئة أربع فرق مراقبة: واحدة للشؤون المالية - المصرفية، والثانية للإصلاحات في السلطة الفلسطينية، والثالثة للأمن، والرابعة لـ <المهمات الخاصة>. وستضمن تركيبة هذه الفرق تمثيلا ملائماً لجميع أعضاء المجموعة.
وستتولى فرقة <المهمات الخاصة> المراقبة في القضايا الأكثر حساسية، ومن المفترض ان يثير نشاطها قلق شارون وحكومته، بشكل خاص. فأعضاء المجموعة سيراقبون أعمال البناء في المستوطنات، وسيتحققون من قيام اسرائيل باخلاء وازالة البؤر الأستيطانية التي أقيمت إبان فترة شارون، كما أنها ستجمد البناء في المستوطنات القديمة.
أما المهام الأخرى التي سيقوم بها أعضاء هذه الفرقة فهي: اجراء مسح توثيقي للمؤسسات الفلسطينية التي قامت اسرائيل باغلاقها في القدس الشرقية ومراقبة <التحريض من كلا الجانبين>.
ألوف بن: <اسرائيل غير متحمسة للمراقبة الدولية على اعمالها، بل تعتبرها مقدمة لـ "عولمة النزاع". في العام الماضي اقترحت اسرائيل على الولايات المتحدة نموذجا آخر مغايرًا، يتم بموجبه فرض الرقابة على الجانب الفلسطيني فقط، على ان تتم بقيادة وسيادة امريكيتين وبحيث تكون صلاحيات المراقبين معروفة ومحددة سلفا>.
وتدعو <خريطة الطرق> الى وقف اطلاق النار واجراء اصلاحات في السلطة الفلسطينية، بموازاة انسحاب الجيش الأسرائيلي من مناطق السيادة الفلسطينية وتجميد الإستيطان. وبموجب الخطة، يتم الأعلان حتى نهاية العام الحالي عن اقامة دولة فلسطينية في حدود مؤقتة، على ان يتم التوصل الى حل نهائي حتى العام 2005.
وقد نجح شارون باقناع البيت الأبيض بتأجيل وضع الصيغة النهائية لـ <خريطة الطرق> الى ما بعد الانتخابات الاسرائيلية وتشكيل الحكومة الجديدة. وضغط الأوروبيون، من جهتهم، من اجل تحويل المسودة الحالية للخريطة الى صيغة نهائية، وتقديمها بأسرع وقت الى الأطراف كوثيقة دولية متفق عليها.
لكن الولايات المتحدة استجابت لطلب شارون.
والتقى مدير مكتب رئيس الحكومة الاسرائيلية دوف فايسغلاس الأسبوع الماضي، مستشارة الأمن القومي في البيت الأبيض كوندوليسا رايس، التي اكدت له ان اسرائيل لن تفاجأ بنشر الخريطة. ويسود الاقتناع في مكتب شارون بأن الولايات المتحدة ستأخذ الملاحظات الإسرائيلية بالإعتبار، كما تعاملت مع التعديلات التي اقترحتها اسرائيل على المسودة الأولى.
وخلال المفاوضات الأئتلافية هذا الأسبوع، كشف شارون عن برنامج عمله. ففي الأشهر الأخيرة عاد وقال، مرارًا، انه يقبل بـ "خطاب بوش" من يوم 24 حزيران كأساس لبرنامجه السياسي، لكنه امتنع عن التطرق العلني لخريطة الطرق، التي تستند على الخطاب. وكان الخلاف حول "خطاب بوش أم خريطة الطرق" في صلب محادثاته مع رئيس حزب العمل عمرام متسناع. وكان شارون قد وعد، في "خطاب هرتسليا"، بأن: <مسار بوش سوف يعرض للنقاش والمصادقة عليه في الحكومة التي سأشكلها بعد الأنتخابات>.
لكن شارون ليس على عجلة من أمره. ففي رسالته الى رئيس حزب <شينوي> طومي لبيد، كتب شارون ان لأسرائيل <تحفظات وتعديلات كثيرة> على مسودة خريطة الطرق التي قدمتها الأدارة الأمريكية.
ويعكف طاقم وزاري خاص، برئاسة فايسغلاس، على اعداد الرد الأسرائيلي على خريطة الطرق. ومن المتوقع ان ينهي عمله بعد اسبوعين على الأقل، علما بأن ثمة خلافات حول الصياغات لا تزال بين أعضاء الطاقم، ممثلي مكتب رئيس الحكومة ووزارة الخارجية والأجهزة الأمنية.
وبعد الأنتهاء من اعداد الرد ستبدأ اسرائيل جولة من المحادثات مع الأدارة الأمريكية لأدخال التعديلات على النص النهائي للوثيقة.
وكانت اسرائيل قد قدمت طلبا لإدخال تعديلات عديدة على المسودة الأولى لخريطة الطرق، لكن جزءًا قليلا منها فقط حظي بالقبول والموافقة، وخاصة ما يتعلق منها بالمسائل الأمنية. اما الآن فيتوقع ان تكون المواجهة اكثر صعوبة وتعقيدًا. ووعد شارون لبيد بأن يعرض الموضوع على الحكومة الجديدة لمناقشته واقراره، بعد التوصل الى <اتفاق كامل> بين اسرائيل والولايات المتحدة.
وقال مصدر سياسي اسرائيلي ان <خريطة الطرق ستنتظر حتى انتهاء الحرب في العراق، اذ ليس لدى الأدارة الأمريكية الآن طاقة فائضة لأية قضايا اخرى>، وان حل النزاع الأسرائيلي - الفلسطيني بعيد عن احتلال الصدارة في جدول اعمال هذه الأدارة.