المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

إيران خطر اقتصادي لا نووي على إسرائيل

دولرة الاقتصاد دون دولرة العملة الورقية...

بقلم: د. عادل سمارة

بحلول منتصف الشهر الماضي، آذار، كان المفترض أن تنتقل إيران من تسعير وبيع نفطها بالدولار إلى اليورو أساساً وبعملات أخرى مما يحد من بيع النفط كسلعة عالمية بالدولار ويعطي هامشاً من سوق هذه السلعة لليورو الذي سيأخذ هامشا متزايد الاتساع من الطلب العالمي على الدولار لدفع ثمن النفط به. وهذا أحد أهم أسباب القرار الأميركي البريطاني الإسرائيلي بضرب إيران. وهو ما يعيد إلى الأذهان تلك الكتابات القليلة عن دور بيع النفط العراقي باليورو في تسريع وتحتيم العدوان على العراق (عادل سمارة، المشروع القومي واليورو واحتلال العراق، كنعان، العدد 115، تشرين الأول 2003) . والسؤال هو: هل المسألة حاسمة وحتمية إلى هذا الحد؟ ولكن، بعيداً عن حتمية أو توقيت أو حتى طبيعة العدوان، هناك ثلاثة أسباب أساسية تبرره في نظر من يُعدون له:

1- مشارفة الاقتصاد الأميركي على الانهيار: فقد عمم وزير الخزانة الأميركي مؤخراً ما مفاده أن الحكومة الأميركية على حافة الانهيار، حيث أن حافة الانهيار للمديونية هي 184ر8 تريليون دولار، وان البلاد ستصل الحافة في شباط وعليه لن يكون بوسع الحكومة الاستمرار في عملها العادي لا سيما ان دين الولايات المتحدة الحالي هو 162ر8 تريليون دولار. وحينما يصل الى 184ر8 تريليون اي يصل الى قمة رصيد الولايات المتحدة في الخارج (نهاية قدرتها الاستدانية) فإن البلدان التي ما تزال تحافظ على تعويم أميركا (وخاصة الصين) عبر القبول بصكوك الخزينة سوف لن تستمر في ذلك. لذلك زار وزير الخزينة، هنري باولسن، ورئيس البنك المركزي، بِنْ برنانكي، منذ شهرين الصين الشعبية لإقناعها بتخفيض قيمة عملتها – يوان- للمساعدة في سد العجز التجاري الأميركي مع الصين. أما العجز في الحساب الجاري لميزان المدفوعات الأميركي (الفارق بين الدفعات الى الخارج وبين المستردات من الخارج الى البلاد) فاتسع من 300 مليار دولار في 1999، الى 860 مليار دولار العام 2006. إن الولايات المتحدة تقترض بشكل متواصل!

2- الآثار المترتبة على دور صيرفي العالم، بمعنى أن بروز كتلة "بترو- يورو" كمنافس لـ"بترو- دولار" سوف تفقد الولايات المتحدة مبالغ هائلة كانت تربحها من مجرد كون عملتها هي التي يباع بها النفط، وهذا سيزيد من مديونيتها. وإذا وضعنا بالاعتبار الضغط الإنفاقي حالياً على الخزينة الأميركية لتمويل الحرب على العراق، ندرك كم هو حساس ومؤثر القرار الإيراني.

3- تعتبر الحرب مخرجاً للأزمة الاقتصادية التي تعيشها دولة عظمى "وحربية- ذات اقتصاد متفوق في الإنتاج العسكري وليس المدني" كالولايات المتحدة، مما يجعل الحرب مشروعا اقتصاديا لتصريف السلاح وإعادة التسلح والدمار ومن ثم "إعادة الإعمار".

ما يهمنا هنا موقع إسرائيل في السيناريو ولاحقاً في التنفيذ. قد يقبض البعض كثيرا الزعم الإسرائيلي بأن القنبلة النووية الإيرانية خطيرة على إسرائيل خطراً يفوق ارتفاع إيران إلى مرتبة "توازن الرعب الإقليمي" مقابل إسرائيل. بعبارة أخرى، فإن حصول إيران على النووي هو تقييد لحركة العدوان المفتوح الإسرائيلي، وهي حركة أمكن تقييدها بأسلحة أقل من تقليدية كما حصل من قبل حزب الله مؤخراً.

ومع عدم تقليلنا من أهمية حيازة إيران للنووي، تجدر الإشارة إلى أن استلحام إسرائيل على ضرب إيران نابع من عوامل هامة أخرى:

1- انتقال إيران إلى موقع الدول التي تستخدم التكنولوجيا النووية المدنية المتقدمة مما يسمح لها بتوفير حاجات سوق إقليمي تجهز إسرائيل نفسها، وباعتماد الغرب لها، لتندمج فيه اندماجاً مهيمناً. أي ستكون إيران منافساً مقبولاً أكثر في المنطقة، وفي الوقت نفسه محمية بقوة عسكرية. وبهذا تكون قد التقطت إكسير التنمية: أي قدرة إنتاجية محمية بقدرة عسكرية، وهذان معاً يفتحان الأسواق.

2- ارتباط إسرائيل العضوي والوظيفي بالمشروع الأميركي في المنطقة والدور المناط بها استثمارياً، حتى وإن بدأ في أذربيجان وجمهوريات الإتحاد السوفييتي السابقة وأخذ يتجه غرباً بطريقة رجوعية ليمر بالأقطار المشرقية العربية التي أقامت كثيرات منها علاقات تجارية مع إسرائيل قبل أن تقيم علاقات دبلوماسية معلنة، الأمر الذي ينسجم مع مقولة شمعون بيريس، بأن المهم هو العلاقات الاقتصادية مع العرب.

3- في ارتباط إسرائيل باقتصاد المركز الرأسمالي كان لا بد لها من مواكبة الخصخصة واعتماد السياسة الليبرالية الجديدة (سنتحدث عنها في حديث لاحق)، واصطناع الدخول في مشروع "سلام" في المنطقة. بهذه جميعاً تمكنت إسرائيل من اجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة FDI، وغير المباشرة بكميات ضخمة، 5ر22 مليار دولار العام 2006 لوحده، وهو ما حقق لها نمواً في نفس عام الحرب بنسبة 5- 1ر5% ، مما أضاف إلى ارتباطها السياسي والأمني بأميركا ما يشبه "دولرة" عملتها. وهذا ما يوصلنا للاستنتاج بأن مشروع "التسوية" بالنسبة لإسرائيل هو صناعة جذب عشرات مليارات الدولارات، وهذا ما اتضح بالقفزة الاستثمارية الأجنبية الفارقة في إسرائيل ما قبل 1990 وما بعدها، وهي الحالة التي جعلت من إسرائيل اليوم البلد الوحيد في العالم بعد الصين الشعبية، الذي يغرق في فائض القَطْع الأجنبي (ناهيك عن النمو العالي)، في حين تنتظر بلدان كثيرة في العالم الثالث فتات تحويلات المنظمات غير الحكومية إلى امتداداتها داخل تلك البلدان.

يقول المعلق الاقتصادي سيفر بلوتسكر: "لنا أن نلاحظ، أنه في حين يعاني ميزان المدفوعات الأميركي من عجز متزايد، فإن إسرائيل قد حسنت دراماتيكيا من ميزان مدفوعاتها. في العام 1999 كان العجز في الحساب الجاري لميزان المدفوعات الإسرائيلي بمقدار 7ر1 مليار دولار، فأصبح فائضا بمقدار 8ر6 مليار دولار اليوم. بل ان إسرائيل تقرض مالا صافيا للعالم وهذا يقوي الشيكل. (سيفر بلوتسكر، يديعوت أحرونوت 14-4-2007). نعم إن إسرائيل الدولة الوحيدة إلى جانب الصين التي تعيد إقراض ما يتدفق إليها من العملات الصعبة.

يوميات الدولار في إسرائيل

ليست السوق الإسرائيلية هي التي تحدد مسار الدولار، وإنما هي تتأثر وتتبع مسار الدولار عالمياً. ودون الذهاب لسنوات خلت، فمنذ العام 2005 فقد الدولار صعوده الكبير في حزيران 2002 حيث وصل سعر صرفه إلى 995ر4 شيكل، وكان ذلك بعد الضربة التي تلقاها العام 2001 وأوائل 2002 إذ انفجرت "فقاعة" ناسداك، ودخل الاقتصاد الأميركي في حالة ركودية.

في قمة صعوده وصل سعر صرف الدولار الواحد إلى قرابة 995ر4 شيكل، وهو يقترب اليوم من 4 شيكل، وهناك توقعات بالتردي إلى 75ر3 شيكل وهي نسبة عالية جداً بالنسبة لكل من يبيع ويقبض ويدخر بالدولار.

ومرة ثانية، ليست إسرائيل هي محرك الأزمة وإنما استمرار الولايات المتحدة في الإنفاق على الحرب في العراق وأفغانستان ومناطق أخرى، ومنافسة اليورو "الناعمة- لكن الموجعة" للدولار عبر التسعير الإيراني للنفط وتوجه روسيا وفنزويللا نفس الوجهة. لكن المهم أن ضعف الدولار في الأسواق العالمية وتدفق الدولار على إسرائيل يعزز من قيمة الشيكل ويخفض قيمة الدولار.

ومما زاد من انخفاض واستمرار انخفاض سعر صرف الدولار، قرار محافظ بنك إسرائيل ستانلي فيشر (وهو الذي جلبه شارون كعربون لجاهزية إسرائيل للتماهي التام مع السياسة الليبرالية الجديدة) بعدم التدخل في سعر صرف الدولار، مما أعطى إيحاء نفسياً للإسرائيليين بأن يتخلصوا من الدولار مستبدلين إياه بعملات أخرى، أو بالذهب أو بموجودات، وهذا كان عاملاً إضافياً ساهم في هبوط سعر صرفه جرياً على قانون جريشام "العملة الرديئة تطرد الجيدة من السوق". فأوساط بنك إسرائيل ترفض التدخل في التداول عن طريق شراء كميات من الدولار، أو امتصاصها من السوق كي يرتفع سعر صرف الدولار أو على الأقل لوقف انخفاضه.

ومما زاد من تدهور سعر صرف الدولار في إسرائيل، هبوط سعر صرفه عالمياً، وتدفقه إلى بورصة تل أبيب والسوق الإسرائيلية نفسها بمقادير ضخمة لم تعهدها من قبل، حتى في بداية مرحلة التسوية. وهو كما ألمحنا أعلاه ما سمح لإسرائيل بالانتقال إلى مرحلة تقديم قروض لدول أخرى.

صحيح أن إسرائيل لم تعلن الدولرة الرسمية لعملتها، وهو الأمر الذي حاوله وزير المالية يورام مريدور منذ أكثر من عشر سنوات. ولكن ما حصل هو دولرة الاقتصاد والمواطن نفسه، مما لم يعط أهمية كبيرة لإعلان الدولرة. فالدولار هو المستخدم في الكثير من التبادلات المحلية في إسرائيل، وإيجار المنازل وبيعها وشرائها وتذاكر السفر والإنفاق السياحي محلياً، والتحضير لنفقات السياحة الخارجية وشراء السيارات ومختلف السلع المعمرة (ثلاجات، غسالات ومختلف الكهربائيات) التي يتم شراؤها من الولايات المتحدة لا سيما وأن 49 بالمائة من الدفوقات المالية إلى إسرائيل هي من الولايات المتحدة، كما أن للولايات المتحدة نفس الحصة من الاستثمارات الإسرائيلية في الخارج. فالدولار هو عملياً العملة المتداولة، وهذا ما يقسم الناس بين رابح وخاسر من التغيرات في سعر صرفه، بمعنى أن من يتلقى دخلا بالدولار لا بد أن يتعرض للخسارة، في حين أن من يدفع بالدولار يحقق ربحاً. ولعل الفئة التي تتلقى الضربات الشديدة هي فئة المصدرين إلى الولايات المتحدة أو الذين يصدرون منتجات يكون قسم او جميع قيمتها متفقاً عليها بالدولار.

على أية حال، فقد ازداد شراء الإسرائيليين للسيارات من الخارج بنسبة 20 بالمائة، وحصلت الزيادة نفسها في شراء سلع معمرة كالغسالات والثلاجات وأجهزة أل دي في دي والسجائر...الخ.

ماذا عن مناطق السلطة الفلسطينية

تنحصر علاقة اقتصاد السلطة الفلسطينية بالاقتصاد الإسرائيلي في التأثير من طرف واحد. فالاقتصاد الفلسطيني هو القطب السالب متلقي الضربات. ومن ناحية عملية هو جزء من الاقتصاد الإسرائيلي حيث لا تأثير لإعلان أو عدم إعلان ذلك. فمنظومة الأسعار واحدة تقريباً طالما أن إسرائيل هي مصدر معظم ما يتدفق من سلع إلى أراضي السلطة الفلسطينية، وعليه، فإن قانون القيمة في المنطقتين هو نفسه. ولكن المداخيل مختلفة بنسبة فلكية. ففي حين يصل متوسط دخل الإسرائيلي إلى 000ر23 دولار سنوياً، يصل اليوم في الضفة والقطاع إلى 800 دولار فقط.

والمهم في شأن الدولار، أن تدهور سعر صرفه في السنة الأخيرة من 45ر4 إلى 06ر4 جاء ضربة لقطاع جديد من الفلسطينيين، ربما هو القطاع الاجتماعي الوحيد الذي لم يتلقَ ضربة موجعة خلال الانتفاضة الحالية، وهو قطاع من يتلقون رواتبهم أو أجورهم بالدولار، أو الأسر التي تعتمد على معيليها في الولايات المتحدة وهذه تقدر ب 45 ألف مواطن.

ولا تختلف الدولرة النفسية في الضفة والقطاع عنها في الخط الأخضر. فالكثير من المعاملات التجارية والمدخرات البنكية هي بالدولار أيضا في هذه المناطق، بل ربما بالمفهوم النسبي هي أعلى مما هي في إسرائيل باعتبار الشيكل عملة إسرائيلية من جهة، ولم تكن موثوقة كالدولار، كما أن المدخرين من هذه المناطق بالدينار الأردني كانوا قد تلقوا ضربة قاسية العام 1989 (خلال الانتفاضة الأولى) مما قلل الرغبة في الادخار بالدينار.

ربما كان الاختلال الرئيس بين حالتي إسرائيل ومناطق السلطة أن الدولارات تتدفق بعشرات المليارات على الاقتصاد الإسرائيلي تدفقاً استثمارياً مما يجعل آثار انخفاض سعر صرفه أقل من منافع تدفقه. أما في مناطق السلطة الفلسطينية فالآثار محض سلبية على الاقتصاد الكلي، وإن كانت تفيد بعض الأفراد هنا وهناك.

(رام الله)

المصطلحات المستخدمة:

الشيكل, يديعوت أحرونوت, الخط الأخضر

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات