المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات وأراء عربية
  • 826

بعد أكثر من ثلاثين عاماً على حرب تشرين عام 1973، يستمر الجدل في اسرائيل ليس فقط حول وقائع تلك الحرب، وانما كذلك حول الدروس الواجب استخلاصها. وثمة من يحاول، في كل وقت، القول بأن ما حدث حينذاك من فشل وتقصير ومباغتة لا ينبغي أن يتكرر. ومما لا ريب فيه ان هذه الحماسة من جانب الاسرائيليين لقراءة تلك التجربة تثير الحسد لدى كل من يشعر بأن أوضاعنا تتدهور من سيء الى أسوأ، لأننا لم نعد نقرأ الحاضر والماضي على حد سواء. فالجيش الاسرائيلي، وكذلك النظام الاكاديمي، يقدم في كل عام العديد من الدراسات المتصلة بتلك التجربة في محاولة لاسكتشاف بعض جوانبها الخفية وتقليب الظروف التي كانت قائمة آنذاك على جميع الوجوه.


وليس صدفة انه في الوقت الذي تحفل فيه الصحافة الاسرائيلية بالكثير من التقارير عن تلك الدراسات وعن القصص الشخصية فيها، جرى الاعلان عن خطة جديدة في سلاح الاستخبارات. وتقضي الخطة التي نشرتها صحيفة "يديعوت احرنوت" يوم الأحد الماضي (26/9/2004) بتشجيع طلاب أنهوا الثانوية العامة على الالتحاق بالجامعات للحصول على الدرجة الجامعية الاولى في قضايا الشرق الاوسط كجزء من خدمتهم العسكرية. وفي صيف العام المقبل سيبدأ تنفيذ هذه الخطة التي تقضي بأن يبدأ الطلاب خدمتهم العسكرية الالزامية في الجامعات ضمن تعاقد لست سنوات. وترمي هذه الخطة الى خلق كوادر تابعين لجهاز الاستخبارات قادرين على تحليل الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الدول العربية.
وقالت الصحيفة ان هذا البرنامج بدأ بتوزيع منشور على تلاميذ الصفوف الثانوية للتعريف بالمهمة. وجاء في المنشور: "من المؤكد انكم تعلمون ان رئيس شعبة الاستخبارات يعرض بين الحين والآخر على المستوى السياسي تقديراً للوضع الاستخباري الذي يتبلور إزاء المخاطر والفرص في مجال الأمن القومي". واعتبرت الصحيفة ان هذا التوجه مغاير لما كان في السابق، وانه يتساوى في قيمته مع مشروع "تلبيوت" العلمي القائم في الجيش منذ سنوات والرامي الى تعزيز القدرة البحثية والعلمية. ويقول المقدم اسحق، المسؤول عن البرنامج الجديد: "نحن نسعى الى تأهيل جيل جديد من الباحثين الممتازين في الشأن الاستخباري من منطلق إدراك مستقبلي لأهمية هذا القطاع".
والواقع انه ليس ثمة تجسيد أكبر لعبر حرب تشرين، التي بدا فيها الجيش الاسرائيلي بعيداً عن تقديم "التقدير الصائب"، من اللجوء الى هكذا برنامج تعليمي. وهنا لا بد من الاشارة الى ان اسرائيل في العقدين الاخيرين قررت تدريس اللغة العربية في الكثير من مدارسها فقط من أجل توفير كوادر لأجهزة الاستخبارات.
على ان عودة الاسرائيليين الى التنقيب في الوقائق والمعطيات التي رافقت حرب تشرين تتضمن، في الجوهر، خشية من التكرار. ورغم الفارق في الأبعاد، فإن صحيفة "معاريف" أعادت قبل عدة أيام نشر مقابلة أجريت مع ضابط اسرائيلي لقي مصرعه في موقع عسكري في مستوطنة موراج. ويقول الضابط ان ستة شهور من اليقظة يمكن ان تضيع في عشر دقائق من الغفلة. وهذا ما حدث فعلاً عندما أفلح ثلاثة فدائيين فلسطينيين في "انتهاز غفلة" حارس اسرائيلي فاقتحموا الموقع ووجهوا ضربة معنوية شديدة للجيش الاسرائيلي. على ان هذه "الغفلة" ذاتها هي ما دفعت الاسرائيليين الى تطوير مفهوم "الحارس الغافل" في الاشارة الى عناصر المباغتة التي قد تكون قاتلة بالنسبة إليهم.
ولكن الجديد في الاشارات الاسرائيلية الى العبر يتلخص في جانبين أشارت اليهما مقالتان للمعلق العسكري في "هآرتس"، زئيف شيف ولزميله كاتب التحقيقات يائير شيلغ. فالاول يتحدث عن ان الجميع ركز فقط على تبلور "المفهوم" في الجانب الاسرائيلي ولم يقم أحد بدراسة "المفهوم" في الجانب العربي. وهو يشير بوضوح الى "مفهوم" التحريك وليس مفهوم التحرير الذي تبناه الرئيس المصري أنور السادات.

وتوضح المقالة الثانية موقف دراستين في أثر الثقافة على "التقدير العسكري"، حيث قاد التبادل بين الانجاز العسكري وثقافة تقديس هذا الانجاز الى بلورة مفاهيم أدت الى غياب الصورة الواقعية. وهكذا اندفع الجيش الاسرائيلي الى تحليل المعطيات القائمة على الارض بمنطق مغاير لهذه المعطيات. وقد أصاب هذا المرض القطاع الاستخباري والاعلامي أكثر من سواه لأنه خلق "تطبيعاً" مع الخلل القائم.
عموماً يعتقد الجنرال المتقاعد يوسي بن آري ان الدراسات حول أثر الثقافة في القرار العسكري ذات قيمة عملية اليوم. لان العصر الانتقادي الذي أعقب حرب تشرين في اسرائيل "زاد من شعبية الخبراء الاكاديميين والمثقفين الذين هم من الوجهة الرسمية ليسوا جزءاً من منظومة اتخاذ القرار".
ويخلص الى ان "حاجة الجمهور ووسائل الاعلام الى الخبراء الاكاديميين ازدادت، بسبب زيادة وسائل الاعلام وبسبب فقدان الخبراء أنفسهم لعامل الخجل، حيث باتوا على استعداد للحديث بسهولة في مواضيع ليست من اختصاصهم".
إذا كان هذا وضعهم، فماذا عن حالنا؟

المصطلحات المستخدمة:

تلبيوت, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات