بقلم: حلمي موسى
بات واضحا الآن، أكثر من أي وقت مضى أن فضيحة الفساد في "الليكود" ليست زوبعة في فنجان، وأن الرياح التي هبت من مركز الليكود تهدد بإسقاط أرييل شارون. وفي الوقت الذي أعلنت فيه الشرطة الإسرائيلية نيتها تقديم نائبة الوزير نعومي بلومنتال الى المحاكمة تدافع أنصار أرييل شارون لإظهاره كضحية لـ <<مؤامرة سياسية قذرة>>. ولكن الجمهور الإسرائيلي لم ينتظر مواقف القضاة ومرافعات المحامين فأصدر حكما قاطعا: لم يعد شارون رجل الإجماع.
وفي استطلاع صحيفة <<يديعوت أحرنوت>> اعتبر 31 في المئة من الإسرائيليين أن شارون لم يعد جديرا بمنصب رئيس الحكومة مقابل 46 في المئة قالوا بعكس ذلك. ولكن حصول شارون على تأييد أقل من النصف يعتبر تراجعا كبيرا في شعبيته. ومن المفترض أن تتراجع هذه الشعبية مع ظهور المزيد من المعلومات حول العلاقات المشبوهة له ولأبنائه مع كبار رجال الأعمال اليهود في إسرائيل والعالم.
وجاء استطلاع لصحيفة <<هآرتس>> ينشر اليوم ليصيب قادة الليكود بالوجوم. فللمرة الأولى منذ شهور يجتاز حزب العمل حاجز الـ 22 نائبا ويحقق فوزا بأربعة وعشرين مقعدا، في الوقت الذي يهبط فيه الليكود من 31 مقعدا الأسبوع الماضي الى 27 خلال أربعة أيام. وقد تقلص عمليا الفارق بين الليكود والعمل الى أربعة مقاعد. وتفاجئ استطلاعات الرأي الجمهور بحقيقة غدت ثابتة، وهي أن اليمين لن يستطيع تشكيل حكومة ضيقة، إذ ارتفع عدد المقاعد المحتملة لحركة شينوي ليصل الى سبعة عشر مقعدا، الأمر الذي يتيح لحزب العمل افتراض القدرة على حيازة <<كتلة مانعة>> تحول دون شارون وإمكانية تشكيل أي حكومة ضيقة.
ويظهر استطلاع <<هآرتس>> تزايد شعبية حركة شاس، وعودة الكثير من مؤيديها إليها بعد أن كان الليكود قد اجتذبهم. والواقع ان حركة شاس تغري ناخبيها لكونها تعرض عليهم <<اثنين في واحد>>: صوتوا لشاس تحصلوا على شارون قوي. ومن الآن تعلن حركة شاس تأييدها لشارون رغم صراعها مع الليكود على الأرضية الانتخابية ذاتها.
ونظرا لكرة الثلج التي تدحرجت وصارت تكبر في كل يوم وفي كل ساعة اضطر أرييل شارون لإبداء أول موقف علني من الاتهامات الموجهة إليه. وقال ان <<الحديث يدور عن فرية سياسية معيبة. وسوف أدحض هذه الفرية بالاستناد الى الوثائق والوقائع. وكل من يشيع هذه الفرية السياسية المعيبة، يهدف الى تحقيق غاية واحدة فقط: إسقاط رئيس الحكومة>>.
وبرغم ان الاتهامات الموجهة لشارون باتت عنوان الحملة الانتخابية لحزب العمل ولحركة ميرتس، فإن عددا من مقربي شارون لا يستبعدون أن يكون تسريب الوثيقة التي نشرت في <<هآرتس>> قد تم من جانب خصوم في الليكود. وفي هذا السياق يشير هؤلاء الى ان الوثيقة أرسلت الى جنوب أفريقيا عبر وزارة الخارجية الإسرائيلية. ومعروف ان وزير الخارجية الحالي هو الخصم اللدود لأرييل شارون ومنافسه على زعامة الليكود، بنيامين نتنياهو.
وقد شرعت الشرطة الإسرائيلية وجهاز الشاباك بالتحقيق في أمر تسريب الوثيقة لصحيفة <<هآرتس>>. وقد جاء هذا التحقيق في أعقاب اعلان المستشار القضائي للحكومة، الياكيم روبنشتاين ان تسريب الوثيقة يهدف الى جر الجهاز القضائي والشرطة للتدخل في الشأن الانتخابي. وادعى روبنشتاين ان تسريب الوثيقة <<عرقل التحقيقات>> الجارية، مؤكدا ان التحقيقات ذات الطابع السياسي لن تنتهي قبل موعد الانتخابات.
ومع ذلك أعلنت الشرطة الإسرائيلية انها انتهت من تحقيقاتها مع عضو الكنيست نعومي بلومنتال حول دورها في الفساد الانتخابي في مركز الليكود، وأنها سلمت ملف التحقيق للنيابة العامة مع توصيته بتقديم بلومنتال الى المحاكمة بتهمة تقديم الرشى.
وكانت الخطوط بين الشرطة والجهاز القضائي قد تقطعت بعض الشيء في اعقاب الاتهامات المتبادلة حول تسريب الوثيقة. ولكن الانظار توجهت، على وجه الخصوص، الى العلاقة بين ديوان رئاسة الحكومة ووزارة الخارجية. وقد حاول مصدر مقرب من شارون التلميح الى ان مصدر التسريب هو وزارة الخارجية. وإذا ثبت، من خلال التحقيقات، ان لوزارة الخارجية أي دور في ذلك، فإن عاصفة قوية سوف تهب على الليكود وقد تنشئ قطيعة تامة بين الرجلين الأول والثاني في قائمة مرشحي الليكود الى الكنيست.
وثمة ملاحظة يبديها معلقون إسرائيليون وتتحدث عن ان الرجل الثاني في قائمة كل من الليكود والعمل لن يشعر بالأسى لسقوط الرجل الأول في صناديق الاقتراع. فهذا يوفر له الفرصة للتحول في أقرب وقت الى الرجل الأول.
وللمرة الأولى منذ عامين يبدي قادة الليكود خشيتهم من فقدان السلطة في الانتخابات القادمة. ورغم انهم يحاولون الاحتفاظ بـ <<رباطة جأشهم>>، إلا ان أحدا منهم لا ينكر حجم الضرر الذي لحق بالليكود جراء قضية الفساد، خاصة عندما لامست أرييل شارون. ويعترف الكثيرون منهم بأن الوضع بات بائسا. ولكن المسؤولين عن الحملة الدعائية يصرون على وجوب عدم الاستناد الى هذا الاستطلاع او ذاك والنظر فقط الى أصوات الناخبين في صناديق الاقتراع. ويحاول هؤلاء الإيحاء بأن هذه <<الموجة العكرة>> سوف تتبدد سريعا.
ولكن مقابل الاحباط المستتر لدى قادة الليكود صار واضحا ان قادة حزب العمل، وللمرة الأولى منذ عامين وأكثر صاروا يتحدثون عن الفوز ليس من باب التمنيات، وإنما كاحتمال واقعي. وأعلنت مسؤولة التوجيه في حزب العمل، يولي تامير ان <<ميزان القوى تغير، ونحن نؤمن بقدرتنا على تحقيق النصر. وبالتأكيد نؤمن اليوم ان الجمهور لا يريد السماح لأرييل شارون بأي حال من الأحوال بالبقاء رئيسا للحكومة>>.
ولا ريب ان مشاعر الاحباط من جهة، ومشاعر التفاؤل من جهة ثانية سوف تترك اثراً بالغاً على اداء الطرفين في المعركة الانتخابية التي حملت من بداياتها مظاهر الشدة ضد الطرف الآخر. ومن الجائز ان احتمالات الفوز هي ما دفع زعيم حزب العمل، عميرام متسناع في اليومين الاخيرين لمحاولة التقرب من الوسط واليمين. وقد اعلن قبل يومين ان دعوته للانسحاب من قطاع غزة لا تشمل مستوطنتي <<دوغيت>> و<<ايلي سيناي>>. ويوم امس اعلن توافقه مع فكرة شارون بأن عرفات <<لم يعد ذا شأن>> لا بالنسبة اليه ولا بالنسبة للشعبين الاسرائيلي والفلسطيني.
ويمكن القول ان قضية الفساد نقلت شارون من موقع <<الورقة الرابحة>> لليكود الى بداية اعتباره <<العبء الثقيل>> على الليكود. ويزداد هذا العبء مع كل نجاح لحزب العمل في غرس تعبير <<العرّاب>> و<<العائلة>> في ذهن الجمهور الاسرائيلي حول شارون بوصفه رجل المافيا. وقد فقد شارون، على الاقل لدى الكثيرين، السمة التي حاول إضفاءها على شخصيته: المصداقية والامانة. واليوم يصعب العثور على اغلبية تؤمن ان شارون يمتلك هذه السمات.
وقد دفعت التطورات الاخيرة عدداً من المعلقين الاسرائيليين الى القول بأن شارون ليس الاستثناء في اسرائيل، فالقاعدة تقول: ان تقديم موعد الانتخابات لم يفد ابداً كل من سعوا إليه. ومن الجائز أن شارون سوف يندم كثيراً لاقدامه على خطوة تبكير موعد الانتخابات. (السفير - بيروت)
المصطلحات المستخدمة:
هآرتس, الليكود, شينوي, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو