بقلم: غسان الخطيب
لم تأت آخر مسودة لخريطة الطريق مختلفة جدا عن سابقتها، ويبدو أن هذا يعكس توازن القوى الموجود (الأميركان يقدمون المسودات بينما يحاول ممثلو الأوروبيين والروس والأمم المتحدة – وبقسط ضئيل من النجاح – إجراء تعديلات). في سياق إعداد خريطة الطريق تولّد انطباع لدى الفلسطينيين بأن قدرة الأعضاء الآخرين في التأثير على الأميركيين محدودة، رغم أن أي قدر من هذا التأثير إيجابي. وهذا بحد ذاته مخيب للآمال بعض الشيء، ذلك أن الفلسطينيين سُرّوا في البداية للتغيير الذي طرأ على وضع كان للأميركيين فيه هيمنة على عملية السلام، إذ تحول الأمر إلى رعاية جماعية من جانب اللجنة الرباعية.
ومما يشهد على شكلية هذا التغيير حقيقة أن الولايات المتحدة أفلحت في "إقناع" الأعضاء الآخرين بتعليق نشاطات الرباعية إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، مما يعني تلقائيا إرجاءها إلى ما بعد أداء الحكومة الجديدة اليمين، وربما حتى إلى ما بعد الحرب الوشيكة في العراق. بكلمات أخرى فإن خريطة الطريق فقدت زخمها.
بالنسبة لمضمون الوثيقة فإن الغاية التي ترمي إليها خريطة الطريق تبدو إلى حد ما منسجمة مع مقتضيات القانون الدولي: تحديدا إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ عام 1967، وإتاحة المجال لقيام دولة فلسطينية متماسكة الأجزاء وقادرة على البقاء، والتوصل إلى حل يرضى به الطرفان لمشكلة اللاجئين. على أن الطريق الموصل إلى هذه الغاية ما زال حافلا بالمشكلات.
المشكلة الأولى هي أن أي تفاوض جديد بشأن القضايا الجوهرية يجب، حسب خريطة الطريق، أن يكون مرتبطا بشرطين غير واقعيين: نجاح الفلسطينيين في القيام بمهام أمنية، ونجاحهم في الإصلاح. وبينما يريد الفلسطينيون أنفسهم أن يحققوا النجاح في تينك المهمتين، فإن طبيعة الممارسات الإسرائيلية الحالية تجعل هذا النجاح صعبا (إن لم يكن مستحيلا)، فهي ممارسات تم التفكير فيها خصيصا لكي تستدرج أعمال عنف فلسطينية جديدة، ولكي تمنع أي تقدم للإصلاحات. لقد أغفلت الرباعية العنصر الأساسي المتمثل في أن مرحلة أولى متوازنة كان يجب أن تتناول العنف الذي يرتكبه الجانبان كلاهما، وأن تنص على انسحاب عسكري إسرائيلي من المناطق الفلسطينية التي احتلت منذ أيلول/سبتمبر 2000 وعلى الإصلاحات الفلسطينية في آن معا.
المشكلة الأساسية الأخرى في خريطة الطريق الجديدة تكمن في مرحلتها الثانية التي تدعو إلى مفاوضات على دولة ذات حدود مؤقتة. هذه المرحلة لا ضرورة لها إطلاقا، ويبدو أنها قد ابتدعت لإتاحة المجال للزعيم الإسرائيلي أرئيل شارون لتضييع الوقت عبر محادثات لا آخر لها مما سيفجر الخلافات بين الطرفين. أما الغاية من وراء المرحلتين الأخريين فواضحة: المرحلة الأولى تهدف إلى نقل الجانبين من حال المواجهة إلى حال الهدوء، والمرحلة الثالثة ضرورية للتوصل إلى حل نهائي. ولكن المرحلة الثانية التي تدعو إلى مفاوضات على حدود مؤقتة، وإلى دولة لمدة سنة واحدة تملك "رموز السيادة" فهي فضلة. لماذا لا نتجه إلى موضوع الحدود النهائية؟ فللمرء أن يكون على يقين شبه تام بأن إسرائيل ستستعمل المرحلة الوسطى لإعاقة العملية وتجنب الانتقال إلى المرحلة الأكثر جوهرية في المفاوضات.
نشر في 6/1/2003 bitterlemons.org ©
* غسان الخطيب هو وزير العمل في الحكومة الفلسطينية. وقد عمل لسنوات محللا سياسيا وصحفيا.