المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

الكاتب هو رئيس "اللجنة الشعبية للدفاع عن الحريات". هذا المقال هو نص كلمته في مؤتمر الحماية الشعبية والدفاع عن الحريات الذي عقد في أم الفحم يوم السبت 15 آذار 2008.

مؤتمرنا اليوم هو محطة في توضيح التحدي وتعزيز الصمود، مؤتمر تصعيد النضال ومؤتمر مواجهة الحقيقة بأننا نواجه إجراما سياسيا منهجيا منظما على مستوى دولة بأعلى مستوياتها وبكل أجهزتها وعلى المستوى الشعبي الإسرائيلي. نواجه ما خصّتنا إسرائيل به ضمن عدوانها المتواصل على الشعب الفلسطيني وعلى الحق الفلسطيني. نواجه دولة عرّفنا رئيس مخابراتها قبل عام بأننا نحن الفلسطينيين في الداخل خطر إستراتيجي على الأمن القومي الإسرائيلي، وأكمل تعريفه قبل بضعة أيام عندما دعا رئيس الشاباك [جهاز الأمن العام] الحكومة إلى إيلاء الاهتمام الخاص بالجماهير العربية. دولة تدفع بنا يوميا الى المواجهة والى الصدام اذ قررت كما يبدو اختيار هذا التوقيت وهذه الحالة لفرض هذا الصدام. وفي هذا مؤشر الى نوايا إسرائيل في توسيع عدوانها في المنطقة.

إننا في وضعية تصعيدية حوّلتنا الى جمهور ومجموعة قومية في خطر وعلينا مواجهة هذا الواقع بكل جدية. إننا أمام عملية استباحة لحقوقنا، لوجودنا وحتى لحياتنا تتداخل فيها الدولة بأجهزتها المختلفة وعصابات الإجرام السياسي الإسرائيلي من ناحية، وتتقاسم في المقابل الدور مع المنظمات الصهيونية العالمية التي تغزو مجتمعنا هادفة الى تجزيئنا وتشتيتنا وإضعاف مناعتنا الوطنية نحن الجزء المنظم من الشعب الفلسطيني الى ما يسمونه معسكر المعتدلين ومعسكر المتطرفين، والمتطرف والمعتدل يقاسان على أساس القبول بقواعد لعبتهم ويهودية دولتهم، وإذا نجحوا في إحداث الشرخ بيننا فإن دورهم سيسهل.

إننا نأخذ رسالتهم السياسية على محمل الجد ونأخذ مؤامراتهم الفعلية ومخططات الاغتيال السياسي أيضا على محمل الجد. ونحن نتعامل مع أنفسنا بأقصى درجات الجدية والمسؤولية عن أنفسنا وعن كل شعبنا، ولذلك نؤكد ان اقصر الطرق لمواجهة الملاحقات السياسية الرسمية هو مواجهتها منظمين وواضحين بلا تأتأة ولا تردد وكل ثمن ندفعه في كفاحنا سندفع أضعافه لو توانينا وطأطأنا رؤوسنا. سنكسب المعركة ونكسب كرامتنا القومية ونحمي أنفسنا ودورنا.

وإذ انكشف في الأيام الأخيرة مخطط لاغتيال ما أسموه "شخصية عربية مقربة من الأقصى" من قبل عصابات إسرائيلية شبه عسكرية فإن الأيدي التي تنوي التنفيذ هي من ذات الصوت في المركز السياسي الإسرائيلي، وبتواطؤ واضح من أجهزة الدولة بما فيها الشرطة التي لم تأل جهدا بتنبيه الشيخ رائد صلاح بهذا الخطر الحقيقي على حياته. من يخططون للاغتيال السياسي لشخصيات قيادية عربية في الداخل ليسوا هامشيين بل في مركز الحياة الإسرائيلية وضمن التيارات المركزية الحاكمة. ومن يواصل مساعيه لتصفية القيادات الفلسطينية في كل مكان فلن يخرج من حساباته ملاحقة وتصفية قيادات فلسطينية في الداخل. لا توجد لدينا أوهام. فالقامع هو ذاته الحاكم وهو الحكم وهو صاحب القانون القمعي في تعامله معنا الذي يظهره دائما كما لو كان ضحية ضحاياه.

لسنا هواة سجون قسرية ولسنا هواة منفى قسري، ففي السجن منفى وفي المنفى سجن، وكلاهما قسري وكلاهما مؤقت مهما طال. وفي كليهما ندفع ثمن مواجهتنا مع الدولة القمعية. وامتحاننا هو ضمان تضامننا وتكافلنا رغم الاختلافات. وحتى رغم الخلافات- التضامن والتكافل هما واجب ومسؤولية وقد نجحت جماهيرنا في ترسيخهما. فاستهداف الدولة لأي طرف من هذا الجسم هو استهداف للجسم كله وإضعاف له، وحماية اي جزء هي حماية للجسم كله. وتضامننا وتكافلنا الوطني هما السد أمام اختراقنا. ولن يستفيد أحد من استهداف الدولة للآخر.

لقد خطت اللجنة الشعبية للدفاع عن الحريات خطواتها الأولى- من أم الفحم - قبل خمسة أعوام استدراكا لمستوى التحديات. وبدأت تتبلور خلال اعتقال الشيخ رائد صلاح وقادة الحركة الإسلامية وأسهمت في استقطاب كل قوى ومؤسسات جماهير شعبنا للمعركة حتى إطلاق سراح الشيخ رائد وزملائه وإفشال مخطط الدولة لترهيبنا وتجريم عملنا السياسي الوطني.

وان انتهت تلك المحكمة فان المعركة لم تنته بعد، وهذه الأيام تحيك الدولة بجهازها القمعي البوليسي والمخابراتي والقضائي ملفا جديدا قديما لتجريم المعركة دفاعا عن القدس والأقصى والمقدسات. والتي نؤكد مجددا هنا ان صلابة موقفنا الجماعي ستكون أقوى بكثير مما كانت عليه خلال المحكمة السابقة وسنفشل مخططهم بدون شك.

قامت اللجنة الشعبية بدورها في التصدي لاعتقال محمد كناعنة، سكرتير حركة أبناء البلد وملاحقة حركته ومؤسساتها، والذي سنستقبله مجددا محررا خلال فترة وجيزة.

وفي هذا الصدد نحيي بشكل خاص أسرى الحرية والسجناء والسجينات السياسيين الذين أطلق سراحهم مؤخرا.

قامت اللجنة بدورها في صدّ الحملة السلطوية الرسمية والإعلامية والقضائية على رئيس التجمع الوطني الديمقراطي د. عزمي بشارة ولا تزال معتبرة ان المنفى هو قسري وقاس وثمن باهظ، وهو بالنسبة لنا مؤقت مهما طال وتطالب بإلغاء ملف ملاحقته وتتصدى لمحاولة إسرائيل تجريم عمله السياسي. ونقوم بدورنا من اجل إيقاف الحملة المتواصلة على حزب التجمع وكوادره وقياداته الملاحقة هذه الأيام بحجة العلاقة مع البعد العربي الإقليمي الطبيعي بالنسبة لنا. وندعو أيضا الى وقف ملاحقة رجال الدين الدروز الذي زاروا سورية.

علاقتنا مع العالم العربي هي علاقة طبيعية وحق طبيعي نسعى لممارسته - لم ولسنا ولن نكون جسرا للتطبيع كما يريدون لنا، بل سنمارس حقنا رغم قمعهم.

لم يلاحق شخص او حزب او حركة او هيئة شعبية وأهلية والقيادات الطلابية في الجامعات والشخصيات الفنية والأدبية والإعلامية من أية جهة وأية فئة وأي تيار إلا وكانت اللجنة الشعبية جاهزة متحفزة دفاعا عمن يلاحق بذات المعيار وذات الجدية. فالجاهزية العالية والمستدامة هي حاجة وهي مسؤولية وطنية، لأننا لا نعيش في فراغ ولا نأتمن الدولة ولا أجهزتها، لا الأمنية بالطبع ولا المدنية، فما يحمينا ويحمي وجودنا هو جاهزيتنا وتنظيمنا ومشروع صمودنا وتطورنا. وفي هذا المؤتمر نسعى الى تعزيز هذه الجاهزية والى تقوية المناعة الوطنية في وجه القمع وفي وجه الإغراء، في مواجهة عصاهم وفي مواجهة جزرتهم. ولا يوهمنا أحد بأن معركتنا محصورة فقط مع الجهاز الأمني الإسرائيلي القمعي المكشوف، وإنما أيضا مع الجهاز المدني بما فيه القضائي والإعلامي والأكاديمي التي تتقاسم ادوار القمع والملاحقات وتشرعنها وتبيّض صفحة الدولة وممارساتها. وفي هذا نؤكد ان اللجنة الشعبية تعنى بالملاحقات السياسية من قبل الدولة وأجهزتها وليست هيئة لمتابعة كل مظاهر العنصرية التي لا تعد ولا تحصى حيث توجد مؤسسات تعنى بها. إن اللجنة الشعبية هي إطار يعتمد على رصيد شعبنا لتعزيز الإرادة الجماعية وتنظيمها وزيادة فاعليتها.

يقوم الشاباك في العام الأخير بتظاهرة إثبات حضوره ويسعى الى إعادتنا إلى ذهنية الحكم العسكري والترهيب الذاتي والرقابة الذاتية وفقدان الثقة بالنفس فرديا وجماعيا، فيستدعي الشاباك شخصيات حزبية وأهلية الى مقابلات يسميها "محادثة" ليوصل رسائله الى من يستدعيهم والى من لا يستدعيهم. تصدينا ونتصدى لهذا أولا بفضح هذه الممارسات، ونحن ندعو كل من يتعرض لمثل هذه الدعوات الى تبليغ لجنة الحريات والسعي الى عدم التجاوب مع هذه الدعوات. ولن يخيفنا ثمن الموقف الممانع.

في هذا الصدد تجري التحضيرات لاستقدام لجنة تقصي حقائق دولية من خيرة الشخصيات القانونية والمؤسسات الحقوقية في العالم لإعداد تقرير حول طبيعة الملاحقات السياسية الإسرائيلية ضد القيادات والمؤسسات العربية الفلسطينية. وحول تقاسم ادوار القمع بين الأجهزة الأمنية والقضائية والمدنية الإسرائيلية. وكنا نجحنا باطلاع عشرات المؤسسات الدولية وحركات التضامن وحركات المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية والثقافية لإسرائيل حول هذه الممارسات القمعية، وكلها تساعدنا في كسب الاعتراف بجدارة قضايانا وفي خلق حزام أمان الى جانب الحماية الشعبية والمناعة الوطنية التي نوفرها بقدراتنا الذاتية. وان كانت إسرائيل تشن حملة لكسب الاعتراف بيهوديتها كي تتنصل من مسؤوليتها تجاه حقوقنا وحقوق شعبنا في الوطن، فإن حركات المقاطعة ومناهضة التطبيع عالميا وعربيا يجب ان تكون حليفنا.

الملاحقة السياسية ليست هي الهدف لدى جهاز القمع الإسرائيلي بل هي أداة وإستراتيجية عمل حيث من أهداف الملاحقات السياسية إضعاف دور هذا الجزء المنظم من الشعب الفلسطيني وفرض فك الارتباط بيننا وبين شعبنا، بيننا وبين وطننا وبيننا وبين قضية شعبنا- قضيتنا الفلسطينية، وفك الارتباط مع البعد العربي والإسلامي والدولي، ومحاصرتنا كما لو كنا قضية إسرائيلية داخلية نعمل ضمن معادلة الولاء الصهيونية لا الانتماء الى الوطن. ومعيار مثل هذا الولاء حدده مؤخرا المجلس الصهيوني ضمن الوكالة الصهيونية - هو القبول بالأسرلة وبالخدمة المدنية الإسرائيلية ومعاداة نضال شعبنا ومقاومته الاحتلال، والقبول بتصنيفنا بين معتدلين ومتطرفين وبين طوائف وجهات، وخلق قيادات واطر قيادية بديلة تقبل بيهودية الدولة، اي القضاء على بنيتنا النضالية. لكنا أثبتنا دائما اننا في كل مواجهة نخرج أقوى وأكثر مناعة وتنهار قواعد لعبتهم، لأنه مقابل قانونهم القمعي الظالم يوجد قانوننا- قانون حياة الشعوب العادل.

سنواصل تضامننا وتكافلنا الداخلي الكفاحي، سنواصل تقاسم الهم الفلسطيني المشترك مع باقي أجزاء شعبنا في الوطن والشتات، سنواصل دورنا في بلورة وتعزيز مشروع العودة. وسنواصل دورنا في الدفاع عن أسرى شعبنا- أسرى الحرية وعن مقدسات شعبنا ونواصل دورنا لإنهاء الاحتلال والاستيطان والتخلص من جدار الفصل العنصري ونتصدى لجرائم إسرائيل في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، وسنواصل مناهضتنا للمشروع الصهيوني وليهودية دولة إسرائيل الهادفة الى تصفية حقوق شعبنا في الوطن والشتات وخلق البيئة لعملية تطهير عرقي واقتلاع إضافي ضدنا. وسنسهم بشكل فعال في استعادة شعبنا كله لعافيته ولوحدته ولمشروعه الوطني التحرري.

علمنا تاريخ شعبنا ان عدالة قضيتنا هي من أغلى ما نملك في مسيرتنا الكفاحية، لكن العدالة وحدها لا تكفي للحماية ولن تحرّك التضامن، لا الداخلي بيننا ولا الخارجي معنا. فالصمود والنضال الشعبي واضح المعالم هما المحرّك للتضامن ولاستنهاض قوى الشعب التي لا تنضب. لسنا مجتمعا ضعيفا... لم نحقق أي انجاز منذ 1948 إلا بقدر ما ناضلنا وضحينا من اجله. ولن يتحقق أي انجاز لوقف مسلسل الملاحقات إلا بمواجهتها ونحن منظمين وعلينا ان نواجه مرحلة صدامية مفروضة فيها ثمن للموقف.

فالنضال المنظم هو حق وهو مسؤولية وطنية، اتفاق على الجوهر وتحييد للصغائر، لأننا نملك قضية عادلة- قضية شعب نواجه تحديات في أقصى درجات الخطورة ونملك طاقات لا تنضب إذا نجحنا في استنهاضها وتنظيمها وهذا تحدينا.

إن اللجنة الشعبية للدفاع عن الحريات والمنبثقة عن لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية هي نوع جديد من التنظيم المؤسساتي الشعبي، وهي أداة لاستقطاب أوسع القوى من أطر ومؤسسات وأفراد، من المعنيين بالعمل وتقاسم الهم المشترك لتدعيم وتعزيز دور لجنة المتابعة العليا، واللجنة مفتوحة أمام كل القوى والأوساط الوطنية المعنية بالإسهام دون استثناء، وعليه نوجه نداءنا إلى المعنيين بأخذ دور فعال في الدفاع عن حرياتنا السياسية- مصدر قوتنا- وحمايتها في وجه الملاحقات السياسية ان ينضموا إلى اللجنة الشعبية، كي نراكم التجربة النضالية وكي نبني ونطور مؤسساتنا ونعزز تنظيم مجتمعنا ونحمي وجودنا وحقوق شعبنا.

______________________________

* الكاتب هو رئيس "اللجنة الشعبية للدفاع عن الحريات". هذا المقال هو نص كلمته في مؤتمر الحماية الشعبية والدفاع عن الحريات الذي عقد في أم الفحم يوم السبت 15 آذار 2008.

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات