المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • العرب في إسرائيل
  • 1546

تتواتر، حتى لحظة كتابة هذا التعليق، ردّات الفعل الإسرائيلية الرسمية والإعلامية والأكاديمية على مشروع "التصوّر المستقبلي للعرب الفلسطينيين في إسرائيل" الصادر أخيرًا عن مجموعة من الباحثين والناشطين العرب التقت، بناءً على دعوة من رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل، المهندس شوقي خطيب، من أجل التباحث في برنامج يصبو إلى تكوين عصارة للأصوات القيادية المختلفة والتوصّل من خلال الإجماع على الحد الأدنى من المتفّق عليه إلى بلورة رؤية إستراتيجية جماعية مستقبلية للمواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل

                                                                                   

وبطبيعة الحال فقد جرى التركيز، ضمن أمور أخرى، على فقرة معيارية وردت في ديباجة "التصوّر" ونصّت على ما يلي: "تعريف الدولة (إسرائيل) بأنها دولة يهودية واستعمالها للديمقراطية لخدمة يهوديتها يقصينا ويضعنا في تصادم مع طبيعة وماهية الدولة التي نعيش فيها. لذلك نطالب بنظام ديمقراطي توافقي يمكننا من المشاركة الحقيقية في اتخاذ القرار والسلطة لضمان حقوقنا القومية والتاريخية والمدنية الفردية والجماعية". لاحظوا أن المطالبة هنا لم تشمل تغيير "ماهية الدولة"، ومع ذلك فإنّ النتائج الجوهرية لردات الفعل هذه لا تبشّر بإمكان استشفاف أفق مغاير في إسرائيل 2006 فصاعدًا، بالأساس على صعيد جوهر المواطنة، لجهة إتاحة صيرورة تطابقها مع الحدود الجغرافية لا مع حدود "القومية اليهودية" في مختلف أماكن وجودها.

 

وإذا كان لموقف صحيفة إسرائيلية تعتبر نفسها ليبرالية، مثل "هآرتس"، أن تعكس هذه الحصيلة، فمن شأن ذلك وحده أن يعطي صورة صافية وصريحة، إلى ناحية تشخيص الوضع القائم والإحالة إلى احتمالاته القادمة. فقد سبق لـ "هآرتس" أن دعت، في مقال افتتاحي خاص (11/12/2006)، إلى رفض الربط بين المطالب الداعية إلى مساواة المواطنين العرب في إسرائيل وبين مطلب تغيير الطابع اليهودي للدولة. كما دعت قادة الدولة إلى أن يكون ردّهم على المواثيق الجديدة للمواطنين العرب من خلال تبني الفصل الواضح بين الأمرين.

 

كما أشرنا سابقًا إلى التجاء رئيس "مؤتمر هرتسليا"، البروفيسور عوزي أراد، الذي أشغل في السابق منصب المستشار السياسي لرئيس الحكومة الأسبق بنيامين نتنياهو، في دورته السابعة التي عقدت مؤخرًا، إلى شنّ هجوم حادّ على المواطنين العرب في إسرائيل، معتبرًا أن استئنافهم على "يهودية إسرائيل" كما تجلّى الأمر بحسب قراءته في "وثيقة التصوّر المستقبلي" يضعهم في قارب واحد مع "القوى المحيطة بإسرائيل الرافضة لحقها في الوجود كدولة ديمقراطية ويهودية، وهو الحقّ الذي اعترف به العالم"، على حدّ قوله.

 

وتعرّضت الوثيقة إلى هجوم لا يقلّ حدّة من طرف المسؤولين عن "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، الذي ينهمك منذ عدّة سنوات في صوغ "دستور بالوفاق" لدولة إسرائيل، ينطلق من التسليم الإطلاقي بيهوديتها حتى من جانب "غير اليهود".

 

لعلّ أحد الأمور القديمة المتجدّدة، الذي يمكن الإشارة إليه في التقطير العام للنتائج السالفة، مؤداه رسوخ التغيير البنيوي الذي يجتاح المجتمع اليهودي في إسرائيل أعمق فأعمق خلال السنوات الأخيرة، والذي يتراءى لبعض الناظرين إليه باعتباره مجرد انزياح نحو اليمين قابل للارتداد، بينما في الواقع عكس ذلك تمامًا. ويكمن الجوهر الحقيقي لهذا التغيير في استعادة المبدأ الصهيوني الأصولي المتعصب المنطوي على إيمان (أعمى؟) بـ"الضرورة الملحة لدولة تعمل على دفع مصالح الشعب اليهودي إلى الأمام" فحسب، وبالتالي ما من اعتبار يفوق "يهودية إسرائيل". وتنسحب هذه الاستعادة حتى على بعض الذين حاولوا الحفر في مترتبات نشوء هذه الدولة على "الشعب الآخر" وعلى الجزء الباقي منه في تخومها. وهو ما سبق أن سوّغ، مثالاً لا حصرًا، تأييد "خطة الانفصال" الشارونية، من طرف واحد، عن بعض المناطق الفلسطينية في نطاق اعتبارها "رافعة أخرى" لضمان "طابع إسرائيل كدولة يهودية"، حسبما أشير في الاستطلاع السنوي الأخير لـ"مركز يافه للدراسات الإستراتيجية" الذي ينضفر في "مشروع الأمن القومي والرأي العام". وكما تعبّر عن ذلك نسبة الداعين إلى صرف الأنظار عن معاناة الفلسطينيين من جراء إقامة "الجدار"، في الاستطلاع نفسه وغيره من استطلاعات الرأي الإسرائيلية في الفترة الأخيرة.

 

وبدهي أن يكون هذا "المزاج العام" في أوساط اليهود الإسرائيليين ذا دلالات داخلية، بشكل خاص في المواقف المعبّر عنها من قبل هؤلاء حيال المواطنين العرب في الداخل. هنا تجدر الإشارة إلى ارتفاع نسبة القائلين بوجوب عدم إشراك هؤلاء المواطنين في أي استفتاء عام حول "قضايا مصيرية" تواجه الدولة مثل "إعادة المناطق الفلسطينية" و"إقرار الحدود الدائمة".

 

لقد سبق للمشرف على استطلاع "مركز يافه"، البروفيسور في العلوم السياسية آشير أريان، أن خلص، حتى في تعليقه على استطلاع المركز الصادر في 2002، إلى القول إنه "مقابل العنف والإرهاب الفلسطينيين" يؤيد الإسرائيليون اليهود مواقف أكثر يمينية من تلك التي اتخذوها في الماضي. وهذا يؤكد أن الزمن الراهن هو زمن صراع، لا زمن مفاوضات ومحادثات وتلبية حقوق. وإن نظرة متأملة للغالبية الساحقة من ردات الفعل على مبادرة بلورة تصوّر مستقبلي للفلسطينيين في الداخل، تعتبر تزكية لهذه الخلاصة من وجهة النظر الإسرائيلية المحضة.

المصطلحات المستخدمة:

هرتسليا, هآرتس, عوزي, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات