شكل التشديد على يهودية الدولة ركنا أساسيا من أركان الفكر الصهيوني، ويهودية الدولة قبل ديمقراطيتها هي من طبيعة النظام الاثني الإسرائيلي. ولكن لم نشهد تشديدا على هوية الدولة اليهودية والصهيونية كما هو في السنوات الأخيرة
شكل التشديد على يهودية الدولة ركنا أساسيا من أركان الفكر الصهيوني، ويهودية الدولة قبل ديمقراطيتها هي من طبيعة النظام الاثني الإسرائيلي. ولكن لم نشهد تشديدا على هوية الدولة اليهودية والصهيونية كما هو في السنوات الأخيرة. وربما يكون ذلك بفعل عاملين: الأول العولمة وقد لعبت دورا معاكسا في الحالة الإسرائيلية، حيث أدت إلى التشديد على يهودية الدولة. والثاني الانتفاضة والمسألة الفلسطينية والتي تشمل قضية الأقلية الفلسطينية في إسرائيل. فقد لعب خطاب المواطنة الذي انتهجه العرب في الداخل دورا كبيرا، العرب فهموا القوة الكامنة في المواطنة في تحسين مكانتهم المدنية وفي نفس الوقت وضع هوية الدولة على أجندة العمل السياسي والحقوقي العربي والدولي . إن التشديد على هوية الدولة اليهودية كان، ضمن أشياء أخرى، نتيجة رد فعل على خطاب المواطنة والقوة الكامنة فيه، خطاب لا يتناقض مع بلورة الهوية الجماعية للعرب في إسرائيل. إن التشديد على يهودية الدولة أدى إلى طرح مشروع الخدمة الوطنية كاستحقاق على العرب دفعه للدولة اليهودية ليس كفعل إجرائي تطوعي بل لإعطاء شرعية لرموز الدولة الثقافية ومبناها الاثني.عندما شكلت الحكومة لجنة "عبري" لفحص موضوعة العرب في إسرائيل وسبل تطبيق مشروع الخدمة الوطنية اشترطت اللجنة منح الحقوق بتقديم الواجبات من طرف العرب.
تعدى هوس "يهودية الدولة "وفرض رموزها إلى فرض رموز الدولة والحركة الصهيونية وتراث اليهود على عقل الطالب العربي. ويشكل جهاز التعليم العربي أداة للسيطرة على العرب، على وعيهم كما على وجودهم. وتشكل مضامين التعليم العربية نهجا مدروسا في هذا الإطار لتمييع هوية الطالب الفلسطيني وإحساسه بتاريخه وثقافته ورموزه الوطنية.
وفي نفس الاتجاه (التشديد على يهودية الدولة الاثنية ) طرحت وزارة المعارف أخيرًا 100 مصطلح على الطلاب العرب لدراستها. تنقسم المصطلحات إلى ثلاث مجموعات: مجموعة المصطلحات التي تتناول التراث اليهودي (وليس العربي الفلسطيني طبعا) ومجموعة المصطلحات التي تتناول الحركة الصهيونية (ليس الحركة الوطنية الفلسطينية أو الحركة القومية العربية بكل تأكيد) ومجموعة المصطلحات في الديمقراطية.
ورغم تقسيم المائة مصطلح بالتساوي بين قيم الصهيونية والديمقراطية والتراث فإن التربية للهوية الوطنية اليهودية تأتي على حساب التربية للهوية المدنية وذلك من خلال إدراج قيم صهيونية في قائمة "مصطلحات الديمقراطية" (لليهود والعرب) مثل "النشيد الوطني" أو "قانون العودة". ويلاحظ أن القيم الصهيونية تتبنى الرواية الصهيونية فقط في تعريف الحروب الإسرائيلية- العربية، وفي جميعها، من "حرب الاستقلال" إلى حرب "سلامة الجليل"، كانت إسرائيل "مضطرة" لخوض القتال دفاعا عن ذاتها "أمام الإرهاب والاستفزاز العربيين".
إن تعليم الرواية الصهيونية والثقافة اليهودية للطالب العربي يهدف إلى خلق وعي مشوه وهوية إسرائيلية في محاولة لإنتاج وعي قسري في ظل غياب الرواية العربية الفلسطينية البديلة. وهناك تغييب للشخصيات الوطنية الفلسطينية (لم نقل العربية) ثقافيا وسياسيا.
أما الجزء الخاص بالتراث فلم يشمل سوى أسماء ابن رشد وابن سينا وابن خلدون وهو مليء بالمصطلحات التي يعرفها الطالب العادي من الحياة والدروس الأخرى (كالدين والتاريخ) مثل عيد الأضحى وعيد الفطر والمؤذن والكنيسة والمسجد والمروءة والمعلقات والاستسقاء والخيمة والخليفة. وهي مصطلحات لا تعبر عن التراث العربي الإسلامي ولا تقدم لمعاني الهوية الوطنية شيئا ولا تحقق الخصوصية الثقافية للطالب العربي الفلسطيني، عدا كونها عرفت بطريقة سطحية لا تنم عن فهم عميق لها.
وقد عرف مصطلح "جيش الدفاع الإسرائيلي"، على سبيل المثال، بطريقة تعبر أولا عن الرواية الصهيونية وفي نفس الوقت تحمل رسالة سياسية للطالب العربي، وذلك على الوجه التالي: "أقيم جيش الدفاع الإسرائيلي في 31/5/1948 ليصبح جيش دولة إسرائيل الوحيد. يقوم الجيش على الخدمة الإلزامية، الدائمة والاحتياطية. تشمل الخدمة الإلزامية اليهود والدروز والشركس. الخدمة الدائمة هي تطوّعية. بدو ومسيحيون يتطوّعون للخدمة في الجيش".
لا شك أن جهاز التعليم العربي هو أحد أهم أجهزة الضبط التي تستعملها الدولة للسيطرة على العرب، ولكن صراعنا ضد هذه المصطلحات ليس نابعاً فقط من كونها تشوه وعي وهوية الطالب بل لأنها أيضًا تمت دون مشاركة العرب بشكل جماعي رغم أن اللجنة شملت عربا ولكنهم أفراد ولا يعبرون عن مجموع الفلسطينيين في إسرائيل. هذه المصطلحات تدفعنا إلى الحديث مجددا عن عملية التثقيف خارج المدرسي، التثقيف الوطني الذي ينبع من مؤسساتنا الوطنية والداخلية. وتقف في مركز هذه العملية الأحزاب السياسية أولا ثم مؤسسات المجتمع المدني ثانيا. علينا أن نواجه هذه المصطلحات من خلال طرح مشروع ثقافي يمكن أن يكون بديلا للمصطلحات القائمة أو مشروعًا قائمًا بحد ذاته يطرح معجما اصطلاحيا خاصًا بالفلسطينيين العرب في إسرائيل دون أي مانع في التعرف على المصطلحات الصهيونية ولكن من خلال الرواية الفلسطينية. علينا عدم المساومة على خصوصيتنا الثقافية، هنالك فرق بين "أقلية الوطن" أو "الأقلية الأصلانية" والمهاجرين، فالمهاجر يطلب الاندماج لأنه جاء إلى الدولة وليست الدولة هي التي جاءت إليه. لهذا ليس مشكلة عند الأقلية المهاجرة أن تقبل الرموز الثقافية للأغلبية وتمارسها أيضا من خلال التجنيد مثلا، ولكن لابن "أقلية الوطن" تبقى رموزه الثابتة ويقف أمامه تحديان حيال الدولة: الأول هو الأرض وقد خسرنا هذه المعركة، والثاني هو الرموز التي أتت بها الدولة، ولا يمكن ولا يجب أن نخسر هذه المعركة .