عند الدخول إلى ما تبقى من حي "محطة الكرمل" في حيفا، المعروف بتسمية "حي المحطة"، تواجهك الحقيقة بمرّها ومرارها. أنتَ في حيفا، لكنك في معزل عنها. أنت بجانب الشاطئ لكنك ممنوع من الإقتراب منه؛ تسكن الميناء لكن لا حق لك في النظر اليه. جدار بارتفاع عشرة أمتار يفصلك عنها، يُغلق كلّ المسارات نحو البحر. وعندما تدق أجراس "قدوم القطار" يُغلق المنفذ الوحيد نحو الشارع فتقع "المحطة" رهينة لـ "غيتو" في دولة "تعرف قيمة الإنسان".
ما يعنينا في هذا السياق هو "الحاضر الغائب"، وهو الحاضر الذي أصرت أنظمة وقوانين الدولة على إنكار حضوره واعتباره غائباً بهدف وضع اليد على أملاكه؛ أرضه وبيته وأمواله في المصارف، ولم يشفع لهذا "الحاضر" حضوره الجسدي ومستنداته وكواشينه وسائر أوراقه الثبوتية!!
تحت عنوان "المواجهة المحدودة" عقد الجيش الإسرائيلي، الأسبوع قبل الماضي، مؤتمرا دوليا في تل ابيب استمر ثلاثة ايام شارك فيه مندوبون عن جيوش غربية وملحقون عسكريون أجانب اضافة الى وزير الدفاع شاؤول موفاز ورئيس هيئة أركان الجيش، موشيه يعالون وضباط كبار. وطيلة الأيام الثلاثة تواصلت ندوات ومحاضرات مختلفة قدمها عسكريون إسرائيليون وأميركيون حول: القتال داخل الأماكن المأهولة، حرب العصابات، المواجهة المحدودة المتواصلة والإعلام اثناء المواجهة وغيرها من المواضيع التي انضوت تحت سقف "المواجهة المحدودة".
كما في كل أزمة ائتلافية ساخنة، وحين يبدأ رئيس الحكومة، أي رئيس حكومة، في البحث عن غالبية فإنه يفطن بوجود نواب وكتل برلمانية تمثل الاقلية الفلسطينية في اسرائيل، ويبدأ الاستجداء والبحث عن احتمالات وامكانيات للحصول على اصواتهم لدعم هذا المشروع الحكومي او ذاك، والحديث اليوم يجري عن الميزانية. وهذا على الرغم من الهجوم السلطوي المنهجي الموجه ضد النواب العرب، وتشويه صورتهم امام ناخبيهم من خلال الادعاء انهم لا يعالجون قضايا الجماهير التي انتخبتهم، لا بل جندت السلطة وسائل اعلام معروفة ناطقة باللغة العربية لهذا الغرض.
الصفحة 53 من 98