المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أقيمت في الجامعة العبرية في القدس محاضرة تحت عنوان "يقودون من المقعد الخلفي- إقرار السياسة ما بين المستوى التنفيذي والمستوى المنتخب" بمشاركة البروفسور يحزقئيل درور، عضو لجنة فينوغراد التي بحثت أسباب فشل الحرب الأخيرة على لبنان.

وتمحورت الأمسية حول كيفية تنسيق العمل بين المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل، في أعقاب فشلهما في إدارة الحرب الأخيرة على لبنان.

قال درور في مقدمة كلمته :"واضح أن هناك حاجة في إسرائيل إلى عقل حكومي مركزي ومتفوق في كل ما يتعلق بالمواضيع السياسية والأمنية، إلا أن ذلك لا يتم لمسه، لا في الطريقة التي تم بها الانفصال عن قطاع غزة والمواجهة مع حماس، ولا في المفاوضات الجارية مع السلطة الفلسطينية، ولا في حرب لبنان الثانية، وهذه قلة من عدة نماذج غاية في الخطورة".

وتابع قائلاً إن حرب لبنان الثانية، مثلما جرى تقييمها على يد لجنة فينوغراد، هي مثال نموذجي لعيوب خطرة في الإدارة وتقسيم العمل والمهام بين المستوى السياسي المنتخب والمستويات المهنية الأخرى والتي نتج عنها، على سبيل المثال، تأثير فائض على مر السنين للمستوى الأمني والعسكري على القرارات السياسية- الأمنية، إلا أنه في حرب لبنان الثانية وصل الأمر إلى حد التطرف، إذ أن الجيش عملياً هو من حدد سير المعركة. وشدد درور على أن وضعا كهذا لا يجب أن يستمر وعلى الرغم من البدء بإجراء بعض التحسينات إلا أنها غير كافية فالمطلوب هو شبه انقلاب في كل ما يتعلق بعملية اتخاذ القرارات السياسية- الأمنية.

وتطرق إلى ما جاء في تقرير فينوغراد الذي يفصّل قسما من الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع الخطر، ومن بينها غياب التفكير الإستراتيجي لدى القيادتين السياسية والعسكرية، وعدم التوازن بين الاعتبارات العسكرية والاعتبارات السياسية بسبب الثقل الفائض للجيش في عملية اتخاذ القرارات السياسية- الأمنية، بالإضافة إلى غياب المعرفة المهنية المطلوبة لدى العديد من المهنيين المسؤولين عن التفكير السياسي الإستراتيجي.

وشدد درور على خطورة غياب دور فاعل لمجلس الأمن القومي كعامل مهني إلى جانب الحكومة ورئيس الحكومة. وذكر أن هذا هو العيب الأول الذي يجسد مدى خطورة الوضع في كل ما يتعلق بالعلاقات ما بين المستوى المنتخب والمستويات المهنية السياسية- الأمنية الأخرى. وتطرق إلى الخلفية التاريخية قائلاً إنه في وقت متأخر جداً أقيمت على يد رئيس الحكومة الأسبق إسحق شامير هيئة للأمن القومي كان من المفترض أن تتحول إلى قيادة سياسية- أمنية مركزية، لكن هذه المبادرة لم يتم إتمامها حتى حقبة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والذي أنشأ مجلس الأمن القومي وتم تحديد وظائفه ودوره بشكل واضح، إلا أن هذا المجلس بقي جسما هامشيا ولم يساهم بشكل ملموس في حسم القرارات السياسية- الأمنية المركزية. وفي أعقاب تقرير فينوغراد المرحلي تم الإعلان عن خطوات جادة لإعادة بناء المجلس، إلا أن هذه التصريحات والخطوات الأولية لفها الصمت ولم تر النور. تقرير فينوغراد النهائي أوصى كذلك بضرورة إعادة بناء المجلس وأضاف له أبعادا أخرى كالعمل على تأمين مستوى مهني متفوق، ولكن على الرغم مما تتضمنه التقرير النهائي من استنتاجات خطرة جداً بشأن أداء المستوى السياسي والمرتبطة بغياب التوافق بينه وبين جهات مهنية جديرة، وبخلاف التصريحات والنوايا المعلنة، لا تتوفر أي معلومات لدى الجمهور عن أي مجهود من قبل المستوى السياسي لتطبيق توصيات التقرير النهائي والخطوات الأولية التي أجريت لإعادة بناء مجلس الأمن القومي أصابها على ما يبدو الشلل. وعلى ضوء الحقائق، التي تشير إلى أنه ليست هناك أي خلافات في الرأي بشأن أهمية وجود جسم قيادي سياسي- أمني مهني ومتفوق إلى جانب رئيس الحكومة، يطرح السؤال كيف يمكن تفسير استمرارية الوضع التعيس الراهن؟.

وذكر درور عشرة أسباب لذلك، أولها قوة الحماس والاندفاع العاطفي والأيديولوجي بالإضافة إلى مشاكل سياسية مستمرة تشكل حاجزا أمام مناقشة مهنية وموضوعية، وأيضاً معارضة الجيش وفي معظم الحالات وزراء الدفاع من منطلق إيمانهم بأنهم يملكون المعرفة والحكمة بالكامل وهم يخوضون نضالاً للحفاظ على قوتهم في اتخاذ القرارات، ثم أيضاً المعارضة من قبل معظم المستشارين الشخصيين لرئيس الحكومة والذين لديهم تخوفات بشأن تآكل قدرتهم على التأثير عندما يضطرون إلى منافسة وحدة قيادية مهنية، وكذلك هناك ضعف تاريخي في التفكير الإستراتيجي في وزارة الخارجية والعرف السائد هو عدم التشاور مع وزراء الخارجية في المواضيع الأمنية، بالإضافة إلى التخوف من حدوث تسريبات في مواضيع حساسة من الناحية السياسية وخيبة الأمل من نتاج وأداء مجلس الأمن القومي والمرتبطة بضعف تركيبته المهنية، كما أن هناك مشاكل مع قسم من رؤساء المجلس الذين سعوا إلى الحصول على صلاحيات تنفيذية ورأوا بدورهم كمرحلة انتقالية لدور آخر أكثر تأثيراً أرادوا لعبه. هذا بالإضافة إلى ثقة فائضة بالنفس لدى قسم من رؤساء الحكومة وإحساسهم بـ"وضاعة القدر" عند الحديث مع مهنيين متفوقين، وبهذا تحول المجلس إلى جسم غير مريح لهم. ويمكن أيضاً ذكر عدة نجاحات بارزة في المضمار السياسي- الأمني والتي كأنما أثبتت أنه ليست هناك ضرورة لعمل جسم مهني سياسي- أمني إلى جانب الحكومة ورئيس الحكومة، وبهذا تم تجاهل الفرق بين نجاحات موضعية وبين إخفاقات عديدة في مواجهة أوضاع سياسية- أمنية ديناميكية ومركبة.

وأخيراً في الوضع الراهن يمكن لمس إرادة ومسعى من قبل عدة مسؤولين رفيعي المستوى لصرف النظر عن تقرير فينوغراد بكل ما يحمله من استنتاجات خطرة، وبالأخص أنه بعد نشر التقرير النهائي لم يعد هناك أي داع لمحاولة التأثير على اللجنة من خلال إظهار الاستعداد لاستخلاص العبر بشكل جدي كما كان الأمر بعد نشر التقرير المرحلي. وعلى الرغم من المناقشة التي أجرتها الحكومة بخصوص التقرير النهائي، والتي تقرر فيها تبني محتويات التقرير والاعتراف بأهميته العليا والعمل على تطبيق توصياته بأسرع ما يمكن، كما ألقيت مهمة تعقب عملية التطبيق على لجنة من الوزراء أقيمت لهذه الغاية، إلا أن درور تطرق إلى هذا القرار بريبة وشك كبيرين.

وأردف أن الجهات القيادية القائمة والمتمثلة في وزارة الدفاع والجيش وبشكل جزئي وزارة الخارجية بالإضافة إلى جهات أمنية أخرى غير كافية ولا تستجيب لاحتياجات إسرائيل وهذا ما اتضح في حرب لبنان الثانية. وأضاف أنه حتى رئيس حكومة يتميز بقدرة على التفكير الإستراتيجي بحاجة إلى جسم مهني سياسي- أمني يعمل إلى جانبه حتى يتم منع ارتكاب أخطاء خطيرة كالأخطاء التي ارتكبت في أثناء الانفصال عن قطاع غزة.

وأنهى درور حديثه بعرض توصياته والتي جاء في مقدمتها- العمل بشكل فوري وعاجل على إعادة بناء مجلس الأمن القومي وتأمين مكانة هامة وطاقات مطلوبة له، بمن في ذلك مختصون مهنيون متفوقون مع دراية وخلفية في عدة مجالات. بالإضافة إلى اتفاق دستوري ينص على أنه في وضع إسرائيل يجب بشكل قاطع أن يكون رئيس الحكومة أو وزير الدفاع صاحبي معرفة وخبرة عميقتين في المجال السياسي- الأمني، الأمر الذي من شأنه أن يزيد احتمال القدرة على التفكير الإستراتيجي أو على الأقل احتمال الانفتاح لتفكير كهذا.

وأوصى كذلك بوجوب تقليص دور رئيس شعبة الاستخبارات كمقدر وحيد لخطر نشوب حرب، وقال إنه يجب إقامة وحدة تقييم قومية لذلك تعمل إلى جانب مجلس الأمن القومي، ويجب كذلك التقليل من مكانة الأمناء العسكريين لرئيس الحكومة وتقليص دورهم. ومن المهم تعزيز إشراك وزارة الخارجية في القرارات السياسية- الأمنية وتطوير قدراتها في هذا الشأن من خلال كادر مهنيين يختصون بمجال التخطيط السياسي- الأمني، كما يجب تطوير كادر كهذا في المؤسسات الأكاديمية العليا. وقال درور إنه يجب ممارسة ضغط متصل من جانب الجهاز السياسي ووسائل الإعلام والجمهور لتبني هذا الإصلاح.

واختتم كلمته بقوله: "أظن أنه من واجب أعضاء لجنة فينوغراد، كمواطنين ومهنيين، العمل بشكل شخصي لتصحيح الإخفاقات الخطرة التي ظهرت في حرب لبنان الثانية، والتي تدل بشكل واضح على إخفاقات خطيرة في كل ما يتعلق بتحديد السياسة الأمنية في إسرائيل، فالحديث يدور حول مستقبل إسرائيل البعيد المدى، وهذا الجهد مطلوب بشكل خاص على ضوء التخوف من وجود أشخاص غير قلائل يسعون لصرف النظر عن التقرير".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات