نظم مركز "إعلام" للحقوق الإعلامية جولة ميدانية للصحافيين في مدينتي اللد ويافا مساهمة في تعزيز معرفتهم حول واقع حياة سكانهما ومعالمهما قبل وبعد النكبة.
لم ينتظر المرشد المرافق د. مصطفى كبها بلوغ اللد المحطة الأولى في الجولة فشرع بتقديم استعراض تاريخي وجغرافي للمكان على جانبي شارع "عابر إسرائيل" بدءا من باقة الغربية فأشار إلى أنها كانت تتبع محافظة طولكرم بل الحد الفاصل بينها وبين محافظة جنين. وأضاف: الى الغرب- الجنوب من باقة يمتد سهل قاقون المشهور بخصوبة أراضيه حيث كانت البطيخة الواحدة فيه تملأ "خرج" الجمل وقاقون كانت بلدة كبيرة مهجرة لم يبق منها سوى قلعة صليبية أقيمت على خرائبها مستوطنة "باحن". بين مدينتي الطيبة داخل أراضي 48 وطولكرم المحتلة عام 67 تقوم قريتا أرتاح وفرعون اللتان تشكلان باتساعهما الطبيعي جسرا يختزل المسافة بين المدينتين يوما بعد يوم.
في الجهة المقابلة للشارع السريع أشار المرشد لمدينة الطيرة التي دافعت عن نفسها في معركة كبيرة جرت يوم سقطت يافا (14.05.48) شارك فيها جيش الإنقاذ بقيادة الضابط عبد الكريم قاسم، الذي بلغ سدة الحكم في العراق عبر ثورة 14 تموز لاحقا.
بين العوجا واليركون
بعد اجتياز نهر العوجا النابع من رأس العين والذي بات يعرف باسم اليركون أشار المرشد إلى أن أربع قرى مهجرة انتشرت في منطقة مصبه وهي: أجليل وجماسين والشيخ مؤنس وعرب أبو كشك. والأخيرة انطلق منها قائد أول هبة فلسطينية بوجه الانتداب، الشيخ شاكر أبو كشك والذي شارك أربعة من أبنائه في قيادة الثورة الكبرى عام 1936. واستذكر بعض الصحافيين قصيدة أدخلتها إسرائيل في مناهجها التعليمية وفيها تم تحوير العوجا إلى اليركون حينما قيل: "يركوننا الصافي يا قلب وادينا... من صدرك الرحب بالماء تسقينا..".
بعد قرية المزيرعة، اكبر قرى قضاء الرملة التي هجر أهلوها إلى مخيمات رام الله، أطلت خرائب قرية قولا مسقط رأس الشهيد حسن سلامة قائد "الجهاد المقدس" في المنطقة الوسطى إلى أن استشهد في النكبة وهو والد علي "النجم الأحمر" الذي اغتالته المخابرات الإسرائيلية في بيروت عام 1978. وقد أتى "عابر إسرائيل" على مدرسة القرية وبعض منازلها فيما تبقت خرائب بيت المختار..
على مشارف مدينة الرملة مرت الحافلة بقرية أبو شوشة فأشار المرشد الباحث كبها إلى وجود ثلاث قرى فلسطينية تحمل الاسم "أبو شوشة": واحدة في مرج ابن عامر وأخرى في منطقة طبريا وتلك المحاذية للرملة. ونوه كبها إلى أن مطار بن غوريون في الجهة المقابلة، في اللد، يقوم على مطار فلسطين الدولي الذي أسسه الانتداب الانجليزي لافتا إلى انه يحتفظ بصورة له تظهر التيرمينال وطائرة جاثمة تنقل اليها الحقائب بالجمال. وأضاف "في البداية تردد اليهود في احتلال المكان كونه يتبع للدولة العربية بموجب قرار التقسيم". ونوه المرشد إلى وجود طيارين فلسطينيين قبل النكبة عملوا في قيادة الطائرات المدنية مستذكرا منهم عقيدًا خدم في الجيش البريطاني من قرية رامين قضاء طولكرم (وهو قريب الشهيد ثابت ثابت) قرية الطيار الذي قاد طائرة الرئيس الراحل ياسر عرفات يوم سقطت في الصحراء الليبية.
الجدار العنصري في اللد أيضا..
في مدينة اللد تجول الصحافيون داخل بعض الحواري العربية التي ما زالت آثار النكبة كائنة فيها إلى اليوم وتشهد محاولات ترحيل بأساليب غير مباشرة كما أكد المرشد هناك سامي أبو شحادة. في حي "جاني افيف" تلقى 80 بالمائة من أصحاب المنازل العربية أوامر بالهدم بحجة عدم استصدارهم التراخيص. هنا يمانعون في وضع خريطة هيكلية للحي توسع المساحة المعدة للبناء ما يضطر السكان إلى بناء منازلهم دون الرخص المطلوبة على أراضيهم وتسديد غرامات باهظة تبلغ عشرة آلاف دولار في العام. ولا يختلف حال حي "بيارة شنير" عن الحي المذكور بل أحيط بجدار عنصري من جهة الغرب شيدته مستوطنة "نير تسفي" لمنع المواطنين العرب من المرور من أراضيها مستلهمة جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية. وداخل الحي يقع واحد من مراكز جماعة الدعوة والتبليغ وهي حركة تعكف على التبشير بالإسلام واستعادة مكانة المسجد محورا للخدمات الاجتماعية والثقافية في المدينة كما كان في التاريخ الإسلامي. وتعلن الحركة عدم تدخلها بالسياسة وهي غير تابعة للحركة الإسلامية لا الشمالية ولا الجنوبية.
أما "المحطة"، الحي التاريخي، فيخضع الوافدون إليه لتفتيش حاجز حرس الحدود بهدف "مكافحة المتاجرة بالمخدرات"، كما تقول الشرطة الإسرائيلية. ولم يبق من ذاك العصر الذهبي سوى بعض البنايات وأشجار المانغا التي استحضرها الضباط الانجليز من مصر وقتذاك. وأكد المرشد أبو شحادة أن المتاجرة بالمخدرات انتقلت إلى أحياء أخرى لكن الأهالي الأبرياء هنا ظلوا يدفعون ثمن الحصار. وكسائر الأحياء يتعرض"المحطة" إلى هدم المنازل وقيام السلطات بنشر الصخور الكبيرة من فوق أراضي السكان العرب لمنعهم من إعادة البناء. وبسبب النظرة العنصرية فإن حياة العرب في تلك البقعة أرخص من سعر البصل إذ قتلت القطارات التي تمر من هناك 12 مارا خلال العامين الأخيرين دون أن يدفع ذلك السلطات إلى اتخاذ أي نوع من تدابير السلامة.
يشار إلى أن الكثيرين من أبناء المكان هم من "الحاضرين الغائبين" ممن يقيمون في خرائب على بعد عشرات الأمتار من منازلهم المسكونة باليهود.
حي دون اسم
بين مدينتي اللد والرملة يعيش نحو ألف مواطن عربي هجروا في النكبة من منطقة النقب وبيسان وهم اليوم محاصرون بمخاطر الموت جراء دهس القطارات أو التسمم نتيجة مجمعات القمامة والخردة التي تلقى بجوارهم . في حديث لـ"المشهد الإسرائيلي" شكا المواطن صبحي شعبان الذي أوضح انه ولد في بيسان قبل تهجيره مع ذويه إلى باقة ثم إلى الرملة من قيام سلطات التنظيم والبناء بسد الجهة المحاذية لسكة الحديد بجدار إسمنتي بدلا من بناء جسر يربط الحي بالمحيط الخارجي. وأضاف بمرارة "عندما سألت رئيس لجنة التنظيم والبناء كيف سيمر الأهالي بعد الآن قال: لا أعرف ربما بالمروحيات..".
ولفت شعبان إلى أن بلدية الرملة ترفض تقديم خدمات لأهالي الحي بذريعة انه يتبع لبلدية اللد وحينما توجهنا للأخيرة أجابونا بعكس جواب الأولى "وبين حانا ومانا ضاعت لحانا...".
وبمبادرتهم أطلق الأهالي هناك على حيهم اسم "واحة المستقبل" مؤخرا لكن الاسم الجديد لم يحل مشكلة تلاميذهم الذين ظلوا دون مدرسة ابتدائية واحدة.
يافا البحر..هل يحتفل "حسن بيك" بعيد ميلاده المائة؟
في يافا استمع الصحافيون إلى محاضرات عن يافا البحر بين الأمس واليوم قدمها المحامي احمد بلحة والناشط يتيم علي اللذان استعرضا سقوط يافا وتهجير سكانها عدا ثلاثة آلاف تم حشرهم في حي العجمي بعد إحاطته بسلك شائك تمنع مغادرته إلا بتصريح.
كما شارك في تقديم الشروحات الدكتور تسفي ألبيلغ الباحث ومن المدافعين التاريخيين عن مسجد حسن بيك الذي حيكت المؤامرات لهدمه أو تحويله إلى متجر من قبل البلدية و"أمناء الوقف". ألبيلغ هو جنرال متقاعد اشغل منصب الحاكم العسكري في نابلس ومن ثم في قطاع غزة قبل أن يعين سفيرا لإسرائيل في اسطنبول. وقد دفعه اهتمامه بالتاريخ والجغرافيا والآثار إلى الذود عن المسجد في مطلع الثمانينيات إلى حد الاعتصام به والإضراب عن الطعام فيه احتجاجا على نية بلدية تل أبيب برئاسة شلومو لاهط تأجيره لشركة خاصة تمهيدا لتحويله إلى مطاعم ومتاجر وبمساعدة بعض "أمناء الوقف" الذين تم شراء ذممهم. وهاجم ألبيلغ النواب العرب لاستنكافهم عن الشروع بنضال كبير بغية استرداد الأوقاف الإسلامية في البلاد مستذكرا أن النائبين توفيق زياد وعبد الوهاب دراوشة فقط قدما استجوابات في الكنيست بهذا الخصوص لينتهي الموضوع.
سارق حذاء رئيس البلدية
واستذكر ألبيلغ أن احتجاجاته القوية ومواجهته لبلدية تل أبيب في حينه ساهمت بشكل ما في استنهاض أهالي يافا نحو النضال حتى تم إنقاذ المسجد من الضياع.
يشار إلى أن رئيس البلدية شلومو لاهط قد زار بنفسه المسجد بعد عدوله عن مخططاته، وشارك في احتفال إعادة افتتاحه وفيما كان مع وجهاء المدينة داخل "حسن بيك" قام الشاب عوفر، نجل ألبيلغ نفسه، بسرقة حذاء رئيس البلدية بعد أن خلعه عند مدخله. وبعد انتهاء مراسم الاحتفال خرج المصلون والمحتفلون من المسجد وسرعان ما وقعوا بالحرج حينما اكتشف لاهط اختفاء حذائه فهرول بعض المرافقين إلى السوق لاقتناء حذاء جديد للرئيس. وفي المساء انتهى اللغز وعرف لاهط سر اختفاء الحذاء حينما بلغته برقية من عوفر ألبيلغ بخط يده قال فيها : "أنا الذي سرقت الحذاء.. تخيل كم كان الأمر محرجا ومؤذيا جراء ضياع حذاء.. فلك أن تتخيل الوجع الذي أصاب عرب يافا عندما سرق مسجدهم"..
وردا على سؤال عن دوافع نضاله من أجل المسجد الذي مر على بنائه مائة عام لم يخف ألبيلغ أن دوافعه إسرائيلية تتمثل بالدفاع عن أخلاقياته اليهودية وعن فرصة التعايش المشترك.
وعن مستقبل الصراع بين الشعبين يعتقد ألبيلغ أن إخلاء الضفة الغربية بعد غزة لاعتبارات ديمغرافية وأمنية باتت مسألة محسومة لدى صناع القرار في إسرائيل داعيا الحكومة إلى إرجاع كافة الأوقاف الإسلامية إلى المواطنين العرب كون حيازتها الآن لا يخدم مصلحة وطنية إسرائيلية.
ليلى خالد الثانية
ليلى خالد معمر سيدة فلسطينية من كندا تشارف على إتقان اللغة العربية بحذافيرها بعدما عادت واستقرت للعيش في الناصرة عقب زواجها من شاب نصراوي. شاركت ليلى في الجولة وهي تلبس ثوبا فلسطينيا وغطاء تراثيين ما لفت انتباه بعض الصحافيين اليهود الذين ناقشتهم بجرأة وثقة لافتتين في مسائل الهوية والحقوق التاريخية والعودة حتى إلى حيفا..
وقد كشفت ليلى أن والدها المقيم في تورنتو وقريب المحامي الكاتب توفيق معمر كان قد اسماها بهذا الاسم تيمنا بالمناضلة ليلى خالد ابنة حيفا.
السيدة ليلى خالد التي هجر ذووها من حيفا عام 48 إلى البرازيل وكندا وعادت لتستقر في البلاد طلبت المزيد من الشروحات حول المنطقة المحيطة بطريق العودة فاستعرض الدكتور كبها مواقع بعض القرى المهجرة مثل يازور التي ولد فيها أحمد جبريل وحوّل مقام الشيخ اليازوري فيها إلى كنيس كما يبدو جليا على قارعة الطريق .كما أشار بالبنان إلى جارتها بيت دجن.