المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ناشطات اجنبيات واسرائيليات يتطوعن لمناهضة الجدار في الارياف الفلسطينية يتحدثن إلى "المشهد الاسرائيلي": نحضر الى هنا انتصارا لكرامتنا الانسانية وللتضامن مع الذين يحول الاحتلال حياتهم الى جحيم

تقرير : وديع عواودة

منذ انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية في سبتمبر/ أيلول 2000 بدأت مجموعات من المتطوعين الأجانب والاسرائيليين بزيارة فلسطين، والمشاركة الفعالة والمنظمة في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. وهي تعزز اليوم جهودا متواصلة في مناهضة جدار الفصل العنصري، وفي فضح جرائم الإسرائيليين، وفي تقديم المساعدات الانسانية للفلسطينيين. وتعتبر "كتلة السلام" وحركة "السلام الان" وحركة "تعايش" اليهودية العربية من ابرز حركات السلام في اسرائيل ممن تكرس جهودا واوقات كبيرة في مناهضة الجدار والتصدي الفعال لاعمال التجريف ومجابهة جرافات الاقتلاع والتدمير معتبرين ان الجدار مشروع استيطاني لا يكفل الامن لاحد بل يزرع المزيد من الكراهية والعنف.

"جميلة سالم" سيدة في الاربعين من عمرها كانت تضع منديلا على رأسها لوقايته من الشمس الحارقة يوم التقيناها في رام الله فور انتهاء المظاهرة ضد الجدار في قرية الزاوية، يوم الجمعة. بعد ان جلست اخذت تروي انطباعاتها من المظاهرة التي شاركت فيها باللغة العربية العامية وهي تمسح قطرات العرق التي تصببت من وجهها. وسرعان ما تبين انها يهودية اسرائيلية من اصل سوري تعيش في ريشون لتسيون وتأتي مرة في الاسبوع لتشارك في المظاهرات ضد بناء جدار الضم. وعن ذلك قالت ل "المشهدالاسرائيلي": اولا احضر الى هنا انتصارا لكرامتي الانسانية وللتضامن مع جيراننا الذين يحول الاحتلال حياتهم الى جحيم. وثانيا انا مقتنعة تماما ان الجدار سيأتي على فسحة الامل الضيقة التي بقيت للسلام بين الشعبين. لذا اترك بيتي واولادي في البيت واحضر الى هنا سوية مع ناشطين وناشطات من اسرائيل اسبوعيا للتظاهر وتقديم ما يمكن من خدمات للفلسطينيين ضحايا الاحتلال الوحشي هذا. وافصحت جميلة ان عدد الاسرائيليين المشاركين في مثل هذه النشاطات يبلغ الآن نحو 900 شخص.

وتعتبر حركة التضامن الدولي التي أنشئت في 2001 بمبادرة فلسطينيين مغتربين وأجانب من أبرز هذه المجموعات وأهمها، وهي تعنى بمقاومة الاحتلال بطرق المواجهة الشعبية، ويشكل أفرادها معظم الأحيان دروعا بشرية من أنفسهم. ويبلغ عدد المتطوعين الذين شاركوا في فعالياتها منذ أغسطس/ آب 2001 نحو ألفي شخص، وفي الوقت الراهن هم نحو مائتي متطوع، كثير منهم نساء، يحضر بعضهم لأسبوع أو شهر أو أكثر، ويصل معدل عددهم الى خمسة عشر ناشطا كل أسبوع، و40% منهم تقريبا هم من الولايات المتحدة، ربعهم من الأمريكيين اليهود، ضمنهم مسنون مروا بتجربة المحرقة النازية (الهولوكوست) بحق اليهود، كما أفادت معلومات الحركة.

ورغم قلة أعدادهم، فإن المتطوعين الأجانب يسهمون كثيرا في المواجهات مع السلطات الإسرائيلية لا سيما أنهم منظمون ومجرّبون ومدفوعون بإرادة قوية تقهر العراقيل والضغوط الإسرائيلية عليهم، والتي باتت توصد أبوابها أمام دخولهم في حالات غير قليلة.

وحتى الآن قتل متطوعان: الأمريكية راشيل كوري التي أصر أهالي غزة الذين أحبتهم وأحبوها على اعتبارها شهيدة، والبريطاني توم هاندل الذي صرعته رصاصة إسرائيلية حاقدة في رفح، وجرح عشرات منهم بالرصاص المطاطي والحي والغاز المسيل للدموع، خلال المواجهات والتظاهرات الساخنة، كما في الزاوية وحزمة مؤخرًا.

ولم يفُت ذلك كله في عضد المتطوعين الذين يصرون على زيارة فلسطين، ومساندة أهلها، ومنهم رهبان وراهبات وأساتذة جامعات.

وفور وصول هؤلاء تقوم الحركة بتدبير شؤونهم لإعدادهم لمهمتهم بوساطة تدريبات مختلفة في رام الله، يطلعون فيها على واقع الاحتلال وتقاليد الشعب الفلسطيني، وسبل الحذر من مخاطر المواجهات، ويتعلمون كيفية التصرف عند الاصابة أو الاعتقال، اضافة الى كتابة التقارير الصحافية وإجراء الاتصالات مع الصحافة العالمية لفضح فظائع الاحتلال. وبعد انتهاء التدريبات، يتم إرسال المتطوعين الى جنين وقلقيلية ونابلس والقدس المحتلة والأرياف الفلسطينية، حيث يعيشون مع السكان المحليين في بيوت مستأجرة، أو مع ساكني بيوت فلسطينية مهددة بالهدم، في محاولة لمنع العنف الاحتلالي.

وقالت منسقة حركة التضامن الدولي، الأمريكية من أصل فلسطيني هويدا عراف(من قرية معليا الجليلية اصلا)، ان الناشطين الأجانب يسهمون في تعزيز أعمال التصدي لممارسات الاحتلال الإسرائيلي وإجباره على الحد من فظاعة تعامله مع المتظاهرين، لأن قادة الجيش يدركون دور هؤلاء في فضح جرائمهم، لذلك لم تتوقف إسرائيل عن عرقلة وصولهم، والتحريض عليهم باتهامهم ب “الفوضوية”، وعدم النضج وتعريض أنفسهم للخطر.

وأفادت عراف ان حركة التضامن الدولية تتعاون مع مجموعات متطوعين مماثلة، منها حركات السلام الإسرائيلية مثل “تعايش” أو “كتلة السلام”. وأضافت: “لا نمنع أحدا من المشاركة والتضامن معنا في المواجهات، غير أننا نأخذ برأي السكان المحليين أولا، لأن مناطق معينة مثل نابلس لا تحتمل مشاركة الإسرائيليين، خصوصا في الأيام التي يستشهد فيها كثير من أبنائها"، لافتة الى أن الحركة تهتم كثيرا باليهود الأمريكيين، لأهمية التقارير التي ينقلونها إثر عودتهم، من حيث مواجهة اللوبي الصهيوني المعادي.

في منطقة سلفيت، تنشط منذ نحو العامين حركة نسوية دولية “خدمات سلامية نسوية عالمية” تتخذ من قرية حارس مقرا لها، وهي نشطة جدا في النضال ضد الاحتلال، وتستمد استمراريتها من توافد الناشطات من مختلف البلدان الغربية واللاتي يتناوبن في أعمال التطوع.

ولا تخلو تظاهرة فلسطينية ضد الاحتلال، والجدار تحديدا، من الأعضاء النساء في هذه الحركة، فيما يزرن في سائر الأيام الحواجز العسكرية الإسرائيلية ويقمن برصد تصرفات جنود الاحتلال، وكتابة التقارير للمنظمات الحقوقية وللصحف الدولية، وتقديم المساعدات الإنسانية اليومية، كالمساهمات في إدخال المرضى للمستشفيات الفلسطينية أو الإسرائيلية أحيانا. وقالت الناشطة الأمريكية "هانا" (25 عاما) التي تمكث في فلسطين منذ شهرين للمرة الثانية ل “المشهد الاسرائيلي” إنها جاءت من أجل النضال ضد الاحتلال. وأضافت: “يهمني جدا ما يحدث هنا كأمريكية ويهودية، فالاحتلال يفعل ذلك باسم الشعب اليهودي، أي على نفقتي كدافعة ضريبة أمريكية”.

وعن مخاوفها وقلق أهلها عليها، أفادت "هانا" ان والديها قلقان جدا عليها وغاضبان من خطوتها، نتيجة الأفكار المسبقة ويظنون ان الفلسطينيين سيقتلونها باعتبارها يهودية وأمريكية. غير أن تقاريرها لهما، كما تقول، نجحت في إقناعهما تماما بسلامة قرارها، وبتغيير وجهة نظرهما من ناحية هوية المعتدين. وبعد ذلك، بات والداي قلقين عليّ من الإسرائيليين تحديدًا.

وروت الناشطة الأمريكية انطباعاتها عن وجودها في فلسطين، وتحدثت عن قسوة التجربة في ضوء المصاعب الكبيرة التي يلقاها الفلسطينيون في حياتهم نتيجة الاحتلال. وعن إقامتها في قرية، بعد أن كانت تعيش في مدينة كبيرة، قالت "هانا" إن قرية حارس تخلو من المقاهي وأماكن الترفيه، مما يثقل عليها وعلى زميلاتها، غير أنها أكدت رضاها التام عن دورهن الإنساني، لا سيما بعد أن بدأت تتعلم العربية للتعرف أكثر الى حياة الأهالي الفلسطينيين.

وقالت "هانا" إن وسائل الإعلام الأمريكية لا تصغي للمتطوعات الأمريكيات بشكل كاف، بسبب انحيازها لإسرائيل،إلا أن حضورهن يسهم في نقل الحقائق، ولو جزئيا، خصوصا ان الناس هناك وقعوا ضحية الوهم والتضليل، فيرون ان إسرائيل ضحية ومعتدى عليها.

وجاءت الناشطة "دنيا"، وهي فتاة أمها فرنسية ووالدها تونسي، من فرنسا قبل أسبوعين، وانضمت الى عشرات المتطوعات في القدس المحتلة، وتكرس جهودا وأوقات كثيرة في مناهضة جدار الفصل العنصري. وقالت ل “المشهد الاسرائيلي:"لا أتكلم العربية، لكن القضية الفلسطينية تسكن فؤادي منذ اشتد ساعدي، وفي عقلي أنا فرنسية، لكن كل قلبي فلسطيني، وقررت المشاركة في مقاومة الاحتلال، رغم المخاطر الحقيقية المترتبة على ذلك، لأن الضمير والواجب الأخلاقي يفرض علينا بوصفنا بشراً، وبالذات العرب، أن نتضامن مع الفلسطينيين، ونساندهم بالشعور أنهم ليسوا وحدهم أمام وحش الاحتلال".

المصطلحات المستخدمة:

ريشون لتسيون

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات