المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تقرير: فراس خطيب

نظم المركز القانوني لحقوق الاقلية العربية في اسرائيل (عدالة)، بالتعاون مع "لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية" و"لجنة ذوي الشهداء"، مؤتمرًا في فندق "هوارد جونسون" في الناصرة يوم السبت الماضي تحت عنوان: "اكتوبر 2000 - ذاكرة للإحتجاج"

لا شك في النوايا الحسنة التي وقفت من وراء تنظيم هذا البرنامج الاحتجاجي، والحق يقال ان هذا المؤتمر الاول الذي كان من المفروض (تنظيمياً) ان يتناول القضية بجانبيها القضائي والسياسي، ولكن الحقيقة الوجودية وفي المؤتمر ذاته لم تترجم الجديد في هذا الصدد، ولم يأت الاحتجاج المبرمج الطالع من صالونات"هوارد جونسون" بجديد هو أيضا، لا بل ما زال الجرح مفتوحاً نازفا لم تداوه الاجتماعات والاحتجاجات، وما زالت التنظيمات والتحركات (التي تشهد تحسنا طفيفا) لا تغير الخارطة الى الصورة المبتغاة، ولعل ابرز سمات هذا القلق هو نجاح الاضراب في احياء الذكرى في الوسط العربي في القرى الواقعة في عين العاصفة فقط (عرابة وسخنين ودير حنا)، وزوال هذا النجاح عن الكثير من المناطق العربية خاصة في المدن الكبيرة مثل الناصرة وحيفا وشفاعمرو. واذا نظرنا الى الصحف العربية التي صدرت في نهاية الاسبوع الماضي لوجدنا ان تقريرا موسعا نشر في احداها يظهر وبشكل واضح تذمر بعض التجار وأصحاب المصالح من اتخاذ قرار الاضراب من دون إشراكهم ومراعاتهم.

السؤال الذي نطرحه: من هو المسؤول عن هذه الخطوة التي خلقت خلافاً في وحدة الشارع العربي في اسرائيل في الوقت الذي يجبر فيه الجميع على اظهار تلك الوحدة بشكل خاص؟ لا بل أعادت هذه القرارات الكثير من التساؤلات في هذا السياق، الامر الذي لم يطرح إطلاقاً في صالونات "هوارد جونسون" في الناصرة بعد يوم واحد من الاضراب "الجزئي" الذي كان.

افتتاحيات مألوفة!

القسم الاول من المؤتمر كان مألوفاً، تحيات وافتتاحيات. فقد قدم رئيس الهيئة الادارية لمركز "عدالة"، د. مروان دويري، استعراضا لآخر التطورات، وألقى كلمة اشار فيها الى خطوات عملية يجب على العرب في اسرائيل التطرق لها، وخص بالذكر نقاطًا عديدة وشدّد على قضية "دستور الدولة" (الذي يطالب به أيضًا عدد من نواب اليمين في اسرائيل) وضرورة اشراك العرب في هذا الخصوص. تلاه رئيس لجنة المتابعة العليا، السيد شوقي خطيب، الذي تحدث عن مواقف قد اتخذت منذ زمن، ولم يأت بجديد في خطابه أو لم يكن هذا الجديد مسموعاًً. اما مسك ختام الجزء الاول من الجلسة الاولى فقد كان رئيس لجنة ذوي الشهداء، حسن عاصلة، والد الشهيد اسيل عاصلة، الذي بدأ كلمته بـ"تحية من الشهداء" تلاها خطاب لاذع، صاعق، قاس، اتهم فيه القيادات العربية والجماهير العربية بعدم اتخاذ الخطوات اللازمة من اجل ابقاء ذاكرة الشهداء حية وراسخة في الذهون. حسن عاصلة لم يوفر في خطابه احداً، ومن يقرأ الحد الادنى من تعابير وجوه المسؤولين إثناء خطابه لأكتشف ان هذا الكلام أثر بشكل سلبي على رئيس لجنة المتابعة، شوقي خطيب، الجالس الى جانب عاصلة.

في واقع الأمر فقد القى حسن عاصلة قنبلته التي يلقيها في كل مكان. وبذا انتهى الجزء الاول من القسم الاول من الندوة. توجهنا مباشرة من "المشهد الاسرائيلي" الى "ابو اسيل"، حسن عاصلة، وسألناه: "هاجمت الجميع في خطابك مما أدى الى تذمرالكثيرين منك؟ ما هو السبب؟".

(*) "انا لا اريد ان اهاجم أحداً بعينه، ما قلته وما اقوله هو حقيقة مجردة وانا أعطيك عينات مما اتحدث عنه: منذ اللحظة الاولى التي قلنا فيها نريد ان تكون هناك لجنة تحقيق في احداث اكتوبر قلنه انه يجب ان تكون هناك تعبئة جماهيرية لهذا الموضوع في الوسط العربي حتى نحصل على شيء ما، ونحن لم نتصور ان تكون محاكمات للذين قتلوا ابناءنا ولكن من المهم جدا ان نوصل للحكومة كلمتنا وان نقول لها ان القضية قضية شعب بأكمله ومن سقط في تلك الاحداث لن يكون في زوايا النسيان. "لجنة المتابعة" لم تعبئ الجماهير العربية الى القدس (الى المحكمة العليا)، ولا في الناصرة، انا ذهبت وتوجهت لجميع الاحزاب من اجل تعبئة الجماهير ولكن لا حياة لمن تنادي، كل القرارات التي اتخذت في لجنة المتابعة لم تطبق بالشكل الكافي عدا حفاظ الامكنة الذي أنجز بسبب اللجان الشعبية التي اقيمت في الاماكن المختلفة.

كان هناك اقتراح لاقامة هيئة قضائية عربية تتابع الموضوع قضائيا الى جانب "لجنة اور"، انا توجهت لعدالة في الشأن وعدالة لم تتجاوب مع هذا الطلب، علما بانهم ليسوا مخولين. كان هناك قرار ان تكون غرفة اعلامية في هذا الشأن كي لا نقع في فخ الصحف العربية وان لا نكون متعلقين بهذه الاداة الصحفية او تلك. وفعلا وقعنا ضحية بعض هذه الوسائل بالفعل، فبعد العام الاول من الاحداث وصلت بعض الصحف الى ان تطلب منا ثمن البيان الذي ننشره في الصحيفة. انا لا اريد ان اذكر هذه الصحيفة، والكثير من الصحف اختصرت البيان بسطر او اثنين، كان هناك نهج مبرمج.

كان هناك قرار لاطلاق اسماء الشهداء على الشوارع ولم يطبق هذا القرار علما بأن خطوة من هذا النوع لا تحتاج الى ميزانيات، وهذا استهتار بالذاكرة.

اتمنى عليك ان تذهب الى المجالس المحلية وتسأل عن الموضوع وماذا فعلت الجهات المختصة في موضوع الشهداء. نحن ومنذ قيام لجنة "أور" كنا وحدنا وكان بعض اعضاء الكنيست يأتون بشكل استعراضي، وانا اسأل هل يأتي عضو الكنيست هذا أو ذاك من اجل إلتقاط صورة في التلفزيون؟ ام ان هذا نابع عن شعور صادق منه (من عضو الكنيست) ؟".

(*) "المشهد الاسرئيلي": هل تعتقد ان النقاش الذي سبق إعلان الإضراب يعكس انقسام الآراء في هذه القضية؟

(*) "انا اعتبر ان النقاش في هذا الصدد شرعي للغاية، ونحن قلنا حتى قبل الاعلان عن الاضراب ان غايتنا هي ليست جرّ الجماهير العربية الى الاضراب رغما عنها. تمنينا ان تكون هناك فعاليات تسبق الذكرى. وانا لا اريد المساس بالمظاهرة التي كانت في سخنين، فهي كانت مظاهرة ناجحة نسبيا للعام الماضي ولكن نحن نعلم ان هناك من صوت ضد الاضراب بأرجله، وقال بلسانه انه يؤيد الاضراب لكنه لم يفعل شيئا في هذا الصدد".

الاحزاب العربية.. تمثيل شحيح

قضية الاحزاب العربية هي قضية شائكة اذا ما تناولناها في هذا الموضوع، واذا نزحنا بالاضواء الى قلب "هوارد جونسون" وتمعنا بالحضور من الاحزاب العربية لوجدنا ما يلي: رئيس بلدية ام الفحم الشيخ هاشم عبد الرحمن (الشق الشمالي) كان من اوائل من حضر من قيادات الحزب، تلاه مع تأخير طفيف عضو الكنيست عبد المالك دهامشة (الحركة الاسلامية- الشق الجنوبي) تلاهما وفي وقت متأخر أيضا سكرتير التجمع الوطني الديمقراطي، عوض عبد الفتاح. وكي لا ننسى نقول ان سكرتير عام الجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة، عودة بشارات، كان الاكثر تأخيرا، اذا وصل تقريبا مع نهاية البرنامج الخطابي. فعلى الرغم من النقاش الذي سبق الاضراب الا ان شيئاً واحد وحد الاحزاب العربية هو التأخير عن موعد الدعوة.

طلبنا من الناطق الرسمي باسم لجنة المتابعة العليا، عبد عنبتاوي، تعقيباً على هذه الوضعية فقال: "هذا مؤسف، لقد تمت دعوة كل أعضاء الكنيست العرب، وكل سكرتيري الاحزاب من دون استثناء، وكذلك جميع رؤساء السلطات المحلية، ووجهنا الدعوة من قبلنا ومن قبل عدالة، ولكن يوجد غياب لمعظم التيارات السياسية".

(*) "المشهد الاسرئيلي": نود تعقيبا ايضا على كلمة رئيس لجنة ذوي الشهداء، حسن عاصلة، التي هاجم من خلالها التيارات والقيادات والاحزاب العربية ولجنة المتابعة العليا؟

(*) "لم يكن الهجوم مباشرا على لجنة المتابعة لا بل كان مبطنا، لكن هذا الاتهام لا يخلو من تسرع. وليس من الصحي الرد على كل اتهام".

توجهنا الى رئيس بلدية ام الفحم، الشيخ هاشم عبد الرحمن، وطلبنا تعقيبه على تغيب الاحزاب وعلى الوحدة التي لم تظهر في هذا المؤتمر علما بأن القضية قضية الجميع، فقال:

"نحن نتحدث عن خطوة طيبة من اجل حفظ الذاكرة، هناك غياب ليس مقصودا وهذا اصبح شيئا عاديا ان تجد في مواقع مختلفة غيابًا من هذا النوع، يجب ان نجلس وان نفكر كيف يمكن ان نتوصل إلى تجميع القيادات العربية من اجل الانتقال الى فترة احسن".

(*):"المشهد الاسرئيلي": لقد كنتم في الحركة الاسلامية جزءًا من النقاش حول الاضراب، والذي تحول الى مشادات كلامية بينكم وبين الجبهة؟

(*) "في تقديري ان على الجماهير العربية ان تحافظ على عدة ثوابت اساسية. نحن نؤمن ان قضية الاضراب مهمة جدا، يجب ان نعرف من اصدر الامر لقتل هؤلاء الشبان، والاوضاع في الوسط العربي لم تتغير منذ تلك الاحداث، وهذا ما يؤكدونه في اور، النقاش بيننا يجب الا يكون في سياق المزايدات في قضية لا تحتمل المزايدة، النقاش هو موضوعي، والمؤسف حقيقة هو الخروج الى وسائل الاعلام"..

كلمة حق..

على الرغم من هيمنة الخلاف في كواليس القيادات العربية، الا ان المركز القانوني لحقوق الاقلية العربية "عدالة" استطاع أن يعرض القضية بصورة جديدة، والمقصود هو الانفتاح في قضايا عديدة تبتعد عن الشعارات وتهدف الى توسيع آفاق كل من حضر البرنامج، ولعلني اذكر الجزء الثاني من القسم الاول، الذي اداره المحامي عزمي عودة (محام مستقل عمل لفترة طويلة في مركز عدالة) والذي قدم من خلاله المحامي الايرلندي بيتر مادن مداخلة حول تجربة شمال ايرلندا. والمحامي بيتر مادن هو رئيس طاقم معظم عائلات قتلى الايرلنديين الذين سقطوا في ما عرف باسم "يوم الاحد الدامي" في العام 1972، برصاص القوات البريطانية. لقد كان هذا البرنامج موفقا الى حد كبير واستطاع ان يضم الحضور في ثناياه.

ونذكر ايضا مداخلات قانونية قدمها كل من د.يوآب بيلد من جامعة تل ابيب استعرض من خلالها لجنة اور مقارنا اياها مع لجنة كيرنر الاميركية، وملاحظات قانونية قدمها المحامي مروان دلال من عدالة، ومداخلة ايضا لـ د. احمد السعدي عن مفهوم الاحتجاج وعرضه من قبل لجنة أور. كانت هذه المداخلات في الجلسة الاخيرة، التي ادارها المحامي رياض الانيس، تلاها عرض لفيلم "يوم الاحد الدامي" الذي تحدث عن التجربة الايرلندية في هذا السياق.

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, لجنة أور

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات