المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تبدو السياسة الرسمية الإسرائيلية غريبة عن أغلبية الإسرائيليين الذين لم يعهدوا هذا القدر الكبير من التناقض فيها. فقد قضت إسرائيل زمناً طويلاً وهي تدعو للحرب الأهلية الفلسطينية وتنظر لها، ولكن ما إن ظهرت بوادرها في ظل واقع مختلف حتى بدا أن إسرائيل عازفة عنها. وقد اضطر رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، للإعلان بأن حكومته لا تحبذ رؤية اقتتال الفلسطينيين.

وأشار معلقون إلى أن هذا التحبيذ ناجم عن تقرير استخباري إسرائيلي لا يضمن، على الأقل، هزيمة حماس في أي حرب أهلية.

وبكلمات أخرى، فإن إسرائيل، التي ترى أن الوضع في الأراضي الفلسطينية سيء عموماً، وسيء لها، تخشى أن يجلب تغييره وضعاً أسوأ. ولذلك تكتفي في هذه الأثناء بالقبول بالتهدئة في قطاع غزة وتعرف كيف "تضبط نفسها" في مواجهة تساقط الصواريخ على سديروت. ومن الجائز أن لسان حال حكومة إسرائيل هو: عدو تعرفه أفضل من عدو تجهله.

وهكذا عمد أولمرت في خطاب ألقاه في سديه بوكير في ذكرى رحيل دافيد بن غوريون إلى الحديث عن التسوية وعن الحلول الوسط وعدم الرغبة في حكم الآخرين.

وعلى الصعيد الإيراني، ورغم الصخب الإعلامي الإسرائيلي، تدرك حكومة إيهود أولمرت أن الخيارات محدودة. وقد كانت الحكومة الإسرائيلية تتمنى لو أن الحملة الأميركية في العراق أنجزت كل أهدافها وتبلور "الشرق الأوسط الكبير" على خير ما يريد الرئيس الأميركي جورج بوش. ولكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن ولم تعد إيران أو سورية الهدف العسكري التالي للقوات الأميركية. وكانت إسرائيل تظن أن إيران، وتحت الضغط الأميركي والدولي سوف تتراجع بسرعة أو تتلقى الضربة، غير أن شيئاً من ذلك لم يحدث: فلا إيران تراجعت ولا الضربة العسكرية جاءت. ورأت أن الأوروبيين والأميركيين هم الذين تراجعوا في خطابهم وتريثوا "طويلاً" حتى قبل الإقدام على العقوبات الدولية الأخيرة التي ترى إسرائيل بأنها مخصية وغير ناجعة.

ومع ذلك اضطرت حكومة إسرائيل لإبداء تقديرها بأن القرار الصادر عن مجلس الأمن ضد إيران، وعلى ضعفه، أفضل من لا شيء. فالقرار يكفل حداً أدنى من إثارة الموضوع النووي ومن مراقبة الوضع في إيران إلى أن يطرأ أمر جديد. ويصعب على إسرائيل الحاضر أن تتوقع هذا الجديد، ولكنها تتمنى على الإدارة الأميركية أن تتشبث بمواقعها الحالية في العراق وضد إيران. فهذه المواقع تتيح كسب الوقت إلى حين اتضاح الصورة. ولم تعد إسرائيل تخجل من إعلان هكذا مواقف بعد أن كانت تدعي أن صمتها مطلوب لتوفير الذخائر لحلفائها.


ولكن ماذا تفعل إسرائيل بالمواقف السورية الداعية لاستئناف المفاوضات؟ فقد أثار الموقف الرسمي الذي عرضه كل من إيهود أولمرت ونائبه شمعون بيريس تساؤلات حول مكانة إسرائيل لدى الولايات المتحدة. إذ برر أولمرت وبيريس الرفض الإسرائيلي باستخدام وسيلتين: الأولى أن أحداً لا يريد الاعتراض على موقف الحليف الأكبر، وهو أميركا، الرافض للتفاوض مع سورية؛ والثانية أنه لا يمكن التفاوض بشكل متوازٍ مع السوريين والفلسطينيين على حد سواء.


وعمد الكثير من المعلقين الإسرائيليين إلى إظهار معنى هذه التبريرات وزيفها. فالتبرير الأميركي يجعل من إسرائيل "جمهورية موز" من ناحية ويدفع آخرين إلى القول بأن أميركا ليست هنا، وبأن الإسرائيليين هم من سيعانون من هذا الموقف. وقد طالب بن كسبيت في "معاريف" صراحة بأن يتجرأ أحد ليبلغ الأميركيين أن سياسة رئيسهم في المنطقة تقود إلى إضعاف إسرائيل. أما المعلق العسكري في "هآرتس"، زئيف شيف، فتساءل عن جدوى تبرير السلوك الإسرائيلي بأمور لها ضلع بالمحور العربي المعتدل أو بالمسار الفلسطيني. وكتب قبل أيام قائلاً إن الحديث عن أخذ المحور العربي المعتدل بالحسبان كان يمكن أن يكون مفيداً لو أن إسرائيل كثفت نشاطها للتقرب من الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

ومن الجائز هنا أنه ورغم كل التصورات عن المواقف الإسرائيلية وطريقة بلورتها حان الوقت لرؤية الأمور بشكل مختلف. وقد سبق لوزير الخارجية الأميركية الأسبق، هنري كيسنجر، أن انتقد السياسة الخارجية الإسرائيلية قائلاً إنه "لا توجد سياسة كهذه".

وبوسع المرء أن يرى الموقف الذي اتخــذه أولمرت وحزب كديما من مبــادرة وزير الدفاع عمير بيرتس التوصـل إلى إعلان وقف نار بين إسرائيل والسـلطة الفلسطينية. حينــها وقف هؤلاء جميعاً ضد عملية بيع الأمن الإسرائيلي للفلسطينيين من أجل مصالح شخصية. وسرعان ما أبرم أولمرت هذه الصفقة التي يبدو أن بيرتس نفسه هو من يعترض عليها ويطالب طوال الوقت بالرد على تساقط صواريخ القسام على سديروت.

كما أن في موقف نتنياهو وبيرتس المعلن من الدعوات السورية للمفاوضات مقابل موقف كل من أولمرت وشمعون بيريس ما يشكل مثالاً آخر. ومن الواجب محاولة النظر إلى المواقف الإسرائيلية في حركتها ودوافعها وعدم الوقوف عند هذه المواقف واعتبارها حقيقة نهائية، فنتنياهو وبيرتس الراغبان في مناكفة أولمرت يعترضان على سلوكه هنا وهناك من دون أن يستغل أي منهما نقطة اعتراضه لتحويلها إلى رافعة سياسية أساسية. وبالمقابل فإن كل ما يسعى إليه حزب كديما وقادته هو ضمان المستقبل السياسي عبر مناورات لا تنتهي.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات