المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تستعد السلطات المحلية المرشحة للدمج وفقا لخطة اعدها مؤخرا مكتب رئيس الحكومة ووزارة المالية في اسرائيل، لخوض نضال ضد تنفيذ هذه الخطة. وكانت الخطة الاصلية تنص على دمج 266 سلطة محلية الا ان وزارة المالية اقرت، يوم الاربعاء من الاسبوع الماضي، تعديلها لتشمل 150 سلطة محلية. وهذه الخطة هي جزء من الخطة الاقتصادية وتنوي الحكومة اخاجها الى خيز التنفيذ بواسطة سن قانون خاص بها بهدف زيادة احتمالات تطبيقها

بلال ظاهر
تستعد السلطات المحلية المرشحة للدمج وفقا لخطة اعدها مؤخرا مكتب رئيس الحكومة ووزارة المالية في اسرائيل، لخوض نضال ضد تنفيذ هذه الخطة. وكانت الخطة الاصلية تنص على دمج 266 سلطة محلية الا ان وزارة المالية اقرت، يوم الاربعاء من الاسبوع الماضي، تعديلها لتشمل 150 سلطة محلية. وهذه الخطة هي جزء من الخطة الاقتصادية وتنوي الحكومة اخاجها الى خيز التنفيذ بواسطة سن قانون خاص بها بهدف زيادة احتمالات تطبيقها.

وقررت السلطات المحلية في اسرائيل، خلال اجتماع لمركز الحكم المحلي عقد مساء الاحد الماضي، التغاضي عن قرار الحكومة بخصوص خطة الدمج، وذلك لعدم استشارتهم لدى اعداد الخطة. وطالب رئيس مركز المجالس الاقليمية، شموئيل ريفمان، المستشار القضائي للحكومة، الياكيم روبنشطلين، بمنع سن القانون المقترح بهذا الخصوص، مشيرًا الى انه تم اعداد خطة الدمج بشكل سريع، من دون الاخذ بالحسبان الثمن الناجم عن المس بحرية الفرد والمشاكل القضائية والاجتماعية التي ستنشأ بسبب الدمج.

ومن جانبه اعلن حزب "العمل" الاسرائيلي انه سيؤيد الدمج شرط ان يتم تجميد العملية حالا في الوقت الحالي، وان يتم اخراج الامر من ايدي مكتب رئيس الحكومة وتحويله الى لجنة عامة تبحث في الامر وتتخذ القرارات بصورة موضوعية ومهنية وخالية من المصالح الذاتية.

وقد رافق نشر اسماء السلطات المحلية المعدة للدمج انتقادات من جانب رؤساء هذه السلطات، اهمها ان هذه الخطة، التي من شأنها جلب اصلاح جذري لبنية السلطة المحلية، تم اعدادها بصورة سريعة، وجاءت نتيجة ضغوطات سياسية، كما انها لم تأخذ بالحسبان احتياجات السكان القاطنين في هذه السلطات.

ووفق قرار وزارة المالية الاسرائيلية فان الجدول الزمني لتنفيذ عملية دمج السلطات المحلية قصير للغاية، حيث ان الدمج يجب ان يتم قبل انتخابات السلطات المحلية المقبلة في تشرين اول 2003. واذا واجهت تنفيذ الخطة اي صعوبات، سيتم ارجاء الانتخابات ببضعة شهور بواسطة سن قانون خاص. وسيكون بامكان السلطات المحلية الاستئناف على الخطة امام لجان خاصة سيتم اقامتها في كل لواء لهذا الغرض، وذلك حتى نهاية شهر نيسان الجاري.

من جانبها اعلنت لجنة رؤساء السلطات المحلية العربية في اجتماع عقدته يوم السبت الماضي، انها ترفض خطة الدمج المقترحة، كما اعلنت عن انها ستخوض معركة سوية مع مركز الحكم المحلي.

ويشار الى ان وزارة الداخلية الاسرائيلية نشرت الاسبوع الماضي اعلانات في الصحف بخصوص خطة الدمج. وتسوغ الحكومة الاسرائيلية قرارها حيال دمج سلطات محلية بأنه جاء "نظرا لسوء الاوضاع الاقتصادية، وازاء ضرورة اتخاذ خطوات ووسائل فورية للتوفير والاقتصاد في الاموال العامة، وتنجيع القطاع العام وتحسين الخدمة للجمهور، وكذلك على ضوء سياسة حكومة اسرائيل بكل ما يتعلق بالحاجة الى تقليص عدد السلطات المحلية".

مخطط قديم

يشير المهندس محمد يونس، مختص في الهندسة المعمارية وتخطيط المدن ويقدم خدمات استشارية للسلطات المحلية، الى ان خطة دمج السلطات المحلية ليست جديدة، فقد طرحت هذه الخطة في الماضي اكثر من مرة بعد ان بحثت بها عدة لجان وزارية، وقدمت توصيات فيما يتعلق بدمج عدد من السلطات المحلية العربية واليهودية. وتدعي الحكومة الاسرائيلية ان الهدف من الدمج يكمن في التوفير بالوظائف والميزانيات عمومًا، واعطاء الافضلية لسلطات محلية اكبر، من ناحية عدد السكان الذين يسكنونها. فمثلا، قرية تعداد سكانها قليل، مثل معليا او فسوطة (في الجليل الاعلى) لا يحق لهما من ناحية القانون الحصول على مصادقة حكومية لبناء مدرسة تدرس فيها تخصصات معينة، ولكن اذا تم دمجهما ستصبحان بلدة كبيرة وبالتالي سيصبح بالامكان انشاء مثل هذه المدرسة فيها. هكذا تحاول وزارتا الداخلية والمالية تسويق هذه الخطة.

الا ان يونس يؤكد ان ثمة حلولاً اخرى غير الدمج بالامكان استخدامها، مثل انشاء "روابط" بين قرى وبلدات. وبامكان مثل هذه الـ "روابط" ان تحل الكثير من القضايا. فهناك روابط كهذه قائمة اليوم وتجمع عدة بلدات وقرى صغيرة للحصول على الخدمات البيطرية. وهذا النوع من الحلول يفي بالهدف الذي تريد الحكومة انجازه.

ويعدد يونس في حديث مع "المشهد الاسرائيلي" مجموعة من الاسباب التي تجعل السلطات المحلية تعارض خطة الدمج، منها ان الخطة اعدتها واقرتها الحكومة من دون الاخذ بعين الاعتبار موقف السلطات المحلية، حتى انه لم يتم التشاور بصددها مع وزارة الداخلية، بالرغم من ان هذه الاخيرة كانت قد بحثت الموضوع اكثر من مرة عبر لجان انشأتها في الماضي، ومنها "لجنة شاحر"، التي اصدرت في حزيران العام 1998 تقريرًا اوصت فيه بتوحيد بعض السلطلت المحلية.

وقال يونس، ان "التوفير الذي تتحدث عنه الحكومة من الصعب تحقيقه من خلال الدمج، على الاقل في المراحل الاولى. وهذا الامر تؤكده تقارير ووثائق وزارة الداخلية. فبعد كل عملية دمج بين سلطتين محليتين يتم فصل موظفين، لمنع وجود ازدواجية، ويترتب عليه دفع تعويضات بمبالغ طائلة. ولهذا فان المسؤولين في وزارة الداخلية يعتقدون بأن الوقت الان ليس مناسباً لتنفيذ خطة الدمج، ويقترحون ان يتم تنفيذ الخطة على مراحل وليس مرة واحدة".

وهناك قضية ثانية تجعل السلطات المحلية تعارض الخطة، هي قضية "التجانس" بين السلطتين المحليتين المرشحتين للدمج.

يونس: "تقترح الخطة، على سبيل المثال، الدمج بين كفر قاسم و كفر برا. وفيما تتمتع كفر برا بمستوى اجتماعي - اقتصادي عال، وهي الاصغر من حيث عدد السكان بين القريتين، فان المستوى الاجتماعي - الاقتصادي في كفر قاسم منخفض اكثر مما هو عليه في كفر برا. وما سيحدث في حالة الدمج هو ان القرية الاكبر "ستبتلع" القرية الاصغر، التي يتمتع سكانها بطبيعة الحال بجودة حياة افضل".

- في مركز الحكم يدعون ان ثمة اعتبارات سياسية من وراء الخطة التي تقترحها الحكومة. ما هو المقصود بذلك؟

"الخطة المقترحة تتضمن معايير غريبة وغير واضحة، ومثال على ذلك الاقتراح بدمج قرية كفر ياسيف مع السلطة المحلية الجديدة - المكر، ودمج قرية ابو سنان مع قريتي جولس ويركا. والمشكلة هنا تكمن في ان قريتي كفرياسيف وابو سنان ملتصقتان ومتداخلتان ببعضهما البعض الى درجة انه يصعب تحديد الحدود بينهما، والسؤال المطروح هو: اذا كان هناك مشروع دمج، لماذا يتم فصل قريتي كفر ياسيف وابو سنان؟ الخطة المقترحة لا تعطي جواباً على ذلك". (يتوجب الاشارة هنا الى ان قرى جولس ويركا وابو سنان تعتبر بنظر المؤسسة الاسرائيلية "قرى درزية").

احدى القضايا التي تطرحها السلطات المحلية العربية في معرض معارضتها لخطة الدمج هي قضية الارض. وحول هذه القضية يقول يونس ان "الدمج وفق الخطة الحكومية سيتم من خلال حدود الخرائط الهيكلية لكل بلدة. مثال على ذلك قرية عارة، حيث تشمل الخارطة الهيكلية ثلاثة الاف دونم وهناك ثلاثة الاف دونم يمتلكها اهالي القرية ولكنها غير مشمولة في مسطح القرية. وبعد ان تم دمج عارة مع عرعرة بقيت الثلاثة الاف دونم خارج منطقة نفوذ السلطة المحلية. هذا يعني ان الحكومة ضمت البيوت والسكان، ولكنها في الوقت ذاته ابقهم من دون احتياطي أرض".

القضية الاخطر التي تستدعي معارضة السلطات المحلية العربية تكمن في هوية المدن والقرى العربية. ويوضح يونس في هذا الصدد "ان اكثير من هذه البلدات هي ذات تاريخ عريق، ولكن اذا تم الدمج فانه يتوجب اطلاق اسم جديد على السلطة المحلية الناشئة وهذا سيؤدي الى محو الاسم الاصلي وكذلك يتم محو الذاكرة. ومثال على ذلك قرية زيمر وهي سلطة محلية عربية مؤلفة من اربع قرى هي: يمة وبير السكة وابثان والمرجة، وهذه القرى لم يعد يسمع بها احد، اضافة الى اختيار اسم عبري لها. وفي المستقبل قد لا نعود لنرى اسماء مدن وقرى عربية على الخارطة بعد تنفيذ الدمج، وهذا احد المخاطر الكبيرة لهذه الخطة بالنسبة لنا كفلسطينيين وكسكان اصليين في هذه البلاد."

الجوانب الايجابية في مخطط الدمج

يرى المهندس محمد يونس ان هناك جوانب ايجابية نابعة من عملية الدمج: "على الامد البعيد، لا شك في انه سيكون هناك توفير في المصروفات، حيث يصبح بعد دمج ثلاث بلدات، مثلا، رئيس سلطة محلية واحد بدلا من ثلاثة، ونائب رئيس واحد بدلا من ثلاثة وسكرتير مجلس محلي واحد...الخ".

"الامر الثاني الايجابي يكمن في محو الصبغة العائلية والحمائلية في الحياة السياسية المحلية. فبدلا من ان تشكل حمولة ما ثلث سكان قرية تصبح بعد الدمج 10% او حتى اقل من مجموع السكان في السلطة المحلية الجديدة الموسعة. وهذا الامر سيحتم وجود حياة سياسية محلية عصرية تكون في مركزها الاحزاب ومجموعات اخرى مثل اصحاب رؤوس اموال وليس الحمائل والعائلات الكبيرة.

"امر اخر، هو ان المواطنين والمسؤولين سينظرون الى الاجهزة المدنية بشكل اوسع. فمثلا في الناحية التعليمية، يصبح بالمكان توفير كافة انواع المدارس، انظرية والمهنية والزراعية وغيرها، في نطاق السلطة المحلية الموسعة."

في العام 1999 اشرف يونس على بحث تمحور حول دمج السلطتين المحليتين في قريتي كفر قاسم وكفر برا. وقد اعتمد البحث على تقارير وزارة الداخلية، وخصوصا توصيات "لجنة شاحر" المذكورة اعلاه. وخلص البحث الى انه من الافضل عدم تنفيذ الدمج، لأن الخدمات التي تقدمها السلة المحلية في بلدة صغيرة افضل بكثير من الخدمات التي تقدمها السلطة المحلية الموسعة. كما تبين انه كلما كانت البلدات العربية اصغر كانت النجاعة فيها افضل.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات