في هذه التراجيديا اليونانية، هناك بطلان دخل كلاهما الى الجولة الاولى قبل حوالي الشهر، ومنذ ذلك الحين يصور كل منهما مهمته او دوره بصورة مثالية. الاول (المقصود زعيم نقابات العمال – الهستدروت - عمير بيرتس) "يدافع عن المجتمع والديمقراطية"، والثاني قبطان (وزير المالية بنيامين نتنياهو) "يحاول سد الثقب الموجود في قعر السفينة".
في هذه التراجيديا اليونانية، هناك بطلان دخل كلاهما الى الجولة الاولى قبل حوالي الشهر، ومنذ ذلك الحين يصور كل منهما مهمته او دوره بصورة مثالية. الاول (المقصود زعيم نقابات العمال – الهستدروت - عمير بيرتس) "يدافع عن المجتمع والديمقراطية"، والثاني قبطان (وزير المالية بنيامين نتنياهو) "يحاول سد الثقب الموجود في قعر السفينة".
وقد اجرى كلاهما خلال الشهر الاخير مفاوضات شاقة ومضنية وسط مغازلة دائمة لوسائل الاعلام على امل كسب تعاطف الجمهور، في وقت تصاحبهما "جوقة" لجان العمال الكبرى. كلاهما ادرك منذ اللحظة الاولى ان الاضراب الكبير سيتم في الجولة الثانية. وان شيئًا لن يحول دون وقوعه. فهو (اي الاضراب) امر تحتمه التراجيديا، ولا مناص من وقوعه، ومما سيترتب عليه من ضرر جسيم للتصدير والانتاج والخدمات للمواطن.
لذلك فان من ينتظر اليوم وصول ساحر على حين غرة ليمنع الاضراب في اللحظة الاخيرة، ويؤدي للتوقيع على اتفاق بين عمير بيرتس وبنيامين نتنياهو، سوف يخيب ظنه. فبيرتس لا يستطيع التوقيع على اتفاق مع نتنياهو قبل، او من دون اضراب، لأن العمال سيعتبرونه "خائناً" رضخ لوزارة المالية، ولأن ذلك لا يخدم مصلحة اللجان العمالية الكبرى التي تخشى من ان تفقد نفوذها. فهذه اللجان – التي تمثل الاحتكارات الضخمة في مرافق العمل (كشركات الكهرباء والمياه و "مكوروت" والاتصالات "بيزك" وسلطة المطارات والموانئ والبنوك ومستخدمي الدولة)، هي التي تسيطر اليوم في اماكن العمل. فبدون موافقة لجان العمال والمستخدمين لا يمكن لآي عامل او مستخدم ان يتزحزح من مكانه.
خطة نتنياهو تهدف الى الحد من نفوذ وقوة هذه اللجان، وتمكين المدراء من القيام بعملهم، وهذا ما تقاتل ضده لجان العمال. ويدين بيرتس لهذه اللجان بالولاء التام، لأن تمويل الهستدروت يتم من اموال وعلى حساب عمالها، فضلا عن ان الهستدروت تقف على شفا الافلاس.
بيرتس لا يأبه من جهته اذا ما استمرت المفاوضات الى الابد، وقد ادرك نتنياهو ان عليه قطع الاتصالات فورًا، وإلا فانه لن يبقى لديه وقت كاف لإجراء التقليصات، خاصة وانه تأخر مدة شهرين عن الجدول الزمني الاصلي الذي وضعه للقيام بذلك. الى ذلك فان وزير المالية يتخوف من ردة فعل الاسواق. صحيح ان اسواق المال منحته حتى الآن رصيدًا هائلا: فمنذ تسلمه لمنصبه سجلت البورصة ارتفاعاً، وهبط سعر صرف الدولار مقابل الشيكل، كما هبطت نسبة الفائدة. لكنه – نتنياهو- يدرك أن الاسواق قد تغير اتجاهها بين ليلة وضحاها، وعندئذ، حينما يقفز الدولار باتجاه الـ 5 شواقل، سوف يواجه الاقتصاد ازمة مالية سيتحمل وحده مسؤوليتها.
وبالاضافة الى ذلك كله فان هناك خلافا ايديولوجيا بين نتنياهو وبيرتس. حيث يؤمن الاول بالاقتصاد الحر وبقطاع حكومي مقلص وفاعل، في حين يؤمن بيرتس بادارة مركزية وبحكومه واسعة تجبي الكثير من الضرائب من الاغنياء وتوزع الكثير على الفقراء والمحتاجين. لذلك يعتقد بيرتس ان الاسلم هو ان يتم الآن فرض ضرائب ورسوم اضافية، بما يتيح سد العجز في الميزانية.
غير ان نتنياهو يعتقد ان ذلك (فرض ضرائب اضافية) سيكبح الاقتصاد ويؤدي الى ارتفاع معدلات البطالة، وهو ما سيعطي عندئذ لبيرتس وسائر المنظمات الاجتماعية المبرر لرفع عقيرتهم بالصراخ.
عندما ينشب اضراب عام في المرافق الاقتصادية، تزداد قوة العمال والمستخدمين. فباستطاعتهم التسبب باضرار جسيمة للاقتصاد والمجتمع، لكن الجمهور يلقي دومًا باللوم على الحكومة. ولذلك نجد المستخدمين متشبثين بموقفهم، معتقدين بأن الحكومة سوف ترضخ لمطالبهم، كما أنها لن تجرؤ على خصم او اقتطاع ايام الاضراب من مرتباتهم. لذلك يتعين على وزير المالية اذا كان يريد تقصير اجل الاضراب الاعلان فورًا بأن يعلن ان ايام الاضراب سوف تحسم في كل الاحوال من رواتب المضربين.
(هآرتس 29/4)