المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

شارون يعي وضع الاقتصاد الأسرائيلي الصعب، كما يعي توقعات الجمهور. ولو كان يستطيع استغلال "حالة الطوارىء الاقتصادية" لتشكيل حكومة وحدة قومية مع حزب العمل لانقضَّ على الفرصة. ولكن، يبدو ان هذه ليست نقطة انطلاق جيدة لتجنيد حزب العمل، الذي انسحب من الحكومة السابقة بسبب خلافات اقتصادية. تبقى الحرب في العراق. وهي التي يفترض أن تنزل الجميع عن الأشجار.

الحرب تثير القلق ، لكن الاقتصاد مقلق أكثر. اكثر من 60% من سكان اسرائيل يعتقدون، بثقة كبيرة، أن الاقتصاد الاسرائيلي على شفا الانهيار: ليس تباطؤاً ولا ركوداً ولا بطالة اخرى، بل انهيار حقيقي.
36% من المواطنين يخشون الطرد من العمل، وما لا يقل عن 63% قلقون على مستقبلهم الاقتصادي. وللمقارنة: 31% قلقون من خطر هجوم صاروخي عراقي، و 47% قلقون من خطر التعرض لأية اصابة جراء الحرب في العراق ( اذا نشبت)، و52% يتخوفون من "عمل ارهابي".

بكلمات أخرى: الخوف الأقتصادي (من الوضع الأقتصادي) يفوق المخاوف الأخرى جميعًا.

هذا ما يظهر من نتائج استطلاع للرأي أجراه معهد " داحف" (بادارة د. مينا تصيمح) لحساب "يديعوت احرونوت".

الجمهور الاسرائيلي – بموجب نتائج الاستطلاع - لا يثق بأن هذه الحكومة، بتشكيلتها الحالية، قادرة على انتشاله من هذه الأزمة. انه يبحث عن بدائل على هيئة وزراء مالية آخرين. المرشح المفضل لتسلم حقيبة المالية في حكومة ضيقة، هو البروفيسور يعقوب نئمان، يليه ـ بعيدًا جدًا ـ ايهود اولمرت، فسيلفان شالوم، وزير المالية الحالي. 25% من الجمهور لا يريدون أيًا منهم.

أما في حكومة موسعة، حكومة وحدة - طوارىء، فان المرشح المفضل لمنصب وزير المالية هو البروفيسور يعقوب فرنكل، حسبما يرى 27% من الجمهور. ويليه مباشرة ابراهام (بايغه) شوحط، بينما يحل سيلفان شالوم في المرتبة الأخيرة بتأييد 11% فقط.

* هل يقترب فرنكل من وزارة المالية؟

الأسم الأكثر اثارة للاهتمام في قائمة المرشحين هو اسم بروفيسور يعقوب فرنكل. وفرنكل ـ الذي أشغل منصب عميد بنك اسرائيل سابقًا ـ كانت له تجربة مع منصب وزير المالية فور فوز بنيامين نتنياهو في انتخابات العام 1996. حتى ان المنصب قد منح له رسميا ببيان صدر عن ديوان رئيس الحكومة المنتخب. لكن البيان لم يصمد سوى ليلة واحدة فقط، انحفرت في ذاكرة فرنكل كبرهان قاطع على ضعف صمود السياسيين وميوعة تعهداتهم. ولذلك فهو لن يقبل بوضعه في الاختبار نفسه مرة ثانية.

امكانية تعيين فرنكل وزيرًا للمالية الاسرائيلية في حكومة موسعة طرحت، للمرة الاولى، في صحيفة "يديعوت أحرونوت" قبل أسبوعين. ومنذ ذلك الحين لم يطرأ أي جديد. كان فرنكل يعمل في لندن، في مكاتبه الفارهة في بنك الاستثمار الأمريكي حيث أشغل منصب رئيس الدائرة الدولية. وقد تشاور حول الموضوع مع مقربيه، فرفض امكانية اشغاله منصب وزير المالية في حكومة "ليكود" ضيقة.

لكن الأمور ستأخذ بُعدًا آخر في حال تشكيل "حكومة طوارىء قومية". وقد قال فرنكل لمقربيه ان الحرب الوشيكة في العراق ستتيح لسياسيين كثيرين، في اسرائيل وفي العالم، "النزول عن الأشجار العالية التي تسلقوا عليها". وفي عداد اولئك النازلين الى الأرض يشمل فرنكل ليس فقط الرئيس الفرنسي وياسر عرفات، وانما أيضا رئيسي حزبي "العمل" و "شينوي". فحين تدوي المدافع، سيستجيبان لتشكيل حكومة جديدة، موسعة، تستند على الإجماع السياسي المركزي في الرأي العام الاسرائيلي.

وحتى في حكومة موسعة، لن يقبل فرنكل بتسلم حقيبة المالية تحت أي شرط وفي أي ظرف. بل سيضع، اولا وقبل كل شيء، شروطًا مهنية أساسية. فمن الواضح له ان المطلوب، أساسًا، تغيير جميع أنماط التفكير والتنفيذ في السياسة الاقتصادية. لن تنجح أية خطة أحادية الجانب يتم تحضيرها وخبزها في الفرن المغلق لدى وزارة المالية.

"فقط مرة واحدة في ولاية حكومة ما بالامكان تنفيذ تغييرات جوهرية وجدية في بنيتها"، قال فرنكل لرئيس الحكومة شارون في احدى المحدثات الأخيرة بينهما (فهو يقدم له المشورة، من حين الى آخر، بوتائر متغيرة).

كان فرنكل يقصد، حسبما فهم المرافقون: تقليص عدد الوزارات، وتشريع قوانين حازمة في كل ما يتعلق بالمسؤولية الأئتلافية لجميع الأحزاب المشاركة في الحكومة، وكذلك تشكيل مجلس اقتصادي ووزارة عليا لشؤون الاقتصاد تكون مسؤولة عن وضع وتنفيذ السياسة الاقتصادية العامة. ومن يقف على رأس هذه الوزارة يتم تخويله الصلاحيات التي لا يتمتع بها وزير المالية اليوم، وهي ضرورية جدا، برأي فرنكل، لأحداث الأنقلاب في الواقع المظلم الذي يعيشه الأقتصاد الأسرائيلي اليوم.

هل سيقبل فرنكل باشغال منصب وزير مالية مهني أو وزير أعلى للشؤون الاقتصادية في حكومة طوارىء قومية؟ ثمة اعتبارات شخصية أيضا ستؤثر على قراره: الشأن العائلي، العقد مع "مريل لينتش"، احتمال أن تثار من جديد مسألة الدفعات الزائدة التي حصل عليها لدى اشغاله منصب عميد بنك اسرائيل والتي كشف النقاب عنها تقرير مراقب الدولة، علما بأن فرنكل قد أعاد تلك الأموال وغابت القصة.

* هل يعود يعقوب نئمان؟

طُرح اسم بروفيسور يعقوب نئمان كمرشح لمنصب وزير المالية القادم بفضل معرفته وتجربته. وكان نئمان قد أشغل منصب وزير المالية لفترة قصيرة في حكومة نتنياهو واستقال منها لأسباب عدة، أهمها: خيبة أمله من الطريقة التي أفشل بها نتنياهو (برأي نئمان) المفاوضات لتشكيل حكومة وحدة قومية مع ايهود براك، رئيس حزب العمل آنذاك. لنئمان مواقف اقتصادية واجتماعية حازمة: انه ينتمي الى اليمين الاقتصادي الليبرالي، بكل جوارحه. وكوزير للمالية سيعرض للتصويت، على الفور، تقليص ميزانية المصروفات الحكومية بـ 15 مليار شيكل على الأقل، على ان تستغل 5 مليارت منها لتمويل خفض كبير في ضريبة الدخل.

ودون أية مساومات سيقلص نئمان في مخصصات الدعم الاجتماعي على اختلاف أنواعها، في أجور مستخدمي الدولة ( القطاع العام)، في الميزانيات الممنوحة للأحزاب الدينية (الحريديم) وفي مخصصات الدعم المالي الحكومي (السوبسيديا) لبعض السلع والخدمات الأساسية.

المعارضة لتعيين نئمان وزيرًا للمالية قد تظهر بين اوساط "الليكود" (هناك من يتساءل: كيف يعقل تسليم الوزارتين الأساسيتين ـ الأمن والمالية ـ لشخصين ليسا من اعضاء الليكود في الكنيست؟) وكذلك بين أوساط "الحريديم". ففي "شاس" لا يزالون يذكرون أن وزير المالية يعقوب نئمان هو الذي وصف تلاميذ المدارس الدينية ("الييشيفوت") بأنهم "طفيليون اقتصاديون" وأرغم تلك المدارس على الالتزام باطار محدد لميزانياتها والخضوع لرقابة صارمة.

نئمان نفسه يقول انه لا يرغب في اشغال منصب وزير المالية. فهو يطمع في منصب عميد بنك اسرائيل، بعد دافيد كلاين (العميد الحالي).

من الجانب الحزبي، يشكل ايهود اولمرت التهديد الوحيد على كرسي سيلفان شالوم، الذي كان يود سماع تعهد علني من فم شارون بضمان المنصب له. لكن تعهدًا كهذا لم يصدر حتى الآن.

مقربو سيلفان شالوم اعتبروا النقد اللاذع الذي وجهه بروفيسور نئمان حول "أكاذيب وزارة المالية" هجوما سياسيا ـ حزبيا بايعاز (غير مباشر، على الأقل) من أولمرت. ورأوا ان هذا النقد يستهدف توجيه ضربة أخرى الى مصداقية سيلفان شالوم (القليلة أصلا) واعتبروه، بالتالي، اشارة طلاق من جانب شارون.

أكثر من تأثر بهذا النقد هم موظفون كبار في وزارة المالية الاسرائيلية وجدوا انفسهم تحت نيران حارقة من الاتهامات المهنية والسياسية. تلك السياسية منها، أغفلوها، أما المهنية فقد ردوا عليها بالنار.

بالمقابل، شرعت وزارة المالية باعداد خطة تقليصات جديدة لم يكن حجمها مفاجئاً. فقبل أسابيع عديدة، عشية الانتخابات تحديدًا، قال مدير عام وزارة المالية، ايهود مراني، انه سيكون من الحتمي ملاءمة ميزانية الحكومة للإنهيار الجديد في جباية الضرائب، بل حدد أيضا حجم الملاءمة ـ أي التقليص: بين 7 الى 9 مليارات شيكل.

هل هذا المبلغ صحيح؟ لا احد في وزارة المالية يعرف ولا أحد يستطيع اجراء الحساب الصحيح. في احدى الجلسات الصاخبة، وحين اقترح كل رئيس قسم مبلغا للتقليص يزيد بعدة مليارات عن المبلغ الذي اقترحه سابقه، قال الوزير شالوم: <<انني ارى هنا رغبة الأشخاص في "أن يغطي كل واحد مؤخرته" بواسطة اقتراحات متطرفة. انكم تتنافسون فيما بينكم على تقديم التوقعات الأكثر سوداوية>>.

الموظفون الذين شاركوا في البحث تحدثوا عن "خط بياني تنازلي للمدخولات"، وعن "حركة لولبية للعجز الآخذ بالازدياد"، وعن "دائرة سحرية للضرائب المتزايدة والاقتصاد الآخذ بالتقلص". وقال موظف كبير في وزارة المالية: "منذ كانون الأول 2001 قلصنا في أساس الميزانية الحكومية 27 مليار شيكل. وماذا كانت النتيجة؟ اقتصاد في تراجع مستمر وضرورة ملحة لتقليصات جديدة".

في ختام البحث تقرر تبني السيناريو المركزي الذي يشير الى نقص بحوالي 8 مليارات شيكل في الميزانية.

* الجمهور يطالب بخطة من نوع آخر

الجمهور، كما يبين استطلاع مينا تسيمح، لا يؤيد أيا من التقليصات التي تخططها وزارة المالية. انه يعارض، بشدة وبغالبية ساحقة، الجزء الأكبر من هذه التقلبصات:

56% من المواطنين يعارضون خفض أجور المستخدمين في القطاع العام.

63% يعارضون طرد مستخدمين من عملهم في القطاع العام.

68% يعارضون فرض "رسوم تسليف" الزامية.

69% يعارضون الغاء الأمتيازات والتسهيلات الضريبية الممنوحة لمناطق "الأفضلية القومية".

83% يعارضون فرض ضرائب على مخصصات "التأمين القومي".

85% يعارضون رفع أسعار الوقود.

88% يعارضون فرض "ضريبة القيمة المضافة" على أسعار الخضروات والفواكه.

على ماذا، اذن، يوافق الجمهور؟

على رفع أسعار السجائر وعلى تقليص الميزانيات المخصصة للمستوطنات (في الضفة الغربية وقطاع غزة) ـ وهما بندان هامشيان تماما في سد الفجوة في الميزانية.

ان جبهة المعارضة الشعبية الواسعة لخطة اشفاء اقتصادية تقوم على التقليصات والضرائب الجديدة ليست شأنا تافها. وليس من الصحيح القول ان المواطنين يهتمون دائما بجيوبهم الخاصة فقط، ولذلك لن يقبلوا بزيادة العبء الاقتصادي عليهم. الاسرائيليون أذكياء، وقد خلصوا الى الاستنتاج المطلوب من حملات التقليص والضرائب السابقة: انها غير ناجعة ولا تؤدي الى أية حلول.

سيقبل الاسرائيليون بتحمل العبء المترتب عن خطة اشفاء أخرى تختلف عن تلك الخطط التي عرضت حتى الآن: خطة أمينة، وشاملة، وعادلة، ومشاركة وذات أهداف محددة. خطة يتم فيها اشراك نقابة العمال العامة (الهستدروت)، وأصحاب العمل وبنك اسرائيل. خطة يقودها قادة اقتصاديون وسياسيون يمكن الاعتماد عليهم والوثوق بهم. خطة تمنع الانهيار (الذي يتخوف منه اثنان من كل ثلاثة اسرائيليين) وتنشر الأمل. حتى لو كان ضئيلا. ان الأمل الوحيد لتجنيد التأييد الشعبي الواسع هو في اعتماد خطة اقتصادية تقوم على مبدأ "قولوا لنا الحقيقة". والى أن يتم ذلك، فان مجرد النقاش الجماهيري حمل مقترحات وزارة المالية وعرضها أمام رئيس الحكومة يخلق ديناميكية سياسية. فوزير المالية الحالي وقيادة وزارته يحيكون على الملأ خطوات اقتصادية كبيرة ودراماتيكية سيتم تنفيذها في غضون الأسابيع والأشهر القريبة. أي انهم واثقون من بقائهم في مناصبهم في الحكومة القادمة أيضا، اذ لا يجوز استبدال الخيول في ذروة الجهد لأخراج عربة الاقتصاد من الوحل الذي تغوص فيه عميقاً.

هذا ليس خط التفكير الذي يعتمده رئيس الحكومة الاسرائيلية. فشارون مستعد للإصغاء الى اقتراحات وزارة المالية، ولإطلاق خطابات نارية حول الحاجة الماسة الى اجراء التقليصات، لكنه يحرص جيدا على ألآ يشتم منها أي التزام سياسي ـ حزبي واضح.

شارون يعي وضع الاقتصاد الأسرائيلي الصعب، كما يعي توقعات الجمهور. ولو كان يستطيع استغلال "حالة الطوارىء الاقتصادية" لتشكيل حكومة وحدة قومية مع حزب العمل لانقضَّ على الفرصة. ولكن، يبدو ان هذه ليست نقطة انطلاق جيدة لتجنيد حزب العمل، الذي انسحب من الحكومة السابقة بسبب خلافات اقتصادية.

تبقى الحرب في العراق. وهي التي يفترض أن تنزل الجميع عن الأشجار.

(يديعوت أحرونوت 14/2 – ترجمة: "مدار")

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات