ماهو المنطق الاقتصادي في خطة نتنياهو؟ ان كان "ليس ثمة مال" في الخزينة، كما اعلن وزير المالية، فلم يكن بالامكان تحويل 2،5 مليار شيكل لتمويل خفض الضرائب الذي يستفيد منه، اساسًا، أغنى الأغنياء، وتحويل 5،1 مليار شيكل لخفض رسوم التأمين التي يدفعها المشغلون ارباب العمل، ومليار شيكل لتمويل فائض ميزانيات بلدية ولبناء مساكن شعبية في المناطق (الفلسطينية).
كذلك "حيلة" الدفاع المزعوم عن القطاع الخاص والمستقل، باسم قيم الرأسمالية، هي كذبة كبيرة. اصحاب المصالح التجارية الصغيرة الذين تجاوزوا الركود الاقتصادي سوف يتضررون مرة اخرى بسبب التقليصات الجديدة، لأن غالبيتهم من ذوي المداخيل غير العالية. أي، ان خطة نتنياهو تمس بالقطاع الخاص، الذي هو هدفها وغايتها.
المنطق في خطة نتنياهو، اذن، هو شيء آخر. نتنياهو يؤمن بأن صياغة مجددة لمنظومة العلاقات في الاقتصاد الاسرائيلي سوف تساعده (الاقتصاد) في المدى البعيد. حول هذا المنطق ينبغي ان يجري النقاش.
في الدول الغربية الرائدة تجري علاقات العمل طبقا لاتفاقيات ومواثيق بين الحكومة وبين المنظمات العمالية، لا يجوز خرقها. النظام الدمقراطي هو منظومة من التوازنات بين قوى مختلفة. هدف خطة نتنياهو هو القضاء - تحت ستار الحاجات الاقتصادية - على عنصر واحد في هذه المنظومة، وبالتالي كسر قواعد اللعبة.
ثمة خطر آخر يكمن في الضرر الذي تلحقه الخطة بالقطاع العام. ففي الدولة التي يعشقون فيها جدًا التباكي على غياب "الخدمات المدنية" الجديرة، تنمو خطة اقتصادية احد اهدافها الأساسية هو ضرب قوة القطاع العام كتنظيم ذي هيكل تنظيمي وذي قدرة على التفاوض، من خلال تشغيل عمال اقل تكلفة وعديمي القدرة التنظيمية، بدلا من المستخدمين الذين سيتم فصلهم من العمل.
القطاع العام مكروه وسمعته سيئة، لكن اولئك الذين يعتبرون انفسهم متنورين ويدعمون خطة نتنياهو، يساهمون في المزيد من افساد من يفترض بهم تقديم الخدمات للمواطنين دون اية تحيزات او محسوبيات. احد الكنوز الأكثر اهمية للخدمات المدنية هو أمن العمال وأمانهم في كل ما يتعلق باماكن عملهم، والذي يجعلهم محصنين امام اغراءات الأجسام والمؤسسات التي يعملون قبالتها. المس بالأمن التشغيلي في قطاع الخدمات العامة من شأنه زيادة الاغراءات، ويالتالي زيادة الفساد.
كل هذه مجتمعة - خرق الاتفاقيات الموقعة، افساد القطاع العام وانعدام المسؤولية الجماهيرية العامة الذي تبديه البرجوازية الاسرائيلية المؤيدة للخطة - تشكل خطرًا على سلطة القانون. احد المؤشرات على ضعف الانظمة الدمقراطية هو انعدام الثقة الجماهيرية بقوانين اللعبة وبمصداقيتها.
لذلك، تبدو مثيرة للاستغراب خيانة اولئك الذين يعتبرون انفسهم حريصين وقلقين على سلطة القانون، بينما هم غير مستعدين الآن لاجراء أي نقاش حول الاسقاطات غير الدمقراطية المترتبة عن خطة نتنياهو. وزراء حزب شينوي، مثلا، او خبراء اقتصاديون بارزون. انهم يكشفون عن عماهم وقلة ليبراليتهم حيال المسّ بأحد العوامل البارزة في الانظمة الدمقراطية الصناعية الغربية - النقابات المهنية. انهم يتجاهلون، بل ويدعمون، سعي وزارة المالية الى تأميم صناديق التقاعد، بعد ان تم تأميم مؤسسة "التأمين الوطني" بواسطة اخضاعها الى محاسب وزارة المالية (وكل هذا وسط التلويح براية الخصخصة).
خطة نتنياهو ستضرب، في المدى القصير، الضعفاء والطبقة الوسطى، لكنها في المدى البعيد ستمس بهؤلاء الليبراليين الذين يدعمونها اليوم. وسيفاجأ هؤلاء، ليس فقط بسبب انعدام ثقة الطبقات الضعيفة بهم، وانما ايضا بسبب ادراكهم المتأخر بأنهم، هم بالذات، ساهموا في تقويض سلطة القانون.
(هآرتس 1/4، ترجمة "مدار")