المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

نهاية آذار تقترب، ومنتصف نيسان على الأبواب، والكل في إسرائيل يحبس أنفاسه بانتظار القول الفصل من لجنة فينوغراد حول مصير إيهود أولمرت وحكومته. فإن قالت اللجنة إنه أخطأ وإن عليه استخلاص العبر وتقديم استقالته، فإن ذلك سيقود إما إلى إطاعته الأمر والتنحي، وإما إلى مواجهة حلبة سياسية وحالة شعبية ضاغطة تدعوه للاستقالة. قد يصمد أولمرت وقتا ما، لكن في الغالب سيهرب في نهاية المطاف من المواجهة إن لم يكن اقتناعا، فعلى الأقل رغبة في تجنب هجوم القرية.

لكن حاله لن تكون أفضل كثيرا إن قالت اللجنة إنه لم يقترف خطأ جسيما يفرض عليه استخلاص النتائج والاستقالة. حينها ستميد الأرض تحت أقدام كل من أولمرت واللجنة على حد سواء. ومن شبه المؤكد أن وسائل الإعلام ستجد في رأي الأقلية في اللجنة دليلا على أن أغلبية اللجنة لم تخالف توقعات من قام بتعيينها، وأن نتائج التحقيقات صبّت فقط في الاتجاه الذي أراده أولمرت من اختياره لرئيسها فينوغراد ولعدد من الأعضاء، وأن الأعضاء الآخرين كانوا مجرد زينة ضرورية.
وفي الحالتين، سيخرج الآلاف إلى الشوارع. ونظرا لأن أولمرت بما يمثل لم يعد يشكل عصبوية في الحلبة السياسية الإسرائيلية، فلن يظهر انقسام شعبي جراء ذلك. وستبقى في الغالب الصورة في الشارع كما هي الآن: أولمرت ومؤيدوه في موقع الأقلية الصغيرة ومعارضوه في موقع الأغلبية. غير أن الحساب في المقام الأول سيكون لعدد الأصوات ضده في الكنيست وليس في الشارع. لكن في الديمقراطية الإسرائيلية، ليس من السهل الاستخفاف بأكثرية الشارع. ففي المقام الأخير أكثرية الشارع هي من يعيد ترتيب الأقلية والأكثرية في الكنيست، ولو بعد حين.

وهكذا، لا يبدو أن أولمرت بخطابه الأخير الذي أقر فيه بأنه "رئيس حكومة غير شعبي" قلب الواقع الإسرائيلي رأسا على عقب. ربما على العكس من ذلك، أنه زاد من حدة الانتقادات ضده. فقد اضطر لتحديد نقاط قوة في نظره لأفعاله في ولايته كرئيس للحكومة أو "في مكان عمله"، وأبرزها: دوره الاقتصادي ودوره العسكري. وفي الدورين تعاظمت انتقادات الصحافة له لأنه ليس من أوقف الاقتصاد على رجليه، حيث الفضل في نظر الخبراء يعود للسياسة التي انتهجها خصمه الأكبر، زعيم الليكود بنيامين نتنياهو. كما أن دوره في ترميم الجيش مشكوك فيه نظرًا لامتناعه عن تأييد مطلب رئيس الأركان الجديد غابي أشكنازي بتحديد ميزانية تطوير متعددة السنوات للجيش. وكل هذا إضافة إلى أنه بالتزاماته الائتلافية ألحق الضرر بالإطار العام للموازنة ومنع تنفيذ قرارات معينة للحكومة.

وما يجري الحديث عن معاودة أولمرت اكتساب الشرعية داخل كديما، ليس في أفضل الأحوال أكثر من هدوء ما قبل العاصفة. فقد تحول أولمرت إلى عبء على مجموعة من الساسة الذين تسلقوا على وضع طارئ تمثل برغبة الجمهور في رؤية سياسة جديدة. ومن البديهي أن أولمرت وزملاءه في كديما لم يوفروا البضاعة المطلوبة، وأن كثيرين ينتظرون الفرصة لتقرير مصيرهم ليس في استطلاعات الرأي وحسب، وإنما أيضا في صندوق الاقتراع.

وليس صدفة أن أحد وزراء كديما أبلغ صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن "هدوء الأيام الأخيرة هو هدوء ما قبل العاصفة. الجميع شاركوا في المسرحية لأنه لم تكن لديهم فكرة عما ستكون الحال في نهاية المطاف، لكن الحقيقة هي أنه خلف الكواليس يواصل الكثير من الأشخاص التآمر عليه". وأشار مسؤول آخر إلى أن "كل ما كان في مجلس كديما كان أكذوبة كبرى. التأييد الزائف موقت، حتى نشر استنتاجات فينوغراد. وعندها سيكون للجميع المبرر للفرح، وستنزع الأقنعة".

كثيرة هي الأقوال التي سيقت حول تآمر عدد من قادة كديما مع زعماء الليكود. والشيء المؤكد أن إحساس قادة كديما بالخطر يدفعهم نحو البحث في سيناريوهات المستقبل. فليس هناك من سياسي في إسرائيل يرغب في التطوع بإنهاء حياته السياسية من أجل سياسي آخر. لقد انتهى منذ زمن طويل عهد السياسي "المثالي"، وباتت السياسة إما تعبيرا عن مصالح قوى ينتمي إليها هذا السياسي أو ذاك، وإما ركوبا لموجة شعبية في هذا الاتجاه أو سواه.

وقد كتب عوزي بنزيمان في "هآرتس" أن "أولمرت بات صورة عن وطنه السياسي. الساحة السياسية حافلة بالشخصيات التي تفوق مراهناتها وزنها الجماهيري، ويكفينا أن ننظر إلى الاصطفاف الذي نجم عن بيان لجنة فينوغراد في الأسبوع الماضي حتى ندرك أن الأمور تسير على النحو التالي: مرشحون من تلقاء أنفسهم ومن قبل أحزاب ومجموعات سياسية، وضعوا أنفسهم على مسار الترشيح لرئاسة الحكومة حتى قبل أن تقوم اللجنة بنشر تقريرها الأولي، ومن قبل أن يتضح أن الظروف قد نضجت لإلزام أولمرت بالاستقالة".

وبحسب بنزيمان، فإن "حرب لبنان الثانية جسدت الفجوة بين صورة القادة السياسيين والعسكريين لأنفسهم وبين قدراتهم، وأوضحت المسافة بين توقعات الجمهور وبين قدرة الحكومة على التنفيذ. ونتيجة لهذا التناقض، تلف الساحة السياسية الآن أجواء تآمرية أصبح فيها الحزب الحاكم مجرد غلاف فارغ، وصار الحزب الشريك الرئيس منقسما على نفسه حتى درجة التفكك، وحزب المعارضة الرئيس الصغير (الليكود) يتنافس على جلد الدب قبل اصطياده. الجميع يوجهون أنظارهم إلى كرسي رئاسة الحكومة من قبل أن يصبح شاغرا، مُحدثين جلبة تضفي على دولة إسرائيل صورة الدولة المارقة الهوجاء".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات