المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يفتتح البرلمان الإسرائيلي، الكنيست، في اليوم الأخير من شهر تشرين الأول الجاري، دورته الشتوية، في ظل رهان على استمرار الدورة حتى نهاية شهر آذار/ مارس المقبل، موعد انتهائها الرسمي، أم أنه سيتم قطعها للتوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة قد تجري في اشهر الربيع، بدلا من خريف العام 2006.

بخلاف عن الدورة الشتوية السابقة، التي كانت صاخبة، فإن صخب هذه الدورة، وهي الأساسية في العمل البرلماني السنوي في إسرائيل، سيتركز بالأساس على التحركات الحزبية، وكل موقف أو تحرك على مختلف الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية سيكون رهينة المصالح الحزبية للكتل، وأيضا على مستوى النواب كأفراد.

والمعركة الأهم التي سيدور حولها العمل البرلماني في هذه الدورة، هي معركة اقرار الميزانية، بدءا من الاسبوعين الأولين للشهر القادم، وحتى نهاية العام الحالي، إذا نجحت الحكومة في اقرارها.

وفي ما يلي نستعرض الملامح الاساسية للدورة الشتوية البرلمانية.

معركة الميزانية

كما جرت العادة فإن الحكومة الإسرائيلية تطرح على جدول أعمال الكنيست في اليوم الأول من دورته الشتوية ميزانية الدولة للعام المقبل لإقرارها بالقراءة الأولى، وتطرح الى جانبها ما يسمى بـ "قانون التسويات"، وهو تجميع لسلسلة قوانين وأوامر وأنظمة وزارية وإدارية، تسعى الحكومة من خلالها إلى تنفيذ مشروع الميزانية، وهو إجراء غير ديمقراطي بموجب اعتراف المحكمة العليا الإسرائيلية، كونه يجمد قوانين ويوقف العمل بقوانين أخرى، دون البحث بها بشكل تفصيلي.

أما بحث الميزانية واقرارها بالقراءة الأولى، فهو يتأجل لعدة أيام أو أسابيع حسب موازين القوى للحكومة، وإذا لديها الاغلبية اللازمة لإقرارها. وحصل أن اضطرت الحكومة لتأجيل إقرار الميزانية بالقراءة الأولى لأشهر، إذ يسمح القانون باقرار الميزانية العامة حتى اليوم الأخير من شهر آذار/ مارس من كل عام، وفي حال لم تقر الميزانية تسقط الحكومة تلقائيا، ويتم التوجه الى انتخابات برلمانية جديدة في غضون 90 يوما.

وبعد إقرار الميزانية بالقراءة الأولى، بمعنى إقرار خطوطها العريضة، يتم الانتقال لبحثها بأكثر تفصيلا في اللجان البرلمانية المختلفة، وبشكل خاص في لجنة المالية البرلمانية، ومن ثم تعاد الى الهيئة العامة للكنيست في الايام الأخيرة من العام الجاري، لإقرارها بالقراءتين الثانية والثالثة الأخيرتين.

وعلى الرغم من أن حكومة أريئيل شارون أقرت في شهر آب/ اغسطس الماضي ميزانية فيها الكثير من الاجحاف بحق الشرائح الفقيرة والضعيفة، وهي ميزانية أعدها وزير المالية السابق بنيامين نتنياهو وطاقم وزارته، فإن الحكومة نفسها قد تبادر الى اجراء بعض التعديلات الطفيفة، من باب رمي بعض الفتات القليل جدا للفقراء، في إطار ما يسمى إسرائيليا "ميزانية انتخابات"، بمعنى أن الميزانية تحاول أن تجمّل نفسها بشكل مصطنع أمام الشارع البسيط، تهميدا لموسم الانتخابات، لكن الميزانية التالية التي تقر للعام الذي يليه تنتزع الفتات وأكثر، وهذا أمر أصبح خارج المراهنات، لأنه عادة يعيشها الشارع الإسرائيلي بعد كل انتخابات.

من الضروري الإشارة إلى أن موضوع الميزانية والقضايا الاجتماعية هي قضايا شبه هامشية في معركة الانتخابات البرلمانية في إسرائيل، والموضوع الأبرز هو الموضوع الأمني السياسي، ولهذا فإن القوائم الانتخابية من بين الأحزاب الصهيونية، التي تحاول الظهور بقالب المدافع عن حقوق المسحوقين تواجه السؤال الابرز، "أين تصنفون أنفسكم في الساحة السياسية؟"، و"ما هي أجوبتكم على القضايا السياسية؟". فمثلا حين خاض عمير بيرتس، رئيس اتحاد النقابات الإسرائيلية، الانتخابات على رأس قائمة مستقلة في الجولتين السابقتين، كان يضطر في نهاية معركته البرلمانية إلى أن يطرح الموضوع السياسي، الذي كان يحاول تجنبه، في محاولة للكسب من قطبي الساحة السياسية.

ولهذا فإن الحكومة، ولنقل على وجه الخصوص حزب الليكود برئاسة اريئيل شارون، سيواجه سلسلة مطالب تتركز بالأساس في الشرائح الفقيرة والمتوسطة، باستثناء كتلة واحدة، هي كتلة شينوي، برئاسة تومي لبيد، التي تصنف نفسها على أنها ذات توجه اقتصادي صقري مناصر لكبار رؤوس الاموال، وحتى الشرائح المتوسطة، على أبعد حد.

وقد بدأ شارون يفاوض الكتل البرلمانية بشكل غير مباشر، في محاولة لكسب قاعدة تأييد أوسع، وقبل هذا فإنه يعمل على ضمان الالتزام الحزبي في كتلته البرلمانية، بعد نجاحه في اللجنة المركزية في الليكود، ويسعى الى انهاء "حالة التمرد"، التي واجهها منذ الدورة الشتوية السابقة وحتى الشهر الماضي. وعلى ما يبدو فإن شارون حقق انجازا في هذا المجال، ويستطيع أن يدون في مفكرته، أن 40 نائبا من كتلة الليكود سيقفون جسدا واحدا لتأييد الميزانية، لكن قد يشهد مناورة هامشية من وزير المالية السابق بنيامين نتنياهو، الذي سيرى ان الحكومة عدّلت في بنود الميزانية لضمان الفتات للفقراء، ولكنه في نهاية الأمر سينصاع لقرار الكتلة ويؤيد الميزانية.

وأمام شارون الآن كتلتان أساسيتان يريد ضمان تأييدهما، هما كتلة حزب "العمل" الشريكة في الائتلاف الحكومي، وكتلة "شاس" الأصولية المعارضة، إلى جانب خمسة نواب كتلتي "ديغل هتوارة" و"أغودات يسرائيل" الأصوليتين من الاشكناز، وثلاثة نواب انشقوا عن كتلهم. وعدد هؤلاء مجتمعا يتراوح ما بين 66 نائبا الى 79 نائبا، كحد أقصى، من أصل 120 نائبا.

لكن الطريق لن تكون معبدة امام شارون الى هذا الحد، فهو سيواجه مفاوضات "مضنية"، تخيّم عليها كاميرات الاعلام وميكروفوناته وصحفه، وعامل الإعلام لوحده يجعل المفاوضات "أصعب"، في محاولة لتسجيل النقاط لدى جمهور الناخبين.

"العمل" و"شاس" والميزانية

يستعد حزب "العمل" في هذه الايام للانتخابات الداخلية لرئاسة الحزب، التي ستجري في التاسع من الشهر القادم، تشرين الثاني/ نوفمبر، ولهذا فإن شكل تحرك "العمل" في داخل حكومة شارون سيكون مرتبطا بنتائج الانتخابات، فهي بخلاف عن الليكود، من المستبعد جدا ان تُحدث أي مفاجأة في نتائجها، التي هي شبه مضمونة وبفارق كبير لرئيس الحزب الحالي شمعون بيريس.

وقد أعلن بيريس مسبقا أنه إذا استجابت حكومة شارون لشروط حزبه فإنه لا يرى أي سبب لمغادرة الحكومة قبل انتهاء ولايتها الرسمية في خزيف العام القادم، وهذا لا نستطيع اعتباره ورقة ضمان لشارون. ومن شروط بيريس إجراء تغييرات في سلم أولويات الحكومة بشأن الميزانية، وصرف ميزانيات على الشرائح الفقيرة والمتوسطة، في إطار "محاربة الفقر"، إلى جانب شروط سياسية مثل دفع العملية السياسية الى الأمام.

وكما ذكر سابقا فإن شارون نفسه، ومعه وزير المالية الجديد ايهود اولمرت، الذي يريد الظهور اليوم كـ "روبن هود الإسرائيلي"، سيعملان على إجراء بعض التعديلات لصالح الفقراء، وطبعا في موسم انتخابات، فإن حزب "العمل" لن يرضى وسيطلب المزيد من التعديلات، وعلى الأغلب سيجدون صيغة وسطية تنقذ بيريس وحزبه من "ورطة" انتخابات برلمانية مبكرة، حزب "العمل" ليس مهيئا لها في الأشهر القليلة القادمة.

لكن حتى وإن انصاع "العمل" وأيد الميزانية، فما من شك أنه من أصل نوابه الواحد والعشرين سنجد نائبين على الأقل يعارضان الميزانية، وهما رئيس اتحاد النقابات، "الهستدروت"، النائب عمير بيرتس، وزميلته في الكتلة البرلمانية المنحلة، "عام إيحاد"، التي انضمت الى كتلة "العمل".

أما كتلة "شاس" الأصولية فإنها تترفع في هذه الأيام عن إمكانية دعم الميزانية، ولكن ايضا هذه ليست ورقة طلاق كلي، لأن هذه الكتلة التي "صمدت" رغما عنها في مقاعد المعارضة لمدة ثلاثة اعوام، بحاجة لتحقيق شيء لجمهوري ناخبيها في عام الانتخابات. والمقصود بجمهوري ناخبيها، أولاً الجمهور الأصولي الشرقي (الحريديم السفاراديم)، بما في ذلك المؤسسات والمعاهد الدينية التابعة لهذه الحركة، والجمهور الثاني هو جمهور الشرائح الفقيرة من الطوائف اليهودية الشرقية. وأبرز ما تستطيع الكتلة تحقيقه في هذا المجال هو رفع طفيف لمخصصات الاولاد، كون أن جمهور "شاس" هو من الجمهور الذي يكثر الولادة بين اليهود.

ومن عادة كتلة "شاس" أن تعلن موقفها الأخير في اللحظة صفر قبل موعد التصويت في الكنيست، وقد يكون شكل تأييدها إما بالتصويت المؤيد المباشر، أو من خلال الامتناع عن التصويت، وكلاهما يصب في صالح الأغلبية التي يسعى لها شارون، كون امتناع "شاس" يقلل من حجم المعارضة.

وبقدر ما يتقرب شارون من كتلة "شاس"، بقدر ما يبتعد عن كتلة "شينوي" العلمانية المتشددة المعارضة، التي تطالب بالاستمرار بسياسة نتنياهو الاقتصادية، إلا أن نتنياهو نفسه سيكون في ورطة، إذا ما قرر أن يناور ضد شارون، في أعقاب التجاوب مع بعض طلبات جمهور حركة "شاس" المحسوب على اليمين، الذي يسعى نتنياهو للحصول على دعمه مستقبلا.

ومن المستبعد أن يواجه شارون خلافات جدية مع النواب الخمسة من الأصوليين الأشكناز، الذين عادة يحصلون بسرعة على مطالبهم الضيقة المتعلقة بجمهور ناخبيهم المحدد. وقد يحظى شارون، كما ذكر سابقا، بتأييد ثلاثة نواب انفصاليين، أحدهم الوزير السابق يوسيف باريتسكي المنشق عن كتلة "شينوي"، ودافيد طال، المنشق عن عمير بيرتس، بعد أن رفض الانضمام لحزب "العمل"، وهو في الاصل من كتلة "شاس"، وميخائيل نودلمان، المنشق سياسيا عن الكتلة اليمينية "يسرائيل بيتينو"، فهؤلاء الثلاثة غير معنيين أساسا بإنهاء ولاية الكنيست، مع علمهم أنهم لن يعودوا اليها بعد الانتخابات القادمة. وفي هذا المجال من الضروري الإشارة إلى أن نودلمان، وهو أساسا من حزب "يسرائيل بعلياه" المنحل بزعامة الوزير السابق نتان شيرانسكي، هو الذي بادر للتمرد على كتلته اليمينية المتطرفة لأسباب سياسية، فهو أيد خطة إخلاء مستوطنات قطاع غزة.

العمل البرلماني والانتخابات

عدا الميزانية فإن النواب وكتلهم البرلمانية سينشغلون "مع ساعات اضافية" في الاستعداد للانتخابات البرلمانية، ففي كل واحدة من الانتخابات البرلمانية الثلاث الأخيرة كان عدد النواب الجدد يفوق 40 نائبا، بمعنى أن 40 نائبا حاليا على الأقل يشعرون اليوم أنهم سيكونون خارج الحلبة السياسية والعمل البرلماني، وقد يرتفع هذا العدد أكثر في الانتخابات القادمة، لأن 16 نائبا على الأقل من نواب الليكود لن يعودوا الى الكنيست بسبب نظام الانتخابات الداخلية لليكود، وهذا الأمر سيعكس نفسه على شكل عمل النواب.

أضف إلى ذلك أن رفع نسبة الحسم الى 2% بدلا من 1,5% من مجمل المقترعين، سيجعل بعض الكتل البرلمانية في خطر، كونها حصلت في الانتخابات الماضية على أقل من 2%، أو في حدود هذه النسبة. ولهذا فإنها ستسعى الى ابرام تحالفات انتخابية تضمن لها عودة، ولو جزئية، إلى الكنيست. وهذا الملف قد يصبح أكثر سخونة إذا ما قرر الحزبان الأكبران، أو الكتل الثلاث الكبرى، التجاوب مع مبادرة تلوح في الافق تهدف إلى رفع نسبة الحسم الى 2,5%، فهذا سيشكل خطرا حتى على الكتل الفاعلة بين العرب، وسيمنع ظهور قوائم انتخابية جديدة قد تكلف مرشحيها ميزانيات طائلة من دون أي أمل بالوصول إلى مقاعد الكنيست.

عمليا فإن زوبعة الكنيست القادمة ستكون في فنجان الشأن الداخلي الاسرائيلي والحلبة الحزبية، من دون أية أبعاد سياسية عامة. وقد يكون هذا ذريعة لحكومة شارون للابتعاد عن أي مسار سياسي يدفع العملية السياسية إلى الأمام.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات