تكرّس إسرائيل جلّ جهودها في الأيام الأخيرة في اتجاه إحباط أي محاولة أميركية أو حتى مجرد التفكير بتقديم الإدارة الأميركية أي ضمانات سياسية للرئيس محمود عباس (أبو مازن) أثناء زيارته واشنطن الأسبوع الجاري، أو ما يمكن تفسيره «لفتات طيبة» أميركية تجاهه طالما لم يلبّ الإملاءات الإسرائيلية بضرب قواعد الفصائل الإسلامية المسلحة. ويندرج النفي الإسرائيلي الرسمي لأنباء عن طلب عسكريين إرجاء الانسحاب من قطاع غزة أشهراً في إطار الجهود المذكورة للحيلولة دون أن يستغلها عباس لدعم ادعاءاته بأن إسرائيل لا تنفذ أياً من التزاماتها وليست جادة في مشروعها فك الارتباط عن القطاع. إلى ذلك، تواترت التصريحات والتلميحات إلى احتمال قيام الجيش الإسرائيلي بعملية عسكرية واسعة في قطاع غزة تزامناً مع بدء إخلاء المستوطنات «ليتم بشكل هادىء».
ارتأى رئيس الحكومة الإسرائيلية أريئيل شارون أن ينفي بنفسه ما نشرته صحيفة «معاريف» أمس عن موقف عدد من القادة العسكريين الداعي إلى إرجاء الانسحاب المزمع من القطاع من أربعة الى ستة أشهر واشتراط تنفيذه بتجريد الفصائل المسلحة، خصوصاً «حركة المقاومة الإسلامية» (حماس) من أسلحتها بحجة تعاظم قوتها وعدم جهوزية إسرائيل لإسكان المستوطنين في مناطق بديلة.
وقال شارون مع وصوله الى واشنطن للمشاركة في مؤتمر «لجنة العلاقات العامة اليهودية الأميركية» (ايباك) إن لا أساس من الصحة للأخبار عن طلب عسكريين إرجاء الانسحاب وأن التنفيذ سيكون في الموعد المقرر في 16 آب (أغسطس) المقبل وفقاً للجدول الزمني المقرر. ورداً على سؤال عن احتمال أن يتم الانسحاب تحت وقع النيران الفلسطينية، قال شارون للصحافيين المرافقين: «أعدكم بأن نجد الحل المناسب لذلك... الهدوء سيسود والجيش سيوفر الرد على احتمال مرافقة الفلسطينيين الانسحاب بإطلاق النار»، ما فسّره مراسل الإذاعة العبرية بأن جيش الاحتلال قد يقوم بعملية عسكرية في القطاع تزامناً مع إخلاء المستوطنات وإجلاء المستوطنين. وسئل شارون أيضاً عن موقف إسرائيل في حال فازت «حماس» في الانتخابات التشريعية الفلسطينية بعد شهرين، فقال ان إسرائيل لا تتدخل في الشؤون الداخلية في السلطة الفلسطينية، مستدركاً أن «إسرائيل ستعرف كيف ترد في هذه المسألة أيضاً».
في هذا السياق، قال النائب الأول لرئيس الحكومة شمعون بيريس إن «حماس» لن تكون شريكاً في أي مفاوضات سياسية «لأنها حركة دينية وليست سياسية». وأضاف أن مهمة محاربتها ليست قصراً على إسرائيل فحسب إنما ينبغي على السلطة الفلسطينية أيضا محاربتها. وزاد أن إسرائيل أوضحت على نحو لا لبس فيه أن التقدم في العملية السياسية بعد الانسحاب من غزة رهن بعمل السلطة الفلسطينية ضد الفصائل المسلحة و«سنحكم على السلطة بحسب أفعالها وليس تصريحات مسؤوليها». ورأى أن من شأن إرجاء الانسحاب أن يصعّد الأوضاع الأمنية وقد يرتد على إسرائيل.
من جهته، قال وزير الصحة داني نافيه إنه لا يمكن أن تسلّم إسرائيل بأن تحتذي «حماس» بـ«حزب الله» فتصعد نيرانها على الجيش الإسرائيلي لتقول لأنصارها إن إسرائيل انسحبت تحت وطأة النيران. وأضاف ان الحكومة لن تسلّم أيضا بوضع تشارك فيه «حماس» في الحياة السياسية الفلسطينية وتواصل في الآن ذاته نشاطاتها العسكرية كما حصل مع «حزب الله».
إلى ذلك، تزايدت التلميحات والدعوات الى تدخل الجيش «بشكل فاعل أكثر» لمواجهة القذائف الفلسطينية التي انهالت في الأيام الأخيرة على المستوطنات. ونقلت إذاعة الجيش عن مصدر أمني اعتباره حديث الفلسطينيين عن تجديد التهدئة مجرد حبر على ورق، مضيفاً أن الجيش جاهز للقيام بسلسلة «خطوات عملياتية» قي القطاع في حال لم يتوقف إطلاق القذائف. من ناحيتها، نقلت «هآرتس» عن مسؤولين كبار في الجيش اعتقادهم بأن لا فائدة من تنسيق الانسحاب مع السلطة لعجزها عن بسط نفوذها على القطاع «وأن لا مفر في نهاية المطاف من دخول الجيش الى القطاع عشية الانسحاب لتنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق لتأمين إخلاء المستوطنات وإجلاء المستوطنين»، وهذا ما أكده أيضاً نائب وزير الدفاع الإسرائيلي زئيف بويم للإذاعة الإسرائيلية.
في موازاة ذلك، تواصل إسرائيل مساعيها للحيلولة دون تحقيق الرئيس الفلسطيني مكاسب سياسية في لقائه الرئيس جورج بوش الخميس المقبل، وسط أنباء عن خلافات في الرأي داخل الإدارة الأميركية في شأن مسألة تقديم ضمانات سياسية أو القيام بـ«لفتات طيبة» تجاه رئيس السلطة تعزز مكانته وتعدّل بعض الشيء الانطباع بأن واشنطن منحازة تماماً إلى جانب إسرائيل. وترك شارون الذي لن يلتقي وفقاً لأوساطه أياً من المسؤولين الأميركيين في زيارته الحالية لواشنطن، المهمة لمستشاره دوف فايسغلاس الذي يسبق عباس الى واشنطن ليلتقي وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس ومستشار الأمن القومي في البيت الأبيض ستيف هيدلي، حاملاً معه جملة ادعاءات ضد رئيس السلطة بعدم تنفيذه تفاهمات شرم الشيخ والتزامه «محاربة الإرهاب»، ما يبرر بنظر إسرائيل عدم قيام واشنطن ببادرات حسن نية تجاهه. وسيدّعي فايسغلاس، وفقاً لصحيفة «هآرتس» بأن من شأن تقديم بادرات كهذه أن تُثقل على رئيس الحكومة الإسرائيلية في الحلبة السياسية الداخلية، وهو الذي يواجه معارضة قوية لمشروعه الانسحاب من القطاع.
في موازاة ذلك، تظاهرت إسرائيل بأنها تبذل جهوداً حقيقية في سبيل دعم رئيس السلطة، ففطنت الى تفاهمات شرم الشيخ وسرّبت نيتها تقديم «رزمة تسهيلات» للفلسطينيين تضمنتها التفاهمات المذكورة. وبحسب الصحيفة، فإن تقريراً وصل أخيراً إلى تل أبيب يفيد بأن خلافاُ في الرأي يسود الإدارة الأميركية في شأن طبيعة اللفتات السياسية الواجب القيام بها تجاه الضيف الفلسطيني، وذلك على ضوء توقعات الفلسطينيين بأن يصدر إعلان أميركي يكون بمثابة «تعويض ما» عن الضمانات السياسية التي منحها الرئيس الأميركي قبل أكثر من عام لرئيس الوزراء الإسرائيلي (وعد بوش). وبحسب مسؤول إسرائيلي، فإن الفلسطينيين لا يقصدون رسالة ضمانات خطية كالتي حصل عليها شارون إنما ضمانات سياسية تتعدى الضمانات الأميركية القائمة تجاه الفلسطينيين وتؤمّن مصالحهم في المفاوضات السياسية المقبلة مع الدولة العبرية. وتابعت الصحيفة أن هناك في الإدارة الأميركية من يدعو إلى وجوب مسايرة الرئيس الفلسطيني لتدعيم موقعه عشية الانتخابات التشريعية «التي ستشهد فيها حركته فتح امتحاناً حاسماً لقوتها أمام حماس»، لكن أوساطاً أخرى في الإدارة ترى أن لا مجال لإعلان رئاسي أميركي جديد يتعدى التزامات الأميركيين تجاه الفلسطينيين.
من جهتها، كتبت «يديعوت أحرونوت» أن شارون يسعى في زيارته للولايات المتحدة الى إعداد اليهود الأميركيين لإمكان حدوث صدام بين إسرائيل والإدارة الأميركية بعد تنفيذ خطة فك الارتباط. وقالت الصحيفة ان شارون سيلتقي خلال زيارته عدداً كبيراً من قيادات المنظمات اليهودية الأميركية ليؤكد لهم أن لا نية لديه بتاتاً بدء مفاوضات مع الفلسطينيين في شأن «الحل الدائم» وليحصل على دعمهم لخطة الانسحاب. وأضافت أن شارون سيؤكد أيضا حرصه على «وحدة القدس» وتعزيز الوجود اليهودي فيها وتقوية مكانتها «كمركز ثقافي- روحاني لليهود في العالم»، كما سيدعو اليهود إلى الهجرة إلى إسرائيل في إطار مشروعه لاستقدام مليون يهودي خلال السنوات الـ15 المقبلة. كما يعتزم مطالبة الإدارة الأميركية والمنظمات اليهودية بتقديم معونات مالية لتطوير وتهويد الجليل والنقب.