منذ سنوات وإسرائيل تعيش في رعب مما تسميه خطر القنبلة الديمغرافية الفلسطينية التي سيقود انفجارها إلى تدمير الدولة اليهودية. ورغم أن هذا الإحساس بالخطر رافق الدولة اليهودية منذ بدء التفكير عملياً بإقامتها فجرى الحديث عن "أرض من دون شعب لشعب من دون أرض"، فقد كان التعبير عنه بسياسة التطهير العرقي في حرب 1948. وكان المخطط الإسرائيلي يقضي بالحيلولة دون بقاء عرب في نطاق الدولة اليهودية، سواء عبر طردهم بالقوة أو عبر بث الذعر في صفوفهم ودفعهم إلى الرحيل. ويمكن القول إن القوات الإسرائيلية نجحت في تحقيق هذا المخطط بشكل كبير. غير أن جزءاً كبيراً من الفلسطينيين بقوا على أرضهم بموجب اتفاق الهدنة الذي سمح لقوات الجيش العربي الأردني والقوات الإسرائيلية بتقاسم المناطق التي كان يسيطر عليها الجيش العراقي.
وطوال السنوات حتى عام 1967، فرضت السلطات الإسرائيلية قيوداً على الفلسطينيين الباقين في أرضهم بقصد سلبهم الأرض ودفعهم نحو الهجرة. غير أن الحال اختلفت بعض الشيء في أعقاب الاحتلال الإسرائيلي لباقي الأرض الفلسطينية ولأراض عربية أخرى. فحاولت من خلال إزالة الحدود والرغبة في إظهار لحاقها بركب الدول المتقدمة التعاطي بنوع من الانفتاح مع العرب من مواطنيها. وقد تسارعت هذه السيرورة مع إبرام الاتفاقات السلمية مع كل من مصر ومنظمة التحرير الفلسطينية والأردن.
ولكن مع نشوب الانتفاضة الثانية عاد الإسرائيليون إلى الشعور بالخطر والتعبير عن ذلك بأن حرب عام 1948 لم تنته بعد. وكان أول مظهر من مظاهر العودة هذه هو إطلاق النار على المتظاهرين المتضامنين مع الانتفاضة والتعامل مع القرى والبلدات العربية في إسرائيل وكأنها جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وازداد الحديث عن الخطر الديمغرافي مجدداً، وكان أولى ضحاياه قانون المواطنة. وتحت ذريعة مكافحة الإرهاب وضعت حكومة إسرائيل بتوصية من مجلس الأمن القومي تعديلا للقانون يضع قيودا على منح المواطنة لأزواج أو زوجات إذا كانوا من فلسطينيي المناطق المحتلة.
وقد أثار هذا التعديل سجالا حادا بين مؤيدي المساواة والعدالة وبين من هم على استعداد للقفز عن أي قانون إذا كان فيه ما يفيد العرب أو يضر إسرائيل. وبين من قام بالكتابة عن هذا الموضوع صاحب وناشر صحيفة "هآرتس" عاموس شوكن الذي اعتبر أن في التعديل تمييزاً ضد العرب، ودعا إلى منح الإقامة لهذا الزوج بدلا من المواطنة. وانبرى لمهاجمة الاقتراح كتاب كبار في إسرائيل بينهم رئيس تحرير "معاريف" أمنون دنكنر وكبير معلقيها دان مرغليت اللذان وصلا حد تخوين شوكن وادعاء عدائه للصهيونية. بل إن شقيقة عاموس ردت عليه بمقالة تظهر معارضتها للاقتراح الذي يتنافى مع "تقاليد العائلة".
غير أن أهمية هذا النقاش تكمن في حقيقة أنه يجري في الوقت الذي يصر فيه الفلسطينيون في ذكرى النكبة على وجوب تجسيد حق العودة. وتتمثل الأهمية في كونه يكشف عن الصورة التي تتعاطى بها شرائح النخبة الإسرائيلية ليس مع حق العودة وحسب وإنما كذلك مع حق الإنسان الفلسطيني من مواطني الدولة اليهودية في الزواج ممن يحب أو تحب. ففي نظر إسرائيل يعتبر مثل هذا الحب تجسيدا لحق العودة وسبيلا لتدمير الدولة اليهودية. وبالتالي كل من يقف مؤيدا لهذا الحق يؤيد بوعي أو من دون وعي خراب إسرائيل.
ويوم 15 أيار 2005 صادقت الحكومة الإسرائيلية على تمديد أنظمة الطوارئ التي تمنع منح المواطنة الإسرائيلية لأزواج مواطنين عرب إسرائيليين إن كان الزوج من الأراضي الفلسطينية.
وتحت الضغط القانوني الداخلي والدولي تحدثت تقارير إسرائيلية عن أن النص الجديد لهذه الأنظمة يسمح بجمع شمل العائلات التي فيها أحد الزوجين فلسطيني شرط أن تكون النساء فوق سن 25 عاما والرجال فوق سن 35 عاما.
وتدعي إسرائيل أن القانون غير تمييزي لأنه لا يتحدث عن المواطنين العرب وإنما عن كل الإسرائيليين. ولكن كم هو عدد اليهود الذين يتزوجون من فلسطينيين. تجدر الإشارة إلى أن هذا القانون لا يسري فقط على منح المواطنة وإنما كذلك على منح الإقامة. وهذا يعني أنه ليس بوسع الفلسطينيين من سكان القدس الزواج بفلسطينيين من مناطق أخرى.
وفي الوقت الذي تفرض فيه إسرائيل القيود على الزواج من فلسطينيين فإنها تتيح لليهودي من كل أرجاء العالم بالهجرة إليها بموجب "قانون العودة". ومؤخرا شرعت بتبرير خطواتها هذه من خلال الاستناد إلى قيود فرضتها دول مثل الدانمرك وهولندا. غير أن الفارق بين ما يجري في تلك الدول وما يجري هنا هو أن الفلسطينيين ليسوا غرباء عن المكان بل هم أصحابه الأصليون.
وإسرائيل عندما تسمح لمواطن عربي فيها من الزواج من فلسطينية أو العكس إنما تسمح له بالزواج من ابنة عمه أو ابنة قريته أو بلدته وليس بالزواج من دولة وثقافة أخرى.
عموما صارت قضية الزواج من فلسطينيين قضية أمن قومي أوكل أمر الحسم فيها لرئيس "مجلس الأمن القومي" الجنرال غيورا آيلاند. وقد كلف هذا المجلس ببحث سبل الحفاظ على طابع دولة إسرائيل كدولة يهودية، وضمان أغلبية يهودية لأطول فترة ممكنة. وقد أوصى آيلاند، بالحدّ من قدرة "المقيمين غير الشرعيين" على اكتساب مكانة قانونية في إسرائيل؛ وتحديد شروط للقدرات الاقتصادية للفلسطيني أو الفلسطينية الذي يطلب الحصول على مكانة قانونية، وتحديد السن وشروط أخرى.
وبعد الإعلان يوم الأحد الأخير (15 أيار) عن تسهيلات محدودة في أنظمة الطوارئ خشية قرار صارم من المحكمة الإسرائيلية العليا، حمل زعيم حزب شاس إيلي يشاي على القرار، واعتبر أن ذلك يشكل "مصادقة على حق العودة من الباب الخلفي وهو ما يشكل خطراً وجودياً على إسرائيل".