المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ما نشر عن الأجراء والأمر اللذين اتخذهما قاضي محكمة الصلح في القدس، القاضي امنون كوهين، بشأن الصحفي باروخ قرا، يكشف صورة قاتمة وخطيرة.مما نشر يتبين ان الطلب المكتوب الذي قدم الى القاضي كوهين لم يتضمن اي اشارة الى حقيقة ان الموضوع يتعلق بصحفي. هذه الحقيقة عرضت امام القاضي فقط خلال المداولات الشفوية حول الطلب. لم يتم تسجيل محضر لتلك المداولات، خلافًا للقانون وخلافا للمعمول به في اي دولة قانون. الأمر الذي اصدره القاضي الزم شركات الهواتف بتزويد المعلومات عن جميع المحادثات الهاتفية التي اجراها الصحفي باروخ قرا خلال فترة تزيد عن شهرين، كما الزم بالكشف عن هوية الأشخاص الذين تحادث قرا معهم، وكذلك اماكن تواجدهم وقت المحادثات. القاضي اصدر الأمر على خلفية شبهات بتشويش اجراءات قضائية. وكما يبدو، لم يسوغ القاضي قراره ساعة اصداره، بل كتب تسويغاته في وقت لاحق.

من الناحية الموضوعية، لم يكن ثمة مبرر لأصدار الأمر. من المؤكد انه من غير المعقول الأشتباه بأن النائبة التي نقلت المعلومات للصحفي كانت تقصد تشويش وعرقلة اجراءات قضائية، كما انه من غير المعقول الأشتباه بأن الصحفي كان يقصد ذلك. ينبغي ان تكون المخالفة ترمي الى تحقيق هدف محدد، "تشويش اجراءات قضائية"، ولم يكن ثمة اساس للأشتباه بأن هذا الهدف كان مقصودًا. ومن هنا، فان هذا الأمر يفتقر الى الأساس الذي اصدر بموجبه. وحقيقة ان النيابة العامة ترفض، اليوم ايضاً، الكشف امام الجمهور عن المعلومات التي تؤكد الشبهة، حسب ادعائها، تمثل استهتارًا بحق الجمهور في المعرفة وبواجب النيابة في اخضاع نفسها للرقابة الجماهيرية. ذلك ان التحقيق قد انتهى ولا مصلحة عامة، اطلاقًا، تبرر اخفاء المعلومات المذكورة.

الأمر الذي اصدره القاضي شكل مَسّاً، شاملاً وعميقاً، بخصوصيات اشخاص عديدين، وبمصادر معلومات اضافية محتملة للصحفي قرا. في مثل هذا الوضع الذي يتيح اصدار امر كهذا في ظروف كهذه، لا يستطيع المواطنون في اسرائيل الشعور بالأمان والثقة بأن خصوصياتهم محفوظة ومضمونة. واكثر من هذا، من الصعب تخيل اجراء تحقيق صحفي بينما ينبغي على من يتحدث الى الصحفي التخوف من الكشف عن هويته. ثمة هنا، اذن، مس خطير جداً بقدرة الصحافة على العمل وبحق الجمهور في المعرفة.

الظروف التي اصدر فيها هذا الأمر لا تتلاءم مع القاعدة التي اقرتها المحكمة العليا والتي يمكن، بموجبها، المس بالسرية الصحفية فقط عند التحقيق في جريمة خطيرة، وفقط عندما لا تتوفر اية طريقة اخرى للوصول الى المعلومات التي يشكل الوصول اليها مصلحة جماهيرية عامة قصوى. فطالما توفرت طرق اخرى كهذه، من الواجب استنفادها اولاً. وفي حالتنا هذه، لم يكن هنا تحقيق في جريمة خطيرة، ولم تستنفد وسائل التحقيق الأخرى التي ينبغي ان تسبق أي مس بالسرية الصحفية.

ان العبرة المستفادة من هذه القضية الخطيرة هي انه من الضروري وضع انظمة جديدة للحالات التي تطلب فيها الدولة المس بالسرية الصحفية. هذه الأنظمة يجب ان تلزم بتقديم طلب تفصيلي، يشير بوضوح الى ان الحديث هو عن صحفي، ويشمل تسويغات وافية لكيفية تحقق الشروط التي تستدعي وتبرر المس بالسرية الصحفي، وفق الأحكام القضائية، اضافة الى تمكين ممثل عن مجلس الصحافة من المشاركة في المداولات ليطرح امام القاضي موقفاً ينطلق من الأقرار بأهمية حق الجمهور في المعرفة.

* بروفيسور كريمنيتسر، خبير في القانون الجنائي والدولي، ومحاضر في كلية الحقوق في "الجامعة العبرية" في القدس، ورئيس مجلس الصحافة في اسرائيل.

(يديعوت احرونوت ـ 10/3)

الترجمة العربية: "مـدار"

المصطلحات المستخدمة:

مجلس الصحافة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات