ترتكز الدراسة على ملاحظة الميزانيات الخاصة المُخصصة للمستوطنات في بنود الوزارات الحكومية، وتحليل ميزانية السلطات المحلية التابعة للواء المستوطنات مقارنةً بالسلطات المحلية في بقية الألوية، ورصد قوانين الضرائب التي توفّر إعفاءات وامتيازات ضريبية للمستوطنات والمستوطنين.
وتشير نتائج الدراسة إلى وجود سياسة اقتصادية خاصة بالاستيطان تختلف عن السياسة الاقتصادية العامة لإسرائيل، ففي حين تدّعي حكومات إسرائيل تراجع دورها ووظائفها الاقتصادية، وتوكل إلى قوى السوق إدارة الاقتصاد والنمو، وتوكل إلى السلطات المحلية تجنيد مصادر دخل ذاتي، وتتراجع عن تقديم قسم من الوظائف الاجتماعية والخدماتية العامة، فإنها تقوم بهذه الوظائف في المستوطنات، بل وتتكفّل بغالبية الخدمات العامة.
وتكشف الدراسة بوضوح أن إسرائيل لا تقيس المصاريف على المستوطنات وفق مبادئ الجدوى الاقتصادية أو العقلانية الاقتصادية أو حسابات الربح والخسارة المالية، وذلك بكونها مستعدةٌ لدفع ثمن اقتصادي ومالي؛ بغية تحقيق أهداف قومية سياسية إستراتيجية دون اعتبار للتكلفة المالية.
واعتبرت الدراسة أن ما يحصل على أرض الواقع، خاصة في السنوات الأخيرة من بناء جدار الفصل العنصري وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية، يُحتم إعادة التفكير وإعادة تفسير الصورة ومعاني الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فما يلاحظ اليوم ويفهم بعد تحليل السياسات المالية وتوزيع الميزانيات، وفق الدراسة، "قريب جداً إلى إستراتيجية السيطرة التي انتهجها المشروع الصهيوني للسيطرة على الأراضي الفلسطينية منذ نشأته؛ إذ تشي السياسة بأن مشروع الاستيطان أُقيم ليدوم ويتحوّل إلى وقائع على الأرض، لا لأن يكون أداة تكتيكية في عملية تفاوض أو تقاسم للأرض."
وتؤكد الدراسة ان "الدولة تخصص ميزانيات فائضة، أكبر من حصة المستوطنين من السكان، للمستوطنات. وهذا التخصيص الفائض لم يتحول إلى موضوع خلافي لا في المجتمع الإسرائيلي ولا بين الأحزاب الإسرائيلية. هناك إجماع على الاستيطان ودوره في المشروع الصهيوني: الأمني والأيديولوجي والسياسي. وبالمجمل فإن هناك شبه إجماع في إسرائيل مفاده أن دولة إسرائيل مستعدة لدفع ثمن اقتصادي مقابل تحقيق أهداف قومية. "
وترى الدراسة، أن سياسة الاستيطان، إلى جانب كونها أحد العوائق المركزية في وجه السلام والأمن، فإنها أيضاً تشكل سبباً مركزياً للفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين الإسرائيليين، حيث "تثبت السنوات الثلاثون الأخيرة أن المستوطنات آخذة في الازدهار بالتوازي مع تقليص دولة الرفاه داخل إسرائيل. فهي تعرض على المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة خدمات وتمويلاً غير قائم في حدود الدولة، فتعرض أرضاً زهيدة الثمن، وشققاً ومساكن بثمن معقول، وامتيازات ودعماً حكومياً، وبنية تحتية متطورة وجهازاً تعليمياً مدعوماً، وتخفيضاً ضريبياً ومساعدات حكومية سخية في مجال الرفاه الاجتماعي، وذلك في إطار سياسة الحكومة الهادفة إلى تشجيع المواطنين الإسرائيليين على السكن في المستوطنات."
وتختم الدراسة استخلاصاتها بأن استمرار الحكومات الإسرائيلية في ضخ الميزانيات والاستثمارات الضخمة إلى المستوطنات في الأراضي المحتلة والأموال التي يتم صرفها على الجوانب الأمنية، يثبتان أن حكومات إسرائيل تضع الاستيطان على رأس سلم أولوياتها، وهي تجد دائماً مصادر لتمويل الاستيطان والمستوطنات، في الوقت الذي تروّج فيه للضرورات الاقتصادية التي توجب التقليص في رفاهية مواطني إسرائيل.