المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ثمّة فجوة مذهلة بين الخطاب العالمي حول خطّة "فك الارتباط" الخاصة بحكومة أريئيل شارون وبين الواقع المحلّي. ففي الوقت الذي يتمّ فيه عرض الانسحاب الإسرائيلي في المنتديات الدولية العامة بأنّه قرار تاريخيّ يوفّر فرصة نادرة لتحقيق السّلام في المنطقة، يحذّر المراقبون المحلّيون- وخصوصًا في فلسطين- من أنّ الخطّة لن تدفع، على الأرجح، بعمليّة السّلام قدمًا؛ وفي الحقيقة هي تُعتبر محاولةً إسرائيليّة مقصودة لإعاقة أيّ تقدّم مستقبليّ نحو حلّ مقبول.

عدم التوافق هذا بين الطرح وبين الواقع يجعل تقييم معنى الانسحاب من غزّة ومناقشته من منظور حقوق الإنسان أمرًا صعبًا.

سأحاول في هذه المقالة مقارنة النتائج الإيجابيّة المحتملة من الانسحاب الإسرائيلي مقابل الأصداء السلبيّة المحتملة في ما يتعلّق بحقوق الإنسان في إسرائيل وفلسطين.

هل هو انفصال حقيقي؟

ثمّة إجماع بين مفكّري ومثقّفي الرأي السائد الإسرائيلي والفلسطيني على أنّ "فك الارتباط" عن غزّة هو أمر لا يتعدّى كونه إعادة انتشار للقوّات الإسرائيليّة، وهو لا يعتزم تغيير الوضع الراهن أو إنهاء الاحتلال. تستند هذه المقالة إلى الافتراض ذاته. نظريًا، لا يمنع هذا التصور، في حدّ ذاته، حدوث تحسّن محتمل في حياة وحقوق السكّان الذين يعيشون في المناطق الفلسطينية المحتلّة في العام 1967. على سبيل المثال، فإنّ إزالة المستوطنات الاستفزازية من قطاع غزّة ومن منطقة صغيرة من شمال الضفّة الغربية يمكنها أن تحسّن جودة حياة العديد من الفلسطينيين. قام المستوطنون بانتهاك حقوق الفلسطينيين بشكل مباشر من خلال عنفهم ووحشيّتهم اليومية، وبشكل غير مباشر عن طريق اجتذاب اجتياحات عسكرية قمعيّة شديدة للمناطق الفلسطينية المحتلّة من أجل حمايتهم، أو الانتقام نيابةً عنهم. وهكذا، يمكن للانسحاب أن يزيل هذا الجانب المهين عن حياة بعض الفلسطينيين في هذه المناطق التي سيتمّ إخلاؤها.

فضلاً عن ذلك، وبغضّ النظر عن الدوافع الحقيقية، يمكن لهذه الخطوة أن تعزّز حقّ الفلسطينيين في تقرير المصير. وتدعم هذا الموقف القوى الإسلاميّة في المناطق الفلسطينية المحتلّة التي تعتبر الانسحاب هزيمةً للجيش المحتلّ، وبالطبع هناك الكثير من الحقيقة في هذا الموقف.

لكن، من أجل أن تتبلور هاتان الناحيتان الإيجابيّتان إلى واقع جديد، يجب على الانسحاب أن يعني انفصالاً إسرائيليًا حقيقيًا عن حياة الفلسطينيين في قطاع غزّة والأجزاء الشمالية من الضفة الغربية. للأسف، هنالك القليل من الدلائل المنذرة بأن هذا ما سيحدث في الحقيقة نتيجة فكّ الارتباط.

النذير الأوّل هو إصرار إسرائيل على أنّه لن يكون هناك مزيد من التنازلات المناطقيّة. وفي حين أنّه لا يتمّ، دائمًا، التّعبير عن هذا الموقف بشكل علنيّ، إلا أن دوف فايسغلاس، وهو مستشار رفيع لأريئيل شارون، عبّر عن ذلك بوضوح في مقابلة مع "هآرتس" في تشرين الأوّل من العام 2004، والتي صرّح فيها: "فك الارتباط هو، في الحقيقة، فورمالين. إنّه يزوّد كمية الفورمالين الضرورية لكي لا تكون هنالك عملية سياسية مع الفلسطينيين." وأعلن مسؤولون إسرائيليون كبار آخرون، بمن فيهم رئيس الوزراء نفسه، أنّ عملية "فكّ الارتباط" هي صدمة وطنيّة؛ وهم يقصدون بذلك أنّه لن تقوم أيّ حكومة إسرائيلية بمحاولة السعي لمثل هذه الخطوة مرّة أخرى على الإطلاق. إضافةً إلى ذلك، قلص الإسرائيليون، قدر المستطاع، من التّعاون مع السلطة الفلسطينية بشأن الانسحاب، بغية تجنّب خلق انطباع محلّي بأنّ الانسحاب هو جزء من حوار حول السّلام، وأنّه ليس إعادة انتشار للقوّات، كما يرغبون هم في عرضه.

تلائم هذه التصريحات بشكل جيّد الإستراتيجية الشاملة لحكومة شارون، التي تتمتّع بدعم واسع النطاق لدى جمهور الناخبين الإسرائيلي. الهدف هو إقامة إسرائيل الكبرى، التي تشمل نصف الضفّة الغربية تقريبًا، لكنّها تستثني قطاع غزة ومناطق فلسطينيّة محضة في الضفة الغربية (تنتشر هذه المناطق بشكل متقطّع بين الكتل الاستيطانية اليهودية وهي تفتقر إلى التواصل المناطقي). ويمكن أن تصبح الجيوب الفلسطينية في الضفة الغربية، بالإضافة إلى قطاع غزة، مناطق ذات حكم ذاتي، وحتى يمكن تسميتها دولة، في مرحلة لاحقة.

وهكذا، فإنّ السياق الأوسع لتحليل تأثير خطّة فك الارتباط على حقوق الإنسان هو التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي العام. وستؤثّر الرؤية الإسرائيلية المستقبلية هذه على حقوق الإنسان في المناطق الفلسطينية المحتلة، وداخل إسرائيل، بطرق كثيرة. لكن، قبل أن يتمّ عرض هذه التأثيرات المحتملة هنا، يجب الأخذ بعين الاعتبار ردّة الفعل الفلسطينية الممكنة على مثل هذه الإستراتيجية. كيف يمكن أن تتصرف القيادة الفلسطينية، الفصائل الفلسطينية المختلفة والجمهور الفلسطيني عامة، عندما يتضح أنّ الانسحاب من غزّة هو نهاية عملية السّلام، بدلاً من أن يكون محطّةً في الطريق إليه؟ يمكن، على الأقلّ، توقع مستوى من المقاومة شبيهًا بذلك الذي تحاول القيام به قوّات فلسطينية مختلفة خلال كفاحها المستميت ضدّ الوضع الراهن (على الرّغم من أنه يمكن حتى تخيّل سيناريوهات أسوأ كثيرًا). دعونا نفترض، جدلاً، أنّ الإحباط في المناطق الفلسطينية لن يؤدّي إلى أعمال تتعدّى أنماط الهجمات المألوفة ضدّ الجيش والمستوطنين في كلّ من قطاع غزة والضفة الغربية. وهذا يعني أنّه من المرجّح أن تتواصل انتفاضة ثانية على نار هادئة، على الرّغم من خطاب السلام الذي يرافق الانسحاب. إذا قمنا بإضافة هذا السلوك الفلسطيني المحتمل للإستراتيجية الإسرائيلية الشاملة، فسنحصل على صورة متكاملة أكثر تتيح لنا أن نحلّل عن كثب التأثير الممكن لفكّ الارتباط على حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلّة.

حاجة الجيش الإسرائيلي إلى عرض القوة

في السّابق كان ثلاثة مسؤولين إسرائيليين كبار- رئيس الوزراء، وزير الدفاع وعيبال غلعادي، مدير طاقم التنسيق الاستراتيجي في مكتب رئيس الوزراء- قد أوضحوا كيف سيكون الرد الإسرائيلي على ردة فعل فلسطينية كهذه. وصرّح غلعادي لوسائل الإعلام المكتوبة والإلكترونية بأنّ "إسرائيل ستتصرّف بطريقة صارمة جدًا بغية الحؤول دون وقوع هجمات إرهابية وإطلاق نار في الوقت الذي يتمّ فيه تنفيذ فك الارتباط... وإذا تبيّن أن الردود العينية غير كافية، فقد نضطر إلى استخدام أسلحة يمكنها أن تلحق أضرارًا مصاحبة، بما في ذلك المروحيّات والطائرات، مع تعرّض السكان المحيطين لخطر متزايد" ("هآرتس" باللغة الانجليزية، 22 حزيران، 2005). بعد ذلك بشهر، بلّغ توفيق أبو خوصة، المتحدّث باسم وزارة الداخلية الفلسطينية، الإسرائيليين بأنّ الوزارة لا يمكنها ضمان انسحاب بشكل سلميّ (www.walla.co.il، 30 تموز، 2005). حتّى بدون هذا التّصريح، كان من الواضح أنّه سيتمّ إطلاق النار خلال الانسحاب وبعده.

وقد ظهر غلعادي، الذي عادةً ما يعمل من وراء الكواليس، مرّات عدة ونادرة من أجل تكرار الرسالة نفسها، وتوسيع رقعة تهديده لفترة ما بعد الجلاء. يبدو وكأنه كان يحضر الرأي العام المحلي لعمليات تدمير واسعة النطاق ستقوم بها إسرائيل في غزّة أثناء الانسحاب وبعده. ويحتاج الجيش الإسرائيلي إلى عرض قوّة كهذا، الأمر الذي يمكنه أن يؤدّي إلى انتهاكات فظّة لحقوق الإنسان، وبالتحديد لأنّ الفصائل الإسلاميّة تعرض الانسحاب كهزيمة لإسرائيل. وقد أدّى نفس الشعور بالهزيمة في صيف العام 2000 في لبنان برئيس أركان الجيش الإسرائيلي حينها، شاؤول موفاز، إلى المطالبة بتنفيذ عرض قوّة وحشيّ ضد الفلسطينيين عندما اندلعت الانتفاضة الثانية. ويحمل موفاز، في منصبه الحالي كوزير الدفاع، نفس الأفكار. ويتمّ وصف هذا التتابع الفكري بشكل جيد في كتاب جديد، "البوميرانغ"، الذي كتبه الصحفيّان عوفر شيلح ورفيف دروكر. عمل عوفر شيلح كضابط في كتيبة موفاز أثناء خدمته في الجيش ويتمتّع بعلاقات شخصية جيدة مع الوزير. ووفقًا لهذا الكتاب، أفشل موفاز، في العامين 2000 و 2001 كلّ محاولة جدية قام بها الفلسطينيون والإسرائيليون المعتدلون لإنهاء التصعيد العسكري للانتفاضة الثانية، وذلك من أجل "إعادة" "احترام العرب" المفقود للجيش.

ويفيد الكتاب أنّ أريئيل شارون حاك خطّة فك الارتباط بعد أن علم أن المدّعية العامة حينها، عدنه أربيل، كانت على وشك تقديم لائحة اتّهام ضدّه تتعلّق بالفساد. وافق الجيش على الخطّة، على الرّغم من رفض معظم زملاء موفاز لها. إنّ موقف الجيش هو مدعاة للدهشة، إذ أعلن معظم الضبّاط الكبار علناً وخلال نقاشات داخليّة، أنّ الانسحاب الأحادي الجانب سيكون كارثة. لكن، في نهاية المطاف، جميعهم أيدوا الخطة.

لماذا وافق الجيش الإسرائيلي على خطّة اعتقد بأنّها كارثية؟ وفقًا للكتاب المذكور، وافق قادة الجيش على ذلك لأنّهم استسلموا للضّغط السياسي الشديد الذي مارسه رئيس الوزراء والذي كان مقتنعًا بأنّه ستتمّ مقاضاته بسبب فساده السياسيّ والمالي. وبالفعل، يواصل قادة الجيش الادّعاء بأنّه من المرجّح أن تتعرّض البلدات اليهودية داخل حدود إسرائيل ما قبل العام 1967 إلى مزيد من إطلاق النار من قطاع غزّة بعد الانسحاب. وسيتوجّب على الجيش أن يُثبت بعد الانسحاب أنّه يمكن استعادة قدرة الرّدع التي يعتقد أنّ إسرائيل قد فقدتها عن طريق الانسحاب الأحادي الجانب. وهذا يعني شيئًا واحدًا في حالة المناطق الفلسطينية المحتلّة: الإساءة المنهجيّة لحقوق الإنسان من خلال الاستخدام المفرط للسّفن الحربية، طائرات "إف 16" والأسلحة الأخرى التي من شأنها أن تلحق "ضررًا مصاحبًا".

إنّ الاحتمال بألا تؤدّي خطّة فك الارتباط إلى إنهاء الاحتلال، بل إلى تأبيده هو، بحدّ ذاته، بمثابة أخبار سيّئة لمستقبل حقوق الإنسان والحقوق المدنية للفلسطينيين. كذلك فإنّ أقلّ ما يمكن أن يُقال بالنسبة لاحتمال أن تؤدّي الأعمال الإسرائيلية الوحشية إلى حالات كثيرة من القتل داخل قطاع غزة هو أنّه أمر مثير للقلق. علاوةً على ذلك، فإنّ الإصرار الإسرائيلي على فصل القطاع عن أيّ تواصل برّي من الشرق، الشمال والجنوب، ومواصلة سد الطريق للبحر من الجهة الغربية يثير القلق الجدّي بشأن مستوى الحياة الاقتصادية والرفاهية الاجتماعيّة لأكثر من 1.4 مليون فلسطيني من سكّان القطاع.

وهكذا، من المرجّح جدًّا أن يدفع الفلسطينيون ثمن "الصدمة الوطنية"، ليتسنّى لكلّ من "الأمّة" والجيش أن يشعرا بالتئام الجروح بعد انتهاء الأزمة.

انتصار "أحادية الجانب" ومفهومه

لكن، الأهمّ من ذلك هو الإحساس بالنجاح الذي سيكون من نصيب جهاز صنع القرار الإسرائيلي في ضوء انجاز الانسحاب بشكل سلسٍ نسبيًّا، حيث سيتمّ اعتبار ذلك نصرًا "لأحادية الجانب" التي أصبحت الآن الكلمة المردّدة في مركز الإجماع السياسي في البلاد. ويعني مصطلح "أحادية الجانب" أن الفلسطينيين، أينما كانوا- داخل إسرائيل، في مخيمات اللاجئين، في الشتات أو في المناطق الفلسطينية المحتلة- ليس لديهم أي رأي في مستقبل فلسطين وإسرائيل. وهكذا، يمكن سن قوانين تمنع الأزواج الفلسطينيين الذين يأتون من جانبي الخط الأخضر من العيش سوية، مع التجاهل التام لرغبات الفلسطينيين أنفسهم (في حزيران العام 2005، صوّت 59 عضوًا في الكنيست لصالح تمديد هذا القانون، مع إضافة بعض التعديلات، بينما عارضه 13 عضوًا فقط، على الرّغم من أنه في الحقيقة يؤيّد هذا التشريع العنصري 100 من أصل 120 عضوًا في الكنيست الإسرائيلية). بالإضافة إلى ذلك، تستطيع إسرائيل اتخاذ قرارات بشأن ترتيباتها الأمنية على شكل الجدار والوسائل الدفاعية الأخرى بصرف النظر عما تصفه المحكمة العليا الإسرائيلية بالتعبير اللطيف "راحة الفلسطينيين". لقد أصبح موثقا بشكل جيد الآن أن هذه الوسائل سبّبت الترانسفير لبعض النّاس، وكذلك فقدان مصادر رزقهم وسجنهم بين جدران ضخمة وأبراج مراقبة عسكرية.

بعد الانسحاب، الذي يتمّ عرضه محلّيًا بأنّه صدمة وطنيّة يجدر عدم تكرارها، وتصويره للعالم إجمالاً كما لو أنّه أشجع خطّة سلام تمّ اقتراحها على الفلسطينيين في أيّ وقت، فإنّ "أحادية الجانب" في خطر أن تصبح أمرًا مقدّسًا. وهذا يعني، بمفاهيم حقوق الإنسان، أنّ الهيئات الإسرائيلية التي تتعامل مع الفلسطينيين الواقعين تحت سيطرتها سيتّبعون، في أعقاب فك الارتباط، نفس السياسات الصارمة التي سبق ذكرها، حتّى مع اهتمام أقلّ برأي الفلسطينيين وحقوقهم. وعلى نحو يناقض المزاج والخطاب المتعلّقين بـ"التنازلات الجدية"- كما هي الحال عند الحديث عن "العرض الأكثر سخاءً" في صيف العام 2000 - لن تتردّد السلطات الإسرائيلية في أن تقرّر، مستخدمةً القوّة الوحشيّة، من يستطيع الفلسطينيون أن يتزوّجوا، أين يمكنهم العيش والعمل، متى يمكنهم الخروج، أو إلى متى يجب عليهم البقاء مسجونين في بيوتهم قبل رفع حظر التجوّل والحصار. والأسوأ من كلّ ذلك هو أنّه سيكون بمقدور الجيش أن يواصل سياسات إطلاق النار والقتل من دون أي رادع.

يثير الانسحاب، في إسرائيل ذاتها، أسئلةً جدّيةً حول وضع حقوق الإنسان والحقوق المدنيّة. فقد ادّعت المعارضة المناهضة للانسحاب أنّ حكومة شارون مذنبة بانتهاك حقوق الإنسان والحقوق المدنية الأساسية، من خلال الطريقة التي قامت بها بتشريع القرار المتعلق بتطبيق الانسحاب والطريقة التي أسكتت بها العصيان المدني ضدّه. بعض المزاعم المبدئية للمستوطنين ومؤيّديهم هي صحيحة إلى حد ما. فقد تمّ قمع بعض حقوقهم الأساسيّة كمواطنين- مثل حرية التعبير والاحتجاج. لكن، من ناحية أخرى، لا يمكن اعتبار ترحيلهم انتهاكًا لحقوق الإنسان، إذ يتمّ ترحيلهم عن أراضٍ استوطنوا عليها بشكل غير قانونيّ.

لكن الطريقة التي تقوم الحكومة وهيئاتها بالتعامل من خلالها مع حركة الاحتجاج تبرز جانبًا مختلفًا من حقوق الإنسان والحقوق المدنية في إسرائيل: الفجوة الكبيرة بين الطرق التي يتمّ التعامل بها مع الفلسطينيين واليهود المواطنين في إسرائيل الذين يشاركون في نشاطات احتجاجية ضدّ الحكومة. لقد كانت بعض النشاطات التي استخدمها المحتجّون مشابهة لتلك النشاطات التي تمّ استخدامها أثناء المظاهرات الاحتجاجية التي قام بها الفلسطينيون المواطنون في إسرائيل في أرجاء البلاد في أُكتوبر العام 2000: مظاهرات محظورة، إغلاق شوارع وطرقات سريعة، قذف قوّات الأمن بالحجارة، إلخ. على الرّغم من ضلوع المستوطنين ومؤيّديهم في هذه النشاطات منذ أشهر عديدة، إلا أنّ رد الشرطة كان من خلال استخدام وسائل غير عنيفة فقط، وهو ما أدّى إلى عدم وقوع أيّ إصابات تذكر. وقد تمّ اعتقال الموقوفين لفترات زمنية قصيرة نسبيًّا. في المقابل، قُتل في أكتوبر العام 2000، 13 فلسطينيًا أعزل رميًا بالرصاص خلال اشتباكات مع قوّات الأمن الإسرائيلية، وتمّ جرح العديد منهم وتقديم لوائح اتّهام ضد العشرات وإصدار أحكام السّجن الطويلة بحقهم. إنّ التصريح الرسمي المثير للدهشة إلى حدّ كبير في هذا السياق هو التصريح الذي أدلى به رئيس الوزراء السّابق، إيهود باراك، حول النشاطات الاحتجاجية الحاليّة، والذي شجب فيه إغلاق المستوطنين للطرقات السريعة. في شهر أكتوبر من العام 2000، أصدر إيهود باراك نفسه أمرًا للقنّاصين بإطلاق الرصاص الحيّ على الفلسطينيين الذين كانوا يقومون بالعمل نفسه في وادي عارة.

إنّ التمييز الواضح في الوسائل التي يتمّ بها التعامل مع هاتين الحالتين هو نذير شؤم في ما يتعلّق بالمستقبل، وهو لا يشير إلى أنّ إسرائيل ستحاول تجنّب الانسحاب من المزيد من الأراضي وتفادي إجراء مفاوضات سلام حقيقيّة مع الفلسطينيين فحسب، بل إنّه يشير، أيضًا، إلى أن إسرائيل ستحافظ على نظام الفصل والتّمييز الحالي فيها، متيحةً بذلك لليمينيين الإسرائيليين تأبيد التعنّت الإسرائيلي، وتمنع مجموعات سياسية فلسطينية ومجموعات غير صهيونية في إسرائيل من التمتّع بحقوقهم الأساسيّة في التّعبير والمشاركة السياسية.

باختصار، إنّ خطّة فكّ الارتباط هي خطوة نحو تعزيز نظام إسرائيلي تمييزيّ داخل الدّولة، إضافةً إلى سياسات الاحتلال، الاستعمار، والقتل المكثّف المحتمل في المناطق الفلسطينية المحتلّة. إنّ سوء الفهم المؤسف لهذه الخطوة في وسائل الإعلام العالميّة سيتيح للحكومة الإسرائيلية مواصلة مخطّطاتها. وكما كانت الحال في الماضي، فإنّه من واجب المجتمعات المدنيّة في الغرب أن تكشف النقاب عن هذه الصورة المشوّهة وأن تضغط على حكوماتها من أجل المطالبة بانسحاب إسرائيل الكامل من جميع المناطق الفلسطينيّة المحتلة عام 1967، وإدخال قوّات حفظ السلام الدولية مكانها.

ستخفف هذه التطورات عن السكّان الذين يعيشون تحت الاحتلال، بعد أن تعرّضوا لنحو 40 عامًا من الإساءة المنهجيّة لحقوق الإنسان والحقوق المدنية الخاصة بهم. يجب توفير حماية دولية للفلسطينيين حتى يتمّ حلّ جميع المشاكل العالقة- قضية اللاجئين، مسألة القدس ومستقبل البنيتين السياسيتين لكلا الشّعبين- من خلال حوار سلميّ.

(*) د. إيلان بابه هو محاضر كبير في قسم العلوم السياسية في جامعة حيفا

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, عوفر شيلح, الخط الأخضر, الكنيست, باراك

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات