مع استئناف الحرب على غزة لوحظ أن أكثر ما يسكن تقديرات جلّ المحللين السياسيين والعسكريين في إسرائيل، ناهيك عن عدد كبير من القادة العسكريين السابقين، هي قناعة تامة بأن الحرب تخدم أولاً وقبل أي شيء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي يسعى للبقاء، ويعتمد بقاؤه على حلفائه المسيانيين الإشكاليين. ويسكن هذه التقديرات ثانياً نقطة انطلاق تنوّه بأن نتنياهو ما كان ليقدم على خطوة استئناف القتال، التي لا تحظى بإجماع إسرائيلي، من دون دعم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي بدأ ولايته الرئاسية الثانية بالكشف عن أنيابه الحادّة.
في يوم 23 آذار الحالي، اتخذ مجلس الوزراء الإسرائيلي قراراً بالإجماع يقضي بالبدء بإجراءات حجب الثقة عن المستشارة القانونية للحكومة الإسرائيلية غالي بهراف- ميارا من قبل وزير العدل ياريف ليفين والذي قدّمه الوزير إلى مجلس الوزراء في 5 آذار 2025. يأتي هذا القرار بعد عدّة أيام من اتخاذ المجلس قراراً مشابها بإقالة رئيس جهاز "الشاباك" رونين بار.
أعاد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الأسبوع الماضي، رصّ ائتلافه الحاكم، مع عودة كتلة "قوة يهودية- (عوتسما يهوديت)- بزعامة إيتمار بن غفير، إلى الائتلاف، رغم أن انسحاب هذه الكتلة لم يُؤخذ على محمل الجد، واستمرت في كونها محسوبة على الائتلاف. يضاف إلى هذا، أن كتلة "اليمين الرسمي" بزعامة جدعون ساعر، أقدمت على ما كان متوقعا لها، بالاندماج في كتلة الليكود، في إثر استمرار تهاويها في استطلاعات الرأي العام، ما جعل ساعر يسارع في البحث عن "خشبة الخلاص"؛ وبهذا فإن نتنياهو يضرب، مرّة أخرى، كافة التكهنات بانتخابات مبكّرة، التي ستكون فقط في حالة أنها ستخدم مصلحة استمرار حكمه، إلا أن استطلاعات الرأي ما تزال تشير إلى خسارته الحكم، في ما لو جرت الانتخابات في هذه المرحلة.
اعتمدت العقيدة العسكرية الإسرائيلية على ثلاث ركائز: الردع، الإنذار المبكر، والانتصار الحاسم، ولاحقاً أضيفت إليها ركيزة رابعة هي "الدفاع الشامل". فشلت العقيدة الأمنية الإسرائيلية مرتين: في أكتوبر 1973 وأكتوبر 2023، حيث لم تتمكن إسرائيل من ردع أعدائها أو التنبؤ بالهجمات.
هذه المقالة تركز على الأبعاد الفلسفية والسوسيولوجية لمفهوم الردع في العقيدة العسكرية الإسرائيلية، وأسباب فشله، على ضوء التقييمات الإسرائيلية التي ظهرت في الأشهر الأخيرة.
الصفحة 1 من 880