رام الله: صدر حديثا عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" كتاب بعنوان "في غربة الوَطن"، يركز على الواقع النسوي لدى الفلسطينيين في إسرائيل وقدم قراءات معمقة لتعقيداته وتداخله مع الموضوع الإثني، من تحرير روضة كناعنة وإيزيس نصير، ويقع في 368 صفحة.
ويقدم الكتاب الذي وضعه جيل مرموق جديد من النساء الأكاديميات الفلسطينيات المواطنات في إسرائيل قراءة في حياة الفلسطينيين الباقين في وطنهم بعد قيام إسرائيل، والذين اختلفت تجاربهم عن تجارب أولئك الذين هجّروا، وفيه تركز الباحثات اهتمامهن على الأوضاع التي تعيشها جماعتهن القوميّة: ديناميكيّاتها الاجتماعية، سياساتها، تاريخها، ثقافتها.
ويكمن التجديد الأهمّ في أبحاث هذا الكتاب حول توجيه العناية البحثية البارعة نحو حياة النساء وأصواتهن، وقضايا النوع الاجتماعي عموما لدى الفلسطينيين في إسرائيل، حيث يطرح الكتاب أسئلة حول ذاكرة النساء الخاصة بالأحداث والحقب السياسية الماضية، وحول ولائهن السياسي وأشكال ممارساتهن الانتخابية الراهنة، وكذلك حول آرائهن في الحب والزواج والسكَن، ومواقفهن تجاه مسألة الجنسانية وتجاربهن مع أجسادهنّ، وعن طموحاتهنّ التعليمية والمهنية.
ونعثر من خلال أبحاث الكتاب على مقاومة سياسية وثقافية تتّخذ أشكالاً متعدّدة، مثلا، عبر تعقّب المناورات القانونية الذكية في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات التي قام بها رجال في سعيهم إلى إقامة حركة سياسية تسترشد بالقومية العربية، ولكنهم أُخضعوا للرقابة والقمع، وصولا إلى قراءة فنّ الرّاب الذي يبدعه مثقفون شباب من المدن المختلطة والقرى الفلسطينية في إسرائيل.
وتكشف الدراسات التي يضمّها الكتاب تعددية الانقسامات الداخلية، واستحالة الوصول إلى تعميم سهل بشأنها فهناك الإذعان الناجم عن القهر الاقتصادي، الملوّن أحيانا بأوهام على نحو ما يحدث للبدو الذين ينضمّون إلى الجيش الإسرائيلي بدافع مساعدة عائلاتهم والمطالبة بحقوقهم كمواطنين، ولكنهم يجدون أنفسهم في نهاية المطاف جزءا من عملية أكثر اتساعا هدفها تعميق الانقسامات الإثنية لمصلحة الدولة.
وتدحض بعض الأبحاث التي يضمها الكتاب صورة المرأة التي يقدّمها الغرب وإسرائيل، سواء حين تكشف لنا عن مشاركة المرأة في العمل الزراعي قبل النكبة، ومرونة الحدّ الفاصل بين حيّز العامّ وحيّز الخاصّ؛ أو حين تُظهر مدى الاختلاف بين الجماعات النسائية في فهم أنفسهن وتجاربهن وإمكانياتهن وتطلّعهن إلى الحيّز العامّ. وهناك أبحاث أخرى، تتحدّى المواقف الفلسطينية التقليدية تجاه المرأة، إذ تبيّن كيف يزيد نظام السيطرة الإسرائيلي العسكري من إحكام سيطرة العائلات ورقابتها على أجساد النساء، وحين تزعزع يقينيّة ولاء النساء لعائلة الزوج، وحين تشير إلى احتمالات الاغتراب.
شارك في الكتاب كل من: ليليان أبو الطبيخ، ليلى أبو اللغد، لينا دلاشة، أمل اقعيق، هنيدة غانم، ابتسام ابراهيم، فاطمة قاسم، لينة ميعاري، أريج صباغ - خوري، منال شلبي، تغريد يحيى يونس.
ومما جاء في مقدمة الكتاب:
"تميل النماذج الإسرائيلية المهيمنة في العلوم الاجتماعية المهتمّة بالفلسطينيين داخل "الخط الأخضر" إلى التعتيم ونزع السياسي من خلال وصف الفلسطينيين بأنهم أقلية إثنية والإصرار على عدم الاعتراف بهم كسكان أصليين؛ وفي افتراقها عن هذه النماذج، تلقي الباحثات المشاركات في هذا الكتاب نظرة ناقدة على اللامساواة أمام القانون، وعلى التاريخ المشحون، والممارسات التمييزية للدولة الإسرائيلية، من حيث إن كلّ ذلك له آثاره على "المواطنين" العرب. كذلك تدرك الباحثات إدراكا عميقا كيفية تفاعل هذه البنى الاقتصادية والسياسية مع البنى الأكثر محلية، العائلية والأهلية الجمعية، التي تلقي أعباء خاصّة على كاهل النساء والفتيات.
ولا تدير الباحثات ظهرهنّ للنتائج المترتّبة على هذا الوضع – سواء ممارسة العنف ضد النساء أو تقييد تحرّكاتهن، أو حياتهن الشخصية أو حتى تعليمهن - ولكنهن أيضا لا يلقين اللوم على "الثقافة" أو "التقاليد". وهن يعترفن بأن المجتمع اليهودي في إسرائيل يوفر نموذجا للحداثة، كما يوفر بعض الفرص الجديدة للتعلم والاستقلالية، ولكنه في الوقت نفسه ينتج الشروط التي تُخضع النساء لضغوط متوقعة تماما تضعهنّ في موقع خطّ الدفاع عن تمايُز العائلة الأبوية واختلافها والأطر الأهلية الأخرى.
قد تكون المقالات الأكثر إثارة في هذا الكتاب تلك التي تضع موضع التساؤل ظواهر تُعتبر من المسلّمات في الحياة اليومية والنشاط السياسي. إنّ الجرأة الفكرية هنا نابضة مفعمَة، فلا تبالي بالمخاطرة الاجتماعية التي تتضمّنها إثارة هذه الت