رام الله: صدر حديثا عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" العدد 95 من مجلة "قضايا إسرائيلية "تحت عنوان "إسرائيل والقانون الدولي للأقوياء"، يتركز على تفاعل المجتمع الدولي ومنظماته القانونية مع الحرب المدمرّة على قطاع غزة، عبر مراجعات نقدية وتحليلية لمدى فعالية هذه التفاعلات، وللآليات الدولية في التعامل مع الصراعات، مع التركيز على ضرورة إعادة تقييم هذه الآليات وتطويرها لتحقيق العدالة والإنصاف.
وتكشف مساهمات العدد أن الحرب على غزة تسلط الضوء على حدود اللغة القانونية وعجزها عن استيعاب حجم المعاناة الإنسانية وتدمير نسيج الحياة الاجتماعية، وحقيقة أن المشهد القانوني غير محايد، إنما هو ساحة لتجاذبات القوة السياسية، كل ذلك في ظل غياب تعريف واضح للاستعمار الاستيطاني في القانون الدولي وقاعدة قانونية تمنعه.
تحت محور العدد، تتناول سونيا بولس في ورقتها "الحق في تقرير المصير مدخلًا لتفكيك الاستعمار" موجة الاعترافات الجديدة بالدولة الفلسطينية من قِبَل بعض دول أوروبا الغربية. وتطرح بولس، التي تشارك في تحرير هذا العدد من مجلة "قضايا إسرائيلية"، نقدًا لمفهوم "حل الدولتين"، معتبرةً أنه قاصرٌ عن معالجة الأبعاد الاستعمارية للصراع، وتقترح إعادة التركيز على حق تقرير المصير كمسار لتفكيك الهياكل الاستعمارية، متجاوزًا "الخط الأخضر". تستند بولس إلى الرأي الاستشاري الأخير لمحكمة العدل الدولية، الذي يفرض مسؤوليات قانونية على المجتمع الدولي إزاء الاحتلال، وتعتبره نقطة انطلاق داعمة لاستراتيجيات تحقيق العدالة للفلسطينيين بعيدًا عن حدود الدولة المقترحة.
المقال الثاني هو ترجمة لمجموعة من المقالات القصيرة المنشورة ضمن العدد الخاص لعام 2024 لمجلةLondon Review of International Law. يعرض المساهمون فيها وجهات نظر نقدية حول ازدواجية القانون الدولي، بوصفه أداةً لتبرير الهيمنة عوضًا عن أن يكون وسيلةً للمساءلة والمقاومة. وتهدف هذه المقالات إلى إبراز أهمية إعادة فهم القانون من منظور الشعوب المستضعفة في كفاحها من أجل الحرية والكرامة.
في ورقتهما "مخالفات مستمرة: إعادة النظر في غزة بما يتجاوز الإبادة الجماعية"، يقدم زينة جلاد وأرنولف بيكر لوركا نقدًا للقانون الدولي كإطار ضيق لتوصيف الكارثة الفلسطينية. ويقترح الكاتبان مفهوم "المخالفات المستمرة" لوصف الانتهاكات المتراكمة التي يتعرض لها الفلسطينيون، مؤكدين ضرورة إعادة تصور القانون الدولي ليشمل ديناميات الاحتلال وطبيعته الهيكلية، بعيدًا عن التركيز الحصري على جريمة الإبادة الجماعية.
في مقالة "الاستعمار الاستيطاني و'المجمّع المناهض لمعاداة السامية' في ألمانيا"، يناقش لورينز فيراسيني العلاقة المعقدة بين الدعم الألماني غير المشروط لإسرائيل وحساسيتها تجاه معاداة السامية، معتبرًا أن هذا الدعم يعزز بنية استعمارية تستهدف إسكات النقد ضد سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين. ويربط المقال بين الممارسات القمعية تجاه حرية التعبير عن القضية الفلسطينية ورفض ألمانيا الاعتراف بتاريخها الاستعماري.
أما المقال الأخير ضمن محور العدد فيأتي بعنوان "حرب إسرائيل على غزة في إطار عالمي"، حيث يقدم محمد الشيوي، مارك غريفيثس، وكريغ جونز تحليلًا للعنف العسكري الإسرائيلي المدعوم بشبكة دولية من الدعم العسكري والمادي. يستعرض المقال دور تقنيات الأسلحة، مثل طائرات F-16 وقنابل GBU، وتسليح شركة Elbit الإسرائيلية، ليوضح كيف تُقاد الحرب على غزة ضمن شبكة عالمية، داعيًا إلى مساءلة شاملة ومراجعة نقدية للتواطؤ الدولي.
بالإضافة إلى محور القانون الدولي، يتضمن العدد مقالات أخرى متنوعة. في مقال "حدود أوشفيتس: كيف مَفْهم المجتمع الإسرائيلي الحرب على الفلسطينيين؟"، يستعرض جمال مصطفى تطور السردية الإسرائيلية المزدوجة بين "اليهودي الضحية" و"اليهودي المقاتل". يوضح المقال كيف أدى هذا المفهوم إلى عسكرة المجتمع الإسرائيلي وتماسكه حول الحرب كـ"حرب وجودية" تُصوِّر الفلسطينيين كـ"شر مطلق". ويقارب مصطفى هذا التاريخ كمحفز لصياغة وحدة إسرائيلية حول عسكرة مطلقة ومستقبل حرب مستمرة.
أخيرًا، في مقالها "الأفلام الإسرائيلية القصيرة: الاستمالات الإقناعية في خدمة الرواية الإسرائيلية"، تتناول هناء الزعارير كيفية توظيف السينما القصيرة الإسرائيلية للتأثير على وعي الجمهور عبر أساليب فنية تستهدف بث رسائل خفية تدعم السردية الصهيونية.
تركز الدراسة على تحليل ثلاثة أفلام، كاشفةً عن استخدام المخرجين للاستمالات العاطفية بشكل مكثف لتعزيز تعاطف المشاهد مع الاحتلال وتبرير العنف ضد الفلسطينيين بوصفه دفاعًا عن النفس، مما يعمق من هيمنة الرواية الإسرائيلية على الصراع.