صدر، حديثاً، عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" عدد جديد من فصلية "قضايا إسرائيلية" يتمحور حول الحرب على قطاع غزة بعد مرور أكثر من ستة أشهر على اندلاعها، وذلك من خلال مساهمات تقدّم تحليلاً شاملاً لديناميكيات الحرب وتعقيداتها وآثارها الأوسع.
ففي العدد، يَدرس المحاضر في الدراسات الإسرائيلية في جامعة بيرزيت نبيه بشير، بشكل نقدي، استخدام الاستعارات التوراتية والأسطورية في الخطاب السياسي الإسرائيلي، لا سيما أثناء الحروب الكبرى، ويسلط الضوء على كيفية تجريد هذه الروايات الفلسطينيين من إنسانيتهم وإضفاء الشرعية على العنف، مما يعزز المفهوم الثنائي للخير مقابل الشر الذي يؤثر على كل من التصور العام والسياسات الوطنية. كما يسلطه على تداعيات مثل هذه الروايات على جهود السلام والتحديات العميقة التي تفرضها على حل الصراع.
في مقال تحت عنوان: "من الردع إلى المنع الاستباقي - كيف يتحول الأمن القومي الإسرائيلي بعد 7 أكتوبر؟". يحلل المحاضر في الجامعة العربية الأميركية د. جمال زحالقة، التحولات في إستراتيجيات الأمن القومي الإسرائيلي في أعقاب أحداث 7 أكتوبر، راصداً التطور من نهج الردع إلى التدابير الأمنية الوقائية، ويضع هذه التغييرات في السياق الأوسع لديناميكيات الاستيطان الاستعماري ودورها في إدامة نظام الفصل العنصري والقمع المنهجي للفلسطينيين.
يضم العدد ورقة ثالثة أنجزها الباحث في الأدب اليهودي في منتدى الدراسات الأقاليمية في برلين عومري بن يهودا ودوتان هليفي، تحت عنوان: "غزة: المكان والصورة المتخيلة في الحيز الإسرائيلي.. اللاجئ باعتباره عدواً". تقدم الورقة تحليلاً نقدياً لكيفية تمثيل غزة في الخطاب الإسرائيلي، وتأطيرها كمنطقة أزمة دائمة، وتدرس وسائل الإعلام والروايات السياسية التي تصور غزة على أنها ساحة معركة، وكيف تدعم السياسات التقييدية والعدوانية.
يجري الكاتب والصحافي هشام نفاع في مقال تحت عنوان "الخطاب والرواية الإسرائيليان لأحداث 7 أكتوبر" فحصا نقدياً للروايات والخطابات الإسرائيلية المحيطة بأحداث 7 أكتوبر. ويحلل بناء هذه السرديات في وسائل الإعلام والسياسات، ويسلط الضوء على دورها في تعزيز الهوية الوطنية والذاكرة الجماعية وتشكيل التصور العام والسياسة تجاه الفلسطينيين.
يتضمن العدد مساهمة للصحافية الفلسطينية المختصة بالمشهد الإسرائيلي شيرين يونس، تتعمق في القضية المعقدة والحساسة لتبادل الأسرى الإسرائيليين، وتدقق في الموقف الإسرائيلي المتطور من تبادل الأسرى مع "حماس" بعد أحداث 7 أكتوبر، مع التركيز على التحول من سياسة أمنية رادعة إلى إجراءات استباقية وانتقامية.
أما الباحث في "مدار" وليد حباس، فيُعدّ سيرة تاريخية (كرونولوجي)، يتعمق عبرها في العزلة التاريخية والمستمرة لغزة من فترة الانتداب البريطاني إلى أحداث 7 أكتوبر 2023، ويستكشف التاريخ متعدد الطبقات للصراعات والمعاناة والحروب في غزة، ويكشف كيف شكلت هذه العناصر الوضع الحالي للمنطقة.
وفي مقابلة معه، ينتقد المفكر محمود ممداني الصلة المتأصلة بين الدولة القومية والإبادة الجماعية، لا سيما في السياقات الاستعمارية، وحجّته بأن تشكيل الدول القومية يتزامن تاريخياً مع التطهير العرقي والاستعمار، مع التركيز على الأسس العنيفة لإنشاء الدولة.
يتضمن العدد، في قسم الأرشيف، ترجمة للمراسلات بين المهاتما غاندي ومارتن بوبر خلال الفترة 1938-1939، مع التركيز على الآثار الأخلاقية والمعنوية لإقامة دولة يهودية في فلسطين من خلال تهجير سكانها الأصلانيين، إذ يجادل غاندي، المعروف بفلسفته في اللاعنف والعدالة، ضد فرض وطن قومي لليهود في فلسطين إذا كان ينطوي على إكراه السكان العرب أو تشريدهم، بينما يقدم بوبر وجهة نظر متناقضة تركز على الروابط التاريخية والروحية التي تربط اليهود بفلسطين، وتدعو إلى دولة ثنائية القومية.
وأخيراً، في العدد، إلى جانب زاوية المكتبة، مراجعة لكتاب "الأزمة في غزة: تأملات في حرب إسرائيل ضد الفلسطينيين". يستكشف الكتاب بشكل نقدي الإستراتيجيات والتكتيكات الوحشية للعقاب تجاه قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي من القطاع عام 2005. ويقدم تحليلاً تأملياً من خلال المقابلات والمقالات، لا سيما مناقشة التحول في السياسات الإسرائيلية تجاه غزة من الدفاع إلى الانتقام العدواني في أعقاب الانسحاب الإسرائيلي. الكتاب، يتضمن مساهمات من نعوم تشومسكي وإيلان بابيه، ولا يتنبأ فقط بأحداث العنف التي تكشفت في غزة، وإنما يسلط الضوء أيضاً على الجروح العميقة التي ألحقتها هذه السياسات بالمنطقة على مر الزمن.