يأتي الحديث عن احتمالية شن إسرائيل عملية عسكرية، منفردة، أو بالشراكة مع الإدارة الأميركية الجديدة، تستهدف تدمير المفاعلات النووية الإيرانية، بالتزامن مع المتغيرات السريعة التي تشهدها المنطقة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ولا سيما منذ منتصف نيسان المنصرم. إذ دخلت العلاقة الإسرائيلية- الإيرانية منذ ذلك الحين مرحلة جديدة لم تعد فيها الاستراتيجيات والأدوات التي كانت حتى ذلك الحين تنظُم المواجهة غير المباشرة صالحة لنَظم المرحلة الجديدة، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار النتائج الآنية (على المستوى العسكري على الأقل) لحرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، والمعلّقة حتى الآن ضمن اتفاق وقف إطلاق نار على حزب الله في لبنان، ناهيك عن المتغيرات السريعة والمفاجئة في سورية وانهيار نظام بشار الأسد والاحتلال الإسرائيلي للمنطقة العازلة وإلغاء "اتفاقية فض الاشتباك" القائمة منذ العام 1973. تحاول ورقة تقدير الموقف هذه تحليل أبرز الفرص والمعيقات/ المخاطر الإسرائيلية الذاتية والموضوعية المحيطة بمسعى استهداف المشروع النووي الإيراني وتدميره ضمن العوامل والمتغيرات الكثيرة والمتسارعة التي تشهدها المنطقة منذ اندلاع هجوم طوفان الأقصى وحرب الإبادة على غزة وجنوب لبنان.
نظرة تاريخية: العلاقة الإسرائيلية- الإيرانية
مرّت العلاقة بين إسرائيل- وإيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979 بتحوّلات جذرية انعكست في السياسات الإقليمية لكلّ منهما، وشكّلت إحدى القضايا المركزية المؤثرة في المنطقة منذ ذلك الحين، ويمكن تقسيم هذه العلاقة إلى مراحل رئيسة عدّة وفقًا للتغيرات السياسية والأيديولوجية التي طرأت على الجانبين بعد انتهاء مرحلة التحالف الوثيق مع حكم الشاه محمد رضا بهلوي، حيث التعاون في المجالات العسكرية، الاقتصادية والاستخبارية ضمن سياق التحالف غير الرسمي لمواجهة التحديات المشتركة مثل النفوذ السوفييتي وصعود القومية العربية، حيث كانت إيران في حينه تزود إسرائيل بالنفط، بينما قدمت إسرائيل لإيران الدعم التكنولوجي والعسكري في المقابل.
مع نجاح الثورة الإسلامية عام 1979 وقيام الجمهورية الإسلامية بقيادة الخميني، شهدت العلاقة تحوّلًا جذريًا؛ اعتبرت إيران "العدو الصهيوني" عدوًا لها، وأعلنت دعمها الكامل للقضية الفلسطينية، متبنيةً خطابًا أيديولوجيًا يرفض الاعتراف بإسرائيل، كما أغلقت السفارة الإسرائيلية في طهران وسلّمتها لمنظمة التحرير الفلسطينية، ما مثّل رمزًا للتغيير في السياسة الإيرانية تجاه إسرائيل. وعلى الرغم من العداء الظاهري، تخلل فترة الحرب العراقية- الإيرانية (1980-1988) بعض التعاون المحدود وسط التوتر بين إيران وإسرائيل، وقد كان من الأمثلة البارزة على ذلك هو "فضيحة إيران-كونترا"، حيث ورد أن إسرائيل ساعدت في تسهيل مبيعات أسلحة أميركية إلى إيران مقابل إطلاق سراح رهائن أمريكيين في لبنان. كانت هذه الخطوة مدفوعة برغبة إسرائيل في إضعاف العراق، الذي كان يُنظر إليه كتهديد أكبر في ذلك الحين.
بعد انتهاء الحرب العراقية- الإيرانية وانهيار الاتحاد السوفييتي، تصاعد العداء بين إسرائيل وإيران، لا سيما مع توسّع مشروع النفوذ الإيراني في المنطقة والدعم الكامل الذي قدّمته لحركات المقاومة ضد إسرائيل مثل حزب الله في لبنان منذ تأسيسه، وحركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين ولا سيّما بعد العام 2006 حينما سيطرت حركة حماس على الحكم في قطاع غزة. في العقود الأخيرة، شكّل البرنامج النووي الإيراني والبرنامج الصاروخي الباليستي، وتطوير الطائرات بدون طيار (المسيرات) موضوع الخطاب العسكري- الأمني والسياسي الإسرائيلي ضدّ إيران: من ناحية، تنظر إسرائيل إلى البرنامج النووي الإيراني على وجه التحديد كـ "تهديد/ خطر وجودي"، واتخذت خطوات عسكرية- أمنية ودبلوماسية لعرقلة تقدّمه، بما في ذلك عمليات اغتيال علماء نوويين وشن هجمات سيبرانية. من ناحية أخرى، واصلت إيران سياساتها المناهضة لإسرائيل ودعمها الكامل سياسيًا وعسكريًا لحركات المقاومة في فلسطين ولبنان وسورية والعراق واليمن سعيًا منها لإقامة "طوق من النار" يحاصر إسرائيل ويقيم لها حدودًا معها في ظل غياب الحدود المباشرة. مع اندلاع هجوم طوفان الأقصى في 7 أكتوبر، دخل التصعيد بين إسرائيل وإيران مرحلة جديدة، خاصة أن الهجوم جاء في خضم محاولة أميركية- إسرائيلية لتشكيل واقع جيوسياسي جديد بالنسبة لإسرائيل في المنطقة بمحاولة إدماجها عبر اتفاقيات تطبيع مع بعض الدول العربية في العام 2020، وما يشكّله ذلك من خطر حقيقي على المسألة الفلسطينية، وعلى مشروع النفوذ الإيراني الإقليمي؛ إذ ترى إيران أن من شأن هذه الاتفاقات أن تعاظم من نفوذ إسرائيل في دول المنطقة، ما يشكّل تهديدًا مباشرًا على مصالحها المباشرة، وكذلك الحال بالنسبة لتحالفاتها الاستراتيجية مع فصائل ومنظمات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق واليمن.
صعود "الخطر النووي الإيراني" في الخطاب السياسي الإسرائيلي
على الرغم من كون "الخطر النووي الإيراني" جزءًا أساسيًا من الخطاب الإسرائيلي، فإنه دخل مرحلة جديدة مع تولي بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة وهيمنته عليها منذ العام 2009؛ إذ جعل نتنياهو الملف النووي الإيراني حجر الزاوية في سياسة إسرائيل الداخلية والخارجية، وعدّ البرنامج النووي الإيراني تهديدًا عسكريًا وجوديًا لإسرائيل وللهوية اليهودية، بل وأكثر من ذلك بأنه يشكّل خطرًا على المنطقة برمّتها. في خطاباته، صوّر إيران كدولة "راعية للإرهاب" تسعى إلى امتلاك سلاح نووي يمكن أن يستخدم مباشرة ضد إسرائيل أو يغيّر توازن القوى الإقليمي لصالح المحور الإيراني. أبرزت حكومات نتنياهو هذا الخطر في سياق الصراع العربي- الإسرائيلي الأوسع ودعم منظمات المقاومة مثل "حزب الله" وحماس والجهاد، كان من أبرزها خطاب نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2012، الذي شرح فيه ما أطلق عليه "الخط الأحمر" في رسم توضيحي، محذرًا من تجاوز إيران مستوياتٍ متقدّمة من تخصيب اليورانيوم، وهو ما عدّه نقطة "اللاعودة" في السباق نحو حصولها على القنبلة النووية.
تمثّلت استراتيجية نتنياهو التصعيدية في التعامل مع "الخطر النووي الإيراني" من جهة في العمل على دفع المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات صارمة ضد إيران، سواءً من خلال فرض عقوبات دولية قاسية، أو التهديد بعمل عسكري، بادّعاء أن إيران على أعتاب امتلاك السلاح النووي، وأن ذلك يشكّل تهديدًا ليس فقط لإسرائيل؛ وإنما أيضًا للاستقرار العالمي، وقد تصاعد هذا النهج قبل، وخلال توقيع الاتفاق النووي عام 2015، حيث بذل جهودًا دبلوماسية مكثّفة لعرقلة المفاوضات بين إيران ودول (5+1)، محذرًا من أن الاتفاق لا ينهي البرنامج النووي الإيراني، بل يؤجّل تقدّمه، ويمكّن إيران من الاستفادة من تخفيف العقوبات لتعزيز قدراتها العسكرية ولا سيما في الصواريخ الباليستية ودعم المنظمات المناهضة لإسرائيل، وألقى خطابًا مثيرًا للجدل أمام الكونغرس الأميركي في عام 2015، دون تنسيق مع الإدارة الأميركية حينها، استعرض فيه بالتفصيل ما وصفه بـ"الثغرات الكارثية" في الاتفاق، معتبرًا أنه سيمنح إيران بعد انتهاء مدة الاتفاق القدرة على أن تصبح "قوة نووية شرعية"، الأمر الذي ساهم في ترسيخ فكرة أن مواجهة إيران تتطلب تحالفًا إقليميًا ودوليًا قويًا. من جهة ثانية، استخدم نتنياهو سياسة التفزيع من "الخطر النووي الإيراني" وخطر "الدولة الفلسطينية" على المستوى الداخلي الإسرائيلي لتعزيز صورته ومكانته كزعيم قوي، و"سيد الأمن"، الذي لن يستطع سواه منعهما، وأن أي تهاون في مواجهة إيران، وإقامة دولة الفلسطينية سيُعرّض إسرائيل لخطر وجودي، وذلك ضمن استراتيجية شاملة تهدف إلى خلق شعور إسرائيلي دائم بـ "الخطر"، وزيادة الإنفاق العسكري بادّعاء أن إسرائيل يجب أن تعتمد على نفسها أيضًا في مواجهة إيران والعمل بشكل منفرد.
من جهة ثالثة، وبموازاة ما سبق، ركّز نتنياهو على هدف تشكيل تحالفات إقليمية ودولية لمواجهة النفوذ الإيراني و"الخطر النووي"، ودفع باتجاه بناء علاقات مع بعض الدول العربية (دول الخليج تحديدًا) بادّعاء المصلحة المشتركة في مواجهة "النفوذ الإيراني" في المنطقة و"خطر البرنامج النووي"، وقد استطاع استغلال العلاقات الوثيقة مع إدارة دونالد ترامب في ترسيخ إيران كأولوية قصوى في الأجندة الأميركية- الإسرائيلية، ونجح في دفعها للانسحاب من الاتفاق النووي عام 2018 ضمن استراتيجية "الضغط الأقصى" من ناحية، وتوقيع "الاتفاقات الإبراهيمية" التطبيعية مع بعض الدول العربية على هذه القاعدة من ناحية أخرى. من جهة رابعة، بموازاة المسار الدبلوماسي- السياسي، فعّلت إسرائيل العديد من أساليب وأدوات التدخّل العملياتي العسكرية- الاستخبارية لتخريب وتعطيل أي تقدّم تحرزه إيران في تخصيب اليورانيوم وتطوير التكنولوجيا النووية، وقد كان من أبرز العمليات: 1) عملية "ستوكسنت" عام 2010، حيث تم استهداف المنشآت الإيرانية بفيروس إلكتروني أدى إلى تعطيل أجهزة الطرد المركزي؛ 2) عملية تخريب منشأة نطنزالنووية من خلال تفجير أدّى إلى تعطيل أجهزة الطرد المركزي المسؤولة عن تخصيب اليورانيوم؛ 3) عملية سرقة الأرشيف النووي في العام 2018 حيث ادّعت إسرائيل حينها أن جهاز الموساد تمكّن من سرقة وثائق شديدة الحساسية تتعلّق ببرنامجها النووي من مستودعات سرية جنوب طهران؛ 4) شكّل استهداف واغتيال العلماء الإيرانيين جزءًا أساسيًا من التكتيكات التي استخدمتها إسرائيل لتعطيل البرنامج النووي منذ عام 2010، حيث أقدمت إسرائيل على اغتيال العديد من العلماء بادّعاء ارتباطهم بالمشروع النووي، على سبيل المثال لا الحصر: اغتيال العالم النووي البارز مسعود علي محمدي بانفجار استهدف سيارته في طهران، اغتيال عالم الفيزياء النووية مجيد شهرياري في عملية مماثلة، واغتيال محسن فخري زاده في عام 2020، الذي كانت إسرائيل تعتبره "العقل المدبّر" للبرنامج النووي، وقد حملت كل هذه العمليات المعقّدة بصمات استخباراتية تشير لتورّط "الموساد" في تنفيذها، بشكلٍ مباشر من خلال خلايا استخبارية- عملياتية تابعه له، أو باستخدام أسلحة آلية يتم التحكّم بها عن بعد، بالإضافة إلى تصريحات المسؤولين الإسرائيليين التي عكست رضاهم عن هذه العمليات ودورها في تعطيل التقدّم الإيراني نحو امتلاك القنبلة النووية.
بعد 7 أكتوبر: الانتقال نحو المواجهة المباشرة والاشتباك إلى حدّه الأقصى؟
حتى 7 أكتوبر، اتخذت المواجهة بين إسرائيل وإيران شكلاً غير مباشر. من ناحية إسرائيل، تمثّلت في استمرار الجهد الدبلوماسي الدولي والعسكري- التخريبي واغتيال العلماء لتعطيل المشروع النووي الإيراني. في المقابل، استخدمت إيران سياسة الحرب بالوكالةوتجنّب المواجهة المباشرة بشكل كامل من خلال دعم وتسليح منظمات المقاومة في فلسطين ولبنان وسورية والعراق واليمن.
مع اندلاع هجوم طوفان الأقصى، سعت إسرائيل للاستفادة من الدعم الدولي (الأميركي الغربي) المطلق لتغيير قواعد الاشتباك مع إيران، وقد بدا ذلك واضحًا في اتهام إيران بالمسؤولية رغم نفي الأخيرة ذلك، والإشارة إلى بصماتها "الواضحة" في الهجوم، خاصة مع مبادرة حزب الله لفتح جبهة مساندة لغزة انطلاقًا من جنوب لبنان. في ضوء ذلك، يمكن اعتبار 7 أكتوبر محطة "انهيار التصور/ المفهوم" لدى الطرفين، لكن بتفاوت بينهما.
من ناحية إسرائيل، فقد أشارت كل التصريحات الصادرة عن المستويات السياسية والعسكرية- الأمنية إلى أنها ذاهبة باتجاه تغييرالواقع الأمني على الجبهات المختلفة (في الشمال والجنوب)، ذلك بعد أن أدركت بالفعل في أعقاب الهجوم أن إيران قد نجحت في خلق "طوق من النار" حولها، وهي مستعدّة لتوريطها في حرب استنزاف على جبهات عدّة مع تجنّب دفع الثمن بنفسها، وذلك ضمن استراتيجية "الوكالة" للجمهورية الإسلامية في محاربة إسرائيل والتي نجحت حتى ذلك الهجوم في سلب إسرائيل المبادرة، وباتت إسرائيل أمام سؤال استراتيجي خاص بها: هل حان الوقت لتغيير قواعد اللعبة؟ تمثّل ذلك في مهاجمة مقرّ القنصلية الإيرانية في دمشق، اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية على الأراضي الإيرانية، اغتيال الأمين العام لمنظمة حزب الله حسن نصر الله الحليف الاستراتيجي لإيران، استمرار حرب الإبادة الجماعية في غزة، والاستهداف المباشر لليمن وإيران خلال نيسان وتشرين الأول 2024 رغم التهديدات الإيرانية.
في المقابل، لم تعد إيران مقيّدة باستراتيجية الصمت الاستراتيجي على الاعتداءات الإسرائيلية، وخرجت بذلك لمهاجمة إسرائيل بشكل مباشر انطلاقًا من الأراضي الإيرانية بالرد المباشر على إسرائيل في أعقاب الاعتداء على مبنى القنصلية في دمشق بهجوم المسيرات والصواريخ عشية 14 نيسان 2024، وفي أعقاب اغتيال هنية في هجوم 1 تشرين الأول/ أكتوبر، 2024، رغم الهجوم الإسرائيلي المباشر عليها، في ظل استمرار الدعم العلني لحزب الله وذلك رغم التهديدات الإسرائيلية- الأميركية والخشية من اندلاع حرب إقليمية.
استهداف المشروع النووي الإيراني: الفرص والمعيقات؟
تشير تطورات المواجهة بين إسرائيل وإيران منذ 7 أكتوبر إلى أن الأولى ذاهبة لتغيير إستراتيجيتها بشكل جذري في التعامل مع إيران على الدوام، بما في ذلك برنامجها النووي؛ إذ تسعى للاستفادة من الفرص التي أفرزتها التحولات السريعة والمباغتة، و"المنجزات العسكرية" التي حقّقتها على الجبهات المختلفة:
- في لبنان:الشعور بتحقيق "نصر غير مسبوق" في أعقاب الضربة العسكرية- السياسية الكبيرة التي وجهتها لمنظمة حزب الله الحليف الاستراتيجي الأهم لإيران في مواجهة إسرائيل، منذ تفجير أجهزة الاتصال اللاسلكية واغتيال القيادتين العسكرية والسياسية التاريخية للحزب، تدمير قرى الخط الحدودي في جنوب لبنان والبنى التحتية العسكرية، وما تبعه من اتفاق لوقف القتال وفصل الجبهات؛
- في سوريا:تنظر إسرائيل إلى سقوط نظام بشار الأسد، والتدمير الكامل وغير المسبوق لقدرات الجيش السوري الجوية والبرية والبحرية، بالتزامن مع احتلال أراضٍ جديدة من سورية وتسلّم فصائل موالية لتركيا مقاليدَ الحكم، فرصة استراتيجية لوقف إمدادات الأسلحة عن حزب الله وقطع الأوكسجين عنه، والقضاء على مشروع "التموضع الإيراني" في سوريا الذي كان يسعى لخلق خط اتصال بري متواصل من إيران إلى لبنان مرورًا بسورية والعراق؛
- في غزة:تنظر إسرائيل إلى نجاحها في الاستمرار بارتكاب مجازر الإبادة الجماعية، والتدمير المنهجي للقطاع، وتحويله لمنطقة غير قابلة للحياة، بالإضافة إلى تدمير القدرات العسكرية والصاروخية لفصائل المقاومة، في ظل عجز إيران عن وقف ذلك؛
- على الصعيد الدولي:ترى إسرائيل في نجاح دونالد ترامب فرصة للدفع قدمًا باتجاه تدمير المشروع النووي الإيراني مستفيدة من توجه الأخير والتقارير والتسريبات التي تشير إلى إمكانية قيام الولايات المتحدة بذلك بشكل منفرد أو بالتنسيق مع إسرائيل، أو منحها القدرات العسكرية التي تمكّنها من تحقيق ذلك؛
- خلق ذلك كله ما يمكن تسميته بـ "وضع ناشئ" مقابل إيران، ترى إسرائيل وفقه أنها بالفعل "حققت" إنجازات مهمة أمام إيران، وراكمت مجموعة كبيرة من النقاط مقابل المشروع الإيراني برمّته، ومحور المقاومة الذي تقوده، ووضعته أمام تحدٍ كبير وغير مسبوق على المستويات كافة، وهو ما تراه يضعها في موضع "تفوّق" يجب أن يُترجم في تدمير المشروع النووي الإيراني.
في المقابل، رغم أن إيران قد غيّرت من استراتيجية الصبر الاستراتيجي، وانتقلت إلى مرحلة التصدّي للاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة بالهجوم المباشر عليها، فإنها ظلّت حبيسة "التصور/ المفهوم" عن إسرائيل حتى منتصف أيلول المنصرم. لقد أفضت سياسية إيران في "التغيير المضبوط والمؤقت" ضمن مسعى تجنّب الحرب التدميرية، وكذلك الخشية من تدمير قدرات حزب الله (قبل أيلول، 2024) إلى تحول سريع ومباغت لإيران، ما يضعها أمامها تحديًا كبيرًا في معادلة المواجهة مع إسرائيل التي تحرّكت مدفوعة برغبة تغيير واقعها الأمني بشكل جذري وتحمّل المخاطر في سبيل ذلك. لكن من ناحية ثانية، على الرغم من الفرص التي يتيحها "الوضع الناشئ" لإسرائيل، تظل مسألة مواجهة إيران أمرًا ليس بالهين بالنظر لقدرات الأخيرة العسكرية والصاروخية، وغياب قدرة إسرائيل على مهاجمتها، أو الدفاع أمامها بشكلٍ منفرد، لا سيّما في حال عادت إدارة ترامب الجديدة حال وصولها للبيت الأبيض إلى استخدام سياسة "الضغط الأقصى" وتجنّبت التورّط في الخيار العسكري في مواجهة إيران. من ناحية ثالثة، إن مخاطر مهاجمة المشروع النووي الإيراني كبيرة على إسرائيل والمنطقة، وقد تلقى معارضة روسية- صينية قد تجبر الولايات المتحدة على كبح جماح الرغبة الإسرائيلية وعدم القبول بتزويدها بالقنابل والصواريخ المطلوبة لتحقيق ذلك (كما رفضت الإدارة الديمقراطية في العام 2014)، لا سيّما في ظل مساعي إدارة ترامب لحل الأزمة الأوكرانية والتركيز على الوضع الأميركي الداخلي. وأخيرًا قد يبدو التغيير السياسيداخل إيران، وصعود التيار الإصلاحي بقيادة الرئيس الإيراني مسعود بازشكيان الذي يدفع نحو انفتاح إيران على الغرب وتخفيف التوتر الإقليمي على حساب التيار المحافظ أنه يشجّع رغبة إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية لتدمير المشروع النووي الإيراني، لكنه من الناحية المقابلة قد يكون عاملًا كابحًا مهمًا لرغبتها هذه في ظل مساعي الأطراف الدولية تهدئة الأوضاع في المنطقة ضمن تفاهمات مع إيران وإلزام إسرائيل بالقبول بما "حقّقته" والتركيز على قطاع غزة وقضية الأسرى والمحتجزين، في ظل وعودات بدفع تطبيع العلاقات الإسرائيلية- السعودية قدمًا بما يتيح لإسرائيل إعادة تبييض صورتها في ظل العزلة الدولية التي تعيشها مع استمرار مجازر الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين واللبنانيين.