بعيداً عن الإهتمام الجماهيري والإعلامي، وفي هامش المنظومة السياسية، جرت المنافسة على رئاسة "ياحد"، حزب اليسار الجديد في إسرائيل - هكذا أجملت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية الإنتخابات التي جرت يوم 16 آذار/مارس 2004 لإختيار رئيس للحزب المذكور، والتي فاز فيها يوسي بيلين على منافسه، عضو الكنيست ران كوهين، بفارق 7 بالمئة (حصل بيلين على 53,5 بالمئة من الأصوات، فيما حصل ران كوهين على 46,5 بالمئة منها).
و "ياحد" (معناها معاً، وهي اختصار "يسرائيل حفراتيت ديموقراطيت" – إسرائيل اجتماعية ديمقراطية) عبارة عن تحالف بين حزب "ميرتس" (الذي هو نفسه عبارة عن تحالف بين أحزاب "مبام" و"راتس"، بزعامة شولاميت ألوني و "شينوي"، بزعامة أمنون روبنشتاين) وجماعة "شاحر" (فجر) بزعامة يوسي بيلين. ومع أن هذا التحالف ظهر إلى الوجود، للمرة الأولى، عشية الإنتخابات الأخيرة للكنيست الإسرائيلي (أوائل 2003) فإن الاتصالات لإقامته كانت جارية منذ ما ينوف عن ثلاث سنوات ويقودها بيلين نفسه وعضو الكنيست حاييم أورون (مبام) من "ميرتس"، والذي كان أبرز الشركاء له في التوصل إلى ما عرف بإسم "وثيقة جنيف".
وقد تمثّل السبب المباشر وراء إعلان بيلين الطلاق التام مع حزبه السابق (العمل) في فشله، قبيل الإنتخابات البرلمانية الأخيرة في إسرائيل، خلال الإنتخابات التمهيدية (برايمريز) لحزب "العمل"، بالترشح لمكان متقدم في لائحته الإنتخابية، وهو ما أدى إلى انسحابه سوية مع عضو الكنيست ياعيل ديان وانضمامها إلى لائحة "ميرتس" الإنتخابية التي كانت قد أقرّت واحتلالهما المكانين الـ 12 و الـ 13. وقد أسفرت تلك الإنتخابات عن تراجع كبير في قوة "ميرتس" التي فازت بستة مقاعد في الكنيست الحالي. وقد فتح المجال أمام التنافس على منصب رئيس الحزب الجديد مع إعلان الرئيس السابق، يوسي سريد، عضو الكنيست، عن استقالته من هذا المنصب، كبادرة إعلان المسؤولية عن الفشل الإنتخابي المذكور.
منافس بيلين، عضو الكنيست ران كوهين، معروف بكونه واحداً من "رموز" النضال في سبيل القضايا الإجتماعية. وهو من أصل عراقي (مولود في بغداد قبل 64 عاماً). وقد خدم في الجيش الإسرائيلي في وحدة المظليين ووصل إلى رتبة عقيد (كولونيل). وقد تطوّع في 1982 للمشاركة في الحرب على لبنان.
ومن محطات حياته الأخرى: بعد حرب حزيران/يونيو 1967 كان من مؤسسي حركة "سيمح" (سمول يسرائيلي حداش – يسار إسرائيلي جديد). في 1973 أسس سوية مع مائير يعيل، حركة "موكيد". وفي 1977 كان من مؤسسي حركة "شيلي" بزعامة أريه (لوفا) إلياف. وفي 1984 انتخب للكنيست عن تحالف "شيلي-راتس". ولا يزال عضواً فيه حتى يومنا هذا، حيث كان المرشح الثالث في لائحة "ميرتس" خلال الانتخابات الأخيرة في 2003. وقد أشغل منصبين حكوميين: نائب وزير الإسكان في حكومة إسحق رابين، ووزير الصناعة والتجارة في حكومة إيهود باراك. وهو المبادر إلى تشريع القوانين التالية (في مضمار الحقوق الإجتماعية): قانون الحد الأدنى للأجور، قانون حقوق المريض وقانون السكن الشعبي.
أما يوسي بيلين (56 عامًا) فهو من "الصابرا"، ولد في بيتح تكفا (ملبّس)، يحمل شهادة دكتوراة في العلوم السياسية. عمل في الصحافة الإسرائيلية ضمن صحيفة "دفار" (1969-1977) والتي كانت تابعة لنقابة العمال العامة (الهستدروت) وأساساً لحزب "مباي" (سلف حزب "العمل"). وكان ناطقاً بلسان حزب "العمل" (1977-1984). وفيما بعد أشغل منصب سكرتير الحكومة والمدير العام السياسي لوزارة الخارجية الإسرائيلية. في 1988 انتخب لعضوية الكنيست على لائحة "العمل" وأشغل عدة مناصب حكومية: نائب وزير المالية، نائب وزير الخارجية، وزير الاقتصاد والتخطيط، وزير العدل. وهو من أشد المقربين إلى شمعون بيرس. في 1992 بادر إلى محادثات أوسلو مع م.ت.ف ، التي أسفرت عن التوصل إلى "اتفاق أوسلو". وكان المبادر الإسرائيلي الرئيسي إلى "وثيقة جنيف". وهو قائد الحركة الشعبية التي دعت إلى الانسحاب من جنوب لبنان بصورة أحادية الجانب.
في ضوء سيرة حياة كل من المتنافسين أجمعت التعليقات، قبيل الانتخابات، على أن التنافس بينهما هو، في الجوهر، تنافس على طريق هذا الحزب الجديد، إما إلى ناحية ترجيح كفّة القضايا السياسية وإما إلى ناحية ترجيح كفّة القضايا الإجتماعية، مع أن كليهما أعلن أنه سيخلص بالمقدار نفسه للقضايا على المستويين. كذلك كانت هناك تلميحات خجولة إلى أن الأصول الشرقية لكوهين شكلت "البطن الرخوة" التي حالت بينه وبين نتيجة الفوز على منافسه.
ولا شكّ أن حزب "ياحد" برئاسة يوسي بيلين سيكون متجوهراً أكثر في القضايا السياسية، وهذا ما دلّت عليه تصريحات بيلين نفسه فور إعلان فوزه وفي المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده مع كوهين غداة هذا الفوز. فقد اعلن أن انتخابه يعني "تأييد القاعدة الشعبية لحزب ياحد للسلام ووثيقة جنيف وللعدالة الإجتماعية ودولة الرفاه". أما ران كوهين فقد أعلن من جهته أنه لن "يقيم معسكراً لأنصاره" وأنه "سيواصل المعركة من أجل العدالة الإجتماعية والسلام، ومن أجل دولة لا يكون فيها أولاد جوعى".
المحاور الرئيسة لـ "خطاب الفوز"
1. مهاجمة حكومة آريئيل شارون: "الحكومة الأكثر سوءاً التي عرفتها إسرائيل" ... "مرة أخرى جرائم تصفية في أعقاب عمليات (استشهادية) وبداية العدّ التنازلي لعمليات إضافية من هذا القبيل". بشأن خطة شارون حول ما يسمى بـ "فك الإرتباط" قال بيلين: "هذه الخطة لن تحظى بالتصفيق من طرفنا". وقال (موجهاً الكلام إلى شارون) "قبل أن تمنح جائزة للإرهاب وحماس إمنح فرصة للسلام".
2. حزب "شينوي": وصف بيلين حزب "شينوي" بأنه "حزب آرتشي بانكر" (ممثل كوميدي) الذي "أماط اللثام عن وجهه الحقيقي خلال التصويت على قانون الزواج المدني"، في تشكيك واضح بالهوية العلمانية، الصافية الصريحة، لحزب "شينوي".
3. حزب "العمل": قال بيلين إن رئيس "العمل"، شمعون بيرس، هو أستاذه وأبوه الروحي. ودعاه إلى إقامة ما أسماه "إئتلاف (اسحق) رابين في صفوف المعارضة الإسرائيلية". وأضاف أن "معارضة متحالفة من هذا القبيل في إمكانها أن تسترجع النصر وذلك الإئتلاف الذي قضي عليه بثلاث رصاصات"، في إشارة إلى اغتيال رابين. كما دعا بيرس إلى إقامة "إدارة للمعارضة في سبيل تقصير أجل حكومة شارون" مؤكداً أنه في "حالة إنضمام العمل إلى حكومة شارون فسنحاربه بأشّد من حربنا على الليكود".
المهمات العاجلة
تنتظر يوسي بيلين في رئاسة "ياحد" عدة مهمات عاجلة. مهما تكن هذه المهمات فإن أكثرها أهمية في الأفق المنظور هي الأزمة المالية المستعصية التي تضع الحزب على شفا الإفلاس. وتشير آخر التقارير إلى أن ديون الحزب تتراوح بين 11-12 مليون شيكل، دون أية أملاك تذكر يمكن بيعها أو استثمارها. كما تشير إلى أن خطة الرئيس الجديد لتجاوز الأزمة المالية تعتمد خصوصاً، على إطلاق حملة تبرعات في صفوف أعضاء الحزب (21 ألف عضو) وفي صفوف ناخبيه المحتملين على أساس جباية 900 شيكل من كل أسرة، وهو الحد الأقصى الذي يتيحه القانون الإسرائيلي الخاص بالتبرعات للأحزاب. ويشكل هذا الأمر مهمة شبه مستحيلة في ظل الأوضاع الإقتصادية الصعبة التي تمرّ بها إسرائيل والتي تطول حتى الطبقة الوسطى، التي تؤلف في نهاية المطاف "النواة الصلبة" لقاعدة هذا الحزب. وسيواجه بيلين صعوبة في تجنيد أموال دعم خارجية، في ضوء حملة الإنتقاد التي تعرض لها على خلفية دعم جهات خارجية أوروبية (سويسرا اساساً) لمبادرته المتعلقة بوثيقة جنيف.
وقد خفّ رئيس حزب "شينوي"، وزير العدل يوسف لبيد، إلى مطالبة بيلين بالكشف عن مصادر الأموال التي صرفها خلال حملته الإنتخابية للفوز برئاسة "ياحد" مشيراً إلى أن هناك مكاناُ للتوجه إلى المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية ومطالبته بتفحص فيما إذا كان بيلين "قد استعمل أموالاً تلقاها من أطراف أوروبية لهذا الغرض" (ردّ بيلين نفسه على هذا الهجوم بالقول إنه سيسّر جداً فيما لو يتم فتح تحقيق حول إدارة شؤونه المالية مؤكداً أنه ليس هناك إنسان "يشدّد على مثل هذه الأمور أكثر مني" وأن لبيد "هو وزير العدل الأكثر سوءاً الذي عرفته إسرائيل منذ تأسيسها").
هذا التلاسن بين لبيد وبيلين يحيل إلى حدة الصراع بين "شينوي" و "ياحد" اللذين يتنافسان على شريحة واحدة من الناخبين الإسرائيليين – شريحة المواطنين العلمانيين الذين تتراوح مواقفهم السياسية من النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني بين الوسط واليسار، الشريحة نفسها التي تشكل القاعدة الأكبر لحزب "العمل" أيضاً.
وفي هذه النقطة تجدر الإشارة إلى ما يلي:
· قبل عدة أسابيع أسقط الكنيست الإسرائيلي عن جدول أعماله مشروع قانون تقدم به عضو الكنيست أوفير بينيس (العمل) يتيح الزواج المدني في إسرائيل. وقد امتنع وزراء "شينوي" عن التصويت على هذا القانون، الأمر الذي اعتبره العديد من المعلقين والسياسيين بمثابة "إزالة القناع الليبرالي عن وجه شينوي، إلى جهة الكشف النهائي عن وجهه الحقيقي، باعتباره حزباً لحمته وسداه الهجوم المنفلت العقال على الحريديم دون أن يقدم أية أجندة إجتماعية ومدنية بديلة عن الاحتكار الأرثوذكسي لمسائل الأحوال الشخصية".
· أظهرت استطلاعات الرأي الإسرائيلية المتعلقة بوثيقة جنيف أن نسبة التأييد لهذه الوثيقة في أوساط ناخبي حزب "شينوي" تبلغ حوالي 40 بالمئة، وأن نسبة تأييدها في أوساط ناخبي حزب "العمل" تبلغ حوالي 60 بالمئة. ومعنى ذلك أن توسيع القاعدة الإنتخابية لحزب "ياحد" معوّل، أكثر شيء، على اجتذاب أنصار جدد من بين ناخبي "العمل" و "شينوي" فضلاً عن الناخبين العرب.
· على المستوى السياسي العام فإن استمرار جلوس حزب "شينوي" في إئتلاف حكومة آريئيل شارون يؤطره باعتباره حزب يمين الوسط. وقد أضيف إلى ذلك موقفه الانتهازي من مشروع قانون الزواج المدني، الذي يجعله حزباً محافظاً أيضاً. كما أن سكوت رئيسه ووزرائه عن قضايا الرشاوى والفساد المالي، التي تشير إلى تورط شارون نفسه فيها، يبرز حقيقة أن المحرك الرئيسي لهذا الحزب هو "شهوة السلطة". أما حزب "العمل" فإنه في ظل رئاسة شمعون بيرس، أقرب للإنضمام إلى حكومة شارون منه إلى تفعيل "الدور المنشود" للمعارضة الإسرائيلية، عن يسار حزب "الليكود".
يمثل فوز بيلين بزعامة "ياحد" أول انتقال لهذا الرجل من موقع القوة الدافعة خلف الكواليس إلى زعيم في الواجهة لحركة مهمة في الحياة السياسية الإسرائيلية.
ومثل بيلين، ستحاول الحركة اداء دور مركزي، إن لم يكن على الصعيد الإسرائيلي العام، فعلى الأقل على الصعيدين اليساري والعلماني. وهكذا تجد الحركة نفسها لأسباب عديدة في مواجهة شديدة مع كل من حزبي العمل و شينوي. وهذا يعني أن بيلين سيقود حركة "ياحد" نحو اصطدام مع جميع القوى تقريبا.
ونظرا لأن "ياحد" تتطلع إلى كسب الأصوات العربية، كما سبق أن أسلفنا، فإنها تجد نفسها بشكل أو بآخر في صدام مع الأحزاب العربية. كما أن علمانية "ياحد" تجعلها في منافسة حادة مع شينوي. غير أن المعركة الرئيسية ل"ياحد" ستكون ضد حزب العمل. وإذا كان ثمة هدف حقيقي لهذه الحركة فهو احتلال الموقع الذي كان يمثله حزب العمل حتى الآن: ليس قيادة اليسار فقط بل كذلك تشكيل البديل لحكم اليمين.
صورة الصراعات المنتظرة وطبيعة المخاوف عبرت عن نفسهابعد إنتخاب بيلين بمواقف وأفعال مختلف القوى. ففي يوم إعلان نتائج الإنتخابات عقد حزب العمل مؤتمرا صحافيا هو الأول من نوعه في ظل حكومة شارون. وعرض قادة حزب العمل تقريرا مفصلا عن إخفاقات الحكومة اليمينية. ولخص حاييم رامون التقرير بقوله إن "حكومة شارون حكومة بالغة السوء وإذا استمر الوضع سنعمل على إسقاطها".
وحمل قادة العمل على "ياحد" وزعيمها الجديد يوسي بيلين. وقالت داليا إيتسيك، رئيسة كتلة العمل البرلمانية "عملنا كمعارضة جادة ليس في جنيف وليس في الطائرات وإنما في العمل الجاد الذي شمل نصب أفخاخ برلمانية".
القضايا الإجتماعية
يبقى موضوع السلام موضوعاً مركزياً في أجندة يوسي بيلين. أما وجهة نظره الإقتصادية – الإجتماعية فهي محددة بكونها "إشتراكية ليبرالية"، حسبما أفصح عن ذلك في مقالة مطولة نشرها قبل خمس سنوات وحملت عنوان "من الإشتراكية إلى الإشتراكية الليبرالية". وفي هذه المقالة يعلن بيلين أنه "ما من بديل خارج السوق للقاء بين العرض والطلب"، وهو ما يتضاد مع المفاهيم والرؤى التي تقف في صلب فكرة دولة الرفاه.
وبرسم هذا التوجه، فقد أدت زعامة بيلين لحزب "ياحد"، برأي أحد الخبراء، إلى ولادة حزب "شينوي" حمائمي. ويرى هذا الخبير أن أداء هذا الحزب الجديد، ضمن الخارطة السياسية والحزبية الإسرائيلية، لن يعدو أكثر من كونه "مجرد سباق محموم مع العمل وشينوي على أصوات الطبقة الإسرائيلية الوسطى الآخذة هي أيضاً بالتقلص" (هآرتس"، 18/3/2004).
في شأن متصل تكتب معلقة الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس" حنه كيم، أنه يمكن الحديث منذ الآن (تقصد منذ انتخاب بيلين لرئاسة "ياحد")، بصورة رسمية، عن الفراغ الكبير القائم هنا منذ عدة سنوات، ومؤداه أنه لا يوجد حالياً لدى اليسار الصهيوني أي عنصر ينطوي على هوية واضحة محددة في توجهها إلى طبقة الأجيرين ذات الرواتب المنخفضة وإلى الفئات المثقفة وإلى النقابات المهنية.
وتتابع: ثمة جمهور كبير يحتاج إلى الخدمات الإجتماعية أو يتفهم أهمية هذه الخدمات بالنسبة لعموم المجتمع، لا يعثر على عنوان سياسي، وهو جمهور لا يرغب بالتصويت بعد لليكود وشاس ولم يعد العمل وميرتس – ياحد عنواناً يرنو ببصره إليه. وهو قوة إنتخابية مشتتة لها مندوبون حتى بين ناخبي شينوي من أوساط الطبقة الوسطى المتآكلة، وبالتأكيد لدى مئات آلاف المفصولين (من أعمالهم). ويمكن تخمين حجم هذه القوة الإنتخابية، بصورة فظة، بعشرة نواب في الكنيست ... وتأسيساً على هذا فإن السؤال، في رأي كيم، هو من سيكون أول الملتفتين إلى هذه الحقيقة ويبادر، بالتالي، إلى تأسيس حزب اشتراكي ديمقراطي أو حزب عمالي حقيقي. وفي اعتقادها أن التغيير السياسي الوحيد الهام الذي يمكن أن يرتسم هو "أن ينفصل ران كوهين عن يوسي بيلين وينضم إلى عمير بيرتس (رئيس الهستدروت وعضو الكنيست) ويؤسسان معاً حزباً يسارياً اجتماعياً وسياسياً". كما أنها تعتقد بأن عدم رغبة حزب "العمل" بأن يهضم حزب بيرتس "عام أحاد" (شعب واحد) تؤكد بل وتعاظم ما تسميه "الحاجة إلى تأسيس الحزب الجديد" السالف.
وتختتم كيم تعليقها بما يلي:
"انتخاب بيلين لرئاسة ياحد هو لحظة الحقيقة، اللحظة التي يتحدد فيها الإجراء القادم. الربط بين كوهين وبيرتس هو الإحتمال الوحيد لفك الإرتباط مع سوسيولوجيا اليسار الإسرائيلي ومع توجهه العضال حيال الطبقة الوسطى العليا، التي يتخاصم عليها أصلاً العمل وشينوي، وانضاف إليهما الآن ياحد أيضاً. وهذا هو كذلك الإحتمال الوحيد لليسار من أجل العودة إلى الحكم. هناك تغييرات هامة تبدأ أحياناً في الهوامش، وتبدو في البداية أنها عديمة الأهمية، غير أنها تؤدي إلى تغيير أجندة المجتمع الإسرائيلي".
"شبح" سريد والإنزياح نحو اليمين
إذا كان فوز بيلين برئاسة "ياحد" قد تحقق، بكيفية ما ، بفضل وثيقة جنيف فإن خسارة كوهين كانت بسبب يوسي سريد، الزعيم السابق لحزب "ميرتس"، الذي استقال غداة تراجع تمثيل الحزب في الكنيست خلال الإنتخابات الإسرائيلية البرلمانية الأخيرة في 2003. هذا ما عبر عنه الكثير من المطلعين على ميزان القوى في صفوف الحزب.
وفي هذا السياق أشير إلى أن سريد لم يعلن تأييده العلني والمطلق لأي من المرشحين اللذين تنافسا على رئاسة الحزب. واكتفى فقط، بالإعلان أنه يرى نفسه مرشحاً في المستقبل للتنافس مرة أخرى على رئاسة الحزب. وبذا أعرب عن عدم تحمسه لأي وريث له في منصبه.
إذا كانت لهذا الأمر دلالة ما فهي أن رئاسة يوسي بيلين لحزب "ياحد" ستكون في ظل ملاحقة "شبح" يوسي سريد له. ومثل هذه الملاحقة سبق أن كانت من نصيب رئيسة "ميرتس" السابقة، الوزيرة السابقة شولاميت ألوني، التي كانت في صف المؤيدين لزعامة يوسي بيلين.
ومن المرجح أن تكون هذه الملاحقة شديدة الوطأة لكون سريد عضواً في الكنيست وبيلين خارجه.
هذا على المستوى الداخلي لحزب "ياحد".
أما على المستوى الخارجي، الإسرائيلي العام، فإن الإنزياح نحو اليمين في صفوف المجتمع الإسرائيلي ليس حالة طارئة أو عابرة، بل هو تعبير عن تغييرات بنيوية عميقة الدلالة. وقد أظهر آخر استطلاع للرأي في صحيفة "معاريف" أن مرشح اليمين لرئاسة الحكومة الإسرائيلية المقبلة، هو في الاستطلاع بنيامين نتنياهو، سيتفوق على أي مرشح منافس له من اليسار والوسط (يتمثل هذا الأخير في شخص يوسف لبيد، رئيس حزب "شينوي"). وضمن المرشحين المحتملين من اليسار والوسط وردت أسماء كل من: شمعون بيرس، إيهود باراك، عمير بيرتس، يوسف لبيد، حاييم رامون وعامي أيالون. وبطبيعة الحال لم يرد إسم يوسي بيلين بسبب أن ميعاد نشر الإستطلاع سبق يوم انتخاب رئيس حزب "ياحد". غير أن حظه في التفوق على المنافس اليميني ليس أوفر من حظوظ الذين ذكرت أسماؤهم أعلاه. وفي رأي بيلين نفسه أن في مقدوره، فقط، أن يعزز قوة "ياحد" وأن يضيف إلى تمثيله في الكنيست عدة مقاعد أخرى.