تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

شدّد الجنرال دان حالوتس، في حفل تنصيبه رئيسًا لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي يوم الأربعاء، الفاتح من حزيران 2005، على أن الجيش سينفذ "خطة فك الارتباط" وفقًا لقرارات الحكومة والكنيست الإسرائيليين

وقال حالوتس، في حفل تنصيبه الذي جرى في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، إن الجيش الإسرائيلي سينفذ خطة فك الارتباط "بالحساسية المناسبة وبالحزم المطلوب". واعتبر خلال حديثه عن فك الارتباط أن "دولة إسرائيل تقف أمام تنفيذ عملية جوهرية وهامة تتعلق بمستقبلها".

وقال حالوتس أيضًا إن سنوات استقلال إسرائيل الـ57 هي "حصيلة دمج معركة مستمرة لضمان وجودنا مع بناء مجتمع مستوعب للهجرة والاقتصاد المتقدّم. وكل ذلك تحقق بفضل أناس رأوا في المشروع الصهيوني قيمة وعملوا على تحقيق الحلم، كل في مجاله ووفقًا لقدراته ووجهة نظره".

وأضاف أن الإنسان هو مصدر قوة الجيش الإسرائيلي، مشدّدًا على أنه يقصد "الإنسان الذي يرى في الخدمة العسكرية قيمة وحقًا لا واجبًا قانونيًا فقط". وأوضح أن نجاح الجيش في "تزويد الأمن للدولة ومواطنيها هو أساس وجودنا جميعًا".

ولفت إلى أن "الجيش الإسرائيلي لم يتم بناؤه بموجب الاحتياجات الراهنة، وإنما من خلال رؤيا للمستقبل ومن أجل ضمان هذا المستقبل. وحتى حينما يتحقق السلام، بحسب نبوءة التوراة، فسنظل في حاجة إلى جيش إسرائيلي قوي ونوعي".

وشدّد حالوتس على مفهوم "السور" الصهيوني التقليدي بقوله: "سنواصل مهمتنا في حماية السور لأنه لم ينته الراغبون في اختراق بواباته".

وقال إن غاية الجيش الإسرائيلي "هو أن يكون القوة الواقية لدولة إسرائيل ومواطنيها. وستبقى العيون والآذان مفتوحة ومنصتة للتهديدات القريبة منا والبعيدة عنّا، في البرّ والبحر والجو".

ولدى تطرقه إلى خطة الانفصال قال حالوتس، الذي تلقبه الصحافة منذ أن أعلن عن تعيينه لهذا المنصب بـ"رئيس هيئة أركان الانفصال": "تقف إسرائيل أمام تنفيذ عملية جوهرية هامة تتعلق بمستقبلها، هي عملية الانفصال. الجيش الإسرائيلي هو جيش كل الشعب وهكذا سيبقى غداة الانفصال. وسيطرح المستقبل أمامنا مهمات إضافية وتحديات جديدة تستوجب منّا جميعًا أن نعمل كشخص واحد وكجسم واحد من أجل تطبيقها. حذار من جرّ الجيش الإسرائيلي إلى النقاش الجماهيري المرافق لخطة الانفصال. الانقسام والرفض لن نمرّ عليهما مرّ الكرام مهما تكن أسبابهما. وللجيش الإسرائيلي قيادة واحدة فقط هي تلك العسكرية الخاضعة لقرارات المستوى السياسي، ولا قيادة سواها".

إلى ذلك لفتت مصادر صحافية إسرائيلية متطابقة إلى أنه خيمت على أجواء حفل تنصيب حالوتس تصريحات رئيس هيئة الأركان المنتهية ولايته موشيه يعالون لصحيفة "هآرتس"، وخصوصًا تلك التي هاجم فيها خطة فك الارتباط وقال "إنها ليست حقيقة ناجزة حتى الآن".

حالوتس هو الرئيس الثامن عشر لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي. وهو من مواليد العام 1948.

وأصبح حالوتس في العام 1969 طيّارا في سلاح الجو الإسرائيلي وشارك كطيار في الاحتياط في حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973.

في العام 1978 غادر حالوتس سلاح الجو ليعود إليه مجددا في العام 1982 وليصبح قائدا لسلاح الجو الإسرائيلي في العام 2000.

في العام 2004 عين حالوتس نائبا لرئيس الأركان. ويوم الفاتح من حزيران 2005 بدأ مزاولة مهامه كرئيس للأركان.

رافقت الإعلان عن تعيين حالوتس رئيسًا لهيئة أركان الجيش، في شباط 2005، ضجة كبيرة في إسرائيل. وتتعلق هذه الضجة بإنهاء ولاية يعالون بصورة غير اعتيادية، من جهة وبتصريحات سبق أن أطلقها حالوتس حول سياسة الاغتيالات الإسرائيلية بحق ناشطين فلسطينيين ومقتل أطفال وأبرياء آخرين خلال ذلك، من جهة أخرى.

وكان وزير الدفاع الإسرائيلي، شاؤول موفاز، رفض تمديد ولاية يعالون في قيادة أركان الجيش لمدة سنة إضافية كما هو متبع في إسرائيل، وهو ما اعتبر بمثابة" إطاحة" بهذا الأخير.

وذكرت تقارير صحفية إسرائيلية، في موازاة ذلك، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي أريئيل شارون هو الذي يقف وراء عدم تمديد ولاية يعالون ووراء تعيين حالوتس خلفا له، كون الأخير مقرّبًا جدا من شارون ومن نجله عضو الكنيست عومري شارون، الذي يمارس نفوذه السياسي الواسع من خلف الكواليس.

ورجحت التقارير الإسرائيلية بأن تعيين حالوتس، قائد سلاح الجو السابق، إنما يشير أيضًا إلى توجهات إسرائيل من الناحيتين العسكرية والإستراتيجية حيال منطقة الشرق الأوسط كذلك.

وأفاد محللون عسكريون إسرائيليون بأن اختيار حالوتس يعني أن القيادة الإسرائيلية الحالية "قد حسمت أمرها بالتركيز" في الوقت نفسه على "مخاطر أمنية غير مجاورة لإسرائيل"، في إشارة واضحة إلى إيران على خلفية برنامجها النووي.

من جهة أخرى أثار تعيين حالوتس معارضة في صفوف حركات مناهضة للاحتلال ولممارسات الجيش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.

فقد كان حالوتس في سنوات الانتفاضة الحالية مسؤولا عن عمليات الاغتيال التي نفذها الطيران الإسرائيلي بحق ناشطين فلسطينيين بصفته قائد سلاح الطيران الإسرائيلي وأطلق عليه لقب "جنرال الاغتيالات".

وطالبت هذه الحركات بإلغاء تعيين حالوتس رئيسًا للأركان في أعقاب تصريح أدلى به خلال مقابلة مع صحيفة "هآرتس" حول عملية اغتيال القيادي في حركة "حماس" صلاح شحادة في غزة في العام 2002 والتي قتل فيها 15 مدنيا فلسطينيا بينهم تسعة أطفال إضافة إلى شحادة وأحد مرافقيه عندما ألقت طائرة حربية إسرائيلية قنبلة زنتها طن على حي سكني.

وقال حالوتس لـ"هآرتس" ردا على سؤال حول شعوره عندما تسقط طائراته قنبلة كهذه" أشعر بضربة خفيفة عند جناح الطائرة، وبعد ثوان معدودة يصبح الأمر وكأن شيئا لم يكن".

وخلال مراسيم تنصيبه تظاهر العشرات من معارضي تعيين حالوتس أمام مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ومقر وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب مطالبين بإقالة حالوتس لان "أجنحته ملطخة بالدماء".

عودة إلى الوراء قليلاً

بعد أسبوع من تضارب الأنباء حول ميل وزير الدفاع الإسرائيلي، شاؤول موفاز، لتعيين اللواء جابي أشكنازي، خلفا لقائد هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، موشي يعالون، أعلن موفاز، مساء الثلاثاء (22/2/2005)، قراره تعيين اللواء دان حالوتس، ممتنعا بذلك عن الدخول في مواجهة مع شارون الذي يعتبر حالوتس "أحد المقربين جداً منه ويتوافق مع توجهاته العسكرية والسياسية"، و"أكثر الشخصيات التي ستضمن لشارون الطريق الأنجح لتنفيذ خطة الانسحاب الأحادية الجانب من قطاع غزة"، حسب ما تراه جهات عسكرية إسرائيلية.

ويأتي تعيين حالوتس لقيادة الجيش الإسرائيلي خلفاً ليعالون، الذي وجه إليه شارون وموفاز صفعة مدوية، حسب ما يراه قادة في الجيش، وذلك عندما قررا وخلافا للنهج المتبع في الجيش منذ تأسيسه، الامتناع عن تمديد ولايته لسنة أخرى.

واللافت، حسب ما يقوله سياسيون وعسكريون إسرائيليون، أن شارون قرر عزل يعالون من منصبه بسبب تفوهاته ضد خطة فك الارتباط. كما أنه سبق أن عزل رئيس جهاز المخابرات العامة (الشاباك)، آفي ديختر، من منصبه بسبب تصريحه القائل إن الانسحاب الإسرائيلي من القطاع سيحول المنطقة إلى جنوب لبنان بالنسبة لإسرائيل!

وما تجدر الإشارة إليه في هذه التعيينات الأمنية الجديدة هو أن شارون يحيط نفسه بضابطين لهما علاقة مباشرة بجرائم الاغتيالات ضد الفلسطينيين خلال سنوات الانتفاضة. فإلى جانب الجنرال حالوتس، الذي كان المسؤول المباشر عن تنفيذ الاغتيالات، قرر شارون استبدال ديختر في رئاسة "الشاباك" بيوفال ديسكين، الذي ابتكر خطة الاغتيالات، والذي ينعت في إسرائيل بـ"الرجل الذي يتحرك والسكين في فمه". ولعل هذا يفسر التحذير الذي تضمنه تقرير أعدته وزارة الخارجية الإسرائيلية والذي يتوقع وصول العلاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية إلى "انفجار" بعد تنفيذ خطة فك الارتباط. فالمحللون يتفقون على أن شارون لن يقدم للفلسطينيين أكثر ما تتضمنه خطة فك الارتباط، وسيحافظ في الضفة الغربية على أكبر مساحة من المستوطنات، وسيرفض حق العودة وتقسيم القدس وغيرها من القضايا الجوهرية التي يفترض مناقشتها في مفاوضات الحل الدائم. من هنا يسعى شارون إلى إحاطة نفسه بدائرة عسكرية استخبارية قوية، عمدتها موفاز، حالوتس، ديسكين ومئير دغان (الأخير في رئاسة "الموساد").

وبمتابعة ما تنشره وسائل الإعلام الإسرائيلية فإن ما يشغل الأوساط العسكرية والأمنية الآن هو مجموعة من القضايا في أكثر من ساحة: فمن الجهة الفلسطينية يجري بحث مسألة مستقبل العلاقة مع السلطة الفلسطينية وإمكانية العودة إلي المواجهات بعد الانفصال. ومن الجهة الشمالية، القريبة من سورية ولبنان، ثمة إمكانية لتصعيد الوضع الأمني.

أما الساحة الأكثر قلقا لإسرائيل هذه الأيام، على ما يبدو، فتتركز في ما يصفه الإسرائيليون بـ"التهديد الايراني" المتمثل في سعي إيران إلى حيازة سلاح نووي. وأمام هذه الأبحاث دعمت الأكثرية اتجاه شارون بتعيين حالوتس.

فالجنرال حالوتس يوافق شارون في مواقفه وسياسته العسكرية، ويعتبر أن إسرائيل ستظل بحاجة إلى جيش قوي‏، برغم تحسن موقفها الأمني بعد احتلال العراق، حسب رأيه‏.‏ وهو مثل شارون وموفاز يعتبر ما يسمى التهديد النووي الإيراني وتنفيذ خطة فك الارتباط الأحادية الجانب، بمثابة التحدي الكبير الذي سيواجهه الجيش الإسرائيلي في السنوات المقبلة. لكنه يرى أن الخطر الأكبر يكمن في الإرهاب‏، والجيوش العربية هي آخر ما يخشى منه‏.‏ وقد دعا إلى استغلال الفرصة وإحداث تغييرات أساسية في المبنى وتنظيم القوات‏، مع إجراء تقليص جزء كبير من القوة المدرعة‏.‏ واقترح تطوير قوات برية خفيفة ومتحركة‏، تعتمد قوتها الأساسية الضاربة على سلاح الجو.

يشار إلى أن حالوتس بادر، حين كان قائدا لسلاح الجو، وفور احتلال العراق، إلى تشكيل عشر مجموعات عمل لدراسة ما جرى، واستخلاص الدروس التي يمكن الإفادة منها في إسرائيل. وحين أشار إلى ما خلصت إليه مجموعات العمل العشر قال إنها انتهت إلى توصيات عدة، منها أن القوة الجوية إذا أحسن استخدامها يمكن أن تكون حاسمة في أية معركة، وأن إدماجها مع القوة البرية من شأنه أن يولد قوة مضاعفة، شديدة التأثير والفعالية‏.‏

السيرة العسكرية

كان حالوتس مرشحًا لمنصب رئاسة الأركان العامة في الدورة السابقة، لكن موفاز فضل يعالون عليه. ومع اختيار حالوتس لهذا المنصب، يصبح أول رئيس هيئة أركان يأتي من صفوف سلاح الجو الإسرائيلي، بعد حاييم لاسكوف، الذي شغل منصب رئيس هيئة الأركان وقائد سلاح الجو، لكنه لم يكن طياراً مثل حالوتس.

اثر قرار تعيين حالوتس نائبا لرئيس هيئة الأركان، التمست "الجمعية الإسرائيلية المناهضة للتعذيب" إلى المحكمة العليا الإسرائيلية ضد القرار على خلفية جريمة اغتيال صلاح شحادة في غزة والتي اعتبرها حالوتس "عملا بطوليًا" رغم ما أزهقته من أرواح الأبرياء.

ويخشى أن يدخل تعيين حالوتس الجيش الإسرائيلي في مرحلة جديدة، ستكون أكثر تطرفاً ودموية في ضوء مواقفه شديدة التطرف في كل ما يتعلق بالفلسطينيين وقتل الأبرياء. تلك المواقف وصلت ذروتها بعد مذبحة غزة التي استهدفت صلاح شحادة، أحد قادة حركة "حماس".

في حينه ألقى سلاح الجو الإسرائيلي قنبلة تزن طنًا على بناية سكنية مكتظة بالمدنيين الفلسطينيين، بعد منتصف الليل، ما أدى إلى استشهاد 24 فلسطينياً بينهم عدد كبير من الأطفال.

وثارت في إسرائيل زوبعة ضد جرائم سلاح الجو وصلت، ولأول مرة في تاريخ سلاح الجو الإسرائيلي، إلى خروج ضباط في سلاح الطيران برسالة يعلنون فيها رفضهم تنفيذ جرائم الاغتيالات التي امتاز بها حالوتس. لكن حالوتس وبمواقفه التي انعكست في كل جرائم الاغتيالات خرج بتصريحات صحفية آنذاك، أعلن فيها وبأعصاب باردة انه "لا يشعر بأكثر من ضربة طفيفة في جناح الطائرة"، بل إنه توجه إلى جنوده في ذلك الوقت داعيا إياهم "إلى عدم الشعور بتأنيب الضمير" اثر قيامهم بجرائم الاغتيال و"النوم نوما هانئا في الليل تماما كما يفعل هو".

وتؤكد الإفادة التي أدلى بها النقيب يونتان شبيرا، الطيار السابق في سلاح الجو، تطرف مواقف حالوتس وتعامله الاستعلائي مع كل من هو ليس يهوديا.

ففي إفادته أمام المحكمة العليا الإسرائيلية، خلال نظرها في التماس جمعية مناهضة التعذيب، قال شبيرا إنه استمع إلى تصريحات للجنرال دان حالوتس تفيد بأن لديه "نظاما هرميًا حول قيمة الإنسان" يضع "المدني الإسرائيلي في قمة الهرم ومن ثم الجندي ومن ثم المدني الفلسطيني وفي الحضيض المسلح الفلسطيني".

واعتبرت اللجنة في التماسها الجنرال حالوتس وديسكين قد نفذا جرائم حرب حسب القانون الدولي ومعاهدة جنيف الرابعة. لكن المحكمة العليا رفضت الالتماس وأشار القضاة في قرارهم إلى أن المحكمة العليا لا تتدخل في تعيينات الجيش والشاباك، خصوصا وأن المستويين الأمني والسياسي قررا هذه التعيينات.

وملف ممارسات حالوتس لا يقتصر على مذبحة غزة. ففي سجله المذبحة التي أسفرت عنها عملية قصف سيارة في شارع مكتظ في مخيم النصيرات للاجئين الفلسطينيين، في تشرين الأول/ أكتوبر 2004 والتي أوقعت 14 شهيدا غالبيتهم من المدنيين.

كما يتحمل حالوتس مسؤولية قتل الأبرياء في جرائم الاغتيال التي استهدفت محمد سدر في الخليل في كانون الأول/ ديسمبر من عام 2001، حيث فشل طيارو حالوتس باغتيال سدر، لكنهم قتلوا طفلا (10 أعوام) وفتى (16 عاما). وهكذا حدث، أيضاً، في عملية اغتيال قائدي "حماس" في نابلس، جمال منصور وجمال داموني، في تموز/ يوليو 2001، حيث قتل طفل في الثامنة وطفل في العاشرة، كانا يسيران في الشارع وأصيبا بشظايا الزجاج المتطاير من شبابيك مقر قيادة "حماس".

وحدث ذلك أيضا في طوباس، في نهاية آب/ أغسطس 2002، عندما حاول سلاح الجو اغتيال شخصية فلسطينية من المقاومة، فقتل خمسة فلسطينيين أبرياء، بينهم طفلان.

وبعد عملية قصف دامية في مخيم النصيرات في قطاع غزة، وجهت إلى حالوتس تهمة استخدام صواريخ فتاكة، أدت إلى قتل الأبرياء. واتهم حالوتس، أيضًا، بإخفاء معلومات وبالكذب على الجمهور. إلا انه حظي بمساندة من رئيس هيئة الأركان ووزير الدفاع، حيث ادعيا أن الجيش لم يستخدم صواريخ فتاكة وأن المعلومات التي أدلى بها حالوتس، في حينه، حول نوع السلاح المستخدم، جاء لغايات عملياتية فقط.

مع مواقف كهذه لا بدّ أن يطرح السؤال: أية أخلاقيات سيتحلى بها جيش الثلاثي شارون- موفاز- حالوتس، في تعامله مع الفلسطينيين؟.

لعل الجواب يكمن في رد حالوتس عندما سأله أعضاء لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، مؤخرًا، عن ماهية وقف إطلاق النار الجديد مع الفلسطينيين، حيث أجاب: "إذا وصلت إلينا معلومات مؤكدة عن انطلاق إرهابي فلسطيني لتنفيذ عملية انتحارية ضد إسرائيل، فإننا نخبر قوات الأمن الفلسطينية. فإذا عملت ما يجب، لا نتدخل. أما إذا لم تتحرك ولم تمنع العملية فسنمنعها نحن بطرقنا الخاصة، بما في ذلك مطاردة الإرهابيين حتى المخدع"!

"التهديد النووي الإيراني"

على ما يبدو فإن خطة الانفصال عن غزة لم تقف وحدها في صلب القرار "باستبدال الخيول" خلال السبق، وتعيين قائد سلاح الجو السابق، دان حالوتس، رئيس قادمًا لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي. وعلى ما يبدو، أيضا، فإن فقدان الانسجام بين وزير الدفاع شاؤول موفاز ورئيس هيئة الأركان موشيه يعالون لم يكن وحده عاملا حاسما في هذا القرار. وعمليا فإننا نفهم من شخص ما "مقرّب من رئيس الحكومة" ("يديعوت أحرونوت"، 23 شباط 2005) بأنه "ليس سرًّا أن رئيس الحكومة أراده"!، وهو يخلق انطباعًا بأن الحديث يجري عن أمر أهم بكثير من خطة الانفصال.

فلماذا بالذات قائد سلاح الجو؟.

في مقاله "عهد حالوتس" ("يديعوت أحرونوت"، 23 شباط 2005) يلخص أليكس فيشمان، المحلل العسكري في الصحيفة، المهمات الماثلة أمام حالوتس على النحو التالي: ".. هناك طبعا تهيئة الجيش لمواجهة دائرة التهديدات البعيدة- وهذا مجال هو خبير به جدا. توجد لدى حالوتس آراء محددة في ما يتعلق بإقامة "طاقم قيادي استراتيجي" وإعطاء أفضلية تنظيمية ومالية للذراع الطويلة للجيش الإسرائيلي".

وفي النشرة الإخبارية للقناة الثانية يوم 23 شباط، قيل بشكل واضح إن المهمة الأساسية لدان حالوتس هي معالجة التهديد النووي الإيراني.

لتسليط المزيد من الضوء على موضوع التهديد النووي الإيراني، نقدّم هنا ترجمة لمقاطع واسعة من مقال نشره أخيرًا، بالتزامن مع قرار تعيين حالوتس قائدًا لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي، كالمان ألتمان، وهو بروفيسور ومحاضر في الفيزياء النووية في معهد الهندسة التطبيقية "التخنيون" في حيفا وفي جامعات أخرى في العالم:

في مقال نشر في "نيويوركر"، في 24 و31 من كانون الثاني 2005، كتب سيمور هيرش يقول "إن الإدارة الأميركية تسيّر جولات سرية في إيران، منذ الصيف الأخير، من أجل جمع معلومات. والتركيز هو على جمع معلومات حول أهداف نووية وكيماوية ومواقع إطلاق صواريخ في إيران. والهدف هو الكشف عن ثلاث دزينات (36) من الأهداف بالإمكان إبادتها بضربات دقيقة ومركزة من خلال طلعات جوية ينفذها الكوماندو... والوحدات الأميركية التي تقوم بهذه المهمة تدخل إلى شرق إيران عن طريق أفغانستان وتفتش عن مواقع تحت أرضية... ويوجد أيضا تعاون وثيق مع إسرائيل.. مواطنون من وزارة الدفاع بإدارة دوغلاس بيث، يعملون مع مخططين ومستشارين إسرائيليين من أجل تحسين مهمة الكشف عن الأهداف المذكورة. فبعد قضية المفاعل النووي العراقي "أوسيراك"، الذي قصفته إسرائيل، تقيم إيران الكثير من مواقعها النووية في أماكن نائية في الشرق من أجل أن تكون بعيدة عن مجال ضربات دول أخرى، وبشكل خاص إسرائيل. ولكن البعد لم يعد يضمن حماية ودفاعا، فقد اشترت إسرائيل ثلاث غواصات بإمكانها أن تطلق صواريخ بحرية، وزودت بعض الطائرات بخزانات وقود إضافية، بشكل يسمح لطائرات مثل طائرات F16 I القتالية الإسرائيلية بأن تصل إلى غالبية الأهداف في إيران".

ويكتب أمرا مشابها ريتشارد سيل، مراسل وكالة الأنباء "يو. بي" للشؤون الاستخباراتية، في 26 كانون الثاني/ يناير: طائرات أميركية تحلق بشكل دائم في سماء إيران... علينا معرفة الأهداف وكيف بالإمكان ضربها... إن الولايات المتحدة وبالتعاون مع إسرائيل تتعامل بجدية كاملة من أجل شل مواقع الأسلحة النووية الإيرانية. لقد قررت الإدارة الأميركية انه لا يوجد حل دبلوماسي، كما قال جون فييك، رئيس شركة الخبراء على موقع الانترنت www.globalsecurity.org.

ويقتبس المحلل السياسي الإسرائيلي أوري أفنيري نائب الرئيس الأميركي، ديك تشيني، الذي هدد بأنه إذا ما واصلت إيران تطوير مقدرتها النووية، فإن إسرائيل قد تضربها. وقبل فترة وجيزة كرّر الرئيس الأميركي جورج بوش بنفسه التهديد ذاته بقوله: لو كنت زعيم إسرائيل لكنت أشعر بأنني مهدّد من قبل إيران.

وأخيرا نذكر تصريحا جديدًا أطلقه سكوت رايتر، مراقب الأسلحة في لجنة الأمم المتحدة، وقال فيه "إن الرئيس الأميركي جورج بوش وقع على أمر لتوجيه ضربة جوية لإيران في حزيران/ يونيو العام 2005، والهدف هو وضع حد لبرامج تطوير الأسلحة النووية الإيرانية. ولكن المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية يعتقدون أن هذا سيقود إلى تغيير النظام في هذه الدولة الغنية بالنفط".

إذًا الأمور واضحة قطعًا. بقي سؤال واحد، هو لماذا تتبع الولايات المتحدة تكتيكا مخالفا إلى هذا الحد للتكتيك الذي اتبعته في مغامرتها العراقية، بمعنى أن تقصف وتغزو برعاية الأمم المتحدة وحلف الناتو، في نفس الوقت الذي طلب فيه من إسرائيل أن تجلس بهدوء جانبا. يتضح أن الأمم المتحدة والناتو يعارضان عملية عسكرية ضد إيران، والولايات المتحدة بمفردها لا تستطيع أن تشن هجوما على إيران وان تبرره. فما العمل؟.

تعالوا نفحص ما هو البرنامج النووي الإيراني.

لقد استكملت روسيا لتوها بناء مفاعل نووي كبير بقوة ألف ميغاواط، من أجل إنتاج الكهرباء في مدينة بوشهر في إيران بتكلفة 800 مليون دولار. وحسب المخطط فإن المشروع سيصل إلى أعلى مستوى إنتاجي له في العام 2006. إيران موقعة على الوثيقة الدولية لمنع نشر الأسلحة النووية، ولهذا فإن محطة إنشاء الطاقة هذه ستكون خاضعة لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة النووية. وحسب الاتفاق، فإن قضبان الوقود التي يتم استخراجها من المفاعل لاستبدالها (بعد ثلاث أو أربع سنوات تقريبا) ستعود إلى روسيا. وأصلا لا يمكن استغلال المفاعل من أجل إنتاج مواد خام للقنابل. صحيح أن البلوتونيوم ينتج في مفاعل نووي، ولكنه في المفاعل المعرّض لفترة طويلة لمادة النيوترون، يغير المبنى ويميل إلى الانشطار بشكل عفوي لاحقا، وهو برنامج يؤدي إلى إشعال القنبلة قبل أوانها. فمن أجل إنتاج بلوتونيوم ذي جودة عالية لاستخدامه في القنابل، فإنه يجب إخراج قضبان الوقود من المفاعل في فترات زمنية قصيرة، أي كل ثلاثة أو أربعة شهور، وفصل البلوتونيوم بشكل كيماوي، كما يجري في مفاعل ديمونة (الإسرائيلي) حسب مصادر أجنبية.

بالمختصر، فإن المفاعل النووي بإمكانه أن ينتج كهرباء أو بلوتونيوم وليس كليهما معا. الولايات المتحدة (وإسرائيل) عارضتا إقامة مفاعل نووي في مدينة بوشهر بدعوى أنه بالإمكان تحويله إلى منتج للسلاح النووي، وهو ادعاء رفضته الوكالة الدولية للطاقة النووية وأيضا حكومات أوروبية مختلفة. ولهذا فإن للولايات المتحدة مشكلة، إذا هي نوت تدمير المفاعل في بوشهر، وفي هذه الحالة سيتم الطلب من إسرائيل حتما أن تنفذ هذه المهمة القذرة.

بالإمكان أيضا صنع قنبلة من خلال استخدام يورانيوم مخصّب يصل تركيز يورانيوم- 235 فيه إلى 93 % أو أكثر. والتركيز في اليورانيوم الطبيعي هو 1 %، وأن يتم صنع قنبلة ثانية (يورانيوم- 238) حين يكون أكثر من 99 %، ومن أجل تخصيب اليورانيوم هناك حاجة إلى فرازة، أو لأكثر دقة، المئات من الفرّازات التي عليها أن تعمل على مدى أشهر وسنوات. وتوجد لدى إيران فرازات بإمكانها أن تخصّب اليورانيوم، ولكنها تدعي أن هذا يحق لها بموجب الوثيقة الدولية التي وقعت عليها، والتي تسمح بتخصيب اليورانيوم بقدر ما من أجل إعادة إنتاج قضبان الوقود المستخدمة في المفاعل النووي. وحسب الاتفاق الذي وقع بين إيران وثلاث دول أوروبية، ودخل إلى حيز التنفيذ في الخامس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي 2004، فقد وافقت إيران على تجميد كل نشاط مرتبط بتخصيب أو إعادة إنتاج اليورانيوم، وهذا مقابل التزام الدول الأوروبية بأن تزود إيران بوقود جديد بدلا من الذي انتهى مفعوله.

لقد تم الاتفاق... لكن الإدارة الأميركية وكما رأينا ليست معنية باتفاقيات، وقررت "أنه لا حل دبلوماسيا"، ويجب منع إيران من إمكانية أن تصبح نووية، وهذا يلزم قصف الفرازات الموجودة تحت الأرض. ولهذه المهمة، فقد زوّدت الولايات المتحدة إسرائيل بخمسمائة قنبلة تخترق عمق الأرض، بوزن طن واحد لكل قنبلة، وهذا إلى جانب 2500 قنبلة "عادية" بوزن طن واحد لكل قنبلة (ألوف بن، "هآرتس"، 21/9/2004). ومن أجل تنفيذ هذه الخطة، فإن تعيين رئيس لهيئة الأركان في إسرائيل مع مؤهلات خاصة لقصف المفاعلات النووية بالإمكان أن يفيد فقط (إلى هنا نهاية الاقتباس من مقال البروفيسور ألتمان).

في يوم 11 أيار/ مايو 2005 نشرت صحيفة "هآرتس" نبأ لمعلقها السياسي ألوف بن قالت في سياقه إنه ظهرت أخيراً خلافات في وجهات النظر بين إسرائيل والولايات المتحدة حول موعد وصول إيران إلى ما أسماه "نقطة اللاعودة" في طريق إحراز أسلحة نووية.

وأضافت الصحيفة أنه في حين تتحدث إسرائيل عن مدة لا تتعدى "بضعة أشهر" فقط تصل خلالها إيران إلى النقطة المذكورة تقول واشنطن إن المدة هي "بضع سنوات".

ووفقاً لوجهة النظر الإسرائيلية فإن المفتاح الأهم لحساب المدة السالفة يكمن في "سيطرة إيران على المعرفة والتكنولوجيا الضروريين لإنتاج اليورانيوم المخصّب بصورة ذاتية"، في حين أن وجهة النظر الأميركية تقول إن المفتاح الأهم لذلك هو "أن تكون في حوزة إيران كمية كبيرة من المواد اللازمة لإنتاج قنبلة نووية واحدة".

وأضافت "هآرتس" أنه تزداد المخاوف في إسرائيل من احتمال امتلاك دول أخرى في الشرق الأوسط معلومات تكنولوجية نووية من كوريا الشمالية أو من شبكة التهريب التي أدارها العالم الباكستاني عبد القادر خان. وذكرت في هذا الصدد دول مصر وسوريا والسعودية. غير أنها أوضحت أنه باستثناء المخاوف والشكوك لا توجد لدى إسرائيل قرائن قوية على نشاط نووي سري في الدول المذكورة.

وعلى رغم وجود تباين في وجهات النظر بين إسرائيل والولايات المتحدة حول النقطة المذكورة فيما يتعلق بقدرة إيران النووية، فإن "هآرتس" تؤكد أنه لا يوجد خلاف بين الطرفين الحليفين الإسرائيلي- الأميركي بشأن ما أسمته "خطورة التهديد المترتب على إيران نووية".

كما تنبغي الإشارة إلى أن "وثيقة مؤتمر هرتسليا حول ميزان المناعة والأمن القومي" الإسرائيلي، في دورته الأخيرة الخامسة لسنة 2005، أفردت بنداً خاصاً لما اعتبرته "التهديد الإيراني" لإسرائيل، مشددة على أن إيران تبدو من جهتها، ورغم كل المساعي والجهود الدولية التي تقودها واشنطن، عازمة على المضي قدماً في "برنامجها الذري"، كما أنها (إيران) تعمل من جهة أخرى ودون توقف على تشجيع ما أسمته الوثيقة "الإرهاب الفلسطيني"، وتسعى بشكل دائم إلى "تخريب وعرقلة جهود التسوية السلمية" في الشرق الأوسط، وخاصة فيما يتعلق باستئناف "العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين" فضلاً عن عملها المستمر "للحيلولة دون استتباب الاستقرار في العراق".

وأعاد واضعو "الوثيقة" التأكيد على أن "التهديد النووي الإيراني هو التحدي الإستراتيجي الأول والأكبر الذي تواجهه إسرائيل في الوقت الراهن".

وتستطرد الوثيقة التلخيصية لمؤتمر هرتسليا الخامس في هذا السياق مشيرة إلى "انقسام الآراء" في مسألة ما إذا كانت إيران سوف تُذعِن للجهود والضغوط الدولية لجهة التخلي عن "تجسيد الخيار الذري". وأردفت: "إذا لم تستجب (طهران) فإن السبيل الوحيد لثنيها عن مساعيها هذه (نحو امتلاك سلاح ذري) هو فرض عقوبات اقتصادية على إيران والسعي إلى الإطاحة بالنظام الحاكم فيها وحتى توجيه ضربة عسكرية لها".

وختمت "الوثيقة" في هذا الصدد بالتحذير من أنه "إذا تمكنت إيران من تحقيق نواياها هذه فإن ذلك سيشكل تهديداً لإسرائيل وتقويضاً للتوازن القائم حالياً في المنطقة... نظراً لأن ذلك سيشجع دولاً أخرى (غير إسرائيل بطبيعة الحال) على امتلاك الخيار النووي".

هيئة أركان الجيش

سيقف حالوتس على رأس هيئة أركان تتألف من:

- نائب رئيس هيئة الأركان موشيه كابلينسكي.

- قادة المناطق العسكرية:الوسطى (يائير نافيه) والشمالية (بيني غانتس) والجنوبية (دان ارئيل).

- يفتاح رون طال، قائد القوات البرية.

- أودي آدم، رئيس الشعبة التكنولوجية واللوجستية.

- أهارون زئيفي (فركش)، رئيس شعبة الاستخبارات (أمان).

- إليعيزر شطيرن، رئيس شعبة القوى البشرية.

- يسرائيل زيف، رئيس شعبة العمليات.

- يتسحاق هرئيل، رئيس شعبة التخطيط.

- إليعيزر شكيدي، قائد سلاح الجو.

- دون بن بعشاط، قائد سلاح البحرية.

- جرشون يتسحاق، قائد الجبهة الداخلية.

- إيال بن رؤوفين، قائد كلية الأمن القومي.

- يوسف مشلب، منسق شؤون المناطق.

- يشاي بار، رئيس محكمة الاستئناف العسكرية.

- أفيحاي مندلبليط، المدعي العسكري الرئيسي.

- أودي شاني، رئيس شعبة الالتقاط.

- شموئيل كيرن، رئيس مديرية الأبحاث وتطوير الوسائل القتالية والبنى التحتية التكنولوجية.

- ميري ريغف، الناطقة العسكرية.

- موشيه ليبل، المستشار المالي لرئيس هيئة الأركان.

- عاموس يارون، مدير عام وزارة الدفاع.

- يوسي باينهورن، مراقب جهاز الأمن.

- يوآف غلانط، السكرتير العسكري لرئيس الوزراء.