سافرت للمشاركة في الاجتماع الفلسطيني - الاسرائيلي في الأردن يراودني مزاج متشكك؛ تصورت أن يحدث ما حدث مراراً من قبل، فربما نفلح هناك في صياغة اعلان مبادىء مشترك بشأن الحاجة الى إحلال السلام ووقف الارهاب وانهاء الاحتلال والقمع والاعتراف المتبادل بالحاجة الى العيش كجيران في دولتين لشعبين. قمنا بذلك من قبل مراراً في عدة اجتماعات ولقاءات وبيانات وغيرها. منذ عشر سنوات ونحن نقف مرة تلو مرة "قيد أنملة" ومن ثم نتدهور الى هاوية العنف واليأس.
يبدو أرييل شارون وأصدقاؤه في واشنطن في حال سباق مع الزمن من أجل تحقيق أهدافهم قبل أن تعترضهم العقبات: وهم حين يكونون في عجلة من أمرهم فإنما يصبحون في منتهى الخطورة... فأنظارهم تتجه الآن نحو سورية وإيران وربما نحو السعودية بعد ذلك بل حتى نحو مصر. ويمكنهم في سبيل أغراضهم استخدام كل الوسائل من الضغط السياسي والاقتصادي إلى العقوبات المالية إلى التدخل وتغيير النظام بقوة السلاح. كل ذلك من أجل إخضاع العرب لإرادة أميركا وربيبتها إسرائيل.
في الوقت الذي يتواصل فيه "الجدل" داخل إسرائيل حول ما يسمى بـ "مبادرة جنيف" أو "تفاهمات سويسرا"، منذ أن أعلن عن التوصل إليها بين مجموعتين فلسطينية وإسرائيلية، نشر عمرام متسناع، عضو الكنيست عن حزب "العمل" ورئيس الحزب السابق وأحد أبرز المشاركين الاسرائيليين في المبادرة، مقالاً في صحيفة "هآرتس"(16/10/2003) اعتبر فيه المبادرة "خطوة تفوق في أهميتها خطوة الاعلان عن إقامة الدولة (إسرائيل) في 1948" موضحاً ذلك بقوله :" إذا اختار رئيس الحكومة أن يطبّق مبادرة جنيف فسيتم تسجيله في صفحات التاريخ كمن أقام إسرائيل باعتبارها دولة يهودية ودمقراطية على أساس الاتفاق، في حين أن إقامة الدولة في 1948 كانت إجراءً أحادي الجانب لم يحظ إلا باعتراف دول قليلة في العالم".
أكثر اللحظات دراماتيكية هي لحظة خروج يوم الغفران.
جلسنا في ساحة المقاطعة، مجموعة من نشطاء السلام الإسرائيليين وأصدقاء فلسطينيين، من كبار المسئولين في السلطة. هبت نسمات باردة ومنعشة، بعد يوم حار جدا، وتحدثنا عن الوضع (وعمّ يمكن أن نتحدث؟)، وعن الأقاويل حول ما يجري مؤخرا في القيادة الفلسطينية. بين الحين والآخر، كان ينضم إلينا هذا المسئول الفلسطيني أو ذاك، قبل صعوده للتحدث مع الرئيس، أو في طريقه عائدا من هناك.
وقد ظهر فجأة خيال جبريل رجوب طويل القامة من بين أكياس الرمل التي كانت تشكل متاريس لحماية مدخل المبنى. لقد عاد لتوه من محادثة مع عرفات وانضم إلينا لعدة دقائق. "سمعت بأن المجلس الوزاري المصغر الإسرائيلي ينوي الانعقاد هذا المساء" قال لنا بوجه متقطب.
الصفحة 779 من 883