المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • على هامش المشهد
  • 1871

 

رؤية خبيرين إسرائيليين في القانون: إسرائيل والبدائل المتاحة لتفادي تحقيق دولي

 

 

 

بقلم: يوفال شاني وعميحاي كوهين (*)

 

 

 

ثمة من يعتقد بأن جزءا من الإدعاءات والمزاعم القائلة إن إسرائيل انتهكت قوانين وقواعد الحرب خلال عملية "الجرف الصامد" (العدوان العسكري الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة) يشوبه قدر كبير من الميول اللاسامية، ولكن مع ذلك يمكن الافتراض أن جزءا من هذه الادعاءات على الأقل يستند إلى مخاوف حقيقية. فالأعداد الكبيرة للمدنيين الفلسطينيين الذين قتلوا وجرحوا خلال العملية، والدمار الواسع والأضرار الجسيمة التي لحقت بالمنازل والمباني والممتلكات في غزة، كل ذلك يثير تساؤلات وشكوكا حول ما إذا كانت الأعمال التي قامت بها دولة إسرائيل تتلاءم مع أحكام وقواعد القانون الدولي الملزمة في أوقات الحرب. وقد أعربت محافل عديدة (منظمات حقوقية، أطباء، زعماء ومسؤولون حكوميون وغير حكوميين في الكثير من الدول) عن اعتقادها بأن الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، تثير شبهات بوقوع خروقات وانتهاكات لقواعد وأحكام الحرب، كما أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرر تشكيل لجنة للتحقيق في انتهاكات محتملة للقانون الدولي الإنساني في العملية العسكرية الإسرائيلية التي بدأت في 13 حزيران الماضي (عملية "الجرف الصامد").

 

فما هي الطريقة الأسلم لمواجهة هذه الادعاءات والتساؤلات؟

 

تقتضي مبادئ القانون الدولي أن تتولى التحقيق في الانتهاكات المحتملة لقوانين الحرب هيئة مستقلة ونزيهة وأن يكون التحقيق سريعا وشفافا وناجعا، بحيث يجري بصورة مهنية، ويفضي في الحالات الموجبة إلى تقديم الضالعين في الانتهاكات إلى العدالة والمحاكمة. فمن هي الهيئة التي يمكنها إجراء مثل هذا التحقيق؟

 

 

 

 

 

التحقيق العسكري

 

الداخلي كخيار أمثل

 

 

 

إن فحصا (أو تحقيقا) داخليا يجريه الجيش الإسرائيلي هو الخيار الأفضل بالنسبة إلى إسرائيل.

 

 

ووفقا لموقف إسرائيل التقليدي فإن التحقيقات العسكرية (الداخلية) تلبي متطلبات القانون الدولي بشأن التحقيق في شبهات بوقوع انتهاكات للقانون، وبالتالي لا حاجة لأي إشراف خارجي على التحقيقات العسكرية داخل الجيش. ومما لا شك فيه أن جهاز التحقيقات العسكرية له دور مهم في التحقيق في شبهات بوقوع انتهاكات لقواعد الحرب. مع ذلك لا بد من أن تؤخذ في الحسبان إشكالية الاعتماد بشكل حصري على تحقيق داخلي تجريه النيابة العسكرية أو الشرطة العسكرية، وذلك:

 

 

أولا- هناك خشية من أن يؤدي الميل التقليدي لدى النيابة العسكرية نحو الإقلال من الإيعاز للشرطة العسكرية بفتح تحقيقات، خاصة ضد مستويات عليا في الجيش، إلى عدم النظر إلى التحقيق العسكري كتحقيق نزيه وناجع. صحيح أنه طرأ بعد عملية "الرصاص المصبوب" (2008- 2009) تغيير معين في هذا الميل، إذ فتحت الشرطة العسكرية- ربما في أعقاب الضغوط الدولية الشديدة التي مورست على إسرائيل- عشرات التحقيقات، وقدمت لوائح اتهام وأدين عدد من الجنود، كما أجريت بعض التغييرات في سياسة العملية العسكرية (مثل التوقف عن استخدام القنابل الفوسفورية في مناطق مأهولة بالمدنيين). مع ذلك فقد اقتصرت المحاكمات على عسكريين من ذوي الرتب الصغيرة نسبيا، وعلى مخالفات بسيطة نسبيا. وعلى سبيل المثال، في إحدى الحالات انتهى ملف التحقيق في استخدام قنابل فوسفورية بتوجيه توبيخ لقائد كتيبة وقائد لواء. وفي حالة أخرى- التحقيق الذي فتح ضد قائد لواء "غفعاتي" إيلان مالكا بشأن التسبب بموت أفراد عائلة (عائلة السموني) بأكملها في غزة- قرر المدعي العسكري الرئيسي إغلاق ملف التحقيق دون توجيه لائحة اتهام (توصل المدعي العسكري إلى استنتاج بأن قائد اللواء تصرف في نطاق "تحكيم العقل"). في المحصلة فإن عدداً قليلا من التحقيقات العسكرية (الداخلية) التي أجريت في أعقاب عملية "الرصاص المصبوب"، آل إلى اتخاذ إجراءات قانونية جنائية، انتهت بعدد ضئيل من الإدانات، غالبيتها ضد جنود برتب صغيرة، أدينوا بارتكاب مخالفات بسيطة نسبيا.

 

عند مقارنة هذه النتيجة بالعدد الكبير من الإدعاءات التي اتهمت الجيش الإسرائيلي بارتكاب انتهاكات خطيرة لقوانين وقواعد الحرب، والقانون الدولي الإنساني أثناء عملية "الرصاص المصبوب"، وإذا ما أخذنا في الحسبان الإشكالية الكامنة في تولي الجيش مسؤولية التحقيق في الانتهاكات التي ارتكبها هو نفسه، عندئذ يغدو من المفهوم لماذا يتساءل الكثيرون بشأن ملائمة آلية التحقيق العسكرية الإسرائيلية (التحقيق الداخلي) لمتطلبات وأحكام القانون الدولي في مجال التحقيقات.

 

ثانيا- لم يستكمل الجيش الإسرائيلي حتى الآن تنفيذ توصيات تقرير "لجنة تيركل" المتعلقة بتطوير وتوسيع صلاحيات جهاز التحقيقات العسكرية. وكانت لجنة حكومية برئاسة قاضي المحكمة العليا المتقاعد يعقوب تيركل، والتي ضمت في عضويتها رجال قانون وعسكريين وسياسيين من إسرائيل والخارج، قد أعدت في العام 2012 تقريرا بشأن ملاءمة أسلوب التحقيقات المتبع في إسرائيل، في الشبهات المتعلقة بارتكاب انتهاكات لقواعد الحرب، لأحكام ومتطلبات القانون الدولي. وقد تضمن التقرير سلسلة من التوصيات وفي صلبها التأكيد على ضرورة تعزيز وزيادة استقلالية وشفافية وجدوى نجاعة مثل هذه التحقيقات. وبعد تسويف ومماطلة، تم تشكيل طاقم حكومي كلف بمتابعة تنفيذ التوصيات غير أن هذا الطاقم لم يفرغ بعد من عمله، وبالتالي فإن جزءا كبيرا من هذه التوصيات ظل حبرا على ورق. مع ذلك تبذل جهود حقيقية لتقصي الأحداث بصورة مستقلة وسريعة من قبل طاقم تابع لهيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، كذلك تحدثت تقارير صحافية عن تشكيل طاقم خاص مهمته الإشراف على عمليات التحقيق العسكرية الداخلية.

 

كل هذه تطورات إيجابية بلا شك، إلا أنه لا يمكن لها أن تخفي الحقيقة البسيطة المتمثلة في أن تقرير "لجنة تيركل" لم ينفذ حتى الآن نصا وروحا. وعلى سبيل المثال فإن مشكلة استقلالية المدعي العسكري الرئيسي ما زالت قائمة، إذ أن المدعي العسكري الحالي عين بالطريقة القديمة (من قبل رئيس هيئة الأركان ووزير الدفاع) وقد رقي إلى رتبة لواء أثناء خدمته في هذا المنصب، فضلا عن أن التوصية الداعية إلى تقوية وتعزيز مكانته، لم تنفذ حتى الآن. إلى ذلك، هناك العديد من التوصيات المهمة في تقرير "لجنة تيركل"، كتلك المتعلقة بآلية تحري الوقائع، وآلية الإشراف المدني في مكتب المستشار القانوني للحكومة على التحقيقات لم تجد طريقها بعد إلى التنفيذ الكامل والمنظم. ومن هنا فإنه سيكون من الصعب جداً الدفاع عن تحقيقات النيابة العسكرية والشرطة العسكرية، حتى وإن جرت دون أن تشوبها أية شائبة، وذلك في ضوء حقيقة أن تقرير تيركل أكد على أنها تحتاج إلى تحسين، وقدم توصيات معينة في هذا الخصوص، لم تنفذ حتى الآن.

 

أخيراً- وربما الأهم من كل ما ذكر، أن حجم القتل والدمار والأضرار في قطاع غزة، الذي يشاهد على شاشات التلفزة وشبكة الانترنت في العالم، يظهر جليا للجميع، في المقابل فإن تحقيقا عسكريا داخليا يجريه الجيش الإسرائيلي – ولا سيما تحقيقات من النوع الذي يتفحص التناسب بين الاحتياجات التنفيذية للقوات المقاتلة وبين حجم الأضرار التي لحقت بالسكان المدنيين- لا يمكن أن يكون شفافا وجليا للناس. فالشفافية الكاملة لا تتحقق سوى بواسطة مشاركة مدنية تصاحب التحقيق العسكري.

 

في ضوء ذلك، فإننا ننظر بايجابية لتشكيل الطاقم الحكومي الخاص الذي أقيم لمراقبة ومتابعة تحقيقات الجيش. مع ذلك فإن من المعلوم أن هدف هذا الطاقم- كما أشارت له وسائل الإعلام- هو حماية إسرائيل من هجمة قانونية في المحافل الدولية. فالقانون الدولي يطرح، وفقا لهذا التوجه، كأداة في المعركة ضد إسرائيل، وليس كمنظومة قواعد ينبغي صونها والمحافظة عليها انطلاقا من دوافع مبدئية مرتبطة بسلطة القانون.

 

 

خيار التحقيق الدولي

 

في مقابل خيار التحقيق العسكري الذي تفضله السلطات في إسرائيل، يطرح المجتمع الدولي خيار التحقيق الأممي. وقد قرر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تشكيل لجنة للتحقيق في الانتهاكات المحتملة لقوانين الحرب والقانون الدولي الإنساني في العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة في قطاع غزة. ووفقا لتقارير صحافية، فإن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس، يدرس بصورة جادة الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية، كما أعلنت العديد من دول العالم أنها ترى أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب.

 

إن التحقيق الدولي هو الخيار الأسوأ، على الأرجح، من وجهة نظر إسرائيل، وذلك في ضوء المخاوف المفهومة من الاضطرار إلى إطلاع جهات أجنبية على معلومات أمنية حساسة وظهور ميول سياسية منحازة في عمل أجهزة وهيئات التحقيق الدولية. وفي كل ما يتعلق بتحقيق تجريه محكمة الجنايات الدولية، فإن مثل هذه الميول يمكن أن تظهر في الاتجاهين، كما أن للأمر وجهين، إذ يمكن، من جهة، أن تستفيد إسرائيل من إجراء (قانوني) يؤدي إلى محاكمة زعامة حركة "حماس" بتهمة إتباع سياسة مس متعمد بالمدنيين الإسرائيليين وتعريض حياة المدنيين الفلسطينيين للخطر بشكل متعمد. من جهة أخرى، ومع أنه لا يوجد أساس للافتراض بأن محكمة الجنايات الدولية معادية لدولة إسرائيل، هناك فرصة أو احتمال حقيقي في أن تجري المحكمة تحقيقا جنائيا ضد مسؤولين إسرائيليين كبارا، وأن تتوصل إلى استنتاج بوجود أدلة كافية لمحاكمتهم.

 

بالإضافة إلى هذه المخاطر، هناك بعد آخر مرتبط بالتطورات في مجال القانون الدولي، ينبغي أخذه في الحسبان. فقد بدأ يتضح في السنوات الأخيرة أن مفهوم القانون الدولي الذي يسري مفعوله في زمن الحرب، أخذ يتغير، وأنه عفا الزمن على الفرضية التي وجهت صانعي السياسة على امتداد سنوات طوال، والقائلة بأن المنظمة الإرهابية أو الجيش الذي يعمل داخل تجمعات سكنية مدنية، سيحاول تجنب تعريض حياة هؤلاء السكان المدنيين للخطر. وقد اعتقد معظم رجال القانون الدوليين حتى فترة قريبة أن مبدأ التناسب يتيح للجيش المهاجم إيقاع إصابات وخسائر في صفوف عدد كبير من المدنيين طالما أنه لا يقصد المس بهم. صحيح أن المس بعدد مبالغ فيه من المدنيين قياسا بالهدف العسكري، يعتبر غير جائز، ولكن مفهوم "مبالغ فيه" كان ضبابيا حد أنه أتاح للجيش المهاجم المس غير المقصود بعدد كبير نسبيا من السكان المدنيين. وطالما كان الجيش المهاجم يحاول الإقلال من المس المدنيين، وطالما كان الحديث يتعلق بعدو يستخدم المدنيين بصورة منهجية كدروع بشرية، طالما كانت المرونة المتاحة للجيش المهاجم كبيرة نسبيا. أما الآن فيمكن ملاحظة أن تغييرا ملموسا قد طرأ على هذا الفهم. ولكن هذا الادعاء ما زال يرد بتردد على لسان جزء من خبراء القانون، ودون الجزم بأن ذلك هو ما ينص عليه فعلا القانون الدولي. في المقابل هناك خبراء كثيرون يقولون إنه إذا كان القانون الدولي يجيز المس على نطاق واسع بالمدنيين، فإنه – أي القانون – يغدو عديم القيمة. وتبين تجربة الماضي أن إدعاءات وطروحات من هذا النوع، في القانون الدولي، سرعان ما تتحول بسهولة كبيرة نسبيا إلى إدعاء يقول "هذه الأمور محظورة بموجب القانون الدولي".

 

وفي اعتقادنا هناك احتمال لا يستهان به في أن تتوصل لجنة تحقيق دولية إلى استنتاجات قانونية تدعم هذا الاتجاه نحو تطور القوانين بشكل يقيد ويحد أكثر من حرية عمل إسرائيل في نزاعها المقبل مع جيرانها. هذا الأمر من شأنه أن يلقي عبئا قانونيا جسيما أكثر على إسرائيل في كل ما يتعلق بضرورة تقليص الخسائر في صفوف السكان المدنيين غير الضالعين في العنف.

 

بناء على ذلك، وفي ضوء ما تقدم، ثمة سبب مزدوج لتفادي إمكانية التحقيق الدولي. أولا، هناك خشية كبيرة من أن تؤدي تحقيقات دولية إلى خضوع جنود وقادة عسكريين وسياسيين إسرائيليين لإجراءات قضائية جنائية دولية، وثانيا، من شأن التحقيقات الدولية أن تعزز اتجاهات قانونية قائمة، تقيد أنشطة وعمليات إسرائيل في المستقبل.

 

 

لجنة تحقيق

 

إسرائيلية مستقلة

 

 

يقر القانون الدولي بخيار التحقيق الوطني كـ "عائق" لتفادي التحقيق الدولي، على أن يلتزم التحقيق الداخلي بشروط الاستقلالية والسرعة والشفافية والنزاهة والنجاعة. وكما قلنا سابقا، فإن من الصعب، في ظل الوضع الحالي، الاعتقاد بأن تحقيقا داخليا يجريه الجيش الإسرائيلي دون أي إشراف أو مراقبة خارجية مستقلة، سيحظى بمثل هذه الثقة من جانب المجتمع الدولي، بما يؤدي إلى إزالة الخشية من تحقيق دولي. لذلك يتعين على دولة إسرائيل إنشاء جهاز تحقيق أو على الأقل آلية إشراف على التحقيق تضمن وتلبي شروط الاستقلالية والشفافية والسرعة والنجاعة المطلوبة.

 

وفقا لبحث أعدته دانا بلاندر في "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، فقد جرى بصورة تقليدية تعيين لجان التحقيق الحكومية، أو شبيهاتها، من أجل مواجهة ضغوط سياسية داخلية في مواضيع وقضايا مختلفة. وقد تناولت هذه اللجان أيضا في الكثير من الحالات مسائل انتهاك القانون في التعامل مع العدو، كما حصل في لجنة التحقيق في (مجزرة) صبرا وشاتيلا، ولجنة لانداو للتحقيق في أساليب التعذيب التي اتبعها جهاز الأمن العام الإسرائيلي ("الشاباك")، ولجنة التحقيق في مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل (التي ارتكبها باروخ غولدشتاين في العام 1994)، وكذلك في عمل لجنة فينوغراد للتحقيق في حرب لبنان الثانية (2006).

 

وكانت لجنة تيركل، التي رفضت الطرح القائل بضرورة إقامة مؤسسة مدنية مستقلة دائمة للإشراف على التحقيقات الداخلية للجيش الإسرائيلي، قد أقرت في الوقت ذاته بأنه في الحالات التي تكون فيها الادعاءات موجهة ضد المستوى المدني، فإن آلية التحقيق الأسلم لمواجهة هذه الادعاءات والتحقيق فيها هي لجنة تحقيق مدنية مستقلة وفعالة، تعمل في إطار جداول زمنية واضحة.

 

ومن الملاحظ أن الادعاءات التي تطرح ضد دولة إسرائيل فيما يتعلق بوقوع انتهاكات للقانون الدولي خلال عملية "الجرف الصامد"، لا تقتصر فقط على أخطاء موضعية تتعلق بطريقة "تحكيم العقل" من جانب القادة العسكريين في الميدان. فالادعاءات ضد استخدام "إجراء هنيبعل" في منطقة رفح، في نطاق مساعي قوات الجيش الإسرائيلي لمنع اختطاف الضابط هدار غولدين، أو حول إطلاق قذائف على مناطق توجد فيها منشآت ومبان تابعة للأمم المتحدة، ليست موجهة على سبيل المثال ضد المنفذين فقط، وإنما أيضا ضد من أعطى موافقة مبدئية على مثل هذه الإجراءات. وبمقدار ما تكون المسؤولية في هذه الحالات واسعة أكثر، بمقدار ما يكون هناك مبرر أكبر لتشكيل لجنة تحقيق خارجية (غير عسكرية) مستقلة.

فضلا عن ذلك، في ضوء العدد الكبير للقتلى والجرحى في الجانب الفلسطيني، والخلاف بشأن هوية هؤلاء (مقاتلين أم مدنيين)، وعدد الحالات (الانتهاكات) الكبير التي أثيرت إدعاءات بشأنها، ومن ضمن ذلك من جانب السكرتير العام للأمم المتحدة والرئيس الأميركي (خاصة الحالات المتعلقة بقصف مؤسسات ومدارس تابعة للأمم المتحدة في قطاع غزة)، يبدو لنا أن مبرر تشكيل لجنة تحقيق خارجية ومستقلة، قد ازداد، وهنا لا بد من التأكيد أن الأمر لا يستوجب بالضرورة إقامة لجنة تحقيق رسمية، فالقانون الدولي لا يكترث بمسألة تصنيف لجنة التحقيق وفقا للقانون الداخلي (المحلي)، وفي اعتقادنا فإن تشكيل لجنة تحقيق مهنية تتمتع باستقلالية سواء عن المؤسسة العسكرية القائمة أو عن المستويات السياسية الضالعة في العملية (عملية "الجرف الصامد") سيكون كافيا وملبيا للغرض.

 

إن إحدى الطرق التي يمكن إتباعها في هذا الصدد هي استخدام نموذج لجنة تيركل ذاته. ويمكن لهذا النموذج المختلط الذي انضم فيه إلى لجنة الفحص الإسرائيلية التي يترأسها قاض متقاعد أشخاص من الخارج، أن يستجيب لمطلب المشاركة الدولية في التحقيق، وأن يلبي في الوقت ذاته مطلب الشفافية اللازمة. هذه الطريقة ليست الطريقة الوحيدة لضمان حصول آلية تحقيق داخلية على شرعية دولية، غير أننا نعتقد أن المبدأ الذي يقف خلفها يجب أن يوجه صانعي القرار في إسرائيل.

إن لجنة فحص مستقلة توفر لجهاز التحقيق العسكري الشفافية والرقابة الملائمين، هي الطريقة الأسلم لتقصي الأسئلة والادعاءات القانونية التي أثيرت خلال عملية "الجرف الصامد"، ولمحاولة مواجهة المساعي الرامية لإجراء تحقيق دولي في الأحداث.

 

 

(*) خبيران قانونيان في "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"- القدس. هذا المقال ظهر حديثا في الموقع الالكتروني للمعهد - ترجمة خاصة.

 

 

 

 

 

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات