المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • على هامش المشهد
  • 991

*أكثر من 85 بالمئة من اليهود يعتقدون أن القرارات المصيرية يجب أن تتخذ بأغلبية يهودية وأكثر من النصف يؤكدون أن من حق الدولة تشجيع هجرة العرب*

 

"المشهد الإسرائيلي"- تقرير خاص:

 

جرى في نطاق استطلاع "مؤشر الديمقراطية الإسرائيلية- 2010"، الذي يعده "مركز غوتمان" في إطار "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" (القدس)، والذي نُشرت نتائجه الأسبوع الفائت، تفحص ما إذا كان المواطن الإسرائيلي "يتكلم عن الديمقراطية" فقط، أم أنه "يمارس ويصنع الديمقراطية".

 

وكان من المفترض أن يُترجم التأييد المعلن للقيم الديمقراطية المجردة إلى مواقف ومسلكيات تتسق مع هذه القيم، لكن ما تكشف على أرض الواقع هو أن الجمهور، في الحالات والظروف التي لا يكون فيها تجسيد القيم المعلنة مريحًا، أو أنه باهظ التكلفة، يتخلى في غير مرة عن هذه القيم بسهولة شديدة.

وتدل معطيات الاستطلاع الأخير، الذي يستند مشروعه إلى مؤشرات دولية مقارنة، على وجود فجوة في إسرائيل بين المبدأ الديمقراطي وبين السلوك العملي.

 

أولاً: مؤشر

الديمقراطية 2010

 

يتفحص هذا الجزء وضع الديمقراطية الإسرائيلية بناء على مجموعة من المؤشرات الكمية المألوفة، وقد جرى تفحص السمات المنعكسة في المؤشرات بناء على محوري مقارنة، الأول: نوعية الأداء والتنفيذ في إسرائيل بالمقارنة مع 35 دولة ديمقراطية في أنحاء العالم، والثاني أداء وسلوك إسرائيل في الماضي والحاضر.

في معظم المؤشرات الدولية يأتي ترتيب إسرائيل مباشرة بعد الديمقراطيات القديمة، وبجوار الديمقراطيات الجديدة في أوروبا الشرقية ووسط وجنوب أميركا. ويتضح أنه لم تطرأ في السنوات الأخيرة تغيرات ذات شأن في الترتيب العام للديمقراطية الإسرائيلية، فوضعها النسبي لم يشهد تحسناً، لكنه أيضاً لم يتراجع إلى الأسوأ.

من جهة أخرى فإن مواطن ضعف كثيرة في الديمقراطية الإسرائيلية لا تزال مرتبطة بمجال الحقوق. وعلى سبيل المثال فإن نسبة السجناء المرتفعة (في إسرائيل) بالنسبة إلى عدد السكان تتسق مع مواطن الخلل والقصور في سلطة القانون التي تقف نوعيتها دون المألوف في دول الغرب، وهي تصل إلى 208 سجناء لكل 100 ألف نسمة. وتحتل إسرائيل على هذا الصعيد المكان 28 من بين 36 دولة (جاء مكانها بين التشيك وبولندا).

في مؤشرات المساواة الجندرية طرأ في السنوات الأخيرة تراجع في التدريج النسبي لإسرائيل، لكنها ما زالت تتقدم في هذا المجال على معظم الديمقراطيات الجديدة.

وفي مؤشر الاستقرار السياسي يأتي ترتيب إسرائيل في المكان الأخير بين مجموعة الديمقراطيات التي جرى تفحص وضعها، وتحصل إسرائيل على علامة سيئة بشكل خاص في مجال الشروخ الاجتماعية، الذي لم تشهد أي تحسن. وقد سجل التحسن الرئيسي في المؤشرات المؤسسية، لا سيما في أعقاب التحسن في علامات إسرائيل في مؤشرات الحكم.

أما في مؤشرات فساد المؤسسة السلطوية فلم تطرأ أية تغيرات ملموسة بالمقارنة مع العام 2009.

 

ثانيا: استطلاع

الديمقراطية 2010

 

 

يتناول هذا الجزء بالعرض والتحليل معطيات استطلاع الرأي العام (عينة تشمل 1203 أشخاص من اليهود والعرب) الذي أجري في شهر آذار 2010، وركز على تقديرات ومواقف الجمهور حيال تجسيد الديمقراطية في إسرائيل ودرجة التأييد لها والرضا عنها.

إلى جانب التأييد الواسع للطرح القائل بأن على إسرائيل أن تبقى دولة ديمقراطية، يتضح أن الجمهور الإسرائيلي يميل إلى وصف الديمقراطية الإسرائيلية بـ "الضعيفة" و"غير الناجعة"، ويرى أن الحل الأفضل هو حكم مركزي أكثر.

وتقدر غالبية المستطلعين (60%) المزايا الكامنة في زعامة قوية، تستطيع (حسب رأيهم) حل المشاكل بنجاعة. وتفضل الأغلبية نظام تكنوقراط- خبراء (59%) يتخذ قرارات تستند إلى اعتبارات مهنية وليس إلى اعتبارات سياسية.

ويظهر الاستطلاع أن الإسرائيليين يشعرون بخيبة أمل من درجة التأثير المتدنية لتفضيلاتهم، كما انعكست في تصويتهم في الانتخابات، على سياسة الحكومة، بالإضافة إلى خيبة أمل من أداء المؤسسات المنتخبة وعدم ثقة بالكنيست والأحزاب. ويبين الاستطلاع أن الجيش الإسرائيلي يحظى في هذا العام كما في سنوات سابقة، بثقة عالية لدى الجمهور الإسرائيلي (81%)، فيما استمرت صورة مؤسسة رئيس الدولة بالتحسن، إذ أعربت أغلبية (70%) عن ثقتها بالرئيس الحالي (شمعون بيريس). ويعتقد 86% من الجمهور اليهودي (76% من مجمل الجمهور) أن القرارات المصيرية في الدولة يجب أن تتخذ بأغلبية يهودية، كما يعتقد 53% من هذا الجمهور أن من حق الدولة تشجيع هجرة العرب إلى خارج دولة إسرائيل.

وقد رصدت منذ نشر مؤشر الديمقراطية الأول (2003) فجوات جلية بين آراء اليهود القدماء وآراء المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي سابقا، ويتضح أن هؤلاء المهاجرين يشكلون إحدى المجموعات الأقل ليبرالية في أوساط الجمهور الإسرائيلي.

 

ثالثا: مبادئ ديمقراطية

في اختبار التطبيق

 

يؤيد الجمهور في إسرائيل علنا، كما في دول ديمقراطية عديدة أخرى، النظام الديمقراطي، إذ أعرب 81% من مجمل الجمهور عن موافقتهم على الرأي المبدئي القائل إن "الديمقراطية ليست في الواقع نظاما مثاليا، لكنها أفضل من سائر أشكال الحكم الأخرى". لكن على الرغم من هذا التأييد المبدئي فإن أكثر من نصف الجمهور الإسرائيلي (55%) يؤيد الطرح القائل إن "الوضع العام لإسرائيل كان يمكن أن يكون أفضل بكثير لو كانت هناك مراعاة أقل لقواعد الديمقراطية، وكان هناك حرص أكثر على صيانة القانون والنظام العام".

ويظهر تحليل الإجابات حسب التحديد الذاتي للانتماء السياسي للمستطلعين اليهود، على محور يسار- يمين، وجود فوارق بين المجموعات، إذ أيد 60% من جمهور اليمين هذه المقولة مقارنة مع 50% من جمهور الوسط و49% من جمهور اليسار. أي أنه يوجد استعداد أكبر لدى أنصار اليمين للتخلي عن قواعد الديمقراطية مما هو لدى مؤيدي الوسط واليسار، وإن كانت هناك في هذين المعسكرين أيضا أقلية كبيرة مستعدة لذلك. ويدل انقسام الإجابات على سؤال: "ما هي العلامة التي تستحقها، حسب رأيك، الديمقراطية الإسرائيلية، علما أن العلامة 1 غير كافية والعلامة 10 ممتازة؟" على أن الجمهور اليهودي يعطي الديمقراطية الإسرائيلية العلامة المتوسطة 4ر5، ومن ضمنه يعطي جمهور المهاجرين الروس علامة أعلى هي 6ر5، فيما يعطي الجمهور العربي للديمقراطية الإسرائيلية علامة متوسطة دون ذلك، وهي 1ر5.

وينقسم الجمهور في موقفه تجاه الطرح القائل بأن إسرائيل كانت في الماضي أكثر ديمقراطية مما هي الآن. وتبلغ نسبة المعارضين لهذا الطرح- الرأي بين الجمهور اليهودي 47%، وهي تزيد عن نسبة المؤيدين لهذا الطرح (39%).

وفيما يتعلق بالدستور، أكد 65% من مجمل الجمهور أن هذا الموضوع مهم بالنسبة لهم. ويعتقد ذلك 69% من الجمهور اليهودي، مقابل 45% فقط من جمهور المستطلعين العرب.

· إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية: لدى مجمل الجمهور اليهودي أشارت أعلى نسبة -43%- إلى أن شطري هذا التعبير (يهودية وديمقراطية) لهما أهمية متساوية، واعتبر 31% أن المكون اليهودي أهم أكثر، فيما اعتبر 20% فقط أن المكون الديمقراطي أهم أكثر.

· حرية الدين والتعبير: الموقف الشائع تجاه هذين الحقين مؤداه أنهما مطبقان بدرجة ملائمة (حوالي 41% في الحالتين). ولكن حين يتناول الحديث حقوق الإنسان، نجد أن 39% يعتقدون أنها مطبقة أقل من اللازم.

· الثقة بالمؤسسات: فقط أكثر بقليل من نصف مجمل الجمهور الإسرائيلي حاليا- 54%-يقولون إن لديهم ثقة كاملة أو جزئية بالمحكمة الإسرائيلية العليا، مقارنة مع 44% يقولون صراحة إنهم لا يثقون بهذه المحكمة. وعبر قرابة 41% فقط عن ثقة كاملة أو جزئية بالشرطة الإسرائيلية، وفيما يتعلق بالأحزاب قال 72% من مجمل الجمهور إنهم لا يثقون بها، لكن أكثرية كبيرة (63%) عارضت الرأي القائل إن الأحزاب لم تعد ضرورية في هذا العصر وبالتالي يمكن إلغاؤها.

· المواطنة: فكرة أن المواطنة هي مكانة قانونية متساوية لم يتمثلها الجمهور الإسرائيلي سوى بشكل جزئي فقط، إذ أيد 51% من مجمل الجمهور إتباع مساواة تامة في الحقوق بين اليهود والعرب، ويتضح أنه كلما ارتفعت درجة التدين لدى الجمهور اليهودي، كلما ارتفعت أيضا المعارضة لمساواة الحقوق بين اليهود والعرب: 5ر35% فقط من العلمانيين يعارضون ذلك، مقابل 51% من التقليديين، و65% من المتدينين و72% من المتدينين الحريديم (المتشددين). ويعتقد قرابة ثلثي اليهود (62%) أنه طالما كانت إسرائيل في نزاع مع الفلسطينيين فإنه لا يجوز أخذ رأي السكان العرب في إسرائيل في مواضيع الخارجية والأمن بنظر الاعتبار. وتعتقد نسبة مشابهة (67%) من الجمهور أنه يجب عدم السماح لأقارب من الدرجة الأولى لمواطنين عرب بالدخول إلى إسرائيل في إطار جمع شمل العائلات.

· المساواة في تخصيص الموارد: تعتقد أكثرية المستطلعين من مجمل الجمهور (55%) أنه يجب أن تخصص للبلدات اليهودية موارد أكثر من الموارد التي تخصص للبلدات العربية، وعارضت هذا الرأي أقلية (42%). في الجمهور اليهودي، ثمة أغلبية واضحة (71%) في اليمين مؤيدة لهذا الموقف، فيما وافقت عليه في معسكر الوسط أقلية (46%)، وفي معسكر اليسار أقلية دون ذلك (38%). ويتضح من انقسام الإجابات حسب درجة التدين أن 51% من المتدينين الحريديم يوافقون على هذا التحديد (الرأي)، في حين أن 45% من صفوف المتدينين و28% من صفوف التقليديين و18% فقط بين العلمانيين يوافقون عليه.

· مساواة في تمويل الخدمات الدينية: يتضح أن الوضع على هذا الصعيد أفضل من سابقه، إذ أيد 39% من مجمل الجمهور تمويلا متساويا، وعارض ذلك 35%. وبلغت نسبة المؤيدين لذلك بين الجمهور اليهودي 41% مقارنة مع 31% يعارضون ذلك.

وعلى صعيد درجة التسامح لدى الإسرائيليين اليهود تجاه جيران "آخرين" (مهاجرون روس، حريديم، عرب، مستوطنون سابقا، عمال أجانب، متخلفون عقليا.. إلخ)، يتضح أن الجوار الأكثر إزعاجا للإسرائيليين اليهود هو مع العرب (46%)، ثم وبنفس الدرجة تقريبًا مع المرضى النفسيين والعمال الأجانب (39%)، يلي ذلك مع الأزواج من مثليي الجنس (25%)، ومع الحريديم (23%)، ثم مع المهاجرين من أثيوبيا (17%)، ومع من لا يحافظون على قدسية السبت والأعياد (10%) ومع المهاجرين من الاتحاد السوفييتي سابقا (8%).

ويتضح بناء على معطيات الاستطلاع أن الجمهور العربي أقل تسامحا بالمقارنة مع الجمهور اليهودي عندما يدور الحديث على التجاور مع "آخرين". وقد تصدرت قائمة الجيران غير المرغوبين هنا الأزواج من مثليي الجنس (70%) ثم المتدينون الحريديم (67%) يليهم المستوطنون سابقا (65%).

ويعتقد 72% من مجمل الجمهور أن الديمقراطية الإسرائيلية تضررت جراء ازدياد واتساع الفجوات في المجتمع. ويعارض 54% من الجمهور اليهودي الرأي القائل بوجوب أن ينص القانون على عقوبات ضد من يعبر عن آراء مناهضة للصهيونية، ويوافق 50% على الرأي القائل بأهمية السماح لأحزاب غير صهيونية بالمشاركة في الانتخابات.

وأعربت أكثرية بسيطة في العينة اليهودية- 5ر51% - عن اتفاقها مع الرأي القائل بأنه يحق فقط لمهاجرين جدد يهود، حسب القواعد والأصول الدينية، الحصول أوتوماتيكيا على المواطنة (الجنسية) الإسرائيلية، وهو ما يوافق عليه 59% من اليهود القدماء، بينما لا يوافق على ذلك بين المهاجرين الروس سوى 35%.

ويؤيد 41% من العلمانيين إقصاء غير اليهود، فيما يؤيد ذلك 63% من التقليديين، و79% من المتدينين و88% من المتدينين الحريديم.

ويسود لدى الجمهور اليهودي إجماع شبه تام - 82%- على وجوب تقديم علاج طبي مجاني بدون الاهتمام بمسألة ما إذا كان لدى المريض تأمين صحي أم لا. ويؤيد هذا الرأي 40% فقط من المستطلعين العرب.

وفيما يتعلق بحجب حق الانتخاب والترشح عن الملزمين بالتجنيد الذين لم يخدموا في الجيش، ظهرت فوارق كبيرة بين القطاعات السكانية المختلفة: 56% من الإسرائيليين اليهود القدماء يتفقون مع الفكرة، فيما رفضها 62% من المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي سابقا، كما رفضها 76% من جمهور المتدينين الحريديم.

أخيرًا فإنه في هذا العام- كما في أعوام سابقة- رصد استطلاع مؤشر الديمقراطية تفاؤلا في نظرة الجمهور إلى مستقبل الدولة. وعلى الرغم من أن أكثرية الإسرائيليين عبرت عن قلقها الشديد من تفشي الفساد وفقدت ثقتها بالسياسيين، كما عبرت عن قناعتها بأن حربا جديدة ستندلع بعد عدة سنوات، إلا إنها ما زالت راغبة في العيش في إسرائيل، وتشعر بأنها تنتمي إلى المجموع الإسرائيلي.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات