المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • على هامش المشهد
  • 1329

*عزلة إسرائيل في الشرق الأوسط

سوف تكون شاملة تقريبا*

 

كتب بلال ضـاهـر:

 

نزلت حركة الاحتجاجات الشعبية في الدول العربية، وخصوصا في تونس ومصر، على إسرائيل كالصاعقة. واعترف المسؤولون الإسرائيليون بأنهم فوجئوا بتوقيتها وقوتها. وذهلت إسرائيل من تأييد الإدارة الأميركية والرئيس باراك أوباما للاحتجاجات وتخليهما عن الرئيس المصري السابق حسني مبارك. وأسفت إسرائيل لرحيله، بعدما أيقنت أن مصر ما بعد ثورة 25 يناير لن تكون مثل ما قبل هذه الثورة. كذلك فإنها أسفت لرحيل الرئيس التونسي المخلوع، زين العابدين بن علي.

 

لكن التعامل الإسرائيلي مع الاحتجاجات الجارية حاليا في سورية يبدو مختلفا. وبالإمكان القول إن المشاعر في إسرائيل مختلطة حيال هذه الاحتجاجات. والسبب الأول لذلك هو عدم وجود اتفاق سلام بين إسرائيل وسورية. لكن إسرائيل تعتبر أن النظام الحاكم في سورية حافظ على الهدوء عند الحدود بين الدولتين، وأن هذا النظام العلماني يمنع صعود قوى إسلامية راديكالية إلى الحكم أو يمنع مشاركتها في الحكم. لكن من الجهة الأخرى، فإن إسرائيل تتخوف من استمرار دعم النظام السوري برئاسة بشار الأسد لحزب الله وحماس، واستمرار الحلف العسكري الإستراتيجي مع إيران.

وكان آخر تعبير عن موقف القيادة الأمنية الإسرائيلية تجاه ما يحدث في سورية قد ورد على لسان رئيس الموساد السابق، مئير داغان. فقد قال يوم الجمعة الماضي إن مصلحة إسرائيل هي عزل الرئيس السوري بشار الأسد عن الحكم، لأنه بذلك سيتم منع وصول المساعدات إلى حزب الله في لبنان وسيؤدي إلى إضعاف التأثير الإيراني وتتعزز قوة "المعسكر السني المعتدل" في سورية والعالم العربي، وهذه التحولات ستكون جيدة بالنسبة لإسرائيل على الصعيد الإستراتيجي. وقدر داغان بأن الأسد سيحارب حتى النهاية لأنه "لا يوجد لديه بديل، إما النصر أو الموت"!.

وتظهر التقديرات في إسرائيل حيال ما يحدث في سورية أنها ليست موحدة.

فقد أفاد المحلل العسكري في "يديعوت أحرونوت" أليكس فيشمان أن مسؤولين في الإدارة الأميركية تحدثوا مع نظرائهم في إسرائيل بأن جهات في القيادة السورية بدأت تتحدث عن احتمال استبدال الأسد وأن المرشح الأبرز لخلافته هو زوج شقيقته آصف شوكت الذي تولى منصب رئيس المخابرات السورية، بينما المرشح من عائلة الأسد هو شقيق الرئيس ماهر الأسد الذي يقود وحدتي القوات الخاصة المؤلفتين من جنود علويين يعتبرون القوة الأساسية لحماية النظام. ورأت هذه التحليلات أنه في حال لم يخرج الأسد منتصرا بصورة واضحة من المعركة الحالية "فإن القيادة العلوية سوف تستبدله، وستدخل سورية في مرحلة شبه مرحلية، مثلما هي الحال في مصر، أي حكم انتقالي ضعيف سيفعل كل شيء من أجل إرضاء الجماهير وتنفيذ إصلاحات أو انتخابات".

لكن فيشمان نقل عن مداولات أمنية داخلية جرت في إسرائيل مؤخرا تخوفها من إمكان سقوط نظام الأسد، وأشار إلى أن "المؤسسة الإسرائيلية تتعاطف مع عائلة الأسد التي التزمت طوال السنين بتعهداتها، وحتى أنها تحدثت عن سلام مع إسرائيل بشروطها". وأضاف أن "القيادة السياسية والأمنية في إسرائيل تقدّر بأن النظام السوري بصورته الحالية سيتغير خلال أسابيع أو شهور... فالعائلة والنخب المحيطة بالأسد أدركتا أن الرجل لا يستوعب أين يعيش وأن ’أعراض مبارك’ أصابت بشار الأسد، وأن الإيرانيين وحزب الله يمارسان ضغوطا عليه منذ أسابيع من أجل أن يستخدم يدا قوية". وتقدر التقويمات الإسرائيلية بأن ثمة خيارين آخرين أمام النظام السوري، وهما إقامة نظام طوارئ عسكري يحكم سورية بيد من حديد، أو انهيار النظام بشكل كامل وربما يؤدي ذلك إلى حالة فوضى.

من جانبه قال المدير العام الأسبق لوزارة الخارجية الإسرائيلية والسفير الإسرائيلي الأسبق في تركيا، الدكتور ألون ليئيل، لـ "المشهد الإسرائيلي" إنه "يصعب رؤية صورة الوضع في سورية بشكل كامل، لأن المعلومات الواردة من هناك جزئية. لكن أعمال قتل المحتجين هناك اتسعت وأعتقد أن أحدا ما في النظام السوري سيدفع ثمن ذلك، وربما يكون الذي سيدفع الثمن هو الرئيس السوري بشار الأسد. لكن الاحتجاجات والمظاهرات في سورية ليست واسعة وكبيرة بحجم الاحتجاجات والمظاهرات في مصر مثلا. وأعتقد أن الكراهية للأسد ليست جارفة ولا مطلقة. توجد في سورية مشاعر مختلطة. وعلى ما يبدو فإن أسباب ذلك هي أن ثمة فشلاً اقتصاديًا للنظام، وهناك بالطبع دكتاتورية وانتهاكات لحقوق الإنسان. ومن الجهة الأخرى حقق الأسد إنجازات جيدة جدا بالنسبة لسورية في الموضوعين الإقليمي والدولي، بمعنى أنه أخرج سورية من العزلة الدولية عليها. وهذا يعني أنه لم يسجل فشلا مطلقا، ولذلك أنا أرى أن الاحتجاجات لا تغرق الدولة كلها حتى الآن. لكن إلى جانب ذلك فإنه ارتكب حماقات كبيرة، تتمثل قبل أي شيء بإطلاق النار على المتظاهرين. فإطلاق النار على متظاهرين هو عمل بربري وفقا لكافة الآراء. ولذلك فإن خطورة وضع الأسد ازدادت، وبرأيي أن هذا تم بسبب نوع من الذعر الذي انتاب النظام، والآن أنا لا أعرف إلى أين ستتجه الأمور، لأنه في اللحظة التي يسقط فيها قتلى وجنازات فسيبدأ العالم أيضا بالتخلي عنه. وقد كان العالم يدعمه بشكل أو بآخر في البداية، لكن الآن يصعب معرفة كيف ستتطور الأمور. وأنا ما زلت أعتقد أن قوات الأمن لم تتفكك. وهذا يعني أنه إذا وصلت المؤسسة الأمنية إلى نقطة تتمكن فيها من إلصاق سقوط القتلى بالأسد والإطاحة به فإنها ستفعل ذلك. وهم باعتقادي سوف يطيحون به وينصبون شخصا آخر مكانه. غير أني لا أرى الحجم المصري الكبير [للثورة] من ناحية أن مصر تسير نحو انتخابات ستكون مختلفة تماما عما كانت عليه الانتخابات في الماضي. أي أنه ليس لدي أدنى شك في أن الشارع المصري سيؤثر على التطورات الآن، وستشارك جهات كثيرة في عملية صناعة القرار بعد الفترة المرحلية الحالية فيما الجيش يدير شؤون الدولة. لكن في سورية، وحتى في حال الإطاحة بالأسد، فإن التغيير برأيي لن يكون كبيرا وجوهريًا، وسيتم تعيين شخص مكان الأسد يكون مقبولا على المؤسسة الأمنية العلوية - السنية".

(*) "المشهد الإسرائيلي": ما رأيك في القول إن الأمور أخذت تتعقد في الشرق الأوسط بالنسبة لإسرائيل؟

ليئيل: "إن إسرائيل معزولة للغاية في الشرق الأوسط. ولا أعتقد أنها واجهت عزلة كهذه منذ قيامها تقريبا. فالحكم في مصر سيكون مختلفا وطبيعته ستكون مختلفة أيضا ولن تكون هناك صداقة حميمة بين إسرائيل ومصر مثلما كانت الحال في أثناء حكم (الرئيس المصري السابق حسني) مبارك. وأنا لا أعرف ما الذي سيحدث في الأردن. وبالنسبة لسورية فإن هذه دولة عدو ولا أعتقد أنه في حال الإطاحة بالأسد فإن من سيستبدله سيقول إنه يريد أن يصبح صديقا لإسرائيل. ولذلك فإن عزلة إسرائيل في الشرق الأوسط سوف تكون شاملة تقريبا. إلا أن إسرائيل ما زالت غير مرتبطة اقتصاديا ومن حيث مكانتها الدولية بالشرق الأوسط، لأن وضعها في المنطقة كان دائما ليس جيدا. لكن الآن أصبح وضعها في العالم ليس جيدا أيضا. وما سيحدث في أيلول [التصويت في الأمم المتحدة على اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية] قد يكون ضربة شديدة جدا لإسرائيل. وهذا ليس شيئا يضطلع فيه الشرق الأوسط وحده وربما أن جزءا من الشرق الأوسط قاد هذه العملية، لكن الضربة الكبرى التي ستتلقاها إسرائيل ستكون إذا ما أيدت أوروبا الإعلان عن قيام دولة فلسطينية. وهكذا فإننا نتحدث هنا عن وضع سياسي بالغ الصعوبة من ناحية إسرائيل ومن ناحية هذه الحكومة [برئاسة بنيامين نتنياهو]. فهذه الحكومة ترى بقرار الأمم المتحدة بشأن إقامة دولة فلسطينية على أنه كارثة. والآن يكاد يكون مستحيلا منع ذلك. ربما بإمكان خطة سياسية يطرحها الرئيس الأميركي باراك أوباما أن تمنع ذلك. لكن وضع إسرائيل في الحلبة الدولية سيء للغاية".

(*) الموقف الإسرائيلي من الاحتجاجات في العالم العربي كان متوجسا، لكن المتحدثين الإسرائيليين يتذرعون بأن التخوف هو أن تؤدي هذه الاحتجاجات والثورات إلى صعود الإسلاميين إلى الحكم. هل تعتقد أنه يوجد احتمال بأن يستولي الإخوان المسلمون على الحكم في سورية، مثلا؟

ليئيل: "توجد في سورية عدة تيارات معارضة للأسد. هناك منظمات حقوق الإنسان والأكراد والإخوان المسلمون، إضافة إلى وجود مشاكل بين النظام والقبائل في الجنوب [أي منطقة حوران ومدينة درعا]. وأنا لا أرى أحدا من جميع هؤلاء بإمكانه السيطرة على الحكم. وأرجح أن ما قد يحدث هو تغيير الأسد نفسه، وذلك بسبب الغضب عليه في أعقاب إطلاق النار على المظاهرات ومقتل متظاهرين. ولا أعتقد أن بإمكان المتظاهرين تغيير الأسد. لكن لا توجد لدى المؤسسة الأمنية في سورية مشكلة بتغييره، بل بإمكانها تغييره في أي لحظة. وإذا توصلت المؤسسة الأمنية إلى قناعة بأنه يسبب ضررا فإن بإمكانها أن تستبدله بأحد من داخل العائلة أو الطائفة، مثل زوج شقيقة الأسد، آصف شوكت، الذي يعتبر خصمه أيضا".

(*) بالمناسبة هناك من يذكر اسم ماهر الأسد شقيق الرئيس في هذا السياق.

ليئيل: "نعم، لكني لا أعتقد أنهم سيستبدلون الرئيس بشقيقه. وأنا أرى أن ماهر ينسق خطواته مع بشار. لكن الصهر شوكت معاد للأسد ووقف ضده. وأعتقد أن المؤسسة الأمنية ستغير الرئيس وبعد ذلك تقول إن الأسد قاتل وأنه أصدر الأوامر بإطلاق النار وقتل متظاهرين، وربما حتى ستحاكمه. وفي هذه الحالة سيتم الحفاظ على مكانة قوات الأمن والمؤسسة الأمنية. ويبدو لي أن هذا السيناريو منطقي أكثر من غيره، وخصوصا من سيناريو قيام المعارضة أو أحد مركباتها بالسيطرة على الحكم في سورية، فهذا لا يبدو منطقيا".

(*) بصفتك سفيرا سابقا في تركيا، ماذا يعني استضافة تركيا للإخوان المسلمين في أراضيها والسماح لهم بعقد مؤتمر صحافي ومهاجمة النظام السوري من خلاله؟

ليئيل: "علينا أن نتذكر قبل كل شيء أن تركيا وسورية هما حليفتان. والعلاقات بين [رئيس الوزراء التركي] رجب طيب أردوغان والأسد وثيقة جدا. والأتراك يريدون أن يبقى الأسد في الحكم. لكن على الرغم من ذلك فإن أردوغان لا يمكنه أن يسمح لنفسه أن يبقى الأسد في الحكم من دون تنفيذ إصلاحات شاملة. وهو لا يمكنه اليوم أن يكون صديقا لديكتاتور، يقوم بقتل مواطنيه، ولذلك فإنه على أردوغان أن يدفع باتجاه تحول ما. وفيما يتعلق بالإخوان المسلمين، فإن تركيا أيدت دائما الجهات الإسلامية في كل دولة، ولدى الفلسطينيين أيضا أيدت حماس أكثر من فتح. والحزب الحاكم في تركيا هو حزب إسلامي. وأعتقد أن الأتراك لا يتخوفون من سورية إسلامية، وما يريدونه هو الدمج بين القرآن والانترنت، أي أن تكون هناك ديمقراطية معينة. وأنا أعتقد أنهم يريدون تصدير النموذج التركي. لكن في سورية لا نرى ديمقراطية ولا نرى الدين. من جهة ثانية، فإن هناك علاقات اقتصادية وعسكرية متينة جدا بين تركيا وسورية. ولا شك في أن تركيا تريد أن ترى حدوث تغيرات جوهرية في سورية من دون تغيير الحكم. لكن إذا ما توصل الأتراك إلى استنتاج يقتضي وقف الحلف مع سورية فإن هذا سيكون دليلا على حدوث أمر دراماتيكي للغاية في الشرق الأوسط. وهذا سيلزم بإجراء تغيرات كبيرة جدا في جهوزية تركيا في المنطقة. وأنا أرى الأتراك يحاولون تغيير سورية من الداخل مع الأسد أو بدونه. وبشار الأسد قد يخضع للمحتجين وينفذ إصلاحات وهذا قد يبقيه في الحكم".

(*) هل المؤسسة الأمنية في سورية هي صاحبة القرار العليا في البلد؟

ليئيل: "نعم. وفي سورية أكثر من مصر. ففي مصر نشهد الآن فترة انتقالية والجيش لن يبقى في الحكم، والملايين التي نزلت إلى الشارع في مصر أطاحت بمبارك من أجل الحصول على حكم ليس عسكريا. لكن المؤسسة الأمنية في سورية أقوى من المؤسسة الأمنية في مصر الآن. كما أن مصر تتجه نحو النموذج التركي فيما يتعلق برسم حدود للجيش. لكني لا أرى أن هذا سيحدث في سورية. وفي حال تغيير الأسد وتعيين آخر مكانه فإن هذا سيكون أمرا تقنيا، والمؤسسة الأمنية ستستمر في إدارة شؤون الدولة".

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات