المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • على هامش المشهد
  • 1515

في حمأة "التمحّك" الإسرائيلي حول نتائج الحرب على لبنان لا تنفكّ تتراكم، واحدة تلو الأخرى، إشارات إلى أن الاستخبارات الإسرائيلية كانت "على علم تامّ" أو يكاد بالقدرات القتالية لمنظمة حزب الله اللبنانية، حتى من قبل أن تقع المواجهة العسكرية بينهما.

 وكان آخر هذه الإشارات ما صدر عن لجنة الخارجية والأمن في الكنيست من إجمال لأبحاث عقدتها، وستواصل عقدها، في محور تقصّي أسباب فشل الحرب المذكورة.

 ووفقًا لما نشرته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية (30 تشرين الأول 2006) فقد كانت الاستخبارات هي "الجهة الوحيدة التي حظيت بتقدير هذه اللجنة". وبكلمات أخرى فإنّ الإجمال الذي توصلت إليه هذه اللجنة يعفي الاستخبارات بمفردها من المسؤولية عن إخفاقات الحرب. أمّا سائر الجهات المعنية من المستويين السياسي والعسكري على حدّ سواء فقد فشلت، على حدّ تعبير الصحيفة الإسرائيلية، وذلك "بدءًا من النقص الخطير في الأجهزة والميزانية، وهو ما أدى إلى مستوى جهوزية منخفض للحرب، وانتهاء بالبلبلة الهستيرية في أوامر الحرب وأهدافها، مرورًا بطريقة إدارة الحرب والقصورات في القيادة".

 

وقيل في الصحيفة الإسرائيلية أيضًا، بصدد "الإحاطة المعرفية" السالفة، إنه "خلافًا لحرب أكتوبر في 1973 فإن حرب لبنان الثانية لم تشهد، برأي اللجنة، تقصيرًا استخباراتيًا. وقد كانت للجيش الإسرائيلي معلومات جيّدة حول منظومات حزب الله وحول الأسلحة التي في حوزته، بما في ذلك الصواريخ المضادة للدبابات والخنادق ومنظومة التحصينات وحتى مسارات تهريب السلاح".

 

وللمعلومية فقط فقد سبق للمعلق العسكري الواسع الإطلاع لصحيفة "هآرتس"، زئيف شيف، أن ألمح بشكل خفيّ إلى هذه المسألة عندما كتب بتاريخ 31 آب 2006 في إطار زاويته اليومية آنذاك حول "دروس الحرب"، وتحت العنوان الموحي "كل شيء مدوّن"، يقول إنّ هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي أجرت، في أحد أيام الأسبوع الذي ظهرت فيه زاويته، نقاشًا حول جهوزية الجيش الإسرائيلي للحرب بشكل عام. وفي اللقاء فوجئ المشتركون- وبينهم رئيس هيئة الأركان العامة، دان حالوتس ونائبه، موشيه كابلينسكي، وكبار جنرالات الهيئة- من اكتشاف أنه في شهر آذار المنصرم قدّم مراقب جهاز الأمن تقريرًا أقرّ فيه بصورة حادّة أن الجيش الإسرائيلي غير جاهز "للانتقال المفاجئ من حالة تهدئة إلى حالة طوارئ وقتال"، وذلك "حسبما كانت الحال عليه أيضًا في السنة التي سبقت الحالية". كما جاء في التقرير ذاته أن "الخطط العملانية للجيش الإسرائيلي غير محدثة". وطالب التقرير آنذاك بتقليص الفجوات على وجه السرعة. وقد دعي إلى اللقاء في هيئة الأركان العامة مراقب جهاز الأمن، العميد احتياط يوسف باينهورن. كما اتضح أيضًا أن طواقم مراقب جهاز الأمن واصلت العمل في الحقل حتى في أثناء الحرب الأخيرة أيضًا.

 

وبالنسبة لخطط الجيش الإسرائيلي قيل في التقرير المذكور، وفقًا لما يورده شيف، إنها غير محدثة "في كل المستويات وفي جميع ساحات الحرب". وقد تبع ذلك، في لهجة هي إلى الإنذار أقرب، مطلب يؤكد أن الوضع المذكور "يستوجب تحديد برنامج وإتباع جدول زمني واضح لسدّ الفجوات".

 

وخلص شيف إلى ما يلي: "تقرير المراقب هو تقرير مثير من ناحية خلاصاته ومن ناحية الشكل الذي تنبأ فيه بما سيحصل. ونوصي لجنتي الفحص، اللتين ستعالجان ما الذي حصل في الجيش الإسرائيلي وفي الميدان الأمني، بقراءته جيدًا".

 

بطبيعة الأمر قد تختلف الآراء لهنا وهناك حول هذه المسألة تحديدًا.

 

ففي أحد المقالات الأكثر جدة، التي اشتمل عليها العدد الأخير (تشرين الأول/ أكتوبر 2006) من نشرة "المستجدّ الإستراتيجي"، الصادر حديثًا عن "مركز يافه للدراسات الإستراتيجية" في جامعة تل أبيب (وهذه مناسبة أخرى للتنويه بأن هذا المركز الذي تأسس في أواخر 1977 بدأ العمل أخيرًا تحت اسم جديد هو "معهد دراسات الأمن القومي" في الجامعة نفسها)، وهو بعنوان "إخفاقات الاستخبارات التكتيكية في حرب لبنان"، يوضح الباحث يوعاز هندل أن تلك الحرب أبانت عن إخفاق الاستخبارات الإسرائيلية في ثلاثة مجالات رئيسة هي: مجال جمع المعلومات ومجال الأبحاث ومجال نقل المعلومات إلى "المستهلكين". ومع أنه يخلص إلى الاستنتاج الذي يدعم ما سبق أن قلناه بأنه "من جهة أفلحت إسرائيل بصورة مسبقة في فهم الصورة الإستراتيجية الواسعة والتي تمّ نقلها إلى أصحاب اتخاذ القرار"، إلا أنه يؤكد من جهة أخرى "تكشّف فجوات بين ما كان معروفًا وبين ما ظهر في الواقع. وتتحمل الاستخبارات التكتيكية على عاتقها وزر ذلك".

 

بيد أنه سواء كانت الاستخبارات الإسرائيلية "على علم تامّ" أو يكاد بقدرات المقاومة اللبنانية أم أنها أخفقت في استقراء هذه القدرات وإمكاناتها في حرب (ليس من المبالغة القول إنها شبه حتمية، من ناحية إسرائيل) تندلع بين الطرفين، وهو موضوع قابل للنقاش كما هو بائن، فإنّ الأمر يتطلب كذلك تناولاً من وجهة نظر تتعلق بالعامل الذاتي.

 

ففي التحصيل الأخير أثبت العامل الذاتي العربي هذه المرّة قدرته ليس فقط على الصمود والمقاومة، وإنما أيضًا على إلحاق فشل غنيّ الدلالة بالطرف الإسرائيلي.

 

وتتوالى تباعًا الاعترافات الإسرائيلية بهذا الفشل، خصوصًا من جانب أولي الأمر. وآخر دليل على ذلك هو ما ظهر يوم الاثنين 13 تشرين الثاني 2006 من تعليقات مختلفة في وسائل الإعلام الإسرائيلية على استقالة قائد اللواء 91، جال هيرش، التي عرضنا لها في مكان آخر. بل إن المعلق العسكري لصحيفة "معاريف"، عمير راببورت، اعتبر أنّ ما يمرّ على الجيش وعلى جهاز الأمن الإسرائيلي الآن هو "صدمة ما بعد الحرب". وانتقل من ذلك، ربمّا للمرّة الأولى، إلى التشكيك بالنتائج السياسية للحرب، بقوله: "صحيح أن الانجازات السياسية للحرب معقولة، لكن هذه الانجازات تمّ تحقيقها أساسًا بفضل مصالح الولايات المتحدة وفرنسا في المنطقة".

 

وإذا ما شئنا أن نتواضع في تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية بشأن ثنائية الانتصار والهزيمة يمكننا القول إن العامل الذاتي العربي أثبت هذه المرّة، وفي أقل تعديل، قدرته على أن يجعل آلة الحرب الإسرائيلية العاتية التي لا يجوز الاستهانة بها، أولاً ودائمًا، عاجزة عن تحقيق النصر الذي "تعوّدت" على بلوغه في تاريخ "حروب إسرائيل"، وهو عجز يحيل بل لا يمكن أن يحيل، في التفكير السياسي اللائق، إلا إلى هزيمة، إذا ما أخذنا في الاعتبار التقدير الإسرائيلي بشأن الـ"علم" المسبق بقدرات المقاومة.

 

وبالتالي فمن حقّ كل من أنقذته أو زادته هذه النتيجة مناعة من صيرورة استمراء انهزام الذات العربية أن يواجه الآن وعلى الدوام حملات التشكيك في جوهر ذلك الاستحصال غير المسبوق في التاريخ الحديث للنزاع مع إسرائيل.

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, لجنة الخارجية والأمن, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات