المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

عند محاولة "لملمة" وعرض "صورة" موقف اليمين من "الدولة الفلسطينية" لا بد من التمييز بين موقفي مستويين/ جناحين رئيسيين: الاول موقف المستوى السياسي البرغماتي في معسكر اليمين، والثاني موقف المستوى الايديولوجي التنظيري.
وعلى الرغم من ارتباط هذه الجانبين - المستويين- بعلاقة متبادلة وتشابك شديد، الا ان العرض الذي سنسوقه هنا، سينصب على موقف المستوى الثاني، في هذه "المعادلة" التي لا يمكن لعراها ان تنفصم، وذلك من موقع الادراك لبدهية ان هذا الجانب او المستوى (الايديولوجي) يظل في المحصلة العامل الرئيسي والديناميكي الذي يولد ويستقطر ويصوغ الخطوط العريضة، واحيانا التفصيلية، لموقف المستوى الاول، السياسي، واقطابه ورموزه الفاعلة في الساحة السياسة

"قيام الدولة الفلسطينية سيؤثر ليس فقط على الوجود المادي للدولة اليهودية وإنما أيضاً على وجودها الروحي"

تكتسب مسألة الوقوف على حقيقة موقف اليمين الاسرائيلي من "الدولة الفلسطينية" أهمية خاصة، ان لم نقل استثنائية قصوى، في ظل معطيات الواقع السياسي الراهن وما آلت اليه عملية التسوية السياسية، التي انطلقت من اوسلو في العام 1993، من تطورات ومتغيرات وتداعيات معروفة، لا حاجة لاستعراضها او التوقف عندها في هذا السياق، وصولا الى اللحظة او الحالة السياسية الراهنة التي بلغها الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي، بكل مكوناتها وتعقيداتها وابعادها الآنية والمستقبلية المحتملة.

غير ان اية محاولة لتشخيص واستعراض خلفيات وتفاصيل وحيثيات موقف اليمين الاسرائيلي (الصهيوني و"الصهيوني الجديد") من مسألة قيام الدولة الفلسطينية (الى جانب دولة اسرائيل تحديداً) ستصطدم قطعا بتعقيدات وتباينات وتشعبات جمة، تفرضها الصورة المركبة الناتجة كما هو معروف عن تشرذم وتعدد الوان الطيف السياسي والايديولوجي لمعسكر اليمين الاسرائيلي، وان كانت هناك قواسم مشتركة تتقاطع حولها بدرجات متفاوتة سائر التيارات والاجنحة المكونة لهذا المعسكر.

من هنا، وعند محاولة "لملمة" وعرض "صورة" موقف اليمين من "الدولة الفلسطينية" لا بد من التمييز بين موقفي مستويين/ جناحين رئيسيين: الاول موقف المستوى السياسي البرغماتي في معسكر اليمين، والثاني موقف المستوى الايديولوجي التنظيري.

وعلى الرغم من ارتباط هذه الجانبين - المستويين- بعلاقة متبادلة وتشابك شديد، الا ان العرض الذي سنسوقه هنا، سينصب على موقف المستوى الثاني، في هذه "المعادلة" التي لا يمكن لعراها ان تنفصم، وذلك من موقع الادراك لبدهية ان هذا الجانب او المستوى (الايديولوجي) يظل في المحصلة العامل الرئيسي والديناميكي الذي يولد ويستقطر ويصوغ الخطوط العريضة، واحيانا التفصيلية، لموقف المستوى الاول، السياسي، واقطابه ورموزه الفاعلة في الساحة السياسة.

وقفة سريعة

شهد موقف اليمين السياسي – البرغماتي، ولا سيما التيار المركزي المجسد لهذا الموقف والمتمثل بحزب الليكود الحاكم، من مسألة "الدولة الفلسطينية" عملية تغيير بطيئة تدرجت من الرفض المطلق و"اللا" الصريحة لفكرة قيام دولة فلسطينية في حدود العام 1967 مرورا بالموافقة على "حكم ذاتي محدود" يشمل السكان دون الاراضي ثم على "حكم ذاتي موسع" في الولاية الجغرافية والصلاحيات (في فترة ولاية مناحيم بيغن واسحق شامير لرئاسة الوزراء) ثم الاقرار ضمنا (بعد اتفاقيات اوسلو في فترة ولاية بنيامين نتنياهو) بـ "وجود الدولة الفلسطينية" واقعيا (ممثلة بكيان السلطة الوطنية الفلسطينية) انتقالا الى طرح نتنياهو بعد "واي ريفر" لفكرة "الدولة" المنقوصة والجزئية او بتعبير ادق "الدويلة"، وصولا الى ما طرحه زعيم الليكود ورئيس الوزراء الحالي اريئيل شارون (الذي كان فيما سبق يدعو لقيام الدولة الفلسطينية في الضفة الشرقية لنهر الاردن) من تصور لطبيعة الدولة الفلسطينية التي يمكن له ولمعسكره السياسي - الايديولوجي القبول بها، الى جانب اسرائيل، كما حدد اسس وشروط هذه الموافقة في خطابه امام "مؤتمر هرتسليا" في الرابع من كانون الاول 2002.

غير انه وفي مقابل هذه التغييرات البطيئة في موقف اليمين السياسي البرغماتي من مسألة "الدولة الفلسطينية" والتي لا ترتقي باي حال الى مستوى "التغيير الكمي والنوعي" الجوهري، كالتغيير الذي طرأ مثلا على موقف التيار الوسطي في الحركة الصهيونية ممثلا بحزب "العمل"، فقد ظل اليمين الصهيوني- الايديولوجي متمسكا بجوهر وحيثيات موقف الرفض المطلق لفكرة قيام دولة فلسطينية في حدود العام 1967، مهما كانت حدود ولايتها السياسية والجغرافية، ناهيكم عن تشبث هذا المستوى اليميني الايديولوجي ذاته بمسوغات ودواعي تنظيره لموقفه المعارض بشدة لقيام مثل هذه الدولة ولأي حل او تسوية للصراع تقوم على مبادئ وقرارات الشرعية الدولية "مقايضة الارض بالسلام" والانسحاب الاسرائيلي الكامل الى حدود الرابع من حزيران 67 وتفكيك وازالة المستوطنات وكافة مظاهر الاحتلال .

ولعل جزءا مهما من فهم الدوافع التي تقف وراء الرؤية التي طرحها شارون في خطاب مؤتمر هرتسليا 2002، والتي اعاد صياغتها في خطاب هرتسليا الثاني (كانون اول 2003) في قالب مستحدث ومفصل بعض الشيء اسماه "خطة الانفصال من جانب واحد" عن الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، وزاد في تفصيل ورسم وتكريس هذه الرؤية "على الارض" من خلال مخطط ومسارات جدار الفصل الذي تمضي حكومته قدما في بنائه المتوغل في اراضي الضفة الغربية، انما يكمن في فهم تلك المسوغات و"الهواجس" التي ساقها ويسوقها منظرو "اليمين الصهيوني – الايديولوجي" في ذات الصدد .

ولهذا الغرض سنعرض في هذا السياق "ورقة عمل" صاغها في وقت سابق، فريق من باحثي ومنظري اليمين الاسرائيلي لحساب مركز "ارئيل للدراسات السياسية" (مركز الابحاث الرئيسي الذي يديره ويموله "اليمين"، ومن الشخصيات البارزة في مجلس ادارته عوزي لانداو، موشيه شامير، مردخاي كيرنر، البروفيسور عزرا زوهر، وارييه ستيف..)

وتكمن اهمية "الورقة"، التي شارك في اعدادها موشيه شامير، البروفيسور عزرا زوهر، ارييه ستيف، د. مارتين شرمان، في ما تكشف عنه من اتجاهات وفرضيات تقبع في تفكير منظري واقطاب اليمين الاسرائيلي بشأن الابعاد السياسية والقانونية والاقتصادية التي ستنشأ عقب قيام دولة فلسطينية مستقلة، ولا سيما بالنسبة لحوالي 220 الف مستوطن يهودي يقطنون في حوالي 170 مستوطنة مزروعة في انحاء الضفة الغربية وقطاع غزة.

فرضيات تعلوها الهواجس

يرى الباحثون اليمينيون ان قيام الدولة الفلسطينية سيصاحبه تغيير جوهري على مكانة الدولة العبرية، وهو ما سيكون ذا تأثير حاسم على مصير المستوطنين في الضفة الغربية، وشدد هؤلاء على ضرورة ممارسة اسرائيل لضغوط مشددة على الفلسطينيين من اجل ارضاخهم لشروط ومتطلبات الرؤية الاسرائيلية للحل ولأية اتفاقيات موقعة او ستوقع مستقبلا، خاصة وان " قيمة التوقيع العربي لا تساوي شيئا ان لم يكن مسنودا بقوة انفاذ وفرض من جانب اسرائيل"، على حد تعبيرهم.

ودفعت هذه القناعة فريق الباحثين اليمينيين لان يتساءلوا "هل تملك اسرائيل وسائل فرض لتنفيذ الاتفاقات؟!" مستشهدين بتصريحات لرئيس الوزراء الاسرائيلي السابق، شمعون بيريس، ذهب فيها الى القول بأن "عدد الاتفاقات في الشرق الاوسط التي انتهكت على يد العرب لا يقل عن عدد الاتفاقات التي احترمت".

وشدد معدو الورقة من جانبهم على "خطورة الواقع الذي حملته اتفاقات التسوية السياسية" خلال السنوات الاخيرة على مصير الوجود الاستيطاني في الضفة الغربية وقطاع غزة. ويميل خبراء اليمين الى ان الامر لا بد وان يقود الى "تحويل المستوطنات الى جزر داخل سلطة عربية ذات سيادة" خاصة وانهم يرون ان اسرائيل رغم تحفظها على ما يسمونه "التفسير العربي لقرار الامم المتحدة 242" الا انها " قبلت بذلك عمليا حتى وان لم تقبل به نظريا".

ويرى فريق البحث ذو الميول اليمينية ان اسرائيل قد ابدت قدرا عاليا من "النكوص" والتراجع ازاء جيرانها العرب، ويتوقع الفريق ان تستمر "مسيرة التراجع" هذه في الضفة الغربية وقطاع غزة، بقوله "منذ ان بدأت المباحثات حول اتفاقات اوسلو واسرائيل في تراجع وانسحاب مستمرين، وما عرض بالأمس القريب على انه خط احمر اخترق في اليوم التالي، وما بدا امس ككارثة وطنية يعرض بعد وقت قصير من التهيئة وتمهيد العقول كما لو كان من مسلمات الاجماع القومي"، حسب تعبيرهم.

عقدة الامن تثير المخاوف

وضربت "ورقة العمل" أمثلة على طبيعة الهواجس التي تلوح امام عيون اليمين، "فمنطقة غور الاردن التي تعد خط دفاع من الشرق ( عن الدولة العبرية) من المفترض ان تبقى تحت اي ظرف في يد اسرائيل كما ان من المفترض ان تبقى القدس ( المحتلة ) غير مقسمة، لكن تقسيمها الفعلي يتم في كل يوم وخلال فترة قصيرة سيحصل تقسيمها على شرعية رسمية".

ويضيف خبراء اليمين "ان من المفترض ان تبقى اراضي الضفة الغربية درعا استراتيجيا يحمي شريط الساحل الاسرائيلي، وان تبقى بناء على ذلك تحت سيطرة الجيش الاسرائيلي في كل الظروف والاحوال".

ويتجاهل منظرو اليمين في ورقتهم هذه حقيقة تمسك اسرائيل (خطة شارون) بالسيطرة على المرتفعات الجبلية والمناطق الاستراتيجية فضلا عن تمسكها بمناطق الاغوار، كما تغفل الدراسة الاهمية الاستراتيجية البالغة التي تنطوي عليها المستوطنات التي تشرف على المدن والقرى الفلسطينية، خاصة من خلال احتلالها لقسم كبير من المرتفعات الفلسطينية وتمتعها بطرق التفافية خاصة بالمستوطنين والجيش الاسرائيلي (ناهيكم عن الوقائع الجديدة التي يخلقها بناء جدار الفصل الذي يمزق اوصال الضفة الغربية ويلتهم مساحات شاسعة من اراضيها).

توقعات وتحذيرات

وتحذر ورقة العمل من "التغيير الجوهري والاساسي الذي سيطرأ على مكان السلطة الفلسطينية بعد قيام الدولة الفلسطينية، اذ ستتحول هذه من مكانة غير واضحة المعالم، الى مكانة معرفة ومحددة تماما في القانون الدولي بوصفها كيانا سياديا". وتضيف "ولأن العالم سيعترف بالدولة الفلسطينية، فستكون اسرائيل متهمة بانتهاك القانون الدولي، وخرق معاهدة جنيف الرابعة بشكل خاص، ذلك لأن جيشها ومواطنيها المسلحين سيتواجدون في اراضي دولة ذات سيادة، وهو وضع لا يستوعبه العقل" كما جاء في الورقة.

والى جانب مساعيها لإثارة المخاوف في الاوساط الاسرائيلية من اقامة الدولة الفلسطينية فان الورقة تقر بان "مفهوم السيادة منوط بتحقق السيطرة المادية على الارض، واما اسرائيل، التي سيكون جيشها محتفظا باجزاء وجيوب واسعة في اراضي الدولة الفلسطينية المفترضة، فبوسعها الادعاء انه بفضل هذه الحقيقة الواقعة، يعتبر مفهوم السيادة الفلسطينية على الضفة والقطاع غير كامل". لكن فريق البحث يخلص الى ان هذا الادعاء الشكلي يخلو من اية قيمة، ذلك لأنه لن تتوفر لاسرائيل قدرة على فرضه فضلا عن انها ستجازف بتحمل عقوبات يفرضها عليها المجتمع الدولي. ويشير خبراء اليمين الى ان اسرائيل قد تمسكت طيلة الوقت الذي خضعت فيه مكانة الضفة والقطاع للشكوك والتأويلات بشأن موضعها في اطار التسوية بادعاء غياب السيادة، ولم تكن مطالبة بشكل قاطع باجلاء وازالة جيشها وسكانها من هذه المناطق لأن طلبا كهذا كان يمكن ان يأتي فقط من كيان ذي سيادة، وهو ما ستكون عليه الدولة الفلسطينية المرتقبة، كما يرى فريق خبراء اليمين، خاصة وان "هذا المطلب سيكون مكرسا في القانون الدولي وسيحظى بتأييد جارف من الاسرة الدولية اضافة الى ذلك فان الدولة الفلسطينية ستتمتع، بصفتها عضوًا في جامعة الدول العربية، بدعم تلقائي من 21 دولة عربية وفي طليعتها مصر". ويضيف هؤلاء محذرين من احتمال ان تسارع اسرائيل عندئذ الى سحب جيشها من اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، ولكن في الوقت الذي يبدو فيه الانسحاب السريع للجيش الاسرائيلي، حسب سابقة نابلس (1995) ولبنان (2000)، امرا قابلا للتنفيذ بانذار قصير ، فان هذا الوضع غير ممكن بالنسبة لعشرات الالاف من المستوطنين، حسب قول معدي الورقة، الذين زادوا في قولهم ان انسحاب الجيش الاسرائيلي سيترك المستوطنات تحت رحمة الفلسطينيين.

ومن بين "جملة السيناريوهات التي تشمل اعمال قتل وذبح وتخريب مستوطنات معزولة" اختار خبراء اليمين في ورقتهم الاشارة الى احتمالين اقل خطورة وذلك باعتبار انهما سيتمتعان بغطاء القانون الدولي. الاحتمال الاول يتمثل بنزع سلاح المستوطنات "فليس من المتصور على الاطلاق ان يتواجد مواطنون مسلحون من دولة اجنبية في منطقة تخضع لكيان سيادي آخر، ومن هنا سيكون جمع الأسلحة، سواء من مخازنها في المستوطنات او من المستوطنين كافراد، بمنزلة عمل قانوني لا غبار عليه" وهذا ما سيتم على حد اعتقاد معدي الورقة. اما الاحتمال الثاني، فيتمثل في "قطع الخدمات الاساسية عن المستوطنات بغية اجبار المستوطنين على الرحيل، خاصة وان المكانة غير القانونية للمستوطنات، ووصف سكانها بمجرمي الحرب، سيبرران دوليا مثل هذه الخطوة".

من جهة اخرى تؤكد ورقة العمل عدم وجود اي جهة خارجية (حتى الان) مستعدة لتمويل النفقات الباهظة للغاية لاخلاء المستوطنات وتعويض سكانها، اذ ان المبالغ اللازمة لتعويضهم، حسب خبراء اليمين، تزيد بكثير عن الناتج القومي السنوي الاسرائيلي.

ويخلص فريق البحث الى القناعة بان تخلي اسرائيل عن المستوطنين في الضفة والقطاع سيكون في نهاية المطاف " ضرورة سياسية مفروضة ستقف اسرائيل عاجزة امامها".

محاولة لتبديد الاوهام

وسعى الفريق الى تبديد ما يصفونه بـ "الاوهام الرائجة" في صفوف جمهور المستوطنين وانصار معسكر اليمين ، والتي تتحدث عن وقوف "المعسكر القومي" في الكنيست ككتلة واحدة من مسألة المخاطر الكامنة في قيام الدولة الفلسطينية وما تنطوي عليه من ابعاد " كارثية" على مصير اكثر من 200 الف مستوطن يهودي.

واشار اعضاء الفريق في هذا السياق الى سيرة حزب الليكود الذي يقود "المعسكر القومي" منوهين الى ان حكومة مناحيم بيغن الليكودية هي التي "احدثت السابقة التاريخية في تاريخ الحركة الصهيونية بتدمير واقتلاع استيطان يهودي"، وكان اريئيل شارون زعيم الليكود ورئيس الوزراء الحالي تحديدا هو الذي " اقتلع بيده مستوطنات سيناء" ، ومضى معدو الورقة الى القول : ان الليكود اضحى اليوم عاجزا ومنقسما على ذاته، و"اي محاولة ( من جانب المستوطنين) للاتكاء على هذه العصا المهشمة ( الليكود) ليست سوى ضربا من التمنيات "، على حد تعبيرهم.

مفكر يميني: قيام الدولة الفلسطينية يعني ...

نهاية إسرائيل ... روحياً ومادياً

قبل سنتين بالتمام، نشرت دورية "نتيف"، وهي مجلة فكرية – سياسية، يمول صدورها اليمين الصهيوني الجديد، مقالة مطولة للكاتب والمُنظِّر اليميني نطاع دور- شاف، تعكس وجهة نظر هذا اليمين من مسألة قيام الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى جوار الدولة العبرية... ولأهمية المقالة في فهم تفكير اليمين الإسرائيلي في ما يخص هذه المسألة بشكل خاص، وطبيعة التسوية المستقبلية للصراع كما يتصورها وينظر لها هذا اليمين، بشكل عام، نورد هنا تلخيصاً لأهم ما تضمنته هذه المقالة من طروحات ومداخلات:

استهل الكاتب مقالته بالقول: إقامة الدولةالفلسطينية في "أرض إسرائيل" لا تضع كل مثلنا والتزاماتنا موضع شك وتساؤل وحسب، بل وتتنكر لها وتقلبها رأساً على عقب... وفي مقدمتها الهوية اليهودية والصهيونية.

وأضاف: كثيرون بيننا يحذرون من المخاطر الإستراتيجية، العسكرية والديمغرافية والإقتصادية، التي تنطوي عليها دولة كهذه، لكنه يكاد لا يكون هناك أحد يعطي رأيه حول الأضرار النفسية الخطيرة والنتائج العقلية والشعورية، التي ستلحق بالشعب اليهودي وبإسرائيل والشتات (اليهودي)، إذا ما قامت دولة كهذه ووجدت بالفعل.

وتابع مفصلاً: العوامل الأولى تتمثل في الآثار المباشرة للتغيرات المادية على الأرض. فالشعب اليهودي سيتحول من شعب يعيش في بلد صغير، لكنه لا يزال يسمح لنفسه بالإحساس بحرية الحركة، إلى شعب يقبع داخل بلد مقفلة بحدود محصورة وغير محتملة، وسيشعر الجمهور اليهودي أكثر من أي وقت مضى بأنه محاصر ومحاط بالأسوار، وأنه مرغم على البحث عن حيز ومجال يتنفس فيه في أماكن أخرى كملاذ من الإحساس بشبح الخوف الذي يطارده ... هذا الشعور عندما يكون مصحوباً بإحساس ضاغط، وإكتظاظ زائد، من شأنه أن يعزز تلقائياً أحد عوامل التوتر الرئيسية، التي تؤثر سلباً على الجمهور الإسرائيلي. وعلاوة على ذلك لن نكون فقط شعباً محاصراً ومحاطاً من جديد بطوق أعداء يشتد خناقاً، بل كذلك سنكون شعباً تسلل العدو إلى داخل صفوفه، وأصبح يقيم بين ظهرانيه.

وأردف الكاتب: على الرغم من إدعاء اليسار أنهم، أي الفلسطينيين، سيكونون "هناك"، في دولتهم، و"نحن" هنا، في دولتنا، فإن وجود مجتمع معادٍ إلى جانب إسرائيل وعيشه بجوارها، في ظل غياب حدود طبيعية، ومن دون أن تكون لإسرائيل القدرة على الدخول إلى مناطقه، سيفضي إلى تجريد الإسرائيليين من الشعور القائل "أنا أستوطن وأقيم داخل شعبي". ويستطرد الكاتب اليميني في إشاعة فزاعة "فوبيا" العرب بقوله: سوف نضطر حينئذٍ لأن نواجه، سواء جيراننا العرب من حيث ضغوطهم ومطالبهم، أو مطالب "مواطنينا" العرب (داخل الخط الأخضر) الذين سيستغلون ضعفنا ... سوف يشعر هؤلاء أنهم مدعومون، وسيرون أنفسهم كجزء من الدولة العربية (الفلسطينية) الجديدة، أكثر مما هم جزء من إسرائيل، حسبما بدا ذلك في تصريحات أعضاء الكنيست العرب.

ويستخلص الكاتب من ذلك: إذن، سيصبح العدو بيننا وفي داخلنا طيلة الوقت، مولداً تهديداً دائماً لا فكاك منه.

وينتقل الكاتب إلى مناقشة الطروحات الإسرائيلية المختلفة في شأن مسألة الدولة الفلسطينية، حيث كتب يقول: قسم من المؤيدين لعملية السلام يرون أفضلية، حسبما يزعمون، في قيام دولة فلسطينية، حتى في حال إندلاع حرب خلافاً لتوقعاتهم ... إذ سيكون لهم حينئذٍ الحق الكامل في دعوة جنودنا للقتال والتضحية بأنفسهم. ويرى آخرون في إقامة الدولة الفلسطينية أفضلية إقتصادية بالنسبة لإسرائيل، وذلك نتيجة لتقليص النفقات العسكرية وتنامي السياحة الوافدة والتجارة وزيادة الإعتراف الدولي بإسرائيل وتعزيزه، لكن من المحتمل أن يحصل العكس ... إذ يمكن توقع نتائج إقتصادية مختلفة ومغايرة في جوهرها ... إن محاولة تقدير النتائج النفسية، التي يمكن أن تنجم عن قيام دولة فلسطينية تستوجب فهم وإدراك هذه النتائج من وجهة نظر أعمق، تكمن في الوعي الباطني أو اللاوعي...

أبعاد نفسية...

وركز الكاتب على الأبعاد والإنعكاسات السيكولوجية التي يمكن أن تنجم عن قيام الدولة الفلسطينية قائلاً: "واضح أن التنازل عن "أجزاء من الوطن" يشكل تعبيراً عن الحاجة الداخلية لمعاقبة الذات... هذه الدينامية على ما تنطوي عليه من نتائج صعبة يمكن فهمها بشكل أساسي كوظيفة لعقدة الخوف والشعور بالذنب... مثل هذا العمل ستكون له نتائج أكيدة... أولاً ستنشأ درجة ما من الإرتياح بعد العقاب، حينما يهدأ الشعور بالذنب الكامن في اللاوعي... لكن هذا الإرتياح سيكون قصير الأجل، وسرعان ما يستبدل ليحل مكانه الشعور بالإحباط، الذي سيفضي بدوره إلى لامبالاة وسلبية، وإلى شعور بالغضب سيبحث عن تنفيس له...

وسيتضح أن التنازل عن أرض إسرائيل، وتدمير الحلم الصهيوني، يمثل في نهاية الأمر تعبيراً عن الإرهاصات والأحقاد الكامنة في اللاوعي...

إن بإمكاننا أن نصر على مواقفنا ونتمسك بها، وأن نحارب أعداءنا، وأن نضج في وجه الذين يسمون أنفسهم "أصدقاءنا "... لكننا نتهرب من مواجهة التحدي، الذي يقف جيلنا أمامه... وهكذا سنتحول في أحسن حال لنصبح دولة تابعة للولايات المتحدة وتدور في فلكها".

ويمضي الكاتب ليحلل من وجهة نظره اليمينية ما يعنيه قيام الدولة الفلسطينية بالنسبة لأقسام المجتمع الإسرائيلي و"الشعب اليهودي" برمته، حيث فَصَّل قائلاً:

- الجمهور الديني: تطرح إقامة الدولة الفلسطينية بالنسبة للجمهور الديني الحريدي مأزقاً مستحيلاً... فالوعد الإلهي بأن هذه البلاد لنا إلى الأبد لا يمكن أن يستوي بأي حال من الأحوال مع إقامة كيان غريب في هذا البلد، وليس بالقطع بموافقة الشعب اليهودي... إن قيام كيان كهذا (بمعنى الدولة الفلسطينية) سيتسبب بالضرورة في إحساس بالقلق والخوف العميقين وسط إثارة الشكوك حول منظومة كاملة من القناعات والمعتقدات... ومثل هذه النتائج يمكن أن تعبر عن نفسها بعدة أشكال وطرق مثل: دحض القناعة الأصلية وإنكار التوراة والوعد الإلهي... فبالنسبة لليهودي المتدين يشكل قيام الدولة الفلسطينية "التنازل النهائي".

- الجمهور العلماني: من ناحية الصهيونية ستكون إقامة دولة أجنبية غريبة في "أرض إسرائيل" شهادة على فشل النظرية وكل ما يتبعها... فكل ما حلم به الآباء الصهاينة، وكل ما حاربت من أجله خمسة أجيال من الطلائعيين سيسلم على يد انهزاميين خافوا وارتدوا عن مواصلة النضال... ولا بد من إعادة التأكيد على أنه ليس "اليمين" وحده فقط سيعاني من نتائج قيام دولة منظمة التحرير الفلسطينية، فاليسار أيضاً لن يفلت أو يهرب من هذه النتائج، التي ستتمثل بمشاعر الضياع... مشاعر الهزيمة والعقاب، وستضاف إلى كل ذلك آلام الصحوة من الأوهام والآمال التي علقها "اليسار" على العدو الذي يرفض الإعتراف بكل ما فعله هذا اليسار (الإسرائيلي) من أجله، ويواصل الضغط من أجل تحقيق مكاسب إضافية، وتحقيق بنود الميثاق الوطني الفلسطيني.

- يهود الشتات: إن إقامة دولة منظمة التحرير سيغير كلياً عالم يهود الشتات، فعلى مدى خمسين عاماً كانوا شهوداً على نمو وتطور الدولة اليهودية، التي منحتهم حتى في ظل عدم نيتهم الهجرة إليها، والإستقرار فيها، الشرعية النابعة من انعدام الخيار... فإذا أصبحت تعيش على أمل تحقيق تعايش في ظل سلام وازدهار فإن ذلك ليس إلا تعبيراً عن أمنيات وأوهام لا أساس لها، وأصحاب هذا الرأي يتغاضون بشكل تام عن التزام العرب باستئصال "السرطان الصهيوني" كما يعبر ذلك عن نفسه صراحة وعلناً في الميثاق الفلسطيني.

ويستطرد الكاتب: من المرجح أن نشاهد إثباتاً على ما يوصف في علم النفس "عدوانية مشروعة" وأطماع متزايدة. والعرب حسب البحوث هم ذوو "شخصية انقيادية ترضخ للسلطة" على غرار شخصية الألمان... فعالمهم مؤلف من حاكمين ومحكومين، من قامعين ومقموعين، من فوقيين ودونيين... وبروز هذه المظاهر من جانب العرب سيقابله على الأرجح شك في وجود شاطىء الأمان هذا (الدولة العبرية)، فإن يهود الشتات سيصبحون ثانية بلا مرسى، مجردين من الأمان في بلدان شتاتهم... ويمكن توقع نشوء استعداد أكبر للذوبان والإندماج والتنكر لأصولهم وهويتهم اليهودية... هذا التطور الخطير قد يفضي إلى نضوب الشتات اليهودي، وإلى زوال "شبكة الإسناد" واختفائها، والتي مثلها الشعب اليهودي في الشتات.

- العرب في إسرائيل: من المتوقع أن يطرأ تفاقم وتصعيد في شبكة العلاقات مع العالم العربي بوجه عام، ومع المواطنين العرب في إسرائيل على وجه الخصوص... إن الدعاية التي تزعم أن شهية العرب ستلبى عن طريق إقامة الدولة الفلسطينية، وأنهم سيجدون رد فعل يهوديًا يتمثل في ازدياد التملق والإذعان والخنوع، إنما هي دعاية كاذبة لا أساس لها.

ويختم الكاتب اليميني مقاله مستخلصاً:

"... إن فقدان أرضنا الموعودة، ودحض النبوءة، وفقدان الهوية والإنتماء اليهوديين، سيفضي إلى مشاعر مماثلة من الذنب والرفض والخزي. إن إقامة الدولة الفلسطينية في "أرض إسرائيل" في ظل موافقة وتأييد جزء من اليهود، ووسط التنكر للدين اليهودي والعقيدة الصهيونية، يعني فقدان الروح اليهودية... إن قيام الدولة الفلسطينية سيؤثر ليس فقط على الوجود المادي للدولة اليهودية، وإنما أيضاً على وجودها الروحي.

ومن زاوية معينة فإن الأمر يعني فقدان الحاضر والأمل في المستقبل. وسيكون الخيار أمام إسرائيل في أن تكون أو أن لا تكون... وحسب قول قدماء اليهود: إذا كان عليك أن تختار بين حياتك وحياة صديق، فحياتك أفضل... وخيارنا يجب أن يكون: الحياة".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات