المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

في ظل النقاش المحتدم حول هوية الدولة في الدستور المقترح لإسرائيل، بعثت جمعية حقوق المواطن في إسرائيل برسالة إلى عضو الكنيست، البروفيسور مناحيم بن ساسون، رئيس لجنة الدستور والقانون والقضاء في الكنيست، عادت وأكدت فيها أن موقف الجمعية، بصفتها أكبر وأقدم منظمة لحقوق الإنسان في إسرائيل، معارض لتعريف الدولة "كدولة يهودية" وطالبت اللجنة بالامتناع عن أي تعريف للدولة يتناقض مع أحد أسس الديمقراطية ألا وهو الحق في المساواة.

ومما جاء في الرسالة، التي وصلت نسخة عنها إلى "المشهد الإسرائيلي":

الدستور هو وثيقة أعلى مستوى من التشريع العادي الذي تستطيع غالبية عادية تغييره، وهو الوثيقة المركزية التي تضمن مجمل الحقوق في الدولة، والتي تحدد الإطار للحياة المشتركة لجميع المواطنين. وعليه يجب التعامل بمسؤولية كبيرة وتوخي الحذر لدى انتقاء كل كلمة في هذه الوثيقة. إلى جانب الأهمية العملية للدستور، فهو وثيقة ذات فاعلية خطابية وتربوية قادرة أن تؤثر على الأجواء العامة في الدولة، ومن هنا يأتي الاهتمام الكبير في نص الدستور.

بناءً على ما تقدم تؤكد جمعية حقوق المواطن أنه يتوجب الامتناع وبشكل قطعي وتام عن أي تعريف في الدستور يمكن أن يتناقض مع إحدى ركائز الديمقراطية وهي الحق في المساواة بين جميع المواطنين، دون فرق في القومية أو الدين أو الأصل العرقي.

الجمعية تدرك أهمية حق الشعوب في تقرير مصيرها، هذا الحق المعترف به في المعاهدات الدولية والقانون الدولي. في الوضع القائم في منطقتنا وفي ظل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، فإن الجمعية، كمنظمة حقوق إنسان لا تتماهى مع هذه الحركة القومية أو تلك، لا ترى مكانا للتعبير عن موقف من التسوية السياسية والدستورية المناسبة، ضمن التسويات المتباينة والممكنة، يمكن أن يؤدي إلى ممارسة هذا الحق للشعبين.

وبالرغم عن موقف الجمعية المساند، على الصعيد المبدئي، لأهمية تبني دستور لحماية حقوق الإنسان ترى جمعية حقوق المواطن إشكالية كبيرة بتبني دستور ديمقراطي لإسرائيل في هذه الحقبة التاريخية، لأن دولة إسرائيل لا تزال تفرض حكم احتلال عسكري على الملايين من الفلسطينيين في الأراضي المحتلة بعد أن سُلبت حقوقهم في التمتع بحقوق مدنية أساسية.

وبالرغم عن تحفظ جمعية حقوق المواطن من قضية تبني دستور لإسرائيل في هذه الظروف قررت الجمعية بأن تتخذ موقفا من قضية تعريف الدولة كدولة "يهودية وديمقراطية" لأن النقاش حول الدستور وحول تعريف الدولة أصبح متداولا في الكنيست وفي أطر أخرى، وذلك من أجل التأثير على هذه النقاشات.

فيما يلي موقف الجمعية:

1. الاقتراح بتعريف الدولة "كدولة يهودية" من خلال بند ملزم في الدستور هو إشكالي بالمستوى المبدئي والعملي:

أ‌. مجرد تعريف الدولة في الدستور كدولة يهودية يخلق مبنى هرميا بين المواطنين اليهود- "أصحاب" الدولة - وبين المواطنين من غير اليهود- الذين لا "تتبع" لهم الدولة- لذا يقصي هذا التعريف المواطنين غير اليهود ويميّز ضدهم حتى لو كان هذا التمييز بالمستوى التصريحي.

ب‌. المصطلح "دولة يهودية" (كما هي الحال بالنسبة لصياغات مماثلة لهذا المصطلح: "دولة اليهود"، "دولة الشعب اليهودي" والخ) هو مصطلح مبهم وله مدلولات مختلفة. وإدراجه كبند ملزم في الدستور يفسح المجال وبصورة خطيرة لتبرير سياسات التمييز وسياسات عنصرية تجاه كل من هو ليس يهودي وهو يثير المخاوف بأن يتم إخضاع مجمل حقوق الإنسان لتعريف الدولة كدولة يهودية، من خلال الاستناد على هذا التعريف لتبرير الحماية غير المتساوية لحقوق المواطنين. فالتمييز التاريخي الذي تعانيه الأقلية الفلسطينية على أرض الواقع يشدد المخاوف بأن يتم استخدام هذا التعريف للدولة للمس بمن يُنظر إليهم كتهديد ليهودية الدولة - أي المواطنون العرب.

2. ترى الجمعية أن من الأنسب أن يتطرق الدستور إلى أن دولة إسرائيل أقيمت لتحقيق رغبة الشعب اليهودي في تقرير المصير وأن هذا الحق قد تم تحقيقه فعلا بدولة إسرائيل. لكن بالمقابل يجب الاعتراف بالحق الكياني لمواطني الدولة أبناء الشعب الفلسطيني وبحقهم في المساواة التامة والدفاع عن وجودهم وحقوقهم كأقلية وطن (أصلانية - Indigenous). وترى الجمعية بأن العلاقة بين الدولة والقومية يجب أن تأتي في ديباجة الدستور وليس كبند ملزم فيها - كما هي الحال في دساتير الدول الديمقراطية.

"الشاباك ليس فوق القانون"!

على صعيد آخر وجهت جمعية حقوق المواطن في إسرائيل رسالة إلى مستشار الحكومة القضائي، ميني مزوز، تشجب فيها رد الشاباك الداعي إلى إحباط كل موقف أو نشاط "يهدّد يهودية الدولة" حتى لو كان هذا النشاط بـ "وسائل قانونية". وقد جاء رد الشاباك الذي وُجِّه لصحيفة "فصل المقال" بعد أن قام رئيس تحريرها بطلب تعقيب مكتب رئيس الحكومة على ما ورد في صحيفة "معاريف"، ومفاده أنّ رئيس الشاباك عرّف الفلسطينيين في إسرائيل أمام رئيس الحكومة بأنهم "تهديد إستراتيجي" خلال حوارهما حول الوثائق والملفات التي أصدرتها هيئات فلسطينية في الداخل.

وأتى تعقيب جمعية حقوق المواطن في مضمون رسالة وجهها المستشار القضائي في الجمعية، المحامي دان ياكير والمحامية سونيا بولص إلى المستشار القضائي للحكومة، ميني مزوز، تعقيبًا على موقف الشاباك من أي نشاط يمس يهودية الدولة.

وكان الشاباك قد قال أيضًا إنه ينوي إفشال العناصر التي "تهدف" إلى المسّ بجوهر دولة إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية. أما المحادثة بين رئيس الشاباك ورئيس الحكومة فقد تمحورت حول 4 قضايا أو ملفات راهنة تنادي بتغيير جذري في الحكومة، والتي صيغت من قبل هيئات تمثل الأقلية الفلسطينية في الداخل، وهي: ملف العشر نقاط - "مساواة"، "التصور المستقبلي"- لجنة المتابعة العليا، "الدستور الديمقراطي"- عدالة، و"وثيقة حيفا" التي لم تنشر بعد.

وقد شدّد المحاميان دان ياكير وسونيا بولص من جمعية حقوق المواطن في رسالتهما على أنّ رد الشاباك يعكس عدم فهم أساسيا لماهية ومعنى الديمقراطية، بمجرد أنه منح نفسه شرعية الوقوف أمام هذه الملفات، والتي لم تُمنع بشكل مفصّل في أي قانون. ثم إن الشاباك، وفي رده، يعتبر أي فعل أو نية معينة تهدف إلى تغيير جذري في الدولة بأنه خرق للقانون، مع أنه لا يخترق قواعد اللعبة الديمقراطية ولا يشكل مسا بأي قانون جنائي. بالإضافة إلى ذلك، إذا أرادت جهة معينة أن تحد من حرية المواطنين السياسية، فالجهة المخولة بتحديد هذه الحرية هي السلطة التشريعية وليس الشاباك. فوظيفة الشاباك هي الحفاظ على أمن الدولة. أما الحفاظ على يهودية الدولة فهو ليس من وظائف الشاباك.

وتابع المحاميان: إن حق المواطنين الفلسطينيين بأن يعبروا عن هويتهم وذاكرتهم الجماعية هو بالأساس تعبير واضح عن وجود الديمقراطية. وإذا اعتقد الفلسطينيون في إسرائيل أنّ تعريف دولة إسرائيل كدولة للشعب اليهودي فقط أو دولة يهودية قد يمسّ بحقهم في أن يكونوا مواطنين متساوين في الدولة، فمن حقهم أن يتخذوا موقفًا ويعبروا عنه بكل وسيلة لم تمنع بشكل واضح في أي قانون. لقد أخذ الشاباك باستعمال مصطلح "نشاط تغييري" ليصف هذه المواقف، ولكنه غير مخول باستعمال هذا المصطلح التمويهي من أجل صد أعمال سياسية مشروعة، والتي تحقق بدورها مبادئ حقوق الإنسان الأساسية مثل حرية التعبير عن الرأي والحق في ممارسة الحياة السياسية على أساس المساواة وغيرها من الحقوق. أضف إلى ذلك، أن التعامل مع المواطنين الفلسطينيين كـ "تهديد إستراتيجي" يشكل خطرًا على قواعد الديمقراطية، لأنه يلغي شرعية وجود الفلسطينيين في الداخل، ويمس أيضًا باحترامهم وحقهم في أن يكونوا متساوين.

وطلبت الجمعية في نهاية رسالتها من المستشار مزوز أن يصدر أوامر للشاباك بأن يتوقف عن الأعمال التي تهدف إلى ضرب نشاطات سياسية شرعية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات