اعتبر الإسرائيليون الفضيحة الجديدة المنسوبة إلى رئيس مصلحة الضرائب، جاكي ماتسا، وسلفه ونحو 20 من رجال الأعمال البارزين (منهم ناشطون في أحزاب ليكود وكديما وإسرائيل بيتنا) وتورط مديرة مكتب رئيس الحكومة، شولا زاكن، في واحدة من أكبر قضايا الفساد التي تم الكشف عنها، "هزة أرضية" ودليلاً على سيطرة أصحاب رؤوس الأموال، "بأسلوب المافيا" على السلطة في إسرائيل. في الوقت نفسه ما زالت شعبية أولمرت تتراجع في استطلاعات الرأي.
وتساءل معلقون بارزون عما بقي من إسرائيل «التي ينخرها الفساد والعفن» من دون أن يستبعد آخرون ان تطال الفضيحة المجلجلة رئيس الحكومة ايهود اولمرت الذي عين، حين كان وزيرا للمالية، رئيس مصلحة الضرائب الحالي، فيما قامت مديرة مكتبه، التي تعتبر أكثر المقربين منه وترافقه منذ 32 عاما، باستغلال موقعها للتدخل في تعيين موظفين كبار في مصلحة الضرائب قريبين من حيتان المال، بينهم شقيقها الذي استفاد ونحو عشرين غيره من تخفيضات ضريبة بشكل غير قانوني.
ووصف قائد كبير في الشرطة سلوك زاكن، التي فرض عليها الحبس المنزلي لعشرة أيام ومنع عنها الوصول الى مكتب اولمرت لأسبوعين اضافيين، بأنها «أدارت بواسطة شقيقها منظمة إجرام حملت اسم مصلحة الضرائب».
وأضاف أن مصلحة الضرائب تحولت منذ تشكيلها قبل عامين ونصف عام الى سلطة فاسدة أدارها في الواقع رجال اعمال كأنها مصلحتهم الخاصة. وقال إن رئيس مصلحة الضرائب لم يكن سوى دمية بيد شقيق مديرة مكتب رئيس الحكومة، وهو ناشط بارز في حزب «الليكود»، ورجل أعمال آخر قاما برشوته بمبالغ كبيرة لقاء تلقيهما والعشرات من مقربيهما تخفيضات ضريبة كبيرة.
ووصفت مصادر في وزارة القضاء الملف الحالي بـ «الإستراتيجي» بالنسبة الى سلطة القانون، «لأنه يعكس العلاقات غير السليمة بين المال والسلطة». وأضافت أن مصلحة الضرائب هي إحدى أهم مؤسسات تنفيذ القانون ومحاربة السوق السوداء والإجرام المنظم، «لذا فإن ضلوعها في فضيحة فساد يعتبر أمرا مروّعا لدى كل من تعنيه سلطة القانون».
وتوقف المعلقون عند «طوفان الفساد» الذي يغرق إسرائيل ويطال رئيس الدولة ورئيس الحكومة وعددا من وزرائه وقادة في الشرطة، «وهو الدليل على تدني المستويات الأخلاقية في المجتمع الإسرائيلي الى حضيض غير مسبوق».
وتحت عنوان «السقوط» كتب المحرر الاقتصادي في «يديعوت أحرونوت» سيفر بلوتسكر يقول ان المتهمين تصرفوا تماما على غرار المافيا، ما دفع بالمحاسب العام في وزارة المالية الى التصريح بأن «إسرائيل غدت دولة فاسدة أكثر من أي دولة في أميركا اللاتينية»، متهما رئيس الحكومة ايهود اولمرت ووزير المال ابراهام هيرشزون بالتستر على الفساد المستشري في سلطة الضرائب.
وأضاف بلوتسكر: «لقد هوت إسرائيل الى القاع. أين نجد دولة سليمة في العالم يعتقل فيها رؤساء السلطات الضريبية ويحاكم وزير العدل ويجري التحقيق في قضايا مالية شائكة مع رئيس الحكومة ووزير المالية ويفتح ملف تلو الآخر لكثيرين من القياديين في الدولة؟ لا توجد دولة كهذه باستثناء إسرائيل 2006، الدولة الناجحة جدا لكن التي تنبعث منها رائحة كريهة جدا». ورأى الكاتب ان منظومة الخدمات العامة على شفا الهاوية، وأضاف ان الفساد في أوساط رؤساء جهاز الضرائب يشكل خطرا على المجتمع الإسرائيلي «أفدح من الذي يشكله هجوم لحزب الله أو اعتقال رئيس حكومة أو وزير. هذه ضربة في الصميم للعامود الفقري لدولة ذات جهاز ضريبي عفن. الجسم كله متعفن».
وتابع أنه إذا كان لدى الشرطة قرائن قوية حقا تدين قادة وزارة المالية، فيجب طرح السؤال: كيف يمكن العيش وتربية الأولاد على القيم الأخلاقية في دولة غدت فيها مصلحة الضرائب فرعا لمنظمة إجرام؟.
وختم ان تداعيات هذه الفضيحة ستكون هدامة لأداء المؤسسات في الدولة ولثقة المواطنين بهذه المؤسسات. في مثل هذه الحالات تنشأ حركات شعبوية وفاشية وبلشفية. لا أحد يتمتع بحصانة أمامها، بما في ذلك الشعب في إسرائيل. القرف يفيض والآتي أفدح. التحقيق في قضايا فساد أخرى مثيرة جدا يتواصل بانتظار الكشف عنها.
وكتب المعلق السياسي في «معاريف» بن كسبيت يقول إن «الدولة عفنة من الأساس. من القاعدة حتى الرأس. الفساد يكتنفها ويتغلغل في كل مكان ونحن أمام انهيار مفاجئ للمبنى كله وتلاشيه غبارا نتنا ودقيقا».
وتابع: «الواحد يسقط تلو الآخر. المؤسسات التي وثق الجمهور بها وبنجاعتها وبنظافتها وبقدرتها على أداء عملها، الوزارات، السلطات المحلية، الشرطة، المحاكم، النيابة، مفوضية خدمات الدولة.. ثم سقط الجيش وانهارت المؤسسة الأمنية. كل البقرات المقدسة ذبحت. والسكين ما زال ماضيا».
على صعيد آخر أكد استطلاع جديد للرأي في إسرائيل ان شعبية رئيس الحكومة، ايهود اولمرت، مع مرور سنة على تسلمه منصبه في أعقاب الجلطة الدماغية التي ألمت بسلفه اريئيل شارون، تتراجع باستمرار وان السواد الأعظم من الإسرائيليين (77 في المائة) غير راض عن أدائه مقابل 1 في المائة اعتبروا الأداء «جيدا جدا» و22 في المائة وصفوه بالجيد.
ووفقا للاستطلاع الذي أجراه «معهد داحف» لمصلحة «قناة الكنيست» التلفزيونية فإن 60 في المائة من المستطلعين منحوا علامة «غير جيد» لاستقامة رئيس الحكومة مقابل 30 في المائة وصفوها بالجيدة. ووصف 69 في المائة «قيادة» رئيس الحكومة دفة الأمور بـ «غير جيدة» في مقابل 31 في المائة قالوا إنها جيدة. ورأى 75 في المائة أن قدرة اولمرت على اتخاذ القرارات «غير جيدة» فيما اعتبر 62 في المائة ان قدرته على العمل تحت الضغط «غير جيدة» أيضا. وقال 51 في المائة إنهم لن يغيروا رأيهم في رئيس الحكومة حتى لو أقدم على إطاحة وزير الدفاع عمير بيرتس في مقابل 45 في المائة قالوا إنهم سيغيرون رأيهم الى الأفضل لو أقدم على خطوة كهذه.
واعتبر 56 في المائة من الإسرائيليين قرار إعلان الحرب على لبنان «صائبا» إلا ان 80 في المائة منهم قالوا ان المستوى السياسي لم يأخذ في حساباته كل الاعتبارات المتعلقة بالأمر.
وشمل الاستطلاع عينة من 420 شخصا، جميعهم من اليهود.
[أسعد تلحمي]
المصطلحات المستخدمة:
اريئيل, يديعوت أحرونوت, قناة الكنيست, الليكود, رئيس الحكومة, عمير بيرتس