"المشهد الإسرائيلي":
عمّم مركز "كيشف" (مركز حماية الديمقراطية في إسرائيل) بيانًا صحافيًا حول الحملة الإعلامية التي تقودها صحيفة "معاريف" مؤخرًا على المواطنين العرب في إسرائيل بحجة "زيادة تطرفهم" وذلك كانعكاس لما يدور من أبحاث في هذا الشأن لدى جهاز الأمن العام (شاباك). وأشار المركز إلى أن نتائج تقارير سابقة أعدها في هذا الموضوع أظهرت أن وسائل الإعلام العبرية تلجأ إلى التحريف في كل ما يتعلق بشكل النشر عن المواطنين العرب، لكن ما أقدمت عليه صحيفة "معاريف" يعدّ ذروة أشدّ خطورة في هذا المجال.
هنا ترجمة لهذا البيان:
في يوم الثلاثاء 13/3/2007، نشرت صحيفة "معاريف" على الصفحة الأولى خبراً تحت عنوان تحذيري جاء فيه:
"ازدياد في تماثل المواطنين العرب مع إيران وجهات إرهابية... رئيس "الشاباك": تطرف خطير لدى عرب إسرائيل" ..
وواصلت الصحيفة في العنوان الفرعي تحت العنوان المذكور:
"رئيس الشاباك حذّر أثناء نقاش خاص لدى رئيس الحكومة: تطرف مواطني إسرائيل العرب يشكل خطراً إستراتيجياً على وجود الدولة... دراسة في جامعة حيفا: 63% من الإسرائيليين لا يدخلون إلى البلدات العربية".
عناوين الصحيفة هذه تربط بين تقريرين نُشرا في الصحيفة احتلا كامل الصفحتين الثانية والثالثة. التقرير الأول يتحدث عن مقياس (مؤشر) العلاقات بين اليهود والعرب لسنة 2006، وهو بحث أجراه البروفيسور سامي سموحه، عميد كلية علوم الاجتماع في جامعة حيفا. التقرير الثاني تحدث عن نقاش مغلق أجراه رئيس الحكومة بحضور مسؤولين كبار في الهيئة الأمنية، بينهم رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) تناول موضوع الأقلية العربية في إسرائيل ومدى تماثلها مع الدولة.
هذا الربط الذي صاغه محررو "معاريف" يخلق الانطباع أن التهديد الذي يشير إليه رئيس "الشاباك" نال دعماً وتعزيزاً في بحث أكاديمي أيضاً.
إبراز تهديد عرب إسرائيل، المستشف من العنوان الرئيس، استمر أيضاً في الصفحتين الثانية والثالثة اللتين كرستا في معظمهما للموضوع ذاته. وقد جاء في العنوان العلوي الرئيس للصفحتين: 68% من الجمهور اليهودي يخشون من انتفاضة لعرب إسرائيل. وفي عنوان ضخم على خلفية صفراء ورد: (مقياس الخوف). وذكر عنوان إخباري كبير آخر في الصفحة الثالثة: "الشاباك: ازدياد في تماثل عرب إسرائيل مع إيران". وقد توسطت الصفحتين صورة كبيرة أظهرت شباناً عرباً يلقون حجارة باتجاه أفراد الشرطة أثناء أحداث تشرين الأول/أكتوبر 2000. إضافة إلى ذلك، وفي عنوان عمود كتبه رئيس بلدية أم الفحم، الشيخ هاشم عبد الرحمن، وردت دعوة تتعلق بمخاوف الجمهور اليهودي، إذ جاء في هذا العنوان "لا تخافوا من القدوم للزيارة".
ولكن في العنوان الفرعي للصفحة الثانية اتضح أن "مقياس الخوف" لا يتطرق فقط إلى خوف مواطني إسرائيل اليهود من مواطنيها العرب، وإنما يتناول أيضاً التهديد الذي يشعر به مواطنو إسرائيل العرب من اليهود ومن موقف وتعاطي الدولة ذاتها: والأهم من ذلك، فقد اتضح في متن التقرير، أن نتائج الاستطلاع تختلف، حسبما أكد معد الاستطلاع، اختلافاً جوهرياً عما اختار محررو الصحيفة إبرازه. يقول سامي سموحه "من السهل تشويه الواقع عن طريق الاستخدام الانتقائي والمتلاعب بالمعطيات.. فمعطيات مقياس 2006 تظهر بصورة قاطعة أن العرب في إسرائيل مرتبطون بشكل وثيق بالحياة في إسرائيل، وأنهم يرون مستقبلهم كجزء من الدولة كما أنهم غير مستعدين بأي حال من الأحوال للالتحاق بدولة فلسطينية".
ويحذر سموحه من تحريف محتمل لنتائج بحثه، ولكن كما رأينا هنا فإن محرري "معاريف" لم يتوخوا الحذر في ما نشروه.
إلى ذلك فإن التقرير الإخباري الذي كتبه المراسل السياسي للصحيفة، بن كسبيت، يتحدث في معظمه، كما يظهر في عنوان الصحيفة بوضوح، عن أن "تطرف مواطني إسرائيل العرب يشكل خطراً إستراتيجياً على وجود الدولة". ولكن في متن النص، وفي الفقرة قبل الأخيرة، تظهر معلومات مهمة أخرى:
"ينبغي التأكيد أن الغالبية العظمى من مواطني الدولة العرب لا يُدركون إطلاقاً [ ... ] هذه التوجهات وأن غالبيتهم الساحقة مخلصة لدولة إسرائيل وأنها بعيدة عن السياسة الداخلية التي وصفت هنا".
هذه الحقيقة المهمة لا تظهر في أي عنوان من عناوين الصحيفة، لا في الصفحة الأولى ولا في مزدوج الصفحتين التاليتين (2+3)، فقد فضل محررو "معاريف" إخفاءها في عمق النص.
هناك عامل ربما أثر على التطرف الذي يتحدث عنه جهاز "الشاباك" ظهر تلميحاً فقط في العنوان الفرعي في الصفحة الثالثة والذي جاء فيه:
"في جهاز الأمن يشعرون بالقلق من التطرف ويدعون إلى تقليص التمييز".
الفقرة الأخيرة من التقرير تلامس هذه النقطة: "الشاباك يوصي بالقيام بجهد حقيقي من أجل مساواة ظروف السكان العرب بظروف الأكثرية اليهودية.. في النقاش الذي أجراه أولمرت ذكر أن هناك ضرورة للعمل على تشجيع أوساط عرب إسرائيل التي ترى في دولة إسرائيل بيتاً، ووقف التمييز المستمر ضد العرب في إسرائيل في كل ما يتعلق بالاستثمار في البنى التحتية والتعليم ومجالات أخرى".
صحيفة "معاريف" تخيف قراءها اليهود وتحذرهم من التهديد المنعكس من جانب مواطني إسرائيل العرب، علماً أن التهديد الذي أُبرز بطرق ووسائط التحرير المختلفة لا يعكس مجمل المعلومات التي أرسلها مراسلو الصحيفة.
إن التشويهات الفظيعة التي خلقتها "معاريف" في إطار معالجتها للموضوع تضاهي التحريض والتشجيع على العنصرية تجاه مواطني دولة إسرائيل العرب وتتنافى مع القواعد الأساسية التي تلزم وسائل الإعلام بتوخي الدقة والأمانة والمسؤولية في ما تنشره.
هذا، وقد ورد إلى مركز "كيشف" من البروفيسور سامي سموحه التعقيب التالي:
"الاستنتاج الذي توصلت إليه من الاستطلاعات التي أجريها منذ العام 1976 حول المواطنين العرب واليهود، يؤكد عدم وجود تطرف في مواقفهم على مدى فترة زمنية طويلة، ولكن الاستطلاع وضع تحت عنوان تحذير الشاباك من أن العرب يشكلون تهديداً إستراتيجياً للدولة، وهو ما لا أتفق معه".