* مصادقة الحكومة الاسرائيلية على إقامة صندوق خامس للمرضى بهدف الربح يخلق نقاشاً في صفوف أخصائيي الصحة الاسرائيليين الذي يحذرون من مغبة تطبيق هذه الخطة*
لا بد من أن عشقاً واضحاً يجمع بين وزير المالية بنيامين نتنياهو والقطاع الخاص في إسرائيل، إذ تتلخص "إنجازات" نتنياهو منذ تسلمه مهام المالية بتطبيق السياسة المالية الأميركية في إسرائيل متجاهلاً بهذا الضرر الذي لحق ويلحق بالطبقات الوسطى والفقيرة. بالمقابل يحظى نتنياهو في ايامه الحالية وتحظى سياسته هذه بتأييد منقطع النظير من قبل أغنياء الدولة نظراً لسعيه "الموفق" في تحويل أجسام عامة جماهيرية الى خاصة بالإضافة الى تأييد الحكومة الاسرائيلية التي تمنحه في كل مرة ثقة مجددة لتطبيق سياسته الاقتصادية على الرغم من معارضة الشارع لها. وبالاضافة الى "الإصلاحات" التي تتمثل بالخصخصة في سلكي الصناعة والتجارة وتحويل بعض المؤسسات العامة الى خاصة مثل الموانئ ومحاولاته لتحويل السجون أيضاً، قاد نتنياهو الحكومة الاسرائيلية من أجل المصادقة على قانون يسمح بإفتتاح صندوق خامس للمرضى بهدف الربح يكون بملكية القطاع الخاص، الامر الذي أثار ردود فعل ساخطة في أوساط المختصين بشؤون قطاع الصحة العام الذين حذروا من مغبة تطبيق مثل هذا القانون على ارض الواقع. "صندوق مرضى خامس بهدف الربح"- قال الاخصائيون- "سيزيد من معاناة جهاز الصحة في اسرائيل". لكن نتنياهو ماض في تطبيق خطته على الرغم من المعارضة التي يلقاها.
كتب د. داني فيلك، من الهيئة الادارية التابعة لـ "مركز أدفا" وجمعية "أطباء لحقوق الانسان"، مقالا نشره في زاوية "موقف" في مشروع "حقوق الصحة"، إنتقد من خلاله وبلهجة شديدة الحدّة مصادقة الحكومة الإسرائيلية على إفتتاح "صندوق للمرضى" بهدف الربح، معتبرا هذه المصادقة ضرراً آخر يصيب أجهزة الصحة العامة في إسرائيل. وزاد د. فيلك ان إنجرار الحكومة الاسرائيلية وخاصة وزير ماليتها، بنيامين نتنياهو، وراء الخصخصة، والاعتقاد السائد في صفوف الحكومة عن أن إيجابيات القطاع الخاص تفوق ايجابيات القطاع العام، قادا الى مثل هذا القرار الذي وصفه د. فيلك بأنه " يتجاهل التجربة العالمية". وقارن د. فيلك التجربة الاسرائيلية بالتجربة العالمية، في كل ما يتعلق بقضية خصخصة جهاز الصحة، وقال : "ان التجربة العالمية علمتنا أن فشل السوق في مجال الصحة يؤدي الى حالة تكون فيها اجهزة الصحة الخاصة أقل نجاعة من أجهزة الصحة العامة". وقارن فيلك بين أجهزة الصحة الموجودة في اوروبا وبين اجهزة الصحة في الولايات المتحدة (التي يتبع نتنياهو سياستها) واصفا أجهزة الصحة المتواجدة في الولايات المتحدة بأنها أكثر الاجهزة التي "تحتوي على فجوات من حيث الإنجازات الصحية والخدمات". ويضيف د. فيلك في مقاله: "الاجهزة الخاصة والغنية وعلى الرغم من كونها غنية هي أقل نجاعة وإستمرارية أيضا اذا ما قورنت بأجهزة الصحة العالمية". ويستذكر د. فيلك سياسة الصحة التي اتبعت في بريطانيا في زمن حكم "تاتشر" (والتي ارتكزت على الخصخصة) بأنها زادت من عدم المساواة فيما يتعلق بجودة العلاج.
يتساءل د. فيلك، الذي ذكر سلبيات إقامة صندوق خامس للمرضى بهدف الربح، عن السبب الذي يقف من وراء مثل هذا القرار، ويذكر ثلاثة اسباب. الاول هو ان وزارة المالية تثق ثقة عمياء بايجابيات القطاع الخاص وأفضليته على القطاع العام في اسرائيل، والثاني هو ان هناك ممولين معنيين بجني الربح من المبيعات في جهاز الصحة، اما السبب الثالث فهو يخص المتقدمين للمناقصة، اذ ان الفائز بالمناقصة على حد قول د. فيلك سيتلقى تمويلاً اقل للشخص اذا ما قورنت ميزانيته بميزانية الشخص في أجهزة الصحة في القطاع العام. .
آلية عمل صندوق المرضى الخاص
أكد د. فيلك انه من الممكن ان تكون الاسعار التي سيعرضها الصندوق الخامس الجديد اقل من الاسعار الموجودة في القطاع العام، معللا ان هذه ليست نقطة تفوق للقطاع الخاص. ويحلل الأسباب لذلك وهي ان قدرة هذا الصندوق على إعطاء سعر رخيص مقارنة بأسعار صناديق المرضى العامة ليست بالضرورة نابعة عن إدارة سليمة، لا بل هي نتيجة نوعية الناس الذين سينضمون الى هذا الصندوق (الجديد). ويزيد د. فيلك أن صندوق المرضى العام يؤمن الكثير من أعضائه من دون التطرق الى قضية الجيل، مع العلم أنه كلما زاد عدد المرضى كبيري السن فإن صندوق المرضى يصرف اكثر. ويستعين د. فيلك بالاحصائيات العالمية التي أثبتت أن كبار السن والعاجزين ليس من السهل عليهم ان ينتقلوا من صندوق مرضى الى آخر، وليس من السهل أيضا عليهم تغيير طبيبهم الشخصي، لذا وبطبيعة الحال فإنه مع إفتتاح صندوق مرضى خامس في اسرائيل لن ينتقل هؤلاء المسنون الى هذا الصندوق. ومن سينتقل؟ الشباب الذين لا يكلفون الصندوق مصروفات وسيكون استيعابهم اقل كلفة. ويقول د. فيلك ان موافقة الحكومة على مثل هذه الخطوة سوف يضر بالمبنى الإجتماعي للدولة لأن صندوق المرضى الخامس سيأتي على حساب صناديق مرضى متواجدة في الدولة. ويذكر فيلك ان قرار الحكومة ليس مدروساً بالشكل الكافي ولم توضح في بنوده ما اذا ستقام فروع للصندوق على إمتداد الدولة كما هي الحال في باقي صناديق المرضى.
وأكد د. فيلك على خطورة افتتاح هذا الصندوق الذي سيؤدي الى سد امكانية التغيير الايجابي في كل صناديق المرضى العامة. وينهي فيلك مقاله بالقول: "دخول صندوق مرضى خامس بهدف الربح سوف يضر بثقة الجمهور في جهاز الصحة، وهذا عامل مهم في العلاقات التي تجمع الجمهور مع من يقدم له الخدمة، وهذه الثقة ضربت في اكثر من مرة في السنوات القليلة الماضية، نظرا للمعايير الاقتصادية التي تدار من خلالها صناديق المرضى العامة، ودخول صندوق مرضى هدفه الربح، لا تزويد الخدمات الصحية، لا بل من اجل جلب الربح لأصحاب الاسهم، سيزيد هذا الضرر أكثر والجمهور سيعي ان مسؤولية مديري صندوق المرضى الجديد لن تكون تجاه الجمهور الذي يعالج إنما ستكون ممنوحة لأصحاب الاسهم".
قبل فترة قصيرة تم الإعلان في اسرائيل عن أن انتفاضة الاقصى ضربت الاقتصاد الاسرائيلي بشكل واضح للعيان، ووصل مبلغ الخسارة الى 12.5 مليار شيكل، وهو مبلغ كبير جدا بالنسبة لميزانية الدولة. وزير المالية يحاول تسديد هذا العجز عن طريق تطبيق سياسات الخصخصة المتبعة في الولايات المتحدة، ويلاقي معارضة في هذا لكنه ينجح في النهاية في تطبيق خططه نظرا للتأييد الذي يتلقاه من الحكومة. لكن اليوم الوضع أصعب والحكومة لا تستطيع تمرير الميزانية بتركيبتها الحالية، فهل سيقود هذا نتنياهو الى اتباع سياسة مالية أخرى؟ ليس واضحاً اليوم ما هو الجواب على هذا السؤال.