كتب أسعد تلحمي:
فيما أدت وسائل الاعلام العبرية، بامتياز، دورًا ملحوظًا في "شيطنة الآخر" وفقاً للسيناريو الذي وضعه رئيس الوزراء الاسرائيلي آريئيل شارون لـ"تسويد" تاريخ الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، حذّر معلقون بارزون من مغبة الوقوع في وهم قبول القيادة الفلسطينية الجديدة بشروط شارون لاستئناف المسيرة السلمية، مؤكدين ان الكرة الآن في الملعب الاسرائيلي اساساً، وانه من غير الجائز مطالبة الفلسطينيين بـ"وقف الارهاب" من دون ان تقلع الحكومة الحالية عن تعنتها.
وكتب كبير المعلقين في "معاريف" بن كسبيت ان ثمة مسؤوليات عظيمة ملقاة على كاهل شارون، "مسؤولية عن مصير شعبين ومنطقة واحدة. وهو القادر، إن أراد، على اخراجنا من الوحل الحالي او تثبيتنا فيه". ويتابع انه في حال كرر شارون حذلقاته التي عفا عليها الزمن وأصرّ على تحطيم "حركة المقاومة الاسلامية" (حماس) "واستئصال اوكار الارهاب، فإننا لن نصل الى اي مكان" لأن خلف عرفات، محمود عباس (ابو مازن)، لا يقدر على ذلك، ما يحتم على شارون منحه الوقت الكافي والقبول بهدنة وهدوء، اما "مهمة اجتثاث الارهاب" فسينفذها الفلسطينيون لاحقاً حين تكون لهم دولة ذات سيادة. ويختم المعلق مقاله متفائلاً لجهة ان "يجازف" شارون ويعطي القيادة الفلسطينية الفرصة اللازمة لادراكه انه لا يمكن ان تكون الاوضاع أسوأ مما هي عليه الآن" لكن ثمة احتمالاً بأن تكون افضل. ربما".
ويرى المعلق العسكري في "يديعوت احرونوت" أليكس فيشمان انه من السابق لأوانه الحديث عن عهد جديد وان بلوغ عهد كهذا يتطلب من اسرائيل تعاوناً مع الفلسطينيين والاميركيين والاوروبيين وإبدائها صبراً وعدم تفويت هدنة او الوقوع في فخ الوهم الذاتي بأن فجراً قد بزغ. ويضيف ان أكثر ما يمكن توقعه في الفترة الوشيكة حصول هدنة وتهدئة المعارك ليس نتيجة اتفاق بالضرورة وانما للصدمة التي تلمّ بالفلسطينيين على خلفية رحيل عرفات. ويتابع فيشمان ان التوقعات الاسرائيلية بحدوث تغيير جوهري بعد موت عرفات ليس سوى ضرب من السذاجة لأن القيادة الجديدة لن تغيّر حتى حرفاً واحداً من إرث عرفات بل ستتمسك بكل الاهداف القومية التي حددها. ويرى ان "الحفاظ على الوحدة الفلسطينية هو في سلّم اولويات هذه القيادة، ثم معالجة الادارة الحالية للسلطة الوطنية، واخيراً شلّ الارهاب وليس وفقاً للمفهوم الاسرائيلي انما بقصد ضمان استقرار النظام".
من جهته، يصر شارون على مواصلة التحادث الى الفلسطينيين بلغة الاملاءات، مكرراً رفضه استئناف الحوار معهم قبل محاربتهم "الارهاب". ويرى المعلق السياسي في صحيفة "هآرتس" آلوف بن ان رئيس الوزراء الاسرائيلي يستمد في تصلبه هذا التشجيع من الرئيس جورج بوش الذي يبدو "انه ليس على عجل من أمر تغيير الاتجاه في الشرق الاوسط". ويضيف ان شارون لم يخف غضبه على المؤسسة العسكرية لمجرد قيامها بوضع توصيات بتعامل افضل مع الفلسطينيين وإبداء نيات حسنة تجاه قيادتهم الجديدة.
الى ذلك، بددت الصحف العبرية الاعتقاد بأن ذخيرتها قد نفدت وأنها لن تجدد شيئاً وهي تزفّ خبر رحيل الرئيس الفلسطيني بعد ان استلّت ما لديها، وعلى مدار اسبوعين كاملين، من كلمات التشفّي والشماتة والبذاءات عكست بشكل بهيمي العقلية الاسرائيلية العنصرية والعدائية.
وتضيق المساحة لنقل غيض من فيض مقالات وردود نمت جهيرتها عن سريرة الغالبية العظمى من الاسرائيليين. وبين العناوين الكثيرة التي حملتها كبرى الصحف "يديعوت احرونوت" باحتفالية: "ياسر عرفات، أحد ألد اعداء اسرائيل يعود الى رام الله داخل نعش" و"عميقاً في الارض... اليوم سيحصل الامر. صندوق اسمنتي ثقيل يحمل جثة الرجل مع المسدس والكوفية الأبدية. ارهابي مقيت وزعيم شعب سيوارى انقاض المقاطعة. عرفات يعود الى بيته، الى الدمار والى الأسى، الى ارض الدولة التي لن تكون له . بعد اسبوعين من الاحتضار ـ بلغت الدراما نهايتها. عشرات الاسرائيليين يحتفلون بموت عرفات. موسيقى وويسكي وحلويات ورقص في غوش قطيف".
ولم تتأخر "معاريف" عن الركب بل هي كانت السبّاقة في شيطنة الرئيس الفلسطيني: "مات عرفات. شرق اوسط جديد. الفلسطينيون سيخلدونه زعيماً بينما سيذكر الاسرائيليون الرئيس ذا الشعر على وجهه ارهابياً. هذه المرة نهائي.. سلاماً وليس الى اللقاء". ويكتب رئيس تحرير الصحيفة آمنون دانكنر مقالاً على الصفحة الاولى حشاه بالتحريض على الرئيس الراحل واختار له عنواناً: "نتنفس الصعداء".
ونقلت الصحف عن محافل سياسية اسرائيلية غضبها على الاحترام الذي لاقاه الرئيس عرفات في رحيله من زعماء العالم "الذين ينسون انه ارهابي". وصبّت هذه المحافل كما الصحف جام غضبها على فرنسا "التي اجرت مراسم عسكرية في وداع عرفات.. لقد نسوا انه ليس جنرالاً إنما ارهابي يتحمّل مسؤولية قتل آلاف الاسرائيليين واليهود وبضمنهم مواطنون فرنسيون". واختارت "يديعوت احرونوت" عنواناً تحريضياً: "باريس تعتمر الكوفية"، "ما يؤكد من جديد تفضيلها العرب وسلوكهم على اسرائيل" بحسب مصدر سياسي اسرائيلي.
في المقابل، أبدت هذه المحافل ارتياحها لقرار واشنطن عدم ايفاد شخص من الصف الاول للجنازة وقرار دول الاتحاد الاوروبي حصر تمثيلها في وزراء الخارجية لا بملوكها او رؤساء حكوماتها.