كتب أسعد تلحمي:
اعتبر التقرير السنوي لمعهد "يافه" للأبحاث الاستراتيجية في جامعة تل ابيب ان الحكومة الاسرائيلية اخطأت بامتناعها عن استنفاد المسار السوري وتجاهلت الانعكاسات بعيدة المدى على اسرائيل لإمكان اخراج سورية من "دائرة الحرب". ورأى ان اتفاق سلام مع سورية سيقود الى اتمام عملية السلام بين اسرائيل وجاراتها ويقلص الى حد بعيد قدرات حزب الله على مواصلة معركته ضد اسرائيل "كما يقلص الدافع السياسي لمواصلة التوتر بين اسرائيل وايران ويسهل على اسرائيل مواجهتها الفلسطينيين". وأكد التقرير ان الولايات المتحدة جدية في نيتها ضرب المنشآت الايرانية النووية.
وقال تقرير "الميزان الاستراتيجي في الشرق الأوسط 2003 - 2004" الذي أعدّه المعهد ان اسرائيل حققت في العامين الأخيرين انجازات كبيرة في كل ما يتعلق بمكانتها الاستراتيجية وأمن مواطنيها سمح لها بوضع خطة الانفصال الأحادي الجانب عن قطاع غزة "من منطلق قوة"، لكنها فوتت على نفسها فرصة التفاوض مع سورية.
ورأى خبراء المعهد تطورات العام المنصرم والنصف الأول من هذه السنة "كما انعكست على مكانة اسرائيل الاستراتيجية" في المنطقة كالآتي:
- تواصل التحسن في المكانة الاستراتيجية الشاملة لإسرائيل وفي ميزان القوى التقليدي في الشرق الأوسط "اذ باتت اسرائيل تتمتع بتفوق استراتيجي شامل في المنطقة وبقدرات أفضل من جاراتها التقليدية وغير التقليدية على حد سواء على نحو حافظ على الفجوة (في الجودة) بينها وبين الجيوش العربية (...) وعلى رغم تزود مصر بأسلحة اميركية متطورة فإنها لا تزال متخلفة عن قدرة المواجهة في الميدان الحربي العصري القائم على تطبيق الثورة الحاصلة في الموضوعات العسكرية، سواء التكنولوجية أو الدمج المطلوب في استعمال الوسائل القتالية".
- على رغم ان غياب "التهديد العراقي" عزز مكانة اسرائيل الاستراتيجية فإن التورط الاميركي في العراق يحمل في ثناياه مخاطر كثيرة ناجمة اساساً عن تراجع مكانة الولايات المتحدة اقليمياً وتحول العراق الى مركز اقليمي للارهاب وعدم الاستقرار، مقابل تعزز مكانة جهات راديكالية في المنطقة "وقد اصبح العراق حلبة للجهاد ساهمت في صحوة لتنظيم "القاعدة" من الضربة التي تلقاها عبر الحرب في افغانستان".
- تسعى اسرائيل اليوم الى دفع خطة فك الارتباط عن الفلسطينيين من منطلق قوة، وذلك في اعقاب النجاحات التي حققتها منذ العام 2003 "في حربها على الارهاب" وتقليص الخسائر التي تكبدتها في سنوات سابقة. لكن واضعي التقرير يحذرون من ان هذه "المكاسب" والوسائل العسكرية وحدها "لن تضمن لاسرائيل دحر الارهاب تماماً كما انها لا تملك اي حل للتهديد الديموغرافي على الطابع اليهودي للدولة العبرية". ويرى هؤلاء انه لا يمكن في الظروف الراهنة استئناف مسار التفاوض مع الفلسطينيين، لكن هذا لا يعني عدم وجود احتمالات للتوصل الى اتفاقات جزئية أو مرحلية.
- الملف الايراني: "لا شك في ان العام الماضي شهد تقدماً خطيراً في المشروع النووي الايراني خصوصاً في ما يتعلق بتخصيب اليورانيوم". لكن التقرير يضيف ان ثمة ادراكاً أفضل لدى دول العالم اليوم لخطورة هذا المشروع "ولذا يبدو ان التهديد الاميركي لإيران بالقيام بعمل عسكري لمنع تسلحها النووي ملموس وعملي". وقال أحد خبراء المعهد، الدكتور شلومو بروم، ان تورط الولايات المتحدة في العراق لن يحول دون توجيهها ضربة عسكرية لايران "وقد تقوم بهجوم محدود لا يدمر قدرات ايران النووية لكنه قادر على المس بها بصورة جدية".
- المسار السوري: "تجاهلت حكومة اسرائيل في السنة الأخيرة رسائل سورية واضحة حول استعداد الرئيس بشار الأسد استئناف المفاوضات السياسية مع اسرائيل، وقام وزراؤها بربط ذلك بشروط مختلفة".
من جهة اخرى كرر وزير الخارجية سيلفان شالوم شروط اسرائيل لاستئناف المفاوضات مع سورية على رغم اعتباره اتفاق سلام معها "ذخراً استراتيجياً" سيقود الى اتفاق سلام مع لبنان ايضاً ويسهل المفاوضات مع الفلسطينيين. وقال اثناء لقائه مع صحافيين في مكتبه يوم 11/10 انه لا يمكن للرئيس السوري بشار الأسد "إمساك العصا من طرفيها" عبر الحديث عن رغبته بالسلام وفي المقابل يمنح قادة "حماس" و"الجهاد الاسلامي" و"حزب الله" حرية "ممارسة الارهاب ضد اسرائيل". واضاف ان جدية تصريحات الأسد مرهونة بترجمتها أولاً على الأرض و"الامتثال لقرار مجلس الأمن الدولي 1559 الذي اتخذ بفضل حملة ناجحة شنتها اسرائيل". وزاد ان المجتمع الدولي بات يتفهم اليوم طلب اسرائيل وجوب ان تعمل سورية أولاً على وقف الارهاب، قبل ان تستأنف اسرائيل مفاوضاتها السلمية معها.