في حالة انتخاب بوش لولاية ثانية فقد تترتب على ذلك سياسة أميركية أكثر عدائية في المنطقة
أجرى المقابلة: برهوم جرايسي
مع اقتراب موعد الانتخابات الاميركية الرئاسية والبرلمانية تزداد الخطابات الاميركية "الودودة" لاسرائيل، سعيا وراء الصوت اليهودي، وهذا على الرغم من ان اصوات اليهود في الولايات المتحدة كافة لا تشكل اكثر من 2%، ولكن ما هو أهم يبقى متمثلاً في الدعم المالي اليهودي للحملات الانتخابية، إذ هناك تقارير تؤكد ان أكثر من 50% من تمويل ميزانية حملة المرشح الديمقراطي جون كيري يمولها الاثرياء اليهود، على الرغم من سياسة جورج بوش المؤيدة بطريقة عمياء كليا للحكومة الاسرائيلية.
وقد دل استطلاع للحزب الديمقراطي على ان بوش سيحصل على 30% من اصوات اليهود، وهذا يعتبر زيادة كبيرة، لأنه في الانتخابات الماضية حصل فقط على 19% من هذه الاصوات، ويعود هذا لاسباب داخلية تتعلق بالقوانين والسياسة المحلية أكثر من مؤثرات السياسة الخارجية.
ولكن في الواقع في داخل اسرائيل فإن اليمين الاسرائيلي، الذي يحاول الظهور في مظهر الحياد، ليس بامكانه اخفاء ميله لفوز جورج بوش، الذي وصل دعمه المطلق لاسرائيل الى مستويات غير مسبوقة. هذا في حين ان اسرائيل الرسمية تحاول الصمت ازاء هذه الانتخابات، ويحاول رئيس الحكومة اريئيل شارون اقامة قنوات اتصال مع المرشح الديمقراطي جون كيري.
عن الدور الاسرائيلي في الانتخابات الاميركية التقى "المشهد الاسرائيلي" الدكتور ايلان بابي، المحاضر في جامعة حيفا، ورئيس قسم الشرق الاوسط في كلية العلوم السياسية فيها، ويعمل مع عدة جامعات في العالم، وهو معروف كشخصية يسارية مناهضة للصهيونية، واكاديمي بارز جدا على المستوى الاسرائيلي والعالمي، ويواجه ضغوطا من المؤسسة الاسرائيلية بسبب مواقفه الجريئة في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
(*)"المشهد الاسرائيلي"- هناك الكثير من العوامل في الانتخابات الاميركية التي فيها نوع من الشبه مع الانتخابات الاسرائيلية، فمن جهة لدينا رمز لقوة اليمين، وفي المقابل هناك من هو محسوب على اليسار يريد ان يكون بديلا ويحاول طرح طروحات مخالفة ولكنه في النهاية يقدم خطاب اليمين، فهل توافق على هذه الرؤية؟
د. بابي: نعم هناك الكثير من الشبه، لربما أطرحه بطريقة مخالفة، ولكن في نفس الاتجاه، فصحيح انه خلال حرب حقيقية او موهومة، بمعنى حينما يدعون ان هناك حربا وخطرا على الكيان كما تسوق ذلك وسائل الاعلام، يكون من الصعب على اليسار ان ينهض، لكي لا يتم وصفه بانه ليس وطنيا، وهذا ما يستغله اليمين المتطرف.
فاولا هل هذه حرب، ليس من الواضح انها حرب، ثانيا من المذنب بهذ الحرب المفترضة، فالمقولة "الوطنية" تقول ان العدو هو المذنب، والمقولة الانتقادية تقول "لربما بامكاننا ان نوقف هذا إذا انتهجنا سياسة أخرى".
ومن حيث الواقع احضر نموذجا من اسرائيل وآخر من الولايات المتحدة، ففي اسرائيل لم يقل اليسار مرة، مثلا، ان سبب العنف هو الاحتلال، وبالامكان انهاء الاحتلال غدا، وهو لا يقول هذا وانما يلعب لعبة اليمين، اي بعد انتهاء العنف بالامكان الحديث عن مفاوضات، وبعدها لربما نتوصل الى حل.. الخ. اي ان الجانب الثاني هو المذنب.
وفي الولايات المتحدة لا نعثر على شجاع يقول ان كل التفجيرات في افغانستان وفي العراق ليست لها علاقة بهجمات بن لادن، وانما لربما هذا مرتبط بسياسة الولايات المتحدة في العالم، وعلاقة الولايات المتحدة باسرائيل وتعلقها بها وبسياستها، وواقع العلاقة الصعبة في علاقة الولايات المتحدة بالعالم العربي والمنظمات الاسلامية.
امام واقع كهذا، فمن الصعب سماع اصوات انتقاد حقيقي حين يكون "الوطنيون" في حالة انفلات، وهنا صحيح اننا في حالة تشابه بين الجانبين.
(*)"المشهد الاسرائيلي"- هل بالامكان لمس دور اسرائيلي رسمي في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الاميركية المقبلة؟
د. بابي: بالتأكيد ان دورا كهذا لا يظهر علنا، لأن الناطقين الاسرائيليين يهتمون دائما باعلان الحياد، والقول انهم لا يتدخلون في مسألة الترشيحات للرئاسة ولا للكونغرس او لمجلس الشيوخ. ولكن بشكل غير مباشر، من خلال اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة "ايباك"، هناك تدخل عميق، في كل ما يتعلق بانتخاب اعضاء لمجلس الشيوخ والكونغرس، وهذه المنظمة على علاقة وثيقة باسرائيل، وهي عمليا سفارة أخرى لاسرائيل في الولايات المتحدة، وتعمل على ضمان وجود مجموعة كبيرة من مؤيدي اسرائيل في المجلسين البرلمانيين. وهذا لا يقل عن الرئاسة من حيث مراكز القوة في الولايات المتحدة.
والأمر الثاني، فإن المرشحين للرئاسة يطلقان تصريحات واضحة جدا مؤيدة لاسرائيل، عشية الانتخابات، وهما متأكدان من ان اية انتقادات لاسرائيل لن تضمن لهما الفوز بالرئاسة.
ولكن برأيي فإن التدخل الابرز هو في انتخابات مجلس الشيوخ والكونغرس، حيث يوجد تأثير اكبر لاسرائيل.
(*)"المشهد الاسرائيلي"- وماذا عن التدخل الاسرائيلي غير الرسمي في هذه الانتخابات مثل الاحزاب والحركات والمجموعات المختلفة؟
د. بابي: اليمين في اسرائيل لديه علاقة ايديولوجية مع المحافظين الجدد الاميركيين، وهذه العلاقة الوثيقة تتمثل ايضا بالدعم المالي والايديولوجي، وشخصيات مثل بنيامين نتنياهو ويوفال شتاينيتس وغيرهما لهم علاقة وطيدة بشخصيات اميركية مختلفة لديها رؤية يمينية متشددة، ليس فقط على الصعيد السياسي وانما على الصعيد الاقتصادي الاجتماعي، فهي رأسمالية صقرية، ولها موقف صقري من السياسة الاستراتيجية العالمية.
كذلك فإن نتنياهو هو الشخصية المركزية في العلاقة مع المسيحية الاصولية، التي يطلق على جزء منها اسم "المسيحية الصهيونية" وهي مجموعة قوية جدا، وبوش على علاقة قوية بهذه المجموعة التي تعد 70 مليون شخص في الولايات المتحدة، وهم على علاقة قوية باسرائيل، وليس فقط انهم يؤيدون اسرائيل، بل حزب الليكود بالذات، ولديهم مواقف حتى أكثر يمينية من مواقف الليكود فهم يؤيدون "ارض اسرائيل الكاملة"، وحتى انهم يؤيدون الطرد الجماعي للفلسطينيين من وطنهم (الترانسفير)، وهذا من منطلقات عقائدية بادعاء ان هذا يضمن عودة المسيح.
عمليا هي مجموعة قوية، ولكن من الصعب التحديد من يقرر لمن، هل اليمين الاسرائيلي يضع جدول اعمال اليمين الامريكي، ام العكس، وانا لست واثقا من الجواب.
(*)"المشهد الاسرائيلي"- تشير الاستطلاعات الى ان الاغلبية الساحقة من اليهود تصوت للحزب الديمقراطي على الرغم من سياسة جورج بوش؟
د. بابي: هذا صحيح، لكني اعتقد ان الادارة الاميركية الحالية تعتبر من حيث الحكومة الاسرائيلية القائمة، ادارة مريحة جدا لاسرائيل، واعتقد انه إذا تم انتخاب جورج بوش ثانية فإنه سيخدم مصالح حكومة شارون، ولهذا سيكون ضغط معين للانتقال من التصويت التقليدي للديمقراطيين الى الجمهوريين، ولكن أنا ارى ان الشعور السائد لدى حكومة اسرائيل انه حتى لو تم انتخاب جون كيري فلن يكون تحول جذري وهام في السياسة الاميركية تجاه اسرائيل.
ولهذا فإن اسرائيل مهتمة بالحفاظ على منظومة "ايباك" وطرق عملها، أكثر من اهتمامها بمسألة من يتم انتخابه، وذلك لكي يكون بامكان "ايباك" مواصلة الضغط على اي رئيس سينتخب، وان يكون عليه الأخذ بعين الاعتبار وجود "ايباك" على الساحة الاميركية كمركز قوة.
(*) "المشهد الاسرائيلي"- كيف سينعكس فوز جورج بوش بولاية ثانية على اسرائيل وصراع الشرق الاوسط؟
د. بابي: اولا وقبل كل شيء، هناك خطر كبير من انه إذا تم انتخاب بوش مرة ثانية فإنه سيشعر انه حر من اي ضغط ناخبين، لأنه لن يخوض اية انتخابات أخرى. ونحن نعلم من التاريخ ان الرئيس الاميركي في الولاية الثانية يفعل ما لم يفعله في الولاية الاولى بسبب تخفيف الضغوط عليه. وفي ما يتعلق بالشرق الاوسط، قد يكون من نتائج انتخابه لولاية ثانية، سياسة عدائية اكثر في هذه المنطقة، على الرغم من انه سيبدو وكأن الادارة الاميركية تعلمت من درس العراق بأن السياسة العدائية لن تفيد، ولكن بالذات بوش سينظر في الولاية الثانية الى ايران وسوريا كدولتين مستهدفتين، وان يدعم اسرائيل اكثر حتى مما هو عليه الآن.
بكلمات أخرى، فإنه إذا تم انتخاب بوش مرة ثانية سنراه كما هو اليوم ولكن بصورة اسوأ من حيث الفلسطينيين، واستقلالية العرب، وايضا من حيث مجمل الشعوب في المنطقة.
(*)"المشهد الاسرائيلي"- هل بالامكان تلخيص اسباب دعم بوش لحكومة اسرائيل فقط من الجانب الايديولوجي والمسيحية الصهيونية، أم ان هناك اسبابا أخرى؟
د. بابي: ما يجب ان لا ننساه هو ان جورج بوش متدين محافظ جدا، وكما ذكرنا سابقا فهو قريب لما يسمى بـ "المسيحية الصهيونية"، كذلك فإن بوش مرتبط ايديولوجيا باليمين المحافظ، وهو تيار نما خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، وعملوا على تأجيج الحرب الباردة، والآن، بعد ان تلاشى الاتحاد السوفييتي، حولوا نشاطهم ضد الاسلام والعالم العربي. وبوش مرتبط كثيرا بهذا التيار.
والأمر الثالث هو ان بوش واع جدا للوبي الاسرائيلي "ايباك"، بمعنى آخر ان السياسة الاميركية ترتكز على مثلث، اللوبي الاسرائيلي والمسيحية الصهيونية واليمين المحافظ. وطبعا فإن احداث 11 سبتمبر شكلت ذريعة وسهلت عمل هذا الثلاثي.
(*)"المشهد الاسرائيلي"- كيف بالامكان تلخيص ولاية جورج بوش المنتهية في ما يتعلق باسرائيل وصراع الشرق الاوسط؟
د. بابي: اعتقد ان ادارة بوش اعطت حكومة شارون فرصة سانحة لتنفذ من جانب واحد استراتيجيتها (استراتيجية حكومة شارون)، دون الأخذ بعين الاعتبار الجانب الفلسطيني، ولا اية جهة أخرى في العالم العربي، وتقضي هذه الاستراتيجية بالسيطرة كليا على مساحات واسعة من فلسطين الانتدابية، اي مساحات واسعة من الضفة الغربية، وتهيئة الارضية لضم الكتل الاستيطانية الكبيرة الى اسرائيل، وابقاء فلسطين على شكل مخيم اعتقال كبير يسمى "قطاع غزة"، وسجن كبير اسمه "الضفة الغربية"، وحتى الضفة الغربية ستكون عبارة عن مناطق جغرافية منفصلة عن بعضها. وبتأييد اميركي تريد اسرائيل ان يعرف الناس فلسطين في هاتين المنطقتين فقط، دون اي حل لقضية اللاجئين، الى جانب سيطرة اسرائيلية مطلقة على القدس، وعدم تفكيك المستوطنات.
وشارون يؤمن ان الادارة الاميركية برئاسة جورج بوش اعطته "شيكا" مفتوحا لتنفيذ ما يريد، وهو ليس على قناعة ان جون كيري سيمنحه هذه الفرصة. وهذه اخبار سيئة وقاسية بالنسبة للشعب الفلسطيني لانها تعني خطوة كبيرة جدا في طريق القضاء على حلم اقامة الدولة الفلسطينية، وايضا ضربة قاسية للشعب الفلسطيني وحياته اليومية، ونحن نعلم من التاريخ ان نهجا كهذا لا يحل الصراع وانما يعمقه.
(*) "المشهد الاسرائيلي"- وهنا السؤال، هل تعتقد ان من مصلحة الولايات المتحدة ديمومة الصراع في الشرق الاوسط؟
د. بابي: بوش يؤمن ان بامكان شارون القضاء على القضية الفلسطينية، وعدم حلها، فنظرية شارون تقول انه إذا كانت لديه القوة والدعم الاميركي والجمهور الاسرائيلي، فحينها ستقتنع اوروبا انه لا مكان لكيان فلسطيني، ويجب ان تعلم ان هذه هي النظرية الصهيونية، فمنذ ان ادرك الصهاينة انه يوجد شعب فلسطيني "خرّب" عليهم الحلم الصهيوني، فالحل الأمثل من ناحية الصهيونية هو ان لا يكون شعب فلسطيني.
(*) "المشهد الاسرائيلي"- هل بالامكان تكهن من سيفوز بمعقد الرئاسة؟
د. بابي: من الصعب منذ الآن معرفة من المنتصر في هذه الانتخابات فالاميركان ليسوا مرتاحين من بوش، ولكن بنفس الوقت ليسوا مرتاحين من جون كيري، وهم لا يرون فيه مرشحا جديرًا، فمن ناحية يوجد رئيس تتكاثر ضده الانتقادات، ومن جهة ثانية هناك مرشح لا يستطيع النهوض، ولهذا نعتقد اننا سنكون امام انتخابات مشابهة لانتخابات العام 2000، ففي تلك الانتخابات فاز بوش بفارق اصوات ضئيل، وكان هذا اشكالي جدا، ولهذا من غير الممكن توقع معرفة الفائز.
(*) "المشهد الاسرائيلي"- هل بالامكان اعتبار فوز جون كيري بمثابة ضوء أحمر للسياسة الخارجية التي اتبعها بوش؟
د. بابي: نعم، فنحن منذ الآن اصبحنا نعلم من هو الطاقم الذي سيكلفه جون كيري للعمل في الشرق الاوسط، وهو سيعيد معظم الموظفين الذين عملوا في فترة بيل كلينتون، وهذا مؤشر على استمرارية لسياسة كلينتون، واعطاء وزن للجانب الفلسطيني.
ولكن على الرغم من هذا فأنا أحذر من تفاؤل زائد في هذا المجال، فجون كيري هو مؤيد متحمس لاسرائيل، ليس من منطلقات بوش، وانما من منطلقات استراتيجية، وهذا أسهل، ولكن بكلمات قليلة اقول انني افضل فوز جون كيري، على الرغم من ان اصدقاء لي في اليسار العالمي يقولون ان كيري هو مثل حزب "العمل" الاسرائيلي، فهو يقول ما هو مختلف عن جورج بوش، ولكن في النهاية يفعل ما فعله بوش، كما أن حزب "العمل" يتكلم بشكل مخالف عن حزب "الليكود" ولكن في النهاية يفعل ما يفعله "الليكود"، والفلسطينيون واعون لهذا الأمر.
المصطلحات المستخدمة:
اريئيل, الصهيونية, ايباك, دورا, الليكود, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو