شهد التلاسن بين رئيس الحكومة الاسرائيلية، اريئيل شارون، واقطاب اليمين المتطرف والمستوطنين على خلفية خطة "فك الارتباط" الاحادي الجانب عن قطاع غزة وشمال الضفة الغربية تصعيداً آخر امس تمثل بإصدار شارون تعليماته باتخاذ التدابير الكفيلة بمنع ترجمة تهديدات المستوطنين للجيش الى لغة الفعل، هذا في مقابل تصعيد اركان اليمين حملة التحريض على شارون بتظاهرة شارك فيها عشرات الآلاف من اتباعهم مساء امس حملت شعار "فك الارتباط يمزّق الشعب".
وتردد تعبير "حرب اهلية" على ألسنة كثيرة اذ اتهم شارون قادة المستوطنين بشن حملة تحريض لإثارة حرب اهلية في اسرائيل. وقال في مستهل جلسة الحكومة الاسبوعية ان اسرائيل تشهد في الايام الاخيرة اخطر حملة تحريض مصحوبة بدعوات الى حرب اهلية و"شخصياً انظر ببالغ الخطورة الى ظاهرة تهديد ضباط الجيش وقادة الاجهزة الامنية بعدم المشاركة في تطبيق خطة فك الارتباط". واضاف ان المطلوب هو ابقاء الجيش خارج الصورة.
وانتقد شارون وزراء في حكومته يلتزمون الصمت ازاء ما يسمعون من تهديدات وتحريض على الجيش، وقال انه ينبغي وضع حد لـ"الظاهرة البشعة" المتمثلة في اقحام الجيش في الصراع. ووجه دعوة مماثلة الى قادة المستوطنين وطالبهم بالتحرك الفوري، "على رغم الخلافات المشروعة في الرأي".
وردّ الوزير السابق زعيم حزب "المفدال" الموالي للمستوطنين، ايفي ايتام، على تصريحات شارون بالقول ان شارون يدرك جيداً ان قيادة جبهة معارضة الانسحاب واخلاء المستوطنات من غزة ترفض اللجوء الى العنف او رفض أوامر وعدم احترام القانون لكنه، اي رئيس الحكومة، يلجأ الى هذه الدعاية ليحشر اوساطاً واسعة من الجمهور الاسرائيلي في الزاوية ويتسبب بالتالي بتوسيع الشرخ وتمزيق المجتمع الاسرائيلي. وتابع ان شارون يستخف بقواعد النظام الديموقراطي ويتصرف على هواه وبشكل غير مسؤول، وعليه فهو الذي يقود اسرائيل الى اتجاه الحرب الاهلية.
ووصف النائب اوري اوريئيل من حزب "الاتحاد القومي" المتطرف شارون بـ"الديكتاتور" ورأى زميله اريه الداد ان المفتاح للحيلولة دون حرب اهلية موجود في ايدي شارون واذا وقعت الحرب فعلاً فإن "تاريخ الشعب اليهودي سيذكر شارون كمن أدى اليها".
وفي المعسكر المقابل قالت النائبة العمالية يولي تمير ان اليمين لم يتعلم شيئاً ومرة اخرى يحرض ويلجأ الى تصريحات قد تؤدي الى المساس بكبار المسؤولين. ودعا زميلها ايتان كابل رئيس الحكومة الى "عدم الاكتفاء بتوجيه تحذيرات وانما عليه اتخاذ خطوات لتفادي الخطر".
وقال النائب الدكتور عزمي بشارة ان شارون هو الاب الروحي لظاهرة اقحام اجهزة الامن في القرار السياسي. واضاف ان السبيل الوحيد لمنع هذا الخطر لا يكمن في اخلاء جزء من المستوطنات فقط بل في اجلاء الجيش وتفكيك المستوطنات في الاراضي الفلسطينية المحتلة و"كونه جيش احتلال يعني انه ضالع في الناحية السياسية".
وكان عدد من اركان المستوطنين استبق تحذيرات شارون بالتهديد بأنهم قد يعدلون عن موقفهم الرافض مبدأ رفض اوامر عسكرية اثناء اخلاء المستوطنات بحجة ان عملية الاخلاء، في حال حصلت، ستكون معارضة للحسم الديموقراطي وذلك بعد ان اتخذت مؤسسات حزب "الليكود" الرسمية قراراً برفض خطة "فك الارتباط" ما يعني ان شارون يستخف بالحسم الديموقراطي، على حد قول نائب رئيس "مجلس مستوطنات الضفة والقطاع" شاؤول غولدشتاين فيما رئيسه بنحاس غولدشتاين قال انه مستعد للموت من اجل اجهاض الانسحاب.
من جهتها نقلت صحيفة "معاريف" عن اوساط قريبة من شارون قوله ان المستوطنين لا يخيفونه وانه "لن يسمح لهم بشق الشعب" على رغم ادراكه حجم وفداحة المشكلة التي يواجهها لانها تشكل تمهيداً لتمرد. وافادت صحيفة "هآرتس" ان شارون سيترأس غداً جلسة للحكومة المصغرة للشؤون الامنية والسياسية يفترض ان تقر حجم السلفات المالية التي سيتلقاها المستوطنون المرشحون للإجلاء بمحض ارادتهم.
واعتبر الرئيس الاسرائيلي موشيه كتساف الحديث عن "حرب اهلية انتهاكاً لحرمة المقدسات" فضلاً عن انها تنطوي على تشجيع "المنظمات الارهابية". وتابع انه لا يعتقد ان هناك عقلانياً واحداً يسمح لنفسه ان يرفع يده في وجه الجيش على خلفية خطة "فك الارتباط". وزاد انه يحق للمستوطنين قانونياً خوض معركة ضد الخطة، لكن للحكومة ايضاً حقاً في تنفيذها.
(من أسعد تلحمي)