المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
صاروخ إسرائيلي يهوي على بناية سكنية في بيروت. (أ.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 13
  • برهوم جرايسي

سجل التضخم المالي (مؤشر الغلاء) في الاقتصاد الإسرائيلي، في شهر تشرين الأول الماضي، ارتفاعا بنسبة 0.5%، وفق ما أعلنه مكتب الإحصاء المركزي الحكومي، في نهاية الأسبوع الماضي، وبذلك يكون التضخم ارتفع منذ مطلع العام الجاري بنسبة نصف بالمئة، وسط مؤشرات إلى أن القادم سيكون أسوأ، في العام المقبل 2025؛ وما سيزيد الطين بلة، هو التراجع المتوقع للقوة الشرائية بنسب ملموسة، بفعل إجراءات وقرارات حكومية. وقال تقرير جديد لمنظمة التعاون والتنمية العالمية، OECD، إن إسرائيل هي الأكثر كلفة للمعيشة من بين الدول المتطورة، بعد مقارنة مستويات الأسعار العالية جدا، بمستوى الرواتب والمداخيل.

وقال مكتب الإحصاء المركزي الحكومي الإسرائيلي في تقريره الدوري، يوم 15 الشهر الجاري، إن نسبة التضخم المالي في شهر تشرين الأول الماضي سجلت ارتفاعا بنسبة 0.5%، وبهذا يكون التضخم المالي قد سجل منذ مطلع العام الجاري، ارتفاعا اجماليا بنسبة 3.9%، ونسبة 3.5% في الأشهر الـ 12 الأخيرة.

وما زال التضخم فوق السقف الذي حدده بنك إسرائيل المركزي، وهو 3%، إذ إن تقديرات البنك المركزي المعدّلة أن ينتهي هذا العام بنسبة تضخم 3.8%، وهذا ما يلغي أي إمكانية لأن يقرر بنك إسرائيل المركزي خفض الفائدة البنكية، يوم 25 تشرين الثاني الجاري، وهو القرار الأخير لهذا العام. 

وبهذا، فإنه مع نهاية العام الجاري، يكون التضخم قد سجل في السنوات الثلاث الأخيرة، ارتفاعا تراكميا بنسبة حوالى 12%، إذ ارتفع في العام 2022 بنسبة 5.3%، وفي العام 2023 بنسبة 3%، لكن ما لجم التضخم في العام الماضي، كان شبه الركود في الربع الأخير من ذلك العام، بمعنى الأشهر الثلاثة الأولى للحرب. ومن المتوقع أن ينتهي العام الجاري عند نسبة 3.5%. لكن في ذات الفترة، فإن المواد الغذائية الأساسية، بما يشمل الخضروات والفواكه، سجلت ارتفاعات أعلى بكثير من نسبة التضخم العامة؛ فعلى سبيل المثال، سجلت الخضروات الأساسية في العام الجاري ارتفاعا بالأسعار فاق نسبة 10%. فمثلا، ارتفع سعر البندورة منذ نحو 4 أشهر أعلى بنسبة 250% من معدل سعرها في الأشهر التي سبقت من هذا العام، ومن مسببات هذا أيضا المقاطعة الاقتصادية من تركيا، وبموازاة المقاطعة زعمت إسرائيل أن البندورة القادمة من الأردن حملت الكوليرا، وهو ما نفته السلطات الأردنية، كما أن الحاجة للاستيراد بكميات أكبر نابع من شبه توقف الزراعة في مناطق عدة في البلاد.  

ومع إعلان نسبة الغلاء في الشهر الماضي، بات من شبه المؤكد أن يقرر بنك إسرائيل المركزي هذا الأسبوع الإبقاء على الفائدة البنكية العالية أصلا، وهي في المجمل 6%، منها 1.5% ثابتة، بينما كانت التقديرات في مطلع العام الجاري أن يتم خفض الفائدة البنكية في هذا العام، الذي شارف على الانتهاء، لتصل إلى محيط 5% بالمجمل.

إسرائيل الأكثر كلفة للمعيشة!

صدر في الأسبوع الماضي تقرير جديد لمنظمة OECD، وظهر فيه أن إسرائيل هي الأكثر كلفة للمعيشة من بين الدول الغربية، رغم أنها جاءت في المرتبة الثالثة من حيث غلاء الأسعار، إلا أن الدولتين اللتين في رأس قائمة ارتفاع الأسعار، سويسرا وآيسلندا، مستويات الرواتب فيهما أعلى مما هي عليه في إسرائيل. ويحذر المحللون من أن هذه الاستنتاجات ستكون أشد لاحقا، لأن التقرير يتحدث عن الفترة ما بين 2009 وحتى نهاية العام 2023، بينما تشهد السوق الإسرائيلية، في العام الجاري، استمرارا لموجة الغلاء، التي تتراجع بشكل واضح في أوروبا وباقي الدول المتطورة.

وبيّن التقرير الذي استعرضته الصحافة الاقتصادية الإسرائيلية، أن غلاء المعيشة من العام 2009 وحتى نهاية العام 2023، وهي فترة حكم بنيامين نتنياهو، باستثناء عام واحد، ارتفع بنسبة 40%، والحديث هنا عن سلة المشتريات والخدمات للفرد. وحلّت إسرائيل في المرتبة الثالثة من حيث غلاء الأسعار، كما ذكر سابقا، تسبقها كل من سويسرا وآيسلندا، اللتين فيهما مستويات المداخيل أعلى مما هي في إسرائيل، إذ إن إسرائيل تحل في المرتبة الـ 22 من بين دول OECD الـ 38، فمعدل الناتج للفرد في إسرائيل (51 ألف دولار في العام الجاري 2024) هو 92% من معدل الناتج للفرد في دول OECD.

وبحسب تقرير المحلل الاقتصادي، أدريان بايلوت، في صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية التابعة لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإنه لدى عودة نتنياهو إلى الحكم في العام 2009، كانت كلفة المعيشة، بمعنى سلة المشتريات والخدمات، مطابقة لمعدلها في دول منظمة OECD، ومنذ ذلك الحين بدأت إسرائيل بالتدهور في هذا المجال، وهذا كله سبق العام الجاري، عام الحرب، الذي فيه كل المعطيات الاقتصادية تشتد سوءا. 

ويقول بايلوت إنه حينما نربط كافة المعطيات سوية، بمعنى غلاء الأسعار ومقارنتها مع مستوى مداخيل الفرد والعائلة، فإن إسرائيل هي الأغلى من بين دول الغرب، وهذا كله يسبق حسابات العام الجاري، الذي تجاوز فيه الغلاء نسبة 3%، وحصل المواطنون على مستوى خدمات أقل، وتراجعت مستويات الصرف على القضايا الاجتماعية والتطوير.

ويقول تقرير مراقب الدولة الإسرائيلية، الصادر في الأيام الأخيرة، "إن مواطني إسرائيل يئنون تحت وطأة غلاء المعيشة". ويضيف أنه يجب عدم القبول بعدم عمل الجهات الحكومية لكسر الاحتكارات في قطاع الأغذية، الذي تنعكس الحال فيه على مستوى غلاء المعيشة. 

وبحسب رؤية مراقب الدولة فإن لارتفاع الأسعار عدة أسباب: الحرب، ارتفاع الأسعار في العالم، موافقة الجمهور بصمته على أن يدفع أكثر، سعي المنتجين والمستوردين والمسوّقين لتحقيق أرباح أكثر، الجمارك العالية والاحتكارات الكبيرة، على الرغم من أن حجم الاحتكارات في السوق تراجع من نسبة 42.7% في العام 2017، إلى نسبة 37.5% في العام 2022.  

وجاء في التقرير أن نسبة الأرباح الصافية لدى المستوردين في العام 2020 بلغت 13.7%، وعادلت في حينه 570 مليون شيكل، وهذا قبل دفع الضرائب. 

ويشدد المراقب على أن هذه نسبة تعد عالية واستثنائية في المقارنات العالمية، بالنسبة لقطاع الأغذية؛ وأكثر من هذا، فإن نسبة الأرباح هذه هي أعلى مما كانت عليه في العام 2011، حينما اندلعت في صيف ذلك العام حملة احتجاجات إسرائيلية على ارتفاع كلفة المعيشة.

تراجع قيمة الرواتب وبالتالي القوة الشرائية

سيلمس الجمهور في إسرائيل في العام المقبل 2025 تراجعا في قوته الشرائية، وكلما كانت الشريحة المجتمعية أضعف اقتصاديا، فإن التراجع عندها سيكون أشد بكثير من الشرائح الميسورة. وهذا نتيجة لسلسلة قرارات حكومية باتت مقررة حتى قبل إقرار الميزانية العامة، المتوقع أن يكون بتأخير، وسيكون حسب المخطط في نهاية الشهر الأول من العام الجديد 2025.

أول هذه القرارات، التي نالت مصادقة الكنيست، في الربع الأول من العام الجاري 2024، رفع ضريبة القيمة المضافة (ضريبة المشتريات) بنسبة 1%، لتصبح 18%، ابتداء من اليوم الأول من العام الجديد. وهذه الضريبة مفروضة بنسبة متساوية على جميع المشتريات والخدمات، بدءا من المواد الغذائية الأساسية والأدوية وغيرها، باستثناء الخضروات والفواكه، بسبب صعوبة احتسابها مع التجار، نظرا لطبيعة هذه البضاعة؛ وكل المحاولات لفرضها على الخضروات والفواكه باءت بالفشل.

القرار الثاني هو تجميد التدريج المالي لضريبة الدخل، الذي عادة يكون ابتداء من الشهر الأول من العام الجديد، بموجب نسبة التضخم في العام المنتهي (للدقة حتى نهاية شهر 11 من كل عام)، بمعنى أنه من دون هذا القرار، كان من المفروض تعديل التدريج المالي لضريبة الدخل، بنسبة حوالي 3.5%. وعدم التعديل يُعد تآكلا في قيمة الرواتب، يضاف اليه طلب الحكومة تجميد الرواتب في القطاعين العام والخاص، لكن لا يبدو أن طلب وزارة المالية تجميد راتب الحد الأدنى في العام المقبل سيتم قبوله.

بمعنى أنه منذ الآن بات واضحا أن قيمة الرواتب ستتراجع بنسبة 4.5%، وستضاف اليها في بحر العام المقبل نسبة غلاء عالية، إذ بحسب التقديرات من الصعب رؤيتها تهبط عن نسبة 3%. وكل هذا مجتمعا سيلمسه الجمهور العريض في إسرائيل، فمنه من سيضطر لتقليص مشترياته ويتنازل عن مشتريات ليست أساسية، أو من سيلجأ إلى السحب الزائد في الحسابات البنكية الجارية (وهو نظام مصرفي إسرائيلي، قليل أمثاله في العالم) أو لتلقي القروض، في ظل نسبة فوائد بنكية عالية، تتراوح للجمهور في أدناها حاليا ما بين 7%، لتصل إلى أكثر من 12%؛ والفائدة لدى شركات بطاقات الاعتماد أكثر من البنوك.

وهذا ما دلّ عليه تقرير لغرفة شركات بطاقات الاعتماد، إذ قال إن عدد القروض التي حصل عليها الجمهور من شركات الاعتماد ارتفع في الأشهر الستة الأولى من هذا العام بنسبة 7%، وقارب عددها 13800 قرض، وقيمتها المالية ارتفعت في الفترة نفسها بنسبة 16.3%، وباتت 756 مليون شيكل.

وبحسب تقرير المراقب العام للدولة الإسرائيلية، السابق ذكره هنا، فإن أصحاب الرواتب المتدنية باتوا غير قادرين أكث على تأمين كل حاجاتهم من البضائع والخدمات الأساسية. ففي العام 2022 كانت القوة الشرائية الفعلية لدى متلقي متوسط الأجور أقل بنسبة 17% من معدلها في الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية العالمية، OECD. وفي التفصيل أكثر، فإن القوة الشرائية في إسرائيل أقل بنسبة 8% من معدلها في دول الاتحاد الأوروبي (الذي يضم أيضا دولا ذات معدلات اقتصادية منخفضة)، وأقل بنسبة 43% من القوة الشرائية لدى متلقي متوسط الأجور في الولايات المتحدة الأميركية.

ويعطي التقرير أمثلة، مثل أن أجرة ساعة العمل (بالمعدل) في كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية ممكن أن تشتري أكثر مما هي عليه في إسرائيل، فإن معدل ساعة العمل في الأجر المتوسط في إسرائيل ممكن أن يشتري 6.5 كيلوغرام من المعكرونة، بينما في الولايات المتحدة يمكنه أن يشتري 10 كيلوغرامات، وفي بريطانيا 9 كيلوغرامات، أي أن الفجوة هي بنسبة 53%، بينما في بضائع أساسية تصل الفجوة إلى 3 أضعاف (300%).

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات